ابن هاني (رأس-) Ras Ibn Hani Ras Ibn Hani
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
عدنان البني
| المصدر :
www.arab-ency.com
ابن هاني (رأس - )
رأس ابن هاني أكثر رؤوس
الساحل
السوري بروزاً. وهو على بعد نحو 10 كم عن مركز مدينة اللاذقية شمالاً. وقد اختير لحسن موقعه وجماله لتشييد منشآت سياحية. وعند مباشرة أعمال حفر الأساسات في التل الأثري الذي يتوسط الرأس، ظهرت معالم أثرية واضحة.
كان
رأس ابن هاني يُعرف قديماً باسم «رأس الفنار». وهو على شكل شبه جزيرة ممتدة من الشرق إلى الغرب بطول يقرب من 3كم وعرض وسطي نحو نصف كم. القسم الغربي من شبه
الجزيرة
هذه صخري، وأساسها حواري ميوسيني أو إيوسيني سابق للحقب الرابع الجيولوجي. وفوق هذا الأساس طبقة حوّارية رملية صفراء. وفوق هذه الطبقة الحوارية تربة رملية حمراء غير سميكة. وفي القسم الشرقي من شبه
الجزيرة
تختفي الطبقة الحوارية تحت رمال كثيفة نسبياً ترسم خليجين، أحدهما شماليٌّ صغير نسبياً يعرف باسم خليج القبّان، والآخر جنوبي واسع يتصل برأس الخضر.
ويبدو أن شبه جزيرة ابن هاني كانت في الأصل جزيرة مربعة الشكل، اتصلت باليابسة بذراعين رمليين بينهما منطقة واطئة تمتلئ شتاء بالمياه.
ونحو نهاية القرن الأول قبل الميلاد، على الراجح، ارتفع مستوى
البحر
إلى + 1.5م عن المستوى الحالي، فقطع ذراعٌ بحريٌّ القسم الصخري من شبه جزيرة ابن هاني عن اليابسة، ثم ملأت الرمال البحرية هذا الذراع. وبعد ذلك أخذ
البحر
ينخفض تدريجياً مشكلاً الذراعين الرمليين المذكورين سابقاً وكذلك القسم المنخفض وهو الشكل الذي يُرى الآن تقريباً.
ونحو نهاية القرن التاسع عشر وجد العالم الفرنسي رينيه دوسو
R.Dussaued
في رأس ابن هاني بقايا مسرح ومعبد. كما قدَّر أن هذا الرأس هو موقع مرفأ «ديوسبوليس». وفي مطلع القرن العشرين
كان
في رأس ابن هاني أقسام مزروعة وممالح وآبار قديمة وبقايا أسوار ضخمة كانت حجارتها المنحوتة الضخمة تستخدم في أعمال البناء في اللاذقية وفي القرى المجاورة. وقد استُقيت هذه المعلومات من بعض المسنين في المنطقة، وأكَّد ذلك ماورد عن ميشو وبوجولا في مراسلة الشرق (1835). ولم يزل قائماً في الرأس المدفن الهلنستي المعروف بمدفن القبّان الذي حُوِّل في العصر البيزنطي إلى كنيسة. ويضاف إلى هذا المدفن من المعالم الباقية مدافنُ منقورة في الصخر.
باشرت بعثة عربية
سورية
- فرنسية، كانت تضم عدنان البني ونسيب صليبي وجاك وإليزابيت لاغارس، التنقيب في القسم الأوسط من رأس ابن هاني عام 1975 و
كان
في هذا القسم تل أثري ترتفع ذروته 9م عن سوية
البحر
الحالية. واتضح للبعثة أنه يضم مدينة أغاريتية ملكية أسست في وقتٍ ما من القرن الرابع عشر أو الثالث عشر
ق.م، واستولت عليها «شعوب البحر» التي نزحت عن بلاد
اليونان
إثر اجتياح الدُوريين لها في نهاية القرن الثالث عشر. وهذه المدينة هي في السوية الخامسة من التل. كما يضم التل الأثري سوية أثرية من عصر الحديد الأول
(1200 - 900 ق.م) وهي السوية الرابعة. أما السوية الثالثة وهي من عصر الحديد الثاني (900 - 600 ق.م) فلم تعط حتى الآن سوى
الفخار
وبعض القطع الأثرية. والسوية الثانية هي الهلنستية (أواخر القرن الرابع حتى منتصف الأول ق.م) مختلطة أحياناُ مع بعض آثار الحكم الفارسي (539 - 333ق.م) وهي غير واضحة المعالم حتى الآن في الموقع. وأخيراً فإن السوية الأولى على سطح التل هي من عصر الحكم الروماني والبيزنطي (الثالث حتى السادس الميلادي).
أنشئت المدينة الأغاريتية الجديدة في السوية الخامسة، وفق تخطيط عمراني منظم وفسيح. و
كان
طول المدينة قرابة كيلومتر، وعرضها نحو نصف كيلومتر. وقد قام بهذا المشروع أحد ملوك
أغاريت
في بحر القرن الرابع عشر أو في أواخره.
ولايمكن معرفة أسباب إقامة هذه المدينة الأغاريتية بالدقة في الوقت الحاضر. والمكتشف من هذه المدينة الجديدة حتى الآن قصران: جنوبي وشمالي وبينهما حي سكني.
رأس ابن هاني، القصر الشمالي، ردهة الاستقبال (القرن 13 ق.م)
القصر الجنوبي:
تبلغ مساحة هذا القصر المعروفة حتى الآن ما يقرب من 5000م
2
(85×55م). وهو موجه بزواياه إلى الجهات الأربع على الأسلوب البابلي ومبني على طريقة السطوح المتدرجة نحو
البحر
. وله من جانبه الشرقي سور دفاعي مائل، يماثل السور الشرقي ل
أغاريت
. و
كان
هذا السور مشيداً مباشرة على الماء. ويراوح سمك الجدران بين 120
و150 سم. وتتوسط القصر باحة كبيرة (17×11م) فيها بركة ماء والساحة محاطة بحجرات وممرات، وتتوسط المداخل قواعد مستديرة من الحجر الكلسي كانت مخصصة لحمل أعمدة الخشب. وثمة تفاصيل معمارية أخرى كثيرة مشتركة بين
أغاريت
وابن هاني، ويبدو أن القصر الجنوبي هُجر أو أُفرغ من محتوياته بسبب أعمال إصلاح كبيرة أو خوفاً من غزو شعوب
البحر
الذي نُكب به القسم الشرقي من حوض
البحر
المتوسط في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وجعل ملك
قبرص
(ألاشيا) يحذِّر ملك أوغاريت من هذا الغزو.
القصر الشمالي:
من الملاحظ حتى الآن أن هذا القصر، من حيث توجيه زواياه ومخططه، مماثل للقصر الجنوبي و
كان
مثله مشيداً على خط
الشاطئ
وبأسلوب الأسطحة المتدرجة، وهو يشبهه أيضاً من حيث عمارة جدرانه وتفاصيلها. وبخلاف القصر الجنوبي
كان
القصر الشمالي مؤثثاً ومسكوناً عندما هاجمته جماعات من شعوب
البحر
ونهبته ثم أحرقته.
وتظهر آثار الحريق واضحة في كسوة الجدران والأرضيات وفي الخشب المتفحم والرصاص الذائب. وفي القصر الشمالي أيضاً باحة مركزية غير مسقوفة، مبلطة، محاطة بحجرات وممرات تجاوز عددها حتى الآن الأربعين. وقد وُجدت في هذا القصر بعض اللّقى المعبِّرة التي نجت من النهب. ولكن الأهمية الحقيقية تكمن في كشف الرقم المسمارية التي بلغ عددها حتى الآن أكثر من مئة رقيم محررة بالأبجدية الأغاريتية وبالأكدية - البابلية. وقد عانى بعضها من الحريق. إن هذه المجموعة من الرقم هي المجموعة الأغاريتية المهمة الوحيدة المكتشفة خارج العاصمة أغاريت، وهي تقسم مبدئياً إلى خمس فئات هي:
الفئة الأولى:
مراسلات داخلية بين س
كان
هذا القصر أو هذه المدينة والسلالة الملكية من
أغاريت
(الرقيم 12/78 مراسلة بين أَخَتْ مَلْكي أم الملك المقيمة على الأرجح في المدينة الجديدة وابنها امِشْتَمْرو الثاني).
الفئة الثانية:
مراسلات مع ممالك خارج مملكة
أغاريت
(الرقيم 3/78 مراسلة مع ملك مصر).
الفئة الثالثة
: نصوص دينية تقدم معلومات جديدة عن عوالم الأرباب الكنعانية القديمة وعن الطقوس والأساطير التي كانت في الواقع من مصادر التفكير الديني في هذه المنطقة من العالم، وبعضها نصوص طبية سحرية.
الفئة الرابعة:
يمكن إدراجها تحت اسم فئة الرُقُم الاقتصادية والإدارية وفيها أسماء أعلام وأسماء مدن وقرى.
الفئة الخامسة
: نصوص معجمية سومرية، وسومرية - بابلية، ومنها قوائم مواقع جغرافية وكواكب وغيرها.
وفي عام 1982 حققت البعثة أمراً عظيماً يتصل بالتاريخ الاقتصادي في
سورية
وفي شرق
البحر
المتوسط والعالم القديم، وهو العثور على منشأة لصب سبائك البرونز والنحاس المعدَّة لأغراض التجارة والتصدير. تتوسط المنشأة قاعدة حجرية ضخمة منحوتة بشكل جلد ثور لصب السبائك المذكورة بطولٍ يبلغ نحو 60سم، وهي الوحيدة المعروفة في العالم حتى اليوم. ومن المعروف أن سبائك النحاس والبرونز كانت تُصدَّر إلى أنحاء العالم القديم على ذلك الشكل مختومة بخاتم رسمي، كي تكون أساساً للتبادل التجاري أو نقل الم
عدن
المعدِّ للصناعة، وقد وُجدت مثل هذه السبائك في
كريت
و
صقلية
و
قبرص
و
اليونان
و
الأناضول
و
أغاريت
و
مصر
. وترى هذه السبائك يحملها السوريون القدماء في مشاهد الهدايا المقدمة لملوك
مصر
وأمرائها. وما
كان
أحد يظن أن
أغاريت
ومدنها كانت من مراكز صنع هذه السبائك وتصديرها. فقد
كان
المعروف أن
قبرص
هي المصدرة للنحاس واسمها مشتق منه وبدرجة أقل
الأناضول
.
ألقى هذا الاكتشاف ضوءاً ساطعاً على نشاط مملكة
أغاريت
الصناعي والتجاري والدور الاقتصادي للقصر الملكي في
أغاريت
ومملكتها. ويبدو أن الملك نفسه أو أحد أفراد العائلة المالكة (كالملكة الأم مثلاً)
كان
يتعاطى مثل هذه الصناعة والتصدير، تحت إشرافه المباشر وتحت الختم الرسمي الذي يشيع الثقة.
وقد تكون هذه المدينة الجاثية في رأس ابن هاني هي مدينة الأنف (آفو في الكنعانية) المذكورة مراراً في النصوص الأغاريتية، أو يكون اسمها
أغاريت
البحر
(
أغاريت
يم)، وثمة من يرى أن اسمها
بيروت
(الآبار في الكنعانية).
رأس ابن هاني، القصر الشمالي، قالب صب النحاس (القرن 13 ق.م)
سوية عصر الحديد في القطاع الأوسط:
في عام 1977، ظهرت فوق أجزاء القصر الشمالي أجزاء منزلين كبيرين نسبياً من عصر الحديد الأول (ق 12 - ق 9 ق.م). وهو مؤلف من مدخل وباحة وغرف مبلّطة. وفي أرض غرف هذا البيت مجموعة من الجرار والأواني الفخارية المحطمة بعضها مزين برسوم ملوَّنة.
إن فخار مطلع عصر الحديد الأول يستدعي بعض الملاحظات، فالنموذج الغالب صنع محلياً تقليداً لنماذج من
الفخار
المعروف باسم
IIIC1B
أو ما تحت الميكيني. ومن النماذج الفخارية دِنان صغيرة مزينة بلونين، أسود وأحمر،وهي تشبه
الفخار
الفلسطيني في الحقبة نفسها. إن نماذج
الفخار
الميكيني من النوع المذكور، التي أُدخلت إثر هجرة كثيفة إلى
فلسطين
و
سورية
الشمالية الساحلية تأثرت بها المنطقتان بوجه متماثل، الأمر الذي ولَّد في المنطقتين فئتين جديدتين من
الفخار
إن لم تكونا متماثلتين فإنهما متشابهتان جداً. فهناك إذن أناس كانوا يستعملون فخاراً شبيهاً بفخار
قبرص
وفخار
فلسطين
قد استقروا في رأس ابن هاني بعد هدم قصر عصر البرونز الحديث في الربع الأول من القرن الثاني عشر ق.م. وهذا شيء مهم للمهتