ما حكم من طعن في عرض الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسيدنا عمر بن الخطاب،علما بأني الوحيد الذي سمعته؟ وما هو واجبي تجاهه؟. أفيدوني أفادكم الله. الإجابــة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فإن الطعن في عرض الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته كفر ويجب على سامع ذلك الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ فعليك أن تبين لهذا الشخص أن هذا العمل من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم, ويجب على صاحبه أن يكف عنه ويبادر بالتوبة النصوح إلى الله تعالى، وينبغي أن يكون ذلك بالرفق واللين والموعظة الحسنة, فلعل ذلك لجهله، أو لتأثير البيئة التي عاش فيها عليه، فإذا تاب إلى الله تعالى ورجع عن غيه جازت مصاحبته، أما إذا تمادى في غيه ومهاجمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ولم تفد فيه النصيحة فالواجب عليك هجرانه, فقد قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا {النساء:140}. وانظر الفتوى التالية أرقامها: 41439 29281، 78218. وقد ذكر الفقهاء أن الساب للرسول صلى الله عليه وسلم كافر يجب على السلطان قتله، كما قال خليل في المختصر: وإن سب نبيا، أو ملكا، أو عرض، أو لعنه، أو عابه، أو قذفه، أو استخف بحقه، أو غير صفته، أو ألحق به نقصا وإن في بدنه، أو خصلته، أو غص من رتبته، أو وفور علمه، أو زهده، أو أضاف إليه ما لا يجوز عليه، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو قيل له بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعن وقال أردت العقرب قتل ولم يستتب. اهـ. وأما سب الصحابة: فهو محرم تحريما شديدا ويتأكد ذلك في السابقين من المهاجرين فقد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أصحابي, فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا, ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. أخرجه البخاري ومسلم. ومن سب من تواترت النصوص بفضله كالخلفاء الأربعة, فيطعن فيه بما يقدح في دينه وعدالته, فيخشى عليه من الكفر وذلك لما فيه من تكذيب لتلك النصوص المتواترة والإنكار والمخالفة لحكم معلوم من الدين بالضرورة، وقد نقل الخلال عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ فقال: ما أراه على الإسلام. وقا الحطاب في مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: مسألة: قال القرطبي في شرح مسلم: لا خلاف في وجوب احترام الصحابة وتحريم سبهم ولا يختلف في أن من قال كانوا على كفر وضلال كافر يقتل، لأنه أنكر معلوما من الشرع فقد كذب الله ورسوله، وكذلك الحكم فيمن كفر أحد الخلفاء الأربعة، أو ضللهم، وهل حكمه حكم المرتد فيستتاب؟ أو الزنديق فلا يستتاب ويقتل على كل حال؟ هذا مما يختلف فيه، فأما من سبهم بغير ذلك، فإن كان سبا يوجب حدا كالقذف حد حده، ثم ينكل التنكيل الشديد من الحبس والتخليد فيه والإهانة ما خلا عائشة فإن قاذفها يقتل، لأنه مكذب للكتاب. اهـ. وقد رد أهل العلم على من ينال من عرض العمرين يزعم الانتصار بذلك لأهل البيت فذكروا من كلام أهل البيت من الثناء والترضي على العمرين ما يفند هذه الدعوى، فقد جاء في سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي للعصامي: وقد روت أقاويل الأئمة المعتبرين من أهل البيت, في الترضي عن الشيخين وتوليهما, والثناء عليهما الأئمة الحفاظ الذين عليهم المعول في معرفة الحديث والآثار, وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم المتصلة، فمنها ما أخرج الدارقطني عن الإمام أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ أنه لما قدم المدينة سأل أبا جعفر محمد الباقر عن أبي بكر وعمر فترحم عليهما, فقال له أبو حنيفة: إنهم يقولون عندنا بالعراق: إنك تتبرأ منهما, فقال: معاذ الله، كذبوا ورب الكعبة، ثم ذكر لأبي حنيفة تزويج علي ابنته أم كلثوم بنت فاطمة من عمر ـ رضي الله تعالى عنه ـ وأنه لو لم يكن لها أهلا لما زوجه إياها, فقال له أبو حنيفة: لو كتبت إليهم، لا يطيعونني بالكتب وتزويج علي أم كلثوم لعمر ـ رضي الله عنه ـ يقطع ببطلان ما زعمته الرافضة فيه. قلت: وجه القطع: ما يلزم أن عليا زوج ابنته أم كلثوم من كافر ـ على زعمهم الفاسد ـ معلوم كفره وسبب كفره فيبطلوا أصلهم في اعتقاد العصمة لواجبها، إذ تزويج الكافر بالمسلمة حرام بنص: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ {الممتحنة:10}. وهذه الرواية عن الحسن وأشباهها من الروايات زور عندهم وافتراء, وكذب صراح لا شبهة فيه ولا مراء لأنها تفت في أعضادهم وتنكث قواهم, وتبت قوتهم وتحل عراهم. ومنها: ما أخرجه الدارقطني, عن عبدالله المحض بن الحسن المتقدم ذكره, لقب بالمحض، لأنه أول من جمع ولادة الحسن والحسين، لأن أمه فاطمة بنت الحسين - رضي الله تعالى عنهم - وكان شيخ بني هاشم ورئيسهم: أنه سئل: أتمسح على الخفين؟ فقال: أمسح عليهما، قد مسح عمر - رضي الله تعالى عنه - فقال له السائل: إنما أسألك أنت, أتمسح عليهما؟ قال: ذلك أعجز لك, أخبر عن عمر وتسألني عن رأيي؟ فعمر خير مني وملء الأرض من مثلي, فقيل له: هذا تقية؟ فقال: نحن بين القبر والمنبر, اللهم هذا قولي في السر والعلانية, فلا يسمع قولي أحد بعدي، ثم قال: من هذا الذي يزعم أن عليا كان مقهورا, وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأمر, فلم ينفذه، فكفى بهذا إزراء ومنقصة. ومنها: ما أخرجه الدارقطني, عن ولد عبد الله المحض, وهو السيد محمد الملقب بالنفس الزكية أنه قال - لما سئل عن الشيخين: لهما عندي أفضل من علي. ومنها: ما أخرجه عن محمد الباقر أنه قال: أجمع بنو فاطمة على أن نقول في الشيخين أحسن ما يكون من القول. ومنها: ما أخرجه الدارقطني, عن سالم بن أبي حفصة - وهو شيعي، لكنه ثقة - قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي وجعفر بن محمد, عن الشيخين، فقالا: يا سالم, تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى. ومنها: ما أخرجه - أيضا - عنه: دخلت على جعفر بن محمد, وهو مريض, فقال: اللهم إني أحب أبابكر وعمر وأتولاهما, اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم. ومنها: ما أخرجه ـ أيضا ـ عن بسام الصيرفي, قلت لأبي جعفر: ما تقول في أبي بكر وعمر، فقال: والله, إني لأتولاهما وأستغفر لهما, وما أدركت أحدا من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما. ومنها: ما أخرجه ـ أيضا ـ عن محمد الباقر, أنه قيل له: هل كان أحد من أهل البيت يسب أبا بكر وعمر؟ قال : معاذ الله، بل يتولوهما ويستغفرون لهما ويترحمون عليهما. ومنها: ما أخرجه - أيضا - عن أبي جعفر - أيضا - عن أبيه علي بن الحسين - رضي الله عنهم - أنه قال لجماعة خاضوا في أبي بكر وعمر ثم عثمان: ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون :الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ؟{الحشر:8}. قالوا: لا، قال: فأنتم: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إلى الْمُفْلِحُونَ؟ {الحشر:9} قالوا: لا، قال: أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا في أحد هذين الفريقين, وأنا أشهد أنكم لستم من: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ إلى رَءُوفٌ رَحِيمٌ {الحشر:10}. ومنها: ما أخرجه - أيضا - عن فضيل بن مرزوق, سمعت إبراهيم بن الحسن أخا عبدالله بن الحسن يقول: والله قد مرقت علينا الرافضة كما مرقت الحرورية على علي. ومنها: ما أخرجه - أيضا - عن أبي جعفر محمد الباقر, قال: من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر, فقد جهل بالسنة،وفي الطيوريات بسنده إلى جعفر بن محمد, عن أبيه, قال: قال رجل لعلي - رضي الله عنه: نسمعك تقول في الخطبة: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين المهديين, فمن هم؟ فاغرورقت عيناه, فقال: هما حبيبا نبيي, أبي بكر وعمر, وإماما الهدى وشيخا الإسلام, ورجلا قريش, المقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم , من اقتدى بهما عصم, ومن اتبع آثارهما هدي الصراط المستقيم, ومن تمسك بهما فهو من حزب الله فهذه أقاويل الأئمة المعتبرين من أهل البيت, رواها عنهم الأئمة الحفاظ الذين عليهم المعول في معرفة الحديث والآثار, وتمييز صحيحها من سقيمها, بأسانيدهم المتصلة؟ فكيف يسع المتسك بحبل أهل البيت الزاعم حبهم, أن يعدل عما قالوه من تعظيم أبي بكر وعمر, واعتقادهم خلافتهما, وما كانا عليه, وقد صرحوا بتكذيب من نقل عنهم خلافه؟ ومع ذلك ينسب إليهم ما تبرءوا منه ورأوه ذما في حقهم, حتى قال الإمام زين العابدين بن علي بن الحسين - رضي الله عنهم - يا أيها الناس, أحبونا حب الإسلام, فوالله ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا. وفي رواية: حتى بغضتمونا إلى الناس، أي: بسبب ما نسبوه إليهم مما هم براء منه, فلعن الله من كذب على هؤلاء الأئمة, ورماهم بالزور والبهتان. اهـ باختصار. والله أعلم.