الثورات العربية ونماذجها الأربعة

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : الجزيرة | المصدر : www.aljazeera.net

الثورات العربية ونماذجها الأربعة    
 
مقدمة الحلقة: فيروز زياني
ضيوف الحلقة:
- مصطفى حمارنة/ باحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
- عمار علي حسن/ باحث ومحلل سياسي
- نور الدين جبنون/ أستاذ علوم سياسية بجامعة جورج تاون
تاريخ الحلقة: 22/7/2011

- النموذج الأول.. شراء للوقت وثورات مضادة
- النموذج الثاني.. ثورة وقمع

- النموذج الثالث.. قطيعة مع الماضي

- النموذج الرابع.. الثورات ومحاولات التخوين

فيروز زياني
مصطفى حمارنة
عمار علي حسن
نور الدين جبنون
فيروز زياني: السلام عليكم وأهلا بكم في حديث الثورة، ولنقل بالأحرى حديث ثورات الشعوب وردود الحكام والأنظمة عليها، ردودٌ تفاوتت من بلدٍ إلى آخر ومسارات تعددت من ثورة إلى أخرى ابتداءاً بتونس التي تلتها مصر وقد تحقق فيهما جزء مهم من أهداف ثورتيهما باسقاط رأسي النظامين وبقيت أهداف لم تنجز استدعت عودة الحراك إلى الشارع وتوزعت الدول العربية بالتالي بين من أسقط الشعب وحاكمه وبين من يستمر في لثورة والاحتجاجات تحت نفس الشعار، ودفعت ولا تزال من دماء أبنائها، وأخيراً هناك من يراقب ما يجري لربما مستفيداً من الدروس ومستبقاً أي تحركٍ بإصلاحات تختلف أطياف البلد المعني بشأن عمقها وجديتها وانسجامها مع تطلعات الشعب، تقرير أمير صديق ومزيدٌ من التفاصيل..

[تقرير مسجل]

أمير صديق: كسرت تونس جدار الصمت العربي وأطاحت منتصف يناير الماضي وفي مظاهرات دامت أقل من شهر واحد بنظام تحرسه واحدة من أعتى المنظومات الأمنية في المنطقة، لكن سقوط نظام بن علي لم يكن النتيجة الوحيدة لهبة التونسيين فقد سقط معه حاجز الخوف العربي لتخرج الجماهير في مصر بعد نحو عشرة أيام من نجاح ثورة تونس في غضبة أخرى كنست نظام مبارك في ثمانية عشرة يوماً فقط، وبدفع ما تحقق في تونس ومصر طارت شرارة الثورات شرقاً وغرباً على طول العالم العربي، ملحقتة الأذى وعلى درجات متفاوتة بعروش الحكم في اليمن وليبيا والبحرين وسوريا بينما اختارت أنظمة أخرى شراء بقائها باعتماد إصلاحات تفاوتت هي الأخرى نوعاً ودرجة في كل من الجزائر والأردن والمغرب والسعودية وسلطنة عُمان، فينما اقتصرت الإصلاحات في أغلب هذه الدول على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية جرب المغرب تعديلات دستورية وصفتها الحكومة بالجذرية لكنها لم تفلح بعد في اسكات مطالب الإصلاح، وفي مواجهة الأنظمة التي اختارت مقابلة دعوات التغيير عند منتصف الطريق فضلت أنظمة الحكم في طرابلس وصنعاء ودمشق الاستمرار في استخدام سلاحها القديم فواجهت المحتجين بآلة قمع حصدت حتى الآن الآف الضحايا بين قتيل وجريح، وبموازة هذا العنف بالغ الشدة من جانب السلطة أظهر المحتجون قدراً عالياً من الصمود والاصرار على الموقف فيما بدى صراع إرادات مكشوف بين الأنظمة والشعوب في تلك الدول، صراعٌ يكاد يتحول إلى حرب أهلية صريحة في ليبيا لولا أن الاصطفاف فيها لم يكن لحسن الحظ على أسس جهوية أو طائفية أو عنصرية كما هي الحال في الحروب الأهلية التقليدية، أما في اليمن فإن الصراع بين السلطة والمعارضة الجماهيرية وضع البلاد منذ نحو شهرين على حافة التفكك والانهيار في ظل شلل سلطوي تتحرك فيه قوات محدودة ذات قيادة عائلية تنحصر في بيت الرئيس في مواجهة رفض شعبي يعجز حتى الآن عن وضع السطر الأخير في قصة ثورته، وهذه سوريا حيث تستقطب وحشية النظام في مواجهة المحتجين مزيداً من الأنصار بدائرة الرفض التي غطت أو تكاد كامل خريطة البلاد، ومع تمام حالة الانشقاق في صفوف الجيش ومع إثارة العامل الطائفي لبعض المدن السورية مؤخراً تلوح في الأفق المخاطر الحقيقية التي يمكن أن تنزلق إليها الأوضاع في البلاد إذا استمرت الأمور على هذا النحو.

[ نهاية التقرير]

النموذج الأول.. شراء للوقت وثورات مضادة

فيروز زياني: يشارك معنا في هذا النقاش عبر الأقمار الاصطناعية من واشنطن الدكتور نور الدين جبنون وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، ومن مدينة مأدبا في الأردن الدكتور مصطفى حمارنة الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومن القاهرة الدكتور عمار علي حسن الباحث والمحلل السياسي ولنبدأ من الأردن والدكتور مصطفى حمارنة الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، دكتور نود أن نعرف هناك من قسم الواقع العربي في الواقع إلى أربعة صور تماما كما هو موجود الآن في الشاشة، بين شعوب ثارت وأطاحت بأنظمة الحكم وبين شعوب ثارت ولا تزال صامدة، وبين شعوب لم تثر لكنها وُعدت بإصلاحات وأخرى لم تثر ولم توعد بشيء، هل ترى المشهد العربي في هذه اللحظة كذلك؟

مصطفى حمارنة: بالضبط، الحقيقة النموذج المصري والنموذج التونسي أنا أعتقد أنهم إلى حد كبير نموذج واحد، عندنا النموذج الآخر اللي هو نموذج الأنظمة المقاومة التي استولت على الدولة واستعملت الدولة للمقاومة وهي ليبيا، سوريا واليمن وعندنا النماذج الأخرى التي تراوح ما بين ما يُسمى بالرشوة الاجتماعية توزيع الأموال والتوسيع في الانفاق العام وأعتقد هذا شراء وقت فقط، وهناك الأنظمة التي تقاوم أو تتمترس وتؤجل إلى حد كبير الإصلاحات الجذرية في البلاد، يُطلقوا تصريحات جيدة لكن على أرض الواقع لا يوجد هناك أي خطوات نوعية تخفف من الاحتقان في الشارع وتساهم في خلق خطوات تراكمية بالنهاية تؤدي إلى انفراج سياسي حقيقي وإصلاح سياسي جذري.

فيروز زياني: إن كان إن نبدأ ربما بالنموذج الأول وقد ذكرت تونس ومصر كأبلغ نموذج عنه وهي شعوب ثارت وبالفعل حققت على الأقل انتصارا يراه البعض جزئياً إذ أنها لا تزال ربما لم تحقق جميع أهداف ثورتها، والسؤال هنا ما أهم المخاطر التي تجابها مثل هذه الدول الآن؟

مصطفى حمارنة: في الواقع النموذج التونسي والمصري قريبين إلى بعض لأن الدولة من نوع آخر عندما دخل الرئيس إلى القصر الجمهوري لم تدخل معه عشيرته أو طائفته، كما يحدث في الدول التي هنالك فيها مقاومة شرسة من قبل الأنظمة فلذلك النظام لفظ الرئيسين وبسرعة مذهلة، في النهاية الجيش الذي حسم الأمر في الدولتين هو فعلاً جيش تونسي وجيش مصري وليس جيشا طائفيا أو جيش عشيرة أو جيش قبيلة، المطلوب الآن في كل من مصر وتونس هو تعميق المسار الإصلاحي فلذلك ما يجري من حشد جماهيري في التحرير وغيرها من الميادين في مصر يشكل ضرورة قصوى على طريق السير قدماً نحو الإصلاح الجذري لا زالت هذه الأنظمة لم تنهار، انهار الرئيس، هناك خطوات مهمة في كل من الدولتين ربما تونس إلى حد ما بشكل نسبي متقدمة، إلى حد ما على مصر في المرحلة الانتقالية وتفكيك النظام لكن المطلوب الآن هو أن تسير في شكل جدي الجهات المسيطرة على أجهزة الدولة في هاتين الدولتين نحو سن تشريعات تساعد على توسيع المجال العام وبالتالي بالضرورة يجب أن تفرز الانتخابات في هاتين الدولتين مجالس تشريعية ديمقراطية تسعى للتحقيق بالأساس مجتمع المواطنة والمساواة وسلطة ودولة القانون في هاتين الدولتين.

فيروز زياني: دكتور مصطفى هذا ربما من وجهة نظر بعيدة نوعاً ما لكن ماذا لو أخذنا وجهة نظر من داخل مصر فيما يخص هذا النموذج، ومصرجزء منه رأينا اليوم وتابعنا مختلف الساحات بعد أن كان ميدان التحرير، رأينا ميدان التحرير وميادين مضادة، رأينا ربما العديد من الجهات والأطراف لا تزال ممتعضة من سير هذه الانجازات إن صح لي الثورة المصرية، ما الذي يجعلها لم تصل بعد إلى بر الآمان دكتورعمار أتحول إليك في القاهرة؟.. للأسف يبدو أننا قد فقدنا الاتصال

عمار علي حسن: عفوا لم أسمع السؤال..

فيروز زياني: نعم، دكتور عمار أنت معنا الآن..

عمار علي حسن: نعم.

فيروز زياني: نعم، سألتك دكتور عمار وقد شخص الدكتور مصطفى النموذج الأول..

عمار علي حسن: أعيدي السؤال فقط.

فيروز زياني: سأعيده، وقد شخص لنا مصر وتونس كربما نموذج عن شعوب ثارت وحققت ولو جزء من مطالبها بالإطاحة برأس الأنظمة في هذه البلدان لكن المخاض لا يزال مستمراً ماذا لو سلطت لنا بعض الضوء من الداخل عن أهم المخاطر التي ربما تحدق بالثورة المصرية إلى حد الآن؟

عمار علي حسن: أعتقد أن تقديرات دكتور حمارنة غاية في الدقة، الثورة التى قامت في مصر على غرار ثورة تونس هي ثورة شعبية وفي الثورات الشعبية لا يمكن أن يتحقق النجاح بالضربة القاضية إنما بالنقاط، وتحقيق النجاح بالنقاط رهن بأن تبقى الثورة ساخنة في الشارع إلى أن تحقق كافة أهدافها فإن بردت أو تراخت فيمكن للقوى المضادة للثورة أو لقوى أخرى أن تسرق هذه الثورة أو على الأقل تفرغها من مضمونها وتعيد إنتاج النظام القديم بوجوه جديدة، نظام مبارك كما هو الحال بالنسبة لنظام بن علي دمج الدولة في النظام السياسي لم يكن يفصل على الإطلاق بين مقدرات الدولة ومكوناتها وما بين إمكانيات ومقدرات النظام السياسي، ومن ثم فإن اسقاط النظام يضع الثوار بعد فترة أمام محك تاريخي غاية في القسوة والأهمية هو هل المضي في مواجهة النظام من الممكن أن يؤدي إلى اسقاط الدولة الأمر الذي إما أن يؤدي إلى تراخي بعض الثوار عن الإكمال خوفاً على الدولة أو محاولة البعض البحث عن وسيلة جديدة نتعامل فيها مع النظام القديم ليس بمعول فلاح إنما بمبضع جراح حتى نفصل تماما بين هدم النظام القديم وبين هدم الدولة، هذا هو الشاطئ الذي وصلت إليه موجة الثورة المصرية الأولى وجدت أمامها وجود للنظام القديم في كافة شرايين وأوردة المجتمع في كافة أجهزة الدولة الأمنية والبيروقراطية والاقتصادية وفي كافة الأماكن والطوائف ومن ثم بات على الجميع أن يطرح على نفسه سؤالا مهماً: كيف يمكن أن تستمر الثورة بطريقة لا تؤدي إلى هدم الدولة؟..

