بالعمل تبدأ النهضة إذا كنا جادين في سعينا نحو نهضة حقيقية في مصر فلا سبيل لنا إلا العمل والمزيد من العمل , حيث يجب علينا التركيز في مجالات ثلاثه منها العمل وتعتمد علي العمل , الإنجاز في هذه المجالات مرادف للتقدم ومحقق له , هذه المجالات هي العمل والعلم والبحث العلمي , ولن ننجح في العلم والبحث العلمي إلا إذا نجحنا في العمل. أما البحث العلمي فإنه يفتح أفاقا جديده للإنتاج ويقدم حلولا للمشاكل المستعصيه بما يقدمه من إبداع وإبتكار , وبالرغم من كثرة الحديث عن أهمية تطويره وإرتباطه في أذهان معظم المصريين بالتقدم فإنني أراه مرحلة متقدمة جدا لا نستطيع الإستفاده الحقيقيه منه إلا إذا تمت الإستفاده من عنصري النهضه الأخرين , العمل والعلم. كيف يمكن أن يستفيد العاطلون من بحث علمي , إذا كنا لا نزرع فلا حاجة لنا في كل أبحاث العلوم الزراعيه وإذا كنا نعمل بدون توظيف للعلم أي بدون الإستفاده بما هو متاح لنا من علوم فما هي ضرورة البحث العلمي وما هي فائدة الحصول علي علوم جديده لن نكون مؤهلين لفهمها أو إستيعابها. لا أقلل من حاجتنا الماسه للبحث العلمي ولكنني أنبه إلي أنه ليس المفتاح الأول لأبواب النهضة والتقدم كما أن الإنجاز فيه قد يتطلب منا سنوات حتي نحصد ثمارا حقيقية منه لذا يجب البدء في دعمه حالا وفي نفس الوقت لا يجب أن نعول عليه تعويلا كاملا وعلينا ان نعطي مؤسساتنا العلميه فسحة من الوقت حتي نري نتائج أعمالها العظيمه . الإهتمام بالعلوم الأساسيه وبحوثها مدخلنا للرياده وإمتلاك قدرات تقنيه تعطينا ميزة تنافسيه لا يملكها الغير و لتحقيق ذلك نحتاج إلي إيمان حقيقي بأهمية العلم في حياتنا وإيمان بجدوي الإستثمار فيه , ولكننا لن نستفيد منها إذا لم يكن لدينا مؤسسات إنتاجيه حقيقيه وإذا لم تكن لدينا قاعدة صناعيه وزراعيه منتجه ولدي هذه المؤسسات رغبة في التوسع الكمي والكيفي . لم تكن إكتشافات وكالة أبحاث الفضاء الأمريكيه ( ناسا) العلميه في العلوم لتجد طريقها إلي حياة البشر علي الأرض لولا وجود شركات صناعيه أمريكيه راسخه تلقفت هذه الإنجازات وحولتها إلي منتجات حققت لهم الرياده و السبق والأرباح . تكوين مؤسسات الإنتاج العملاقه لا يحتاج في البدايه إلي بحث علمي ولا يلزم أن يكون من يقومون بتكوينها من الباحثين العباقره ولكن لابد من أن تكوين لديهم خاصية الجلد والمثابره علي العمل وبعض المهارات الإداريه والتي هي في معظمها من حسن التصرف وسلامة البديهه . الخلاصة أننا لن نتمكن من الإستفاده من تقدمنا العلمي عندما يأتي إلا إذا كنا قد عملنا عملا شاقا وجادا وبنينا مؤسسات إنتاج صناعي وزراعي وتسويقي فاعله . إقتحام مجالات الإنتاج المختلفه يطرح أسئلة علميه تحتاج إلي إجابة شافيه , هذه الأسئله تكون أجندة البحث العلمي وترسم مشروعه البحثي , بدونها يصبح البحث في العلوم التطبيقيه عبثا بلا جدوي وهو ما يجعلنا نسمع العباره التي ترددت كثيرا في العقود الماضيه , إن أبحاثا كثيره علي الرفوف لا يستفيد منها أحد , وقد أغفلنا أنها أبحاث غير مفيده ولا تلزم أحدا . العلم . أقصد بالعلم كل ما هو متاح من المعلومات والمهارات في كل مجالات الحياه من زراعة وصناعة وطب و حرف مختلفه. العلم هو الفرق الكبير بين حياة الإنسان المعاصر وحياة الإنسان البدائي , إنه البون الشاسع بين المجاعه وبين الإنتاج الغزير للطعام. العلم هو كل ما يعطينا قدرة وكفاءة في الإنتاج ومقدرة علي علاج الأمراض وحماية البيئه وتلبية الحاجات المعيشيه . لقد جعلت الدول المتقدمه من كل مجال من مجالات الحياه العمليه علما له قواعده وأصوله , لقد أصبحت السباكة والنجارة والحدادة والطهي علما يتعلمه أصحاب المهنه ويكتبون فيه ويبدعون مثله مثل علوم الطب والهندسه , لقد إحترمو العمل فتعلمو له وإحترمو العلم فعملو به وطبقوه , إنها العلاقة الصحيه التي نسعي لإيجادها بين العلم والعمل . لا قيمة للعلم ولا قيمة للبحث العلمي في المجتمعات التي لا تعمل , ومن المؤكد أنك توافقني علي ذلك ومن المؤكد أيضا أنك تتفق معي علي أهمية العمل وعلي أهمية الدعوه إليه . ولكن الأمر ليس بهذه البساطه , عندما لا يجد معظم الناس فرصة للعمل تصبح الدعوة إلي العمل عبثية بل إنها تصبح مؤلمة وموجعه للعاطلين رغما عن أنفسهم. إذا كانت كل وسائل النقل في مصر مستوردة