بعد الفوانيس الصيني والصدقات "الهوم دليفري" ثبتت سرقة هلال رمضان

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : مروة أشرف | المصدر : www.alwafd.org

 

ثبتت سرقة هلال رمضان

كتبت- مروة أشرف:
الاربعاء , 24 أغسطس 2011 18:53
أعود بذاكرتي وأنا صغيرة لأتذكر أيام رمضان الجلية، التي تمر علينا ثلاثين يوما كل عام.. لقد كان حدثا كبيرا في حياتي كغيري من البشر..
تتزين الشوارع بالزينة والأضواء والخيم الرمضانيةلموائد الرحمن، وأرى بائع الكنافة في كل مكان وأمامه تلك المائدة المستديرة التي يخرج منها أجود أنواع الكنافة، وحتى حدود المحال التجارية "السوبر ماركت" تتزين احتفالا بهذا الشهر الكريم والجميع يتهافت ليشتري الفانوس المعدن الذي ينار بالشمعة.
"وحوي يا وحوي"
أذكر أبي الذي اعتاد أن يقلني من المدرسة إلى البيت في رمضان، وكان يطلب مني أن يرى لساني ليتأكد أنني لم أكسر صيامي في المدرسة وأفطر دون أن يدري، ولكني لم أعترف لأبي حينها أنني عرفت كيف أفطر دون أن يعلم باستخدام تلك المنشفة التي أمسح بها كل ما يعلق على لساني بعد الأكل، ليظل جافا أبيض وكأنني قضيت اليوم كله في صيام متواصل.
الناس من حولك يحيونك في الشارع ويقولون "كل سنة وأنت طيب"، هذه الكلمة التي يستخدمها المتسولون طيلة العام للحصول على مرادهم من المال، ولكني حين أسمعها في ذلك الوقت من الجميع والابتسامة تعلو وجهوهم أعرف أن رمضان قد حل وأصبح في الأجواء.
يهتم الناس كثيرا بتزيين الشوارع في رمضان، فتجد الزينة معلقة بين البيوت والفوانيس اللامعة والأضواء المتناثرة تنير كل شيء خصوصا في ليل رمضان ورغم أن في الأمر كله عدم جودة لكنها تبق أجمل الأشياء التي تراها عينيك في هذا الشهر الكريم.. الأطفال من حولك فرحين ويرددون في سعادة أغنية "وحوي يا وحوي" والمصريون يعيشون في جو روحاني جميل ويطلبون من الله الرحمة والعفو والعتق.
خدمة توصيل الصدقات للمنازل
تمر الأيام التي لا أراها بعيدة جدا ويتحول رمضان فجأة إلى عادة تتكرر كل عام وليست حياة جميلة نعيشها.. فجأة ودون أي مقدمات اختفت روح رمضان الرائعة في مكان ما لا نعرفه، وكأن هناك نفس شريرة.. نفس أمارة بالسوء سيطرت على كثير من البشر وقررت أن تسرق منا تلك الفرحة التي لا تستمر معنا طويلا.. فيختفي الفانوس المعدن ذو الشمع المضيء ويحل محلة فانوس ذو صناعة صينية بأغاني لنانسي عجرم لا تعبر عن رمضان، وتختفي بهدوء أغنية "وحوي يا وحوي" التي يرددها الأطفال ويصبح بائعي "الكنافة والقطائف" في عداد المفقودين.
لم تكتفي تلك النفس بذلك فقط بل سرقت كلماتنا المعهودة "كل سنة وأنت طيب" وحلت مكانها "متخلنيش أفطر عليك وأنا صايم".. كما سرقت تلك السعادة التي كنا نشعر بها حين نذهب للسوق والمحلات الكبرى لنشتري احتياجات الأسرة، وسرقت منا أهم نعمة وهبها الله لنا، وهي نعمة "العطاء" للفقراء، حين كنا نشتري حقائب الخير ونوزعها على من يحتاج لها، أصبحنا الآن نتصل برقم تليفون يأخذ منا المبلغ الذي سنجود به ويتكفل هو بالعطاء لمن يحتاج في تلك الدنيا، والأقل حظا منا.
لم نعد نفكر في شكر الله على تلك النعمة وعلى بلوغنا لشهر رمضان، بل نفكر في الوقت الذي سينتهي فيه هذا الشهر لنذهب ونمرح على الشاطئ قليلا في هذا الجو الخانق.. فقدنا هويتنا وعاداتنا وأصبحنا متسلسلين بمشاكلنا اليومية وتفاصيلها التي تمنعنا عن تذكر الله وشكره والتفكر في كل ما يعطينا من نعم لا نقدر حقا على أن نحصيها.
أيتها النفس الأمارة بالسوء.. أيتها النفس الشريرة..
لم يكن رمضان يوما عادة نقوم بها كل عام، فهو شهر أكبر من الصوم بالنسبة لنا رغم أننا أُمرنا فيه بذلك، نريد أن نصل فيه إلى معنى تقوى الله.. أيتها النفس اللوامة خذي كل ما حل علينا من برامج تلفزيونية ملهية وفوانيس مزيفة وأعيدي إلينا رمضان الذي نعرفه حقا بكل ما فيه من معاني جميلة وتقوى ومغفرة ورحمة لنشكر الله على تلك النعمة التي وهبنا إياها ونحقق التقوى التي نبتغيها جميعا.. وتعود إلينا من جديد تلك النفس الطيبة المطمئنة التي يرضى الله عنها ويكرمها في الدنيا والآخرة.
مع تحيات نفس طيبة تريد أن تسود بين البشر من جديد
نقلا عن موقع أون إسلام نت.