كتب محمود محيى
كشفت وثائق استخبارية أمريكية أن إسرائيل كانت تسطيع خلال حرب السادس من أكتوبر عام 1973 لضرب مصر بالقنابل النووية، مؤكدة أن تل أبيب كانت قادرة آنذاك على إنتاج تلك القنابل وضرب القاهرة بها. وأوضحت وثائق المخابرات الأمريكية الـ"CIA" التى نشرت أجزاء منها صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية وموقع "نيوز 1" الإخبارى الإسرائيلى أن واشنطن كانت تعتقد بعد الحرب أن ميزان القوى فيما يتعلق بالأسلحة التقليدية كان يميل ضد إسرائيل، مما كان من شأنه أن يزيد من خطر تهديدها للدول العربية باستخدام الأسلحة النووية أو استخدامها بالفعل، وهذا ما كان سيحدث خلال حرب 1973. وأوضحت الوثائق أن وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك "موشيه ديان" فى الأيام الأولى من حرب "يوم كبوريم" أى "يوم الغفران"، كما يطلق عليها بالعبرية، طلب خلال اجتماع مع قادة الجيش والوزراء بالحكومة الإسرائيلية مناقشة إمكانية استخدام السلاح النووى بشكل تجريبى لأول مرة، ولكن خطته تم معارضتها من جانب عدد من الوزراء، لأنها كانت ستمثل بمثابة قيام القيامة ضد إسرائيل من جانب دول العالم. وأوضحت وثائق الاستخبارات الأمريكية الصادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية، أن الولايات المتحدة الأمريكية قدرت فى ذلك الوقت أن إسرائيل ستفرج عن كمية صغيرة من الأسلحة النووية، وأنها قد تستخدمها ضد الدول العربية التى شاركت فى الحرب ضدها لمنع وقوع هجمات فى المستقبل. وكشفت الوثائق أن تقييم أجهزة ووكالات المخابرات الأمريكية بعد حرب السادس من أكتوبر هى أن إسرائيل من هددت الدول العربية باستخدام الأسلحة النووية، وذلك لأن استخدامها لتوازن قوى الأسلحة التقليدية كانت تميل لصالح العرب. وذكرت هاآرتس أن هناك ما يقرب من 1300 صفحة من المناقشات الداخلية التى عقدها مسئولون حكوميون فى الولايات المتحدة فى جلسة سرية واحدة عقدت فى 27 نوفمبر عام 1973 بعد شهر من نهاية الحرب، والتقى خلالها الرئيس الأمريكى "ريتشارد نيكسون" ووزير خارجيته "هنرى كيسنجر" مع زعماء الكونجرس من كلا الحزبين الديمقراطى والجمهورى لمناقشة هذه المسألة. وأضافت هاآرتس أنه خلال تلك الجلسة، أوضح زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ الأمريكى "مايك مانسفيلد" قائلا: "هل إسرائيل ومصر لديها قدرات لأسلحة نووية؟"، فأجاب كيسنجر "أن إسرائيل لديها القدرة على إنتاج أعداد صغيرة من السلاح النووى خلال أيام قليلة وتسطيع ضرب مصر بها ولكن مصر لا". وأوضحت هاآرتس أن هناك وثيقة أخرى صدرت عن وزارة الدفاع فى اليوم الأخير من حرب "يوم الغفران"، كشفت أن إسرائيل لم تعد قادرة على الثقة فى تحقيق انتصارات سريعة وحاسمة فى المستقبل فى حال شن أى حرب جديدة عليها، ولذلك لجوءها لاستخدام القنابل النووية سيكون حتميا لكسب الحرب. وفى 24 أكتوبر من العام نفسه أصدرت وكالة الاستخبارات الأمريكية بالبنتاجون وثائق أخرى، تقيم الأوضاع على الأرض، حيث اعتبرت الفرص ستكون سانحة لإسرائيل للتغلب على الدول العربية فى الحروب باستخدام النووى، وأضافت الوثيقة أن إسرائيل مصممة على استخدام الأسلحة النووية لضمان سلامة أراضيها للخروج من الصراع الحالى، وأن الإسرائيليين لم يعد فى إمكانهم الوثوق بانتصارات سريعة وحاسمة فى المستقبل دون هذا الخيار". وأضاف: الوثائق الصادرة عن البنتاجون أن إسرائيل فى وقت قريب للغاية تستطيع امتلاك أسلحة نووية، وأنها تسعى لردع أى هجمات فى المستقبل من قبل الدول العربية من خلال التهديد لاستخدامها القنابل النووية ضد القوات العسكرية المصرية أو العربية والمدن والموانئ والأماكن الأكثر حساسية كالسد العالى فى أسوان. وفى السياق نفسه، صدر كتاب جديد للمؤرخ الإسرائيلى "أفنير كوهين" سينشر خلال الأسبوع الجارى بإسرائيل، جاء فيه أن الولايات المتحدة أوصت إسرائيل بعدم اللجوء لهذا الخيار النووى، وذلك بعد اجتماع لمجلس الوزراء الإسرائيلى فى 9 نوفمبر 1973، ضم وزراء كبارا، وأدركت واشنطن أن محاولة الجيش الإسرائيلى للموافقة على طلب وزير الدفاع "موشيه دايان" بالهجوم المضاد على الجبهة الجنوبية ضد مصر بالسلاح النووى فشلت بعد معارضة العديد من الوزراء وكذلك الإدارة الأمريكية. وأوضح موهين فى كتابه الجديد الذى نشرت هاآرتس أجزاء منه تؤكد صحة الوثائق التى نشرتها أن أكثر اللحظات دراماتيكية فى التاريخ النووى الإسرائيلى حدثت فى المراحل المبكرة من حرب أكتوبر، خلافا لما حدث فى عام 1967، حيث إنه فى عام 1973 بدت إسرائيل على وشك الانهيار، بل وبدا ديان على وشك الانهيار عقليا هو الآخر، حيث قال ديان خلال الاجتماع: "إسرائيل على وشك التدمير الثالث وعلينا التفكير فى استخدام سلاحنا النووى قبل أن نقترب من نقطة اللاعودة وأن الولايات المتحدة سوف تلاحظ أن إسرائيل وصلت إلى هذه النقطة ولن ترفض طلبا بتدمير مصر بالقنابل النووية".