الإسراء والمعراج ثم غزوات النبي - الحث على الصدق مع الله - عزَّ وجل - ومع عباد الله

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : ابن العثيمين | المصدر : www.ibnothaimeen.com


الإسراء والمعراج ثم غزوات النبي - الحث على الصدق مع الله - عزَّ وجل - ومع عباد الله

  محتوى الشريط    

المادة الصوتية

 

 

... فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى وتعلَّموا من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يكون به عبرةٌ لكم واطلاعٌ على حكمة ربكم في تقديره وتشريعه، فلقد بعث الله نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو خاتم النبيِّين وإمامهم وأفضلهم في أشرفِ بقاع الأرض في أمِّ القرى ومقصد العالَمين ...

 
استماع المادة
تحميل المادة
المصدر :
حجم الملف : 3.32 MB
 
تاريخ التحديث : Jun 15, 2004



 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلَّم تسليمًا .

 

 

أما بعد:

 

 

فيا أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى وتعلَّموا من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يكون به عبرةٌ لكم واطلاعٌ على حكمة ربكم في تقديره وتشريعه، فلقد بعث الله نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - وهو خاتم النبيِّين وإمامهم وأفضلهم في أشرفِ بقاع الأرض في أمِّ القرى ومقصد العالَمين، فدعا إلى توحيد الله - عزَّ وجل - «ثلاث عشرة سنة كلّها في مكة»(1)[م1] وحدثَ له في تلك المدة تلك الآية الكبرى «أن أسرى الله به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به في تلك الليلة من الأرض إلى السماوات العلا بصحبة جبريل الروح الأمين فارتقى به سماءً سماءً حتى بلغ سدرة المنتهى ووصل إلى مستوى سمع فيه صريفَ أقلام القضاء، وفي تلك الليلة فرضَ الله عليه الصلوات الخمس فصلاهنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فريضة على ركعتين ركعتين إلا المغرب فثلاث ركعات لِتُوتِر صلاة النهار وبقيَ على ذلك ثلاث سنوات قبل الهجرة يصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين والفجر ركعتين والمغرب ثلاثًا، بقيَ على ذلك ثلاث سنوات في مكة قبل الهجرة ولَمَّا هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيدت الظهر والعصر والعشاء فصارت أربعًا أربعًا للمقيمين وبقيت ركعتين للمسافرين»[م2] .

 

 

«وفي السنة الأولى من الهجرة شرعَ الله للمسلمين الأذان والإقامة»[م3] «وفي السنة الثانية فُرضت مقادير الزكاة وبُيِّنت الأنصبة وفرض الله صيام رمضان»[م4] «وفي السنة التاسعة فرضَ الله على الناس حج البيت مَن استطاع سبيلاً»(2)[م5] .

 

 

وبفرض الحج انتهت أركان الإسلام الخمسة وقد أذِنَ الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بالقتال بعد الهجرة؛ حيث كان للإسلام دولة وللمسلمين قوّة .

 

 

«ففي رمضان من السنة الثانية كانت غزوة بدر الكبرى حين خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً من أصحابه لأخذِ عيرِ قريش الذي توجَّه به أبو سفيان من الشام إلى مكة، فبعثَ أبو سفيان إلى أهل مكة يستصرخهم لإنقاذ عِيرِهم فخرجوا بصناديدهم وخبرائهم ما بين تسعمائة وألف رجل، فجمَعَ الله بين رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وبين أولئك المشركين على غير ميعاد في بدر فنَصَره الله عليهم وقتل منهم سبعين رجلاً من بينهم الخبراء والرؤساء وأسرَ سبعين رجلاً وكان في ذلك عزٌّ للمسلمين وكسرة شوكة لأعدائهم»[م6] .

 

 

«وفي شوال من السنة الثالثة كانت غزوة أُحد حين تجهَّز مشركو قريش بنحو ثلاثة آلاف رجل ليأخذوا بالثأر من النبي صلى الله عليه وسلم، فلمَّا علم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهم خرَجَ إليهم فقاتلهم بنحو سبعمائة من أصحابه وكان النصر لهم حتى ولَّى المشركون الأدبار إلا أنّ الرماة الذين جعلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثنيَّة الجبل يحمون ظهور المسلمين ولا يبرحون عن مكانهم تركوه حين ظنّوا أن المعركة انتهت بظهور هزيمة المشركين ولكنَّ الفرْسان من المشركين كرُّوا على المسلمين حين رأوا الثنيّة خالية فانتكسَ الأمر»[م7] وصار كما قال الله عزَّ وجل: +وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" [آل عمران: 152] .

 

 

«وفي ربيع الأول من السنة الرابعة كانت غزوة بني النضير وهم إحدى قبائل اليهود الثلاث الذين كانوا في المدينة وعاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدمها مهاجرًا فنقضوا العهد فخرجَ إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فتحصَّنوا بحصونهم +وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ" [الحشر: 2]، وخرجوا من ديارهم: خرجوا منها أذلّة فنزل بعضهم في خيبر وبعضهم في الشام»[م8] .

 

 

«وفي شوال من السنة الخامسة كانت غزوة الأحزاب الذين تحزَّبوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مشركي قريش وغيرهم بتحريضٍ من اليهود من بني النضير الذين أرادوا أن يأخذوا بالثأر من النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أجلاهم من المدينة فعسكرَ الأحزابُ حول المدينة بنحو عشرة آلافِ مقاتل فضربَ النبي - صلى الله عليه وسلم - الخندق على المدينة من الناحية الشمالية فحماها الله - عزَّ وجل - من الأعداء وأرسَلَ عليهم ريحًا شرقيّة عظيمة باردة»[م9] +وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا" [الأحزاب: 25].

 

 

«وفي ذي القعدة من هذه السنة حاصرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بني قريظة آخر قبائل اليهود في المدينة فقتل رجالهم وسبى ذريّتهم ونساءهم لِنَقضهم العهد الذي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فأورث الله نبيَّه والمؤمنين أرضَهم وديارهم وأموالهم»[م10] .

 

 

«وفي ذي القعدة من السنة السادسة كانت غزوة الحديبية التي كانت فيها بيعة الرضوان حين خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ألف وثلاثمائة رجل من أصحابه يريدون العمْرة فصدَّهم المشركون عن ذلك مع أن عادة العرب ألا يصدوا أحدًا عن البيت، فأرسل إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان لِيُفاوضَهم فأشاعَ الناس أن عثمان قد قُتل فبايع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه لقتال قريش»[م11] وفي ذلك أنزلَ الله عزَّ وجل: +لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" [الفتح: 18-19]، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه لن يدخل النار أحدٌ بايعَ تحت الشجرة»(3).

 

«وفي محرم من السنة السابعة كانت غزوة خيبر وهي: حصون اليهود ومزارعهم في الحجاز فغزاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لِنَقضهم العهد وتحريضهم كفار قريش وغيرهم على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، فحاصرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فتح الله عليه فغَنِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أرضَهم وقسمها بين المسلمين»[م12].

 

 

«وفي رمضان من السنة الثامنة كانت غزوة فتح مكة حين نقضت قريش العهد الذي كان بينها وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديبية فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم في نحو عشرة آلاف من أصحابه ففتح الله عليهم وطهّر أمَّ القرى من الشرك وأهلِه ودخل الناس بعد هذا الفتح في دين الله أفواجًا»[م13] «غير أن هوازن وثقيف ظنّوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فرغ من قتال قريش ولا ناهية له فاجتمعوا عليه في حنين فخرج إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لقتالهم في شوال من السنة الثامنة في نحو اثني عشر ألفًا وأُعجب بعض الناس بكثرتهم وقالوا: لن نُغلبَ اليوم من قلّة، فأراهم الله - عزَّ وجل - بقدرته وحكمته أنّ النصرَ من عنده لا بسبب الكثرة»[م14] وأنزَلَ في ذلك +لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ" [التوبة: 25-26] .

 

 

«وفي السنة التاسعة من شهر رجب كانت غزوة تبوك حين بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الروم قد جمعوا له يريدون غزوه، فخرج إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في نحو ثلاثين ألفًا في زمن عُسْرة وفي أيام شدة الحرّ وطيب الثمار والمسافة بعيدة، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبوك نحو عشرين يومًا ولم يكن قتال وكانت آخر غزوة غزاها النبي - صلى الله عليه وسلم - وبها تَمَّت الغزوات التي غزاها بنفسه سبعًا وعشرين غزوة صلوات الله وسلامه عليه»[م15]، ثم رجعَ من تبوك إلى المدينة وأقام فيها وكاتَبَ مَن حوله من زعماء الكفار يدعوهم إلى الإسلام وصارت الوفود تأتي إليه من كل وجه يُعلِنون إسلامهم ويتعلّمون من نبيِّهم دينهم .

 

 

وهكذا أيها المسلمون، هكذا كانت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - حياةَ جهادٍ وعملٍ ودعوةٍ إلى الله ودفاعٍ عن دينه حتى توفّاه الله - عزَّ وجل - بعد أن أكملَ الله به الدين وأتَمَّ به النعمة على المؤمنين «وكانت وفاته صلوات الله وسلامه عليه يوم الإثنين في الثاني عشر أو الثالث عشر من شهر ربيع الأول في السنة الحادية عشرة من الهجرة»[م16]، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأتباعه ومَن كان متَّبعًا لهم بإحسان إلى يوم الدين .

 

 

أيها المسلمون، هكذا كانت حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - حياة جهاد وعمل حتى توفاه الله عزَّ وجل .

 

 

أيها المسلمون، جاهدوا أنفسكم، كفّوها عن معاصي الله، ألْزموها بطاعة الله، كونوا آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر؛ لتكونوا مِمَّن قال الله فيهم: +وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [آل عمران: 104] .

 

 

اللهم اجعلنا من الداعين إلى الخير، اللهم اجعلنا من الداعين إلى الخير، اللهم اجعلنا من الداعين إلى الخير، الآمرين بالمعروف، الناهين عن المنكر، المفْلحين يوم القيامة، السعداء في الدنيا والآخرة يا رب العالمين .

 

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية

 

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمَر، وأشْكره وقد تأذن بالزيادة لِمَن شكر، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كَرِهَ ذلك مَن أشرك به وكفر، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله سيّد البشر، الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب ومعشر، وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدا الفجر وأنور، وسلَّم تسليمًا كثيرًا .

 

أما بعد:

 

 

أيها الناس، اتَّقوا الله تعالى «وعليكم بالصدق؛ فإن الصدق - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذبُ ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا»(4) .

 

 

أيها المسلمون، عليكم بالصدق مع الله عزَّ وجل، عليكم بالصدق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمّا الصدق مع الله: فأن تعبدوه وحده مُخلصين له الدين؛ تعبدونه امتثالاً لأمره، واجتنابًا لنهيه، وطلبًا لثوابه وخوفاً من عقابه؛ تعبدونه لأنه +رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ" [البقرة: 21]، تعبدونه لأنه الذي أوجدكم من العدم؛ ولأن مصيركم إليه؛ ولأنكم سوف تلاقونه يوم القيامة «سوف يكلّمكم ربكم ليس بينكم وبينه ترجمان»(5) .

 

 

أيها المسلمون، اصدقوا مع الله بإخلاص النيَّة والقيام بطاعته بقدر ما استطعتم كما أمركم .

 

 

اصدقوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - باتّباع شريعته، لا تحيدون عنها يمينًا ولا شمالاً ولا تتأخرون عنها نقصًا ولا تزيدون عليها غلوًّا؛ فإن ذلك ليس من الصدق في معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - واتِّباعه .

 

 

اصدقوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعظيمه التعظيم اللائق معه .

 

 

اصدقوا معه بتصديق خبره وامتثال ما أمرَ به؛ فإن الله يقول: +مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ" [النساء: 80]، ويقول جلَّ وعلا: +وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" [الحشر: 7] .

 

 

اصدقوا مع إخوانكم المؤمنين، لا تعاملوهم في بيع ولا شراء ولا في استئجار ولا إجارة ولا في رهن ولا في غير ذلك من المعاملات إلا بالصدق والبيان؛ فإن نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قال في المتبايعَين: «إن صدَقا وبيَّنا بُورِكَ لهما في بيعهما وإن كذَبَا وكتما مُحقت بركة بيعهما»(6)، وما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في المتبايعَين فإنه يصدقُ على كل متعامِلَين سواء كان ذلك في بيع أو شراء أو إجارة أو استئجار أو رهن أو عقد نكاح أو غير ذلك .

 

 

إياكم - أيها المسلمون - والكذب؛ «إن الكذب - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار»(7)، وإن من أعظم الكذب: أن يكذب الإنسان على أهل العلْم فينسب إليهم من الفتوى ما لَم يكونوا يقولونه؛ فإن ذلك من الكذب على العلماء شخصيًّا وهو من الكذب على دين الله؛ لأن الناس سوف يأخذون ما قاله علماؤهم على أنه من دين الله عزَّ وجل، فالكذب على العلماء فيما يُنسب إليهم من الفتاوي ليس كالكذب على أي إنسان آخر فيما يُنسب إليه من قول لا يتعلّق بالدين .

 

 

إن الكذب على العلماء فيما يُفتون به وفيما يُنقل إلينا وإلى غيرنا عنهم إنه من أعظم الكذب؛ لأن الناس سوف يتّخذون ذلك على أنه دين الله عزَّ وجل، فيكون الكاذب على العلماء الذين تُعتبر أقوالهم لدى العامة كأنما كذب على الله أو على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هؤلاء العلماء الموثقين هم عند الناس لا يفتون إلا بِما قاله الله ورسوله فحينئذٍ يكون هذا الكاذب عليهم مغرِّرًا لعباد الله في دين الله .

 

 

فاتَّقوا الله - عباد الله - واحذروا الكذب، احذروا الكذب فيما تقولون وكونوا متثبِّتين فيما تنقلون، يقول الله عزَّ وجل: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" [الحجرات: 6] .

 

 

أيها المسلمون، لا تكذبوا في المعاملات بينكم حتى في المداعبات وفي المزح فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويلٌ لِمَن كذبَ لِيُضحكَ به القوم، ويلٌ له ثم ويلٌ له»(8)؛ والويل: أشدُّ العذاب أو هو وادٍ في جهنم .

 

فاتَّقوا الله عباد الله، عوِّدوا ألسنتكم الصدق، جنِّوبها الكذب حتى تكونوا مع الصادقين، فإذا صدقتم وتحرّيتم الصدق ولازلتم كذلك فإنكم تُكتبون عند الله من الصدّيقين الذين هم في المرتبة الثانية من مراتب عباد الله المؤمنين، +وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ" [النساء: 69] .

 

 

اللهم اجعلنا مِمَّن يصدّقون ويتحرّون الصدق، اللهم جنِّبنا الكذب في عقيدتنا وفي أقوالنا وفي أفعالنا، واجعلنا لك مُخلصين ولِنَبِيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم - مُتَّبعين ولِعِبادك من الناصحين يا رب العالمين .

 

 

واعلموا - أيها المسلمون - «أن خير الحديث كتاب الله، وأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة»(9)، «فعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(10)، عليكم بالجماعة وهي: الاجتماع على دين الله عزَّ وجل: متعاونين فيه على البر والتقوى مُتناهين عن الإثم والعدوان .

 

 

ومن الجماعة أن تجتمعوا في مساجدكم على الصلوات الخمس؛ فإن هذا دأب السلف الصالح رضي الله عنهم .

 

 

«إن يد الله على الجماعة ومَن شَذَّ شَذَّ في النار»(11)، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأه بنفسه فقال جلّ من قائل عليمًا: +إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب: 56] .

 

 

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارزقنا محبَّته واتِّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفَّنا على ملَّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أَسْقنا من حوضه، اللهم أَدْخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النَّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيِّين، والصديقين، والشهداء والصالحين .

 

 

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن أولاده الغرّ الميامين وعن زوجاته أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم اجعلنا من التابعين لهم بإحسان - يا رب العالمين - وارضَ عنّا معهم بِمنِّك وكرمك يا أجود الأجودين .

 

 

اللهم إنّا نسألك أن تَنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك بالعلْم والبيان والسيف والسنان في كل مكان يا رب العالمين .

 

 

اللهم مَن ناوأ أهل السنَّة وعاداهم اللهم فأَنْزل به بأسَكَ الذي لا يردُّ عن القوم المجرمين، اللهم أَنْزل بهم بأسَكَ الذي لا يردُّ عن القوم المجرمين، اللهم أَنْزل بهم بأسَكَ الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم أَفْسد عليهم أمورهم، اللهم اهزم جنودهم، اللهم أَهْلك طواغيتهم يا رب العالمين .

 

 

اللهم استجب لنا دعاءنا فإننا دعوناك كما أمَرْتنا فاستجيب لنا كما وعدتنا يا رب العالمين .

 

 

عباد الله، +إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ" [النحل: 90-91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نِعَمِهِ يزدكم، +وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" [العنكبوت: 45] .

 

 

-----------------------

 

(1)أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب: «المناقب»، باب: مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، [3562]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب: «الفضائل»، باب: كم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة والمدينة، من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، [4336]، ت ط ع .

 

(2)أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب: «الحج»، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، ت ط ع [2137] .

 

(3)أخرجه الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث جابر رضي الله تعالى عنهما، في كتاب: «المناقب»، باب: في فضل من بايع تحت الشجرة، رقم [3795]، ت ط ع .

 

(4)أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب: «الأدب»، باب: قول الله تعالى: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" [التوبة: 119]، وما ينهى عن الكذب [5629]، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب: «البر والصلة والأدب»، باب: قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه [4721]، وأخرجه الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه في كتاب: «البر والصلة»، باب: ما جاء في الصدق والكذب، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه [1894] واللفظ لهما، ت ط ع .

 

(5)أخرجه البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب: «الزكاة» باب: الصدقة قبل الرد، [1324]، وأخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في كتاب: «الزكاة» باب: الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار [1688]، من حديث عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه، ت ط ع .

 

(6)أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث حكيم بن حزام -رضي الله تعالى عنه- في كتاب: «البيوع» باب: إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا [1937-1940]، ت ط ع .

 

(7)سبق تخريجه مفصلاً في الحديث رقم [4] .

 

(8)أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند البصريين، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة رضي الله تعالى عنه [19170]، وأخرجه الترمذي رحمه الله تعالى في سننه، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب: «الزهد»، باب: فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس، [2237]، وأخرجه أبو داوود في سننه رحمه الله تعالى، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة -رضي الله تعالى- عنه في كتاب: «الأدب»، باب في التشديد في الكذب، [4338]، وأخرجه الدارمي -رحمه الله تعالى- في سننه، من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة -رضي الله تعالى عنه- في كتاب: «الاستئذان»، باب في الذي يكذب يضحك به القوم [2586]، ت ط ع .

 

(9)أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- في كتاب: «الجمعة» باب: تخفيف الصلاة والخطبة [1435]، ت ط ع .

 

(10) أخرجه الإمام الترمذي في سننه -رحمه الله تعالى- في كتاب: «الفتن»، باب: ما جاء في لزوم الجماعة، من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما [2093]، ت ط ع .

 

(11) سبق تخريجه في الحديث رقم [10] .

 

 

[م1] أيها الإخوة والأخوات، إذا أردتم المزيد من هذا ارجعوا إلى كتاب: «البداية والنهاية» لابن كثير -رحمه الله تعالى- في الجزء [3] الصفحة [2] إلى [4]، باب: كيف بدأ الوحي، وفَّق الله الجميع لِما يحبه ويرضاه .

 

 

[م2] هذا المقطع في الإسراء ذكره الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه: «البداية والنهاية» في الجزء [3] الصفحة [108] إلى [118] .انظر "تفسير ابن كثير-رحمه الله تعالى-"في الجزء الخامس والسادس صـ 45 أو تفسير "سورة الإسراء" فقد أورد الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-  الأحاديث الواردة في الإسراء والمعراج.

 

 

[م3] ذكره الحافظ بن حجر العسقلاني -رحمه الله تعالى- في كتابه المبارك: «فتح الباري لشرح صحيح البخاري» رحمه الله تعالى، قال ابن حجر رحمه الله تعالى «بسم الله الرحمن الرحيم، كتاب: أبواب الأذان، باب: بدء الأذان» الجزء [2] الصفحة [77].

 

 

[م4] ذكره إمام المفسرين ابن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه: «البداية والنهاية» الجزء [3] الصفحة [231] .

 

 

[م5] في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرها الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في «البداية والنهاية» الجزء [5] الصفحة [109] .

 

 

[م6] انظر إلى هذه القصة قصة غزوة بدر الكبرى التي سماها ربنا عزَّ وجل: «يوم الفرقان» ذكرها الحافظ الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في «البداية والنهاية» الجزء [3] الصفحة [266] .

 

 

[م7] انظر إلى هذا المقطع ذكره الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه المبارك: «البداية والنهاية» الجزء [4] الصفحة [9] «غزوة أُحد في شوال سنة ثلاث» ، غزوة بن النضير ذكرها الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى في «البداية والنهاية» الجزء [4] الصفحة [74-83] .

 

 

[م8] غزوة بني النضير ذكره الحافظ بن خلدون -رحمه الله تعالى- في تاريخه الجزء [2] الصفحة [434] .

 

 

[م9] غزوة الخندق أو الأحزاب ذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في «البداية والنهاية» في الجزء [4] الصفحة [2-94].

 

 

[م10] في غزوة بني قريظة ذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه: «البداية والنهاية» الجزء [4] من أول صفحة [116] .

 

 

[م11] غزوة الحديبية انظر إليها في «البداية والنهاية» لابن كثير رحمه الله تعالى، الجزء [4] الصفحة [164] .

 

 

[م12] غزوة خيبر ذكرها الحافظ بن كثير -رحمه الله تعالى وجزاه الله تعالى عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم كل خير- في «البداية والنهاية» في الجزء [4] الصفحة [184] .

 

 

[م13] غزوة الفتح ذكرها الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في كتابه المبارك: «البداية والنهاية» في الجزء [4] الصفحة [278].

 

 

[م14] غزوة حنين انظر إلى هذه القصة في «البداية والنهاية» الجزء [4] الصفحة [342] .

 

 

[م15] غزوة تبوك ذكرها الحافظ الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في «البداية النهاية» الجزء [5] الصفحة [2] .

[م16] في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرها الحافظ الإمام ابن كثير -رحمه الله تعالى- في «البداية والنهاية» الجزء [5] الصفحة [214] .