من الخارج , وإذا كانت معظم المشروبات الغازيه مستوردة أو نستورد مكونها الرئيسي , وإذا كانت الشركات الأجنبيه تستحوذ علي التنقيب علي النفط وعلي إستخراجه من أرضنا وبحرنا وإذا كانت الملابس ولعب الأطفال ودباديب العشاق مستورده مثلها مثل زيوت الطعام وزيوت الشعر , إذن ماذا تبقي لنا من مجالات العمل لنعمل فيها , لا عجب بعد ذلك أن تتفشي البطالة في بلادنا ولا عجب أن تعيش شعوبنا فقرا مدقعا وأزمة مستمره. إستيراد السلع المصنعه والإستهلاكيه من الخارج يعني تصدير الوظائف إلي الخارج ويعني تفشي البطاله ويعني إستحالة علاج الأزمه الإقتصاديه , نحن في حاجة ماسه لترشيد الإستيراد ولدفع الحكومه لإتخاذ إجراءات في هذا الإتجاه دفاعا عن وظائف للمصريين ولتذهب كل إتفاقيات التجاره الحره إلي الجحيم إنها لا تعنينا في شيئ .. تكدس المصريين في الوادي والدلتا يزيد الطين بلة , إنه يؤدي إلي إرتفاع أسعار العقارات والأراضي ويجعل إقامة المشاريع الإنتاجيه باهظ التكلفه ويجعل إنتاج فرص العمل الجديده محدود للغايه , ولن يتمكن المصريون من العمل الجاد إلا إذا تحررو من ضيق الوادي وخرجو إلي مصر الواسعه . كلما دخل المزيد من المصريين إلي مجالات الإنتاج الحقيقيه كلما وفرو وظائف جديده للعاطلين وكلما زاد إنتاجهم كلما ساعدو المزيد من مواطنيهم علي الإلتحاق بركب الإنتاج وفتحو أمامهم مزيدا من الفرص التوظيفيه لذا يجب علينا دعم كل المنتجيين الحقيقيين وخاصة في المجالات الأساسيه مثل الزراعه والصناعه. الخطوة الأولي في الطريق إلي النهضه هي العمل والعمل الذي أعنيه هو العمل الجاد لساعات طويله حتي نستطيع اللحاق بركب العالم المتقدم. إذا كانت وسائلنا التقنيه محدوده وإذا كنا في حاجة للخروج من الوادي وفي حاجة لتعويض النقص الهائل في المنتجات التي لا ننتجها ولم ننتجها من قبل وإذا كنا في حاجة إلي تكبير مشاريعنا الصغيره لتستوعب المزيد من العماله الوطنيه المعطله وحتي تصل إلي حجم الإنتاج الكبير لتقليل التكلفه , وإذا كانت مصادرنا النقديه محدوده فإن نهضتنا لن تتحقق بالعمل الخفيف , ولن تتحقق بالعمل أحيانا والنوم والكسل في معظم الأحيان ,نهضتنا تتحقق فقط بالكثير من العمل أو بالعمل الكثير أيهما تفضل . في العقود الماضيه دمر الإعلام المصري وعي المصريين ,وخرب مفاهيم العمل الحقيقي لديهم وسوق للنماذج التافهه وجاء مدعو العلم بالأكاذيب الساذجه وروجوها للمصريين وأصبحت النماذج السياحيه والتسويقيه هي الأمثلة المتكرره عبر الإعلام الحكومي , خُيل للمصريين أن كل العاملين في العالم المتقدم يجلسون في مكاتب مكيفه أمام لوحات مفاتيح يديرون من خلالها ألات عملاقه تقوم بكل شيئ , ولم يمل هؤلاء من ترديد مقولات جوفاء عن أهمية الراحه والإجازات والترفيه حتي تتحسن نوعية الأداء في العمل وكأننا كنا نعمل 24 ساعه كل يوم ولا نقضي معظم أوقاتنا علي المقاهي أو في اللهو أو في الفراغ ممل. العمل الجاد لساعات طويله هو المخرج الوحيد لأزمتنا القوميه ولأزماتنا الشخصيه , لا يوجد حل أخر , لن يقتلنا العمل ولن يحطم صحتنا ولن يُفقد الرجال زوجاتهم كما صورت لنا ذلك السينما المصريه في افلام الخيانه الزوجيه . الطريق الوحيد إلي الرخاء هو العمل , وهو نفس الطريق الذي يمكننا من الإستفاده من العلم ويمكننا في نفس الوقت من خلق الفرصه المناسبه للتقدم العلمي وتوفير التمويل اللازم له . إن أسوأ ما يمكن أن يحدث لأمة من الأمم أن يصيبها الفقر والنعومة في ان واحد , لقد أصابنا الفقر وتغلغلت فينا نعومة في غير موضعها , وأصبحت خشونة العمل منبوذة عندنا وتمني شباب في مقتبل العمر وظائف العجزه ,إذا لم نعمل بأيدينا لن نعيش بكرامة , إذا لم نجتهد فإننا لن نتقدم . يا أبناء مصر لا معني للثورة من أجل الكرامه والحريه دون ثورة أخري في الزراعة والصناعة والتجارة وكل أمر من أمور الحياه . من حق الأمم المتقدمه أن تأخذ قسطها من الراحة والإجازات أما الأمم المتخلفه والتي لديها رغبة حقيقية في التقدم فإنها تدرك أنه لا وقت لديها إلا للعمل حتي تنهض وتصبح في عداد الدول المتقدمه . من الوصايا الرائعه التي أوصي بها الأمام الشهيد حسن البنا تلاميذه , والتي أراها مناسبة في هذا الموضع , الحاجات أكثر من الأوقات , إستفد بوقتك وعاون غيرك علي الأستفادة من وقته .