بسم الله الرحمن الرحيم
منذ ما يقارب الستة أشهر يناضل الشعب اليمني لإسقاط النظام الجائر الفاسد المستبد ، وقد تداعى لهذا النضال وانضم لهذه الثورة كافة أطياف وشرائح المجتمع اليمني مدنيين وعسكريين ، والجميع خرج مطالباً بإسقاط النظام ورافعاً الشعار الشهير الذي يتردد صداه في كل فضاء : "الشعب يريد إسقاط النظام .. الشعب يريد إسقاط النظام". وفعلاً : سقط النظام شعبياً بخروج فئات الشعب المطالبة بإسقاطه ، ثم سقط قبلياً بانضمام أغلب القبائل اليمنية إلى الثورة ، ثم سقط عسكرياً بانضمام أغلب المناطق والوحدات والقيادات العسكرية ، ثم سقط حزبياً باستقالة كثير من قيادات الحزب الحاكم وانضمامهم لركب الثورة ، ثم سقط دبلوماسياً بإعلان الكثير من الدبلوماسيين والسفراء تأييدهم للثورة السلمية ، ثم سقط جغرافياً بسقوط خمس محافظات بعضها في أيدي الثوار والبعض في أيدي عناصر مسلحة يفترض أنها من تنظيم القاعدة ، ثم سقط اقتصادياً بعجزه عن توفير الخدمات الأساسية والاحتياجات الرئيسة للمواطن ، وخلال كل هذا التساقط سقط النظام أخلاقياً وهو أخطر أنواع السقوط بممارسته للقتل بدم بارد عبر آلتي القتل المتبقيتين معه (الحرس الجمهوري ، والأمن المركزي) ، وتزييفه للحقائق وممارسة الكذب العلني وقول الزور عبر أدواته الإعلامية وأبواقه الدعائية ، وممارسة الخطف والاعتقال والتعذيب وبث الشائعات من خلال جهازه القمعي سيئ الذكر (الأمن القومي) ، والداهية الدهماء والمصيبة النكراء في هذا السقوط الأخلاقي المروع هو ممارسة الحصار الجائر لكافة أبناء الشعب معارضين ومناصرين ، مناوئين ومؤيدين على حد سواء من خلال قطع التيار الكهربائي لساعات طويلة ، وقطع المياه عن المنازل لأسابيع عديدة ، واحتجاز قاطرات النفط من قبل الحرس الجمهوري ومنع وصولها إلى المحطات ، واحتكار مادة الغاز المنزلي ورفع سعرها إلى ألف وخمسمائة ريال عبر عقال الحارات ، حتى القمامة تكدست في الشوارع وتوقف مشروع النظافة عن رفعها بتوجيهات عليا ، كل هذه الممارسات اللا أخلاقية كشفت عن البعد اللا أخلاقي لهذا النظام الذي ظل يحكمنا لثلاث وثلاثين عاماً وهو أمرٌ لم نستبعده ولا نستغربه . لكن المستغرب والمستبعد معاً أن يسقط الشعب أخلاقياً بالتزامن مع سقوط النظام، وهذا ما لانريده مطلقاً .. لن يضرنا سقوط النظام أخلاقياً لأنه ساقط أخلاقياً منذ زمن بعيد ولولا سقوطه أخلاقياً ما خرج الناس يطالبون بإسقاطه ولأننا نتطلع إلى بناء نظام آخر يتحلى بالأخلاق الفاضلة .. لكن ما يضرنا هو أن يسقط الشعب أخلاقياً لأن سقوط الأخلاق يعني فناء الأمم :
ألا إنما الأخلاق ما بقيت --- فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
نعم ؛ خلال هذه الأزمة الخانقة التي يعيشها الشعب ، وأقصد أزمة الحصار ظهرت أخلاقيات سيئة وبوادر سقوط أخلاقي مجتمعي خطير ، فعلى سبيل المثال : - الاحتكار الذي يمارسه بعض التجار خاصة للسلع الأساسية يعد سقوطاً أخلاقياً . - الاستغلال الذي يمارسه بعض التجار للظروف الراهنة وانتهازها فرصة للثراء ، كاستغلال انعدام البنزين وبيع الدبة بعشرة آلاف ريال ، واستغلال انقطاع الكهرباء وبيع ست أصابع من الشمع بثلاثمائة ريال ، واستغلال انعدام الديزل لرفع سعر السلع رفعاً جنونياً كل ذلك يعد سقوطاً أخلاقياً . - السرقة والنشل بسبب الظروف الراهنة ، كأن يستيقظ المرء صباحاً ليجد خزان سيارته خالٍ من البنزين بعد ملأه البارحة إثر عناء طويل ، لا شك أن ذلك يعد سقوطاً أخلاقياً . - تناقل الإشاعات المغرضة وتداولها والترويج لها خاصة تلك المتعلقة بالثورة والثوار يعد سقوطاً أخلاقياً مهيناً . - أن ترى رئيس الجمهورية على شاشة التلفاز سليماً معافى فتندفع إلى بندقيتك المحشوة ثم تخرج إلى الشارع أو تصعد إلى سطح منزلك فتطلق رصاصاتك القاتلة في الفضاء فرحاً بطلعته البهية وتنسى أنك في منطقة سكنية قد تعود إليها الرصاصات التي أطلقتها فتزهق روحاً بريئة أو تصيب جسداً طاهراً أو تدمر ملكية خاصة أو عامة ، فهذا أيضاً سقوط أخلاقي رهيب . هذا غيضٌ من فيض من الأخلاقيات السيئة التي بدأت تنتشر خلال هذه الثورة التي لم يبق لها إلا أن تسقط النظام سياسياً فقط ، وهو ما يكاد أن يتحقق بإذن الله تعالى وهو ما لا خوف منه .. لكن الخوف من سقوط أخلاقنا .. لذلك لا بد أن نرفع شعار للمرحلة القادمة :
الشعب يريد إسقاط النظام .. الشعب يريد بقاء الأخلاق
[1] كاتب وأكاديمي يمني - صنعاء