فيروز زياني: نعم، ربما هذا يقودنا إلى سؤال هل هذا..

عمار علي حسن: وهي لحظة حقيقة قاسية أن نظام مبارك كان

فيروز زياني: نعم.. دكتور عمار هل هذا هو المخاض الطبيعي لأي ثورة في العالم أم أن ما يشهده العالم العربي ونحن نتحدث عن نموذج بعينه تونس ومصر هو ربما شيء مختلف نوعاً ما؟

عمار علي حسن: أعتقد أن نموذج الثورات في العالم كله على مدار أربعة قرون شهد أنه لا توجد في التاريخ البشري إلا وواجهت ثورة مضادة، قوى الثورة المضادة نحجت في بعض الأحيان في أن تعيد النظام القديم مرة أخرى وتجهض قوى الثورة، وفي ثورات معينة فشلت هذه القوى في أن تنتصر على قوى الثورة، مشكلة نظام مبارك كما هو الحال بالنسبة لنظام بن علي أنه كان يحكم من خلال زبائنية سياسية يتحالف فيها كبار العسكر مع كبار رجال جهاز الأمن مع كبار رجال الجهاز البيروقراطي الفاسدين المنتفعين من النظام مع بعض المثقفين والإعلاميين الذين كانوا يمثلون بوقاً لهذا النظام مع كبار الملاك ووجهاء الريف مع قطاعات أدنى داخل الجهاز البيروقراطي والأمني والعسكري، كانت مستفيدة من هذا النظام وهي بالملايين، هؤلاء الآن يريدون أن يعيدوا عقارب الثورة إلى الوراء ومن ثم الثورة المصرية والثورة التونسية أمام مخاض صعب، وأنا قلت بعد تنحي مبارك مباشرة ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، انتهت الموجة الأولى..

فيروز زياني: دكتور عمار نرجو ان تبقى معنا نود أن نقف عند هذه النقطة، ونتحول للنموذج الثاني ربما من خلاله إلى الدكتور نور الدين جبنون في واشنطن، ما الذي جعل ربما مسار الثورات مختلفاً مما أفرز عدة نماذج كما رأينا وكما شخصنا في المشهد العربي، النموذج الثاني هو تلك الشعوب التي ثارت ولا زالت وجوبهت بآلة قمعية وأمنية شديدة، هل ما جعل المسار مختلفاً هو مسألة تعاطي ربما الأنظمة مع هذه الشعوب أم أن ربما أسبابا أخرى تراها دكتور نور الدين ؟

نور الدين جبنون: أولا علينا أن نضع الأمور في نصابها لا توجد ثورة في العهد الحديث أو في العصر الحديث تحققت أو حققت أهدافها، عموما الثورات تحقق جزءاً من أهدافها أو الثورات تُسرق أو تجهض لكن رجوعاً إلى سؤالك الآن حول تعامل الدولة التونسية أو تعامل الدولة المصرية هي اختلاف دور المؤسسات داخل هذه الدول، المؤسسات داخل الدولة التونسية تختلف عن المؤسسات داخل الدولة السورية، أو على غياب المؤسسات نهائيا في الحالة الليبية، لكن علينا أن نرجع إلى نقطة مهمة هو اليوم الخطر الرئيسي على هذه الثورات هو أولا عدم الوقوف على ثلاث جوانب رئيسية هي إعادة تأهيل الجهاز الأمني وإعادة تأهيل الجهاز القضائي وإعادة تأهيل الجهاز الإعلامي، هذه الثلاث أجهزة الرئيسية التي لم يقع تأهيلها إلى الآن وهي التي تمثل خطراً رئيسيا على حركة الارتداد أوعلى حركة الإلتفاف على هذه الحركات الشعبية أو على هذه الثورات.

النموذج الثاني.. ثورة وقمع

فيروز زياني: دكتور نور الدين إذا ما بقينا في النموذج الثاني وفي الواقع نريد أن نُشرّح كل نموذج على حدى، ما الذي جعل دول ربما كسوريا، كاليمن، كليبيا، تشهد ثورات وهذا المسار بينما ربما البعض تفاءل بأنها ستعيش ربما أو على الأقل ثوراتها وسيكون عمرها من نفس عمر أو تطول أو تقل قليلاً عن الثورات الأولى التونسية، والمصرية.

نور الدين جبنون: أولاً الأجهزة الأمنية، والأجهزة العسكرية هي مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالحزب الحاكم، بحزب البعث، ومرتبطة ارتباطاً عضوياً بالقيادة السورية، فمن الصعب أن يقع التفكيك بين الجهاز الأمني العسكري والقيادة في سوريا. الوضع في اليمن هناك المجتمع المدني رغم أنه مجتمع مدني حيوي لكن يبقى مجتمع قبلي مقارنة بالمجتمع المصري، والمجتمع التونسي، هذه العوامل لعبت دوراً رئيسياً في الإطاحة بهذه الأنظمة، النظام التونسي، والنظام المصري مقارنة بالوضع اليوم وباستمرارية عملية القمع في اليمن، وفي ليبيا، وفي سوريا.

فيروز زياني: دعنا نتحول مرة أخرى إلى مأدبا والدكتور مصطفى من هناك، دكتور مصطفى لعلك سمعت ما ذكره ربما الدكتور نور الدين من واشنطن بأن الثورات لا تنجح عموماً، إما أن تحقق بعض الأهداف أو كما قال تسرق أو تجهض، باعتقادك هل هذا هو السبب الذي أفرز النموذج الثالث شعوباً لم تثر، بعضها ربما وعد بإصلاحات، والبعض الآخر لم يوعد.

مصطفى حمارنة: لا..أنا اختلف جزئياً مع الدكتور في واشنطن، هنالك نماذج كثيرة بالتاريخ أقرب أمثلة على سبيل المثال بولندا مثلاً انضمام اتحاد ألمانيا، نجاح النموذج الإسباني المدهش، النموذج البرتغالي، حتى اليونان في فترة قصيرة، وكثير من الدول الأخرى، ربما هو يتحدث عن النموذج الفلبيني أو النموذج الإيراني اللي كانت فعلاً ثورة شعبية ودفعوا ثمناً إنسانياً باهظاً، خطفها الخميني وأعوانه، ونلاحظ الآن أنه في الفلبين على أثر انهيار نظام ماركوس عادت الفلبين إلى ما كانت عليه بالسابق إلى حد كبير من سوء الإدارة، بالفساد، بالمحسوبية، بغياب المساءلة..إلخ. أنا أعتقد أن طبيعة المجتمعات التي استطاعت هذه الأنظمة الدموية أن تقاوم بالأساس هي مجتمعات، كما يقول العلماء السياسيون مجتمعات منقسمة، الهويات الفرعية فيها تطغي كثيراً على الهوية الوطنية الجامعة، سوريا لا يوجد تفرقة أبداً ما بين العائلة الموجودة الآن وأذرعها والنظام، استولت على النظام، هذا نظام لا يستطيع أن يخضع لأي مساءلة، هذا النظام عليه أن ينهار والآن الثمن الباهظ، الإنسان الباهظ الذي يدفعه الشعب السوري، عليه الإستمرار في ذلك، والنتيجة واضحة، ستأخذ قدراً من الزمن لكن بكلفة إنسانية باهظة. اليمن واضح تماماً أن الإنقسام على أشد لا زال، والرئيس علي عبد الله صالح خارج البلاد ولا زال له حضور سياسي، وعسكري، يمنع الآخرين من الوصول إلى السلطة الآخرين هي قوى المعارضة، والقوى الثورية الأخرى. ليبيا واضح تماماً أنه لا يوجد مؤسسات في ليبيا، لا يوجد نظام في ليبيا، القذافي فعلياً يقود مجموعة من العصابات المسلحة، وتمترس في طرابلس، ويريد أن يخرج من ليبيا، بعد أن يترك البلاد دماراً ويكون هناك في حمّام دم كبير. إذن الآن هو كما تفضل الدكتور عمّار من القاهرة هي منع الثورة المضادة من تحقيق المزيد من المكتسبات وهذا له علاقة بميزان القوى على الأرض، كل ما كان هناك ضغطاً شعبياً من الأسفل كل ما أرادت هذه الشعوب أن تدفع ثمناً إنسانياً عالياً كل ما في النهاية حصلت على النجاح الذي تريد أن تحصل عليه.

فيروز زياني: دكتور مصطفى.. نعم أرجو أن تبقى معنا، طبعاً لا زال النقاش مستفيضاً، دعنا نتحول ربما على الأقل في هذا الشق من الحلقة للدكتورعمّار ونسأل بعدما ظن الجميع بأن هذه الثورات تسري كالنار في الهشيم، وأنها ستصل لا محالة إلى العديد من القلعات المحصّنة إن صح التعبير في عالمنا العربي، ظهرت شعوب لم تثر ولم يُفهم تماماً لماذا هل كانت الإصلاحات التي قُدمت اجتماعية أو على الأقل دستورية كما حدث في المغرب وبالمناسبة لم ترضِ الجميع، أم أن ربما النموذجين الآخرين سواء من يظن أن الثورات لم تنجح بالكامل أو بين من يخاف أن يُقمع كما في النموذج الثاني هو الذي ربما منع المّد الثوري.

عمار علي حسن: أي ثورة في تاريخ الإنسانية تسبقها فترة من التخمر الثوري، حين يصل التخمر الثوري إلى مبتغاه أو منتهاه تنطلق الثورة وتكون إما ثورة كاسحة شعبية كبرى، كما هو الحال في الثورة المصرية، أو ثورة تبدأ بموجات ودفعات متلاحقة من الضغط المنظم على السلطة حتى يتم إسقاطها، أنا أعتقد أن التخمرالثوري لم يصل بعد إلى منتهاه في بعض المجتمعات العربية الأخرى. العراق تمت قطيعة مع التخمر الثوري نتيجة الإحتلال، دول الخليج لا تزال لا تعرف السياسة بمعناها الحديث وتقوم على أنواع معينة من التراضي والمخاتلة بين النخب الحاكمة وبين الشعوب، دولة مثل الجزائر دخلت في نفق طويل نتيجة العنف الذي بدأ في بداية التسعينات من القرن العشرين، ولا تزال آثاره باقية حتى هذه اللحظة، المغرب استبق الأحداث بطريقة منظمة وأقام شبه ثورة أو مسار ثوري معين أو بنسبة محددة من خلال إصلاحات دستورية، قد تبدو مرضية لبعض القوى السياسية، ومن ثم بقية الشعوب العربية لم يصل فيها التخمر الثوري إلى النقطة التي تحقق ما يسمى الإنطلاق الثوري .

فيروز زياني: هل بإعتقادك بأنه هو واصل لا محالة الموضوع مسألة وقت فقط أم أن ليس بالضرورة؟

عمار علي حسن: لا واصل لا محالة، وكل الأنظمة التي تحاول أن تعاند التاريخ ببعض الإصلاحات الإقتصادية، أو بالحديث الكاذب على أن بلادنا ليست كغيرها هي تضيع الوقت، وتضيع الفرص، وأنا أتصور أن سلسلة الثورات العربية ستتلاحق، والثورة لا تكون بالضرورة من خلال حركة عنيفة، أو حتى حركة سلمية كاسحة في الشارع، إنما يمكن أن تتحقق الثورات بآلية أخرى وهي قدرة الشعوب على الضغط على الأنظمة الحاكمة حتى تتنازل عن السلطة بطريقة سلمية، حتى لو من خلال صندوق الإنتخاب. لأن هناك العديد من الدراسات الآن تقول أن صندوق الإنتخاب بات عوضاً عن الثورة إذا استطعت أن أُغيّر..

فيروز زياني: صندوق الإنتخاب طبعاً عندما لا تزّور هذه الإنتخابات دكتور كما يقول البعض.

عمار علي حسن: أه، نتيجة أن هذه الإنتخابات تزوّر فإن شعوب هذه الدول لا يكون أمامها مناص إلا من خلال المواجهة المباشرة مع هذه الأنظمة الفاسدة المستبدة التي تتشبث بالكراسي وتحتكر الثروة إلى الأبد.

فيروز زياني: طبعاً سنعود إليك دكتور وضيوفنا الكرام عند هذه النقطة تحديداً، سنتوقف في فاصل قصير ثم نعود لمتابعة نقاش الثورات العربية، ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

فيروز زياني: أهلاً بكم من جديد، يُشار إلى ما يسمى بالربيع العربي على أنه صحوة لشعوب انتفضت أخيراً للمطالبة بحقها في الحرية والحياة الكريمة، في ظل حكومات عادلة وديمقراطية، لكن ذلك لم يكن ليأتي بلا أثمان توجب على الشعوب أن تدفعها وأغلاها ثمن الدم حيث سقط آلاف بين قتيل وجريح خلال الأشهر القليلة الماضية، ربما تكون المنطقة قد خبرت الدماء في حروب ماضية، لكنها هذه المرة تختلف من حيث أن دماء الشعوب أريقت بأيدي من أوكلت إليهم مهمة حمايتها.

[تقرير مسجل]

عمر غانم: ليست صورة تفضح ممارسات قوة احتلال ضد شعب أعزل، ولا تلك آثار قصف جيش غازٍ لمدينة قررت المقاومة، بل مشاهد دخلت التاريخ لتكون شاهدة على ما اقترفته أيدي أنظمة عربية ضد شعوبها، حينما خرجت تلك الشعوب تطالب ما تراه حقاً لها. قيل إن ثمن الحرية هو الدم، ثمن لم تتردد الشعوب العربية المنتفضة في دفعه بدأت بالشرارة فعلياً من سيدي بو زيد ووصلت الموجة الثورية إلى العاصمة تونس بعد أقل من شهر، وخلال هذا المد سقط أكثر من 200 شخص. انتقلت العدوى الثورية إلى مصر، ثورتها رفعت السلمية شعاراً ورغم ذلك قتل أكثر من 800، والواقع أن أغلب أيام الثورة المصرية كانت سلمية، لكن يوماً واحداً حمل جُلّ القتلى، جمعة الغضب، ونتائجه وكأنها نتائج معركة حربية، مئات القتلى وانتصار الجهاز الأمني. لكن الأجهزة الأمنية لم تنكسر في دول أخرى وفي بعض الأحيان وقف الجيش مؤازراً، في اليمن اختلف الأسلوب، لم يدخل النظام في مواجهة حاسمة مع المتظاهرين، بل كانت مواجهات متفرقة هنا وهناك على مدار أكثر من 5 أشهر، وتجاوز عدد قتلاها 200. في ليبيا حكاية أخرى بطش النظام هناك معروف للقاصي قبل الداني، لكن أحداً لم يتوقع أن يتحول الأمر إلى حرب حقيقية بكل ما تحمله من بشاعات. لا تقديرات دقيقة هنا لمن فقدوا أرواحهم في الصراع، البعض يقول آلاف وآخرون يرفعون العدد إلى ما فوق ذلك. حتى في البحرين ربما تكون السلطات قد تمكنت من وأد الإحتجاجات في الشارع، لكن الدماء سالت أيضاً في المملكة الصغيرة، منظمات حقوقية قدرت عدد القتلى ببضع عشرات. أما في سوريا فحدث ولا حرج، الحقوقيون يتحدثون عمّا يربو عن 1400 قتيل وأضعافهم من المعتقلين، عملية عسكرية للجيش السوري في مدينة سورية جملة أصبحت اعتيادية ومتكررة بحيث فقدت قدرتها على إثارة الاستغراب. الربيع العربي أحمر بلون الدم، لكنه ليس بدعاً من الثورات في ذلك، هكذا يُحدث التاريخ الإنساني الذي يسخر من انتفاضات ربما كانت أشد عنفاً وأكثر دموية، لكن التاريخ وحده لا يكفي للإجابة عمّا يحمل الأنظمة التي أقسمت على رعاية مصالح شعوبها على أن تتحول في سلوكها بين ليلة وضحاها كأنها قوة احتلال تقاتل من أجل البقاء، حتى ولو على حساب من تسميهم شعبها.

[نهاية التقرير]

فيروز زياني: نعود مشاهدينا إلى ضيوفنا عبر الأقمار الإصطناعية من واشنطن الدكتور نور الدين جبنون أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، ومن مدينة مأدبا في الأردن الدكتور مصطفى حمارنة الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومن القاهرة الدكتور عمار علي حسن الباحث والمحلل السياسي. ونعود إلى مأدبا والدكتور مصطفى حمارنة، الشعوب العربية في الواقع خبرت الثورات وحتى أثمان دفع هذه الثورات بالدم الغالي، لكن هناك فرق بين من يذود عن أرضه ووطنه ضد مستعمر غازي أجنبي ومحتل، وبين من يُسفك دمه على يد أخ الوطن، ما الذي جعل الموضوع كذلك، وهل كان يمكن تفاديه أصلاً؟

مصطفى حمارنة: لا لا، مستحيل في الواقع على الأقل في الأنظمة التي تقاوم الآن التي ذكرناها النموذج الليبي، واليمني، والسوري، لأن هذه الأنظمة لا تستطيع أن تخضع للمساءلة، غياب القانون، وحجم الفساد والسطو على الناس وصل إلى مستويات لا يمكن لهذه الأنظمة شبيه بالأنظمة الإستبدادية الأخرى في مناطق كثيرة في العالم. المدهش والمحبب للأسف، الثمن الإنساني والكلفة الإنسانية عالية لأن الشعوب العربية الآن تدفع ثمناً باهظاً جداً في سبيل الحرية، علينا أن نفرق بين مسألتين مهمتين هنا، المسألة الأولى هي المرحلة الأولى في الصراع مع النظام إلى حين إسقاط رأس النظام. المرحلة الثانية وهي المرحلة الأصعب هي المرحلة الانتقالية وهي إعادة البناء بناء الدولة المعاصرة، الحديثة، المدنية، من جديد من أجل الوصول إلى مجتمع المواطنة والمساواة، يحددوا مجموعة الكثير من الأمور على رأسها أن يمتلك الشباب القادم رؤية واضحة المعالم والتفاصيل، وأن يخلقوا إجماعات مع قوى سياسية أخرى من أجل الدخول في التفاصيل والجزئيات التي تحدث عنها الدكتور نور الدين من واشنطن.

فيروز زياني: لكن لماذا دكتور مصطفى بإعتقادك لماذا جاءت ربما التعامل مع هذه الأنظمة مختلفاً على الأقل في الدرجة من حيث العنف مع شعوبها، هل هو صراع بقاء فعلاً بالنسبة لهذه الأنظمة؟

مصطفى حمارنة: تماماً، تماماً، والكلام دقيق في التقرير عن اليمن، وسوريا وليبيا، ليبيا وسوريا دخلوا في معركة واضحة واستباحة كاملة في اليمن بسبب التقسيم، في المجتمع اليمني، وبسبب الإصطفاف في المجتمع اليمني، وبسبب وجود عدد هائل من اليمنيين في معسكر المعارضة، ومعسكر الثورة، وانقسامات في الجيش لم يستطع هذا النظام أن يدخل في مواجهة مفتوحة شاملة، كما دخل النظامين الآخرين، هو لم يكن عنده خيار لو كان خياره لطبق النموذج الليبي، والنموذج السوري بدقة وبنفس التفاصيل.

فيروز زياني: دعنا نتحول إلى الدكتور نور الدين في العاصمة الأميركية واشنطن، دكتور نور الدين لماذا لدى الغرب ربما تبدو الصورة واضحة تماماً في التفريق بين النظام بشخوصه، وبآلياته، ومؤسساته وبين الوطن، بينما تلتبس الصورة لدينا في الوطن العربي.

نور الدين جبنون: جيد، أنا أريد أن أرجع بسرعة إلى تعقيب سريع على ما جاء من الأردن عن الحديث عن المقاربة بين أوروبا الشرقية والبلدان العربية، جيد ما حدث في أوروبا الشرقية هو أن الأنظمة الشيوعية مع سقوط المنظومة الشيوعية لفظت ورفضت شمل هذه المنظومة واحتضنت ما يسمى بالمنظومة الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية، ومرت من نظام شمولي إلى نظام شبه ديمقراطي يسمى ديمقراطتك ريجيم إلى ما يسمى الآن effective democracy أو ديمقراطية فاعلة، ماذا يحدث الآن في المنطقة العربية ولربما سيحدث في المستقبل في المنطقة العربية، أنا ما أراه في المنطقة العربية هو ربما النموذج الأندونيسي الذي ربما سيطبق والذي يقوم نوعاً ما على تحول من نظام استبدادي إلى نظام يسمى soft authoritarian أي نظام استبدادي ناعم لأن الثورة عندما نتحدث عن الثورات في العلوم السياسية نقوم على القطيعة مع الماضي، هل وقت القطيعة اليوم في مصر، هل وقعت القطيعة اليوم في تونس.

النموذج الثالث.. قطيعة مع الماضي

فيروز زياني: لايزال المسار مستمراً، الثورة ربما لم تصل بعد إلى..

نور الدين جبنون: لا، الثورة مسار لكن الثورة تبدأ بالقطيعة مع الماضي، ما وقع هو الإطاحة برمز نظام ديكتاتوري، لكن النظام كنظام هو نظام لازال موجوداً هو نظام يقوم بإعادة إنتاج نفسه في تونس أو يعود بإعادة إنتاج نفسه في مصر مع اختلاف في الواقع التونسي والواقع المصري، لكن لا يمكن أن نقول أو نتحدث حتى عن عملية تحول ديمقراطي أو انتقال ديمقراطي، لنتحدث عن عملية انتقال سياسي، تحول سياسي إلى شيء ربما مازلنا نجهله أو ربما مازلنا نتلمسه، لكن عملية الانتقال الديمقراطي لها ضوابطها وهي غير متوفرة الآن داخل هذا الشارع وداخل هذه المؤسسات التي أفرزتها عملية التحول وهذه الثورة التي وقعت في تونس ووقعت في مصر.

فيروز زياني: أعود بك إلى السؤال الآخر دكتور نور الدين المتعلق بعدم التفريق بين النظام كنظام وكمؤسسات وكأشخاص في بلداننا العربية وبين الوطني، لماذا يتم تخوين من يطالب مثلاً بالحرية ويخرج ربما بشعارات إلى الشارع، لماذا يعتبر بأن ذلك الشخص ربما هو يحارب الوطن وليس يحارب نظاماً يريد في واقع الأمر تغييره لمصلحة هذا الوطن؟

 

نور الدين جبنون: بطبيعة الحال في الأقطار العربية وفي البلدان العربية وقع ربط عملية الدمقرطة وعملية التحول الديمقراطي بالقضية الفلسطينية ولا صوت يعلوا على صوت المعركة، أي بلدان الأنظمة المتواجدة آن ذاك ربطت أي عملية تحول ديمقراطي داخل بلدانها بتحرير الأراضي الفلسطينية، مقارنةً مع البلدان الغربية التي مرت بثورات معينة، ثورات، الثورة الفرنسية قطعت مع الماضي، هنا في الولايات المتحدة الأميركية الحرب الأهلية بين 1860 و 1865 هذه الثورة أدت أو حرب أهلية أدت إلى قيام الدولة الأميركية وأدت إلى ما يسمى بعد ذلك التداول السلمي على السلطة وأدت أيضاً إلى احترام حقوق المواطن أي الحاكم بطبيعة الحال في المنطقة العربية بقوم بشخصنة السلطة، يقوم بربط شخصيته مع السلطة، يقول أنا الدولة والدولة هي أنا أي مثل لويس الرابع عشر الذي قال the state it’s me هذه هي التفكير الذي اعتمدته القيادات العربية منذ تقريباً نصف قرن، لكن مقارنةً مع البلدان الغربية التي تعتبر أن الديمقراطية هو الأساس الرئيسي للحكم الرشيد، هو الأساس الرئيسي للقبول بعقد اجتماعي بين السلطة وبين المواطن تقوم على واجبات المواطن وواجبات الدولة وحقوق المواطن وحقوق الدولة.

فيروز زياني: دعني أتحول إلى القاهرة دكتور عمار نريد أن نعرف ما وجهة نظرك، دكتور عمار لماذا ربما بعض الأنظمة تعطي بعض الشرعية تصف ثورةً بالنبيلة والشريفة والعفيفية وثورات أخرى تعتبرها خيانة للوطن وخروجاً ربما عليه، ما الذي يجعل الأمور كذلك نود أن نفهم.

عمار علي حسن: أنا فقط قبل أن أجيب على هذا السؤال أريد أن أعقب على ما قيل، أولاً القطيعة في كل الثورات لا تحدث بين عشية وضحاها، هاتلي ثورة في تاريخ البشرية قامت ثم اليوم التالي لسقوط النظام وجد الناس أنفسهم أمام دولة جديدة أو أمام نظام جديد بكافة أركانه، يولد النظام الجديد كما يولد النهار من الليل لا يولد بغتة إنما بالتدريج، على سبيل المثال لا الحصر في مصر مثلاً يوم 24 يناير كان هناك توريث للحكم، يوم 25 يناير بدأ يسقط هذا التوريث، الآن لا يستطيع أي دستور أن يعيدنا مرة أخرى إلى الحاكم الأبدي إنما رئيس بفترتين لا يزيد بأي حالٍ من الأحوال عن ثماني سنوات أو عشر سنوات، هذا مكسب كبير حين تتحدثي عن إشراف القضاء على الانتخابات حين تتكلمي عن عودة السياسة مرة أخرى إلى الحياة الاجتماعية بعد أن ماتت عبر عقود، كل هذا هو استحضار لميلاد النظام الجديد الذي يشكل قطيعة مع الماضي، لا الثورة الفرنسية ولا الثورة الروسية أحدثت هذه القطيعة في أسابيع ولا في شهور ولا حتى في سنين إنما هي البدايات، المهم أن يبقى في قوة دفع مؤمنة بهذه الثورة.

فيروز زياني: واضح تماماً.

عمار علي حسن: تحافظ على مبادئها وتريد دوماً أن تحققه، فيما يتعلق بسؤال حضرتك كان إيه؟

النموذج الرابع.. ثورات ومحاولات التخوين

فيروز زياني: سألتك عن أنه لماذا بعض الأنطمة ربما تعطي صبغة شرعية لثوراتٍ دون أخرى، لماذا يخون البعض بينما يمجد البعض الآخر من الثوار في مختلف المناطق العربية؟

عمار علي حسن: طبيعي، هذا خطاب السلطة يعني لا يمكن أن أتوقع من النظام السوري سوى أن يصف الثورة السورية العظيمة بأنها خيانة للوطن وهو النظام الذي اقتات طويلاً وتشبث بالسلطة تحت شعاراتٍ زائفة، تحت لافتة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة وأنه يمانع ويقاوم الاحتلال الاسرائيلي مع أنه لم يطلق طلقة واحدة لتحرير الجولان.

فيروز زياني: دكتور عمار، لكن حتى من غير هذه الأنظمة هناك من يخون، هل ربما من شرح دقيق أو حتى خط فاصل يمكن أن يحدد فعلاً المعايير والتعريفات بشكلٍ دقيق؟

عمار علي حسن: طبيعي، يعني على سبيل المثال الثورة فعل جائح يريد أن يجتث نظاماً من جذوره وشيء طبيعي أن هذا النظام في إطار محاولته للالتفاف على الثورة، في إطار محاولته تفريغ الثورة من مضمونها، يحاول ما يسمى شيطنة الثورة، النظام السوري، النظام اليمني، النظام في تونس، النظام في مصر، كان يدرك أنها ثورات شعبية، والثورات الشعبية تنجح طالما كانت القوى العريضة من المجتمع متعاطفة مع هذه الثورة ومن ثم تبحث هذه الأنظمة عن أساليب وعن دعايات تحاول من خلالها أن تبني جدر عالية وسميكة بين المحيط الاجتماعي وبين القوى الثورية الفاعلة، لأنها تدرك دائماً أن المجتمع ما دام يحتضن الثورة ويؤمن بمبادئها وطهرها ورغبتها في تغيير الواقع البائس ونقل المجتمعات من القعر إلى الحرية ومن الفاسد إلى الشفافية ومن الذل إلى الكرامة، بالطبع هذا مجتمع يحتضن الفعل الثوري، الدعايات المضادة التي تشيطن الثورة وتخون الثوار إنما ترمي بدرجةٍ أساسية إلى بناء جدر بين الثوار وبين المحيط الاجتماعي ولا توجد حركة نضال أو مقاومة أو ممانعة في تاريخ الإنسانية نجحت واستمرت وعاشت فترة طويلة وهي تخاصم هذا المحيط الاجتماعي أو تنقطع صلتها بهذا المحيط وهذا هو الوتر الذي يضرب عليه النظام في اليمن والنظام في سوريا كما ضرب عليه أيضاً النظام في البحرين.

فيروز زياني: نعم، إذن هذا الوتر كما تقول دكتور عمار وهذا التصرف الأمني، القمعي الشديد يرى البعض ربما بأنه قد جلب ما هو أخطر إلى هذه الأنظمة ولهذه البلدان وهو التدخل الأجنبي، ما رأيك دكتور مصطفى في مأدبا؟

مصطفى حمارنة: إذا سمحتيلي بس ملاحظة صغيرة على الدكتور نور الدين، أنا أختلف إلى حد كبير أن الاستبداد في المجتمع العربي يعود إلى موضوع الصراع العربي الاسرائيلي، أعتقد ربما موضوع الصراع في حالة متأخرة ساعد على خلق ميزان قوى على الأرض يبلور أو يبرر سياسياً وأخلاقياً لبعض هذه الأنظمة مثل النظام السوري.

فيروز زياني: أو استخدم.

مصطفى حمارنة: نعم، لكن مثلاً حالة التوريث مش فريدة على مصر، شاهدناها بنيكاراغوا بالثلاثينات، حكم الأب ثم حكم اثنين من أولاده بعده، كوريا الشمالية، حتى دولة مثل كوبا كاسترو سلم لأخوه، فهذا الاستبداد بعتقد الحالة العربية ليست حالة فريدة كما هي الثورات في العالم العربي ليست حالة فريدة، التنظير الاستشراقي وإلى حد كبير الجامع المؤسساتي في الغرب كان ينظر إلينا أنا بعتقد في صورة إلى حدٍ ما خلق عنصرية بأنه نحن نمثل حالة خاصة في التاريخ، واضح تماماً أنه إحنا شأننا شأن كافة المجتمعات الأخرى.

فيروز زياني: لكن ماذا عن التعامل، تعامل الأنظمة هل هو أيضاً ربما نكسه، هل كانت دول في العالم الغربي تتعامل بنفس مقدار العنف مع الشارع كما حدث في عالمنا العربي؟

مصطفى حمارنة: طبعاً نيكاراغوا مرت في عدة حروب أهلية بسبب الاستبداد إللي أسسوا له فيما قبل ومنهم عائلة سوموزا، أنظري إلى كوريا الشمالية يعني كوريا الشمالية وكأنهم معمولين في مصنع الناس، أنظري إلى النماذج الأخرى التي أنا ذكرتها، لكن أنا أريد أن أضيف إذا سمحت لي في الموضوع العربي الإسرائيلي بأنه أنا أعتقد أنه الديمقراطيات العربية ستكون أشد مقاطعة في الموضوع الإسرائيلي منه من أنظمة الاستبداد، إذا مصر ما تحولت إلى دولة ديمقراطية وأنا أعتقد أنه مصر ستلعب دوراً أساسياً وحاسماً في المنطقة العربية إذا ما كان الانطلاق نحو الديمقراطية أكثر سلاسة وفعلاً استطاعوا أن ينجزوا ما نأمل أن ينجزه الشباب في مصر، ستكون العلاقة مع إسرائيل بكل تأكيد علاقة سيئة ولن يستطيعوا أن يطبعوا، وهذا ينطبق على سوريا القول الآن بأنه هذا نظام مقاوم وممانع وأنا أعتقد سوريا الديمقراطية ستكون أكثر تشدداً في مواقفها في الموضوع الإسرائيلي فلذلك الموضوع الإسرائيلي ربما في مرحلة متأخرة، عقد من قضاء الانتقال نحو الديمقراطية في بلادنا وهذا الكلام صحيح، لكن لا ننسى إحنا أن حرب 48 فتحت الباب أمام حركات التحرر في عالمنا العربي وهيكلة صفة العصر آن ذاك وكانت لغة العصر آن ذاك لكل مجتمعات العالم الثالث التي كانت تريد أن تتحرر وأن تسير إلى الأمام وأن تبني الدولة المعاصرة.

فيروز زياني: دكتور مصطفى دعني أتحول بالسؤال الذي طرحته عليك وللأسف ربما لضيق الوقت لم تتمكن من الإجابة عليه، أتحول إلى به للدكتور نور الدين وربما سيكون السؤال الأخير في هذه الحلقة، هذا التصرف الأمني، هذا العنف الذي يرى البعض بأنه مبالغ فيه في تعامل هذه الأنظمة مع شعوبها، أليست له مخاطر أشد على هذه الأنظمة في حد ذاتها وحتى على أوطانها؟

نور الدين جبنون: بطبيعة الحال هذا التعامل الأمني يقوم على عملية خطأ في تقييم الموقف، خطأ في قراءة هذه المجتمعات على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، هذه الأنظمة ظنت أن هذه المجتمعات ماتت ولا يمكن أن تتحرك ولا يمكن أن تثور، لها أيضاً قراءة عنصرية تقوم أيضاً على هذه القراءات الغربية والقراءة الثقافية التي تقول أن الديمقراطية هي لا يمكن أن تطبق في العالم العربي وأن الإسلام لا يتماشى مع الديمقراطية، كل هذه العوامل استعملتها الأنظمة القائمة للتعامل مع شعوبها، في حالة الخليج هناك اختلاف، هناك الدولة الراعية لها دور هام، هناك عمليات رشوة تعطى أموال من قبل هذه الأنظمة لمحاولة ربح الوقت، محاولة تأجيل الأزمة، لكن هذه الأدوات لم تكن متوفرة للنظام التونسي، لم تكن متوفرة للنظام المصري وهناك حالة من الوعي داخل هذه المجتمعات أدت بطبيعة..

فيروز زياني: هل ستنجح هذه الأدوات دكتور نور الدين باعتقادك؟

نور الدين جبنون: نعم؟

فيروز زياني: هل ستنجح هذه الأدوات؟

نور الدين جبنون: لا هذه أدوات تستعمل ولكن..

فيروز زياني: مسكنات؟

نور الدين جبنون: هذه مسكنات مع أزمة اقتصادية وانهيار أسعار النفط وانهيار أسعار الغاز، فهذه الدول ليس لها القدرات أن توفر هكذا خدمات اجتماعية لشعوبها، وبطبيعة الحال أمام غياب هذه الخدمات أو تدهور هذه الخدمات ستؤدي تدريجياً إلى احتجاجات اجتماعية وربما تؤدي إلى تغيير الأوضاع السياسية داخل هذه البلدان.

فيروز زياني: أشكرك جزيل الشكر الدكتور نور الدين جبنون أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون كنت معنا من واشنطن، كما نشكر ضيفنا من مأدبا في الأردن الدكتور مصطفى حمارنة الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ونشكر ضيفنا من القاهرة الدكتور عمار علي حسن الباحث والمحلل السياسي، إلى هنا مشاهدينا تنتهي حلقة اليوم وغداً حديث آخر من أحاديث الثورات العربية، دمتم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم.