الضرورات الخمس وحفظ الإسلام لها

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : صالح بن فوزان الفوزان | المصدر : alfawzan.ws

الضرورات الخمس وحفظ الإسلام لها 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد ومن والاه وبعد:

فإن الإسلام جاء بحفظ الضرورات الخمس التي هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال. ليعيش المسلم في هذه الدنيا آمنا مطمئنا يعمل لدنياه وآخرته ويعيش المجتمع المسلم أمة واحدة متماسكة كالبنيان يشد بعضه بعضاً وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ولا يمكن ذلك إلا بحفظ هذه الضرورات الخمس من الخلل والعبث وأعظمها الدين الذي يتعامل العبد به مع ربه ومع إخوانه فمن حاول العبث به بارتكاب شيء من نواقضه عالما متعمدا وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل كيلا يتخذ الدين ألعوبة وسخرية فقد حاول بعض أهل الكتاب العبث به بهذه المكيدة لصد الناس عنه قال تعالى: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فكشف الله مكيدتهم وبين مكرهم وأفشل خطتهم وصان دينه من عبثهم به وقد توعد الله من يرتد عن دينه بأشد الوعيد فقال تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرتد وأحل دمه فقال: "من بدل دينه فاقتلوه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني. والتارك لدينه المفارق للجماعة"، وقاتل أبو بكر رضي الله عنه المرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك عقد الفقهاء رحمهم الله في كتب الفقه بابا سموه: [باب حكم المرتد] وذكروا فيه أسباب الردة وحكم المرتد والردة هي الرجوع عن دين الإسلام بارتكاب ناقض من نواقضه بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك فمن وقع في شيء من نواقض الإسلام عالما مختارا فإنه تجب استتابته فإن تاب وإلا قتل تنفيذا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "من بدل دينه فاقتلوه"، وليس ذلك من باب الإكراه على الدخول في الإسلام كما يقول بعض الكتاب ويستدل بقوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) فإن معنى الآية أن أحدا لا يكره على الدخول في الإسلام لأن هداية القلوب بيد الله كما قال الله تعالى لنبيه: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) وقال تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ولكن الكفار يدعون إلى الإسلام فمن استجاب لدخول فيه عن اقتناع واختيار فالحمد لله ومن أبى وحاول وصد الناس عن الدخول في الإسلام وأراد نشر الكفر في الأرض أو قاتل المسلمين فإنه يقاتل ليصل الإسلام إلى البشرية ومن دخل في الإسلام عن طوع واختيار وأقر بأنه الدين الحق ثم تركه وارتد عنه فإنه يقتل لردته حماية للدين من العبث وصد الناس عنه لأنه لم يتركه جهلا به وإنما تركه عن علم وعناد قال تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) فقتل المرتد حد من حدود الله لا يجوز تعطيله ولا يجوز إنكاره ولا تشكيك الناس منه وجعله موضوعاً صحفياً أو فضائياً يتجاذبه الجهال بين أخذ ورد وتسفيه لمن يبينه للناس ويطالب بإقامته على مستحقه قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) وقول بعضهم إن هذا يتنافى مع الحرية الدينية قول باطل لأن الله خلق الخلق لعبادته وحده لا شريك له ونهاهم عن عبادة غيره فالإنسان عبد ولا بد فإما أن يكون عبد الله وإما أن يكون عبد للشيطان كما قال ابن القيم رحمه الله:

 

هربوا من الرق الذي خلقوا له              فبلوا برق النفس والشيطان

 

فالحرية الصحيحة هي في عبادة الله لأنه هو الرب الخالق الرازق وفي ترك عبادة الله يكون الإنسان رقيقاً لهواه وشهوته وعبد الشياطين الجن والإنس وانظر إلى من تركوا عبادة الله كم لهم من الآلهة: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) وفي عبادة الله عز العبد ورفعته وفي عبادة غير الله هوان العبد وذلته ولا يقال عن العالم الذي يبين هذا الحكم الذي دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه علماء الأمة أنه متشدد أو تكفيري كما يقال في بعض الصحف والفضائيات لأن هذا من التطاول على أحكام الله ومن التطاول على العلماء والدعوة إلى كتمان ما أنزل الله وإرضاء الناس بما يسخط الله قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

فالذي يحاول طمس هذا وكتمانه يكون من الذين (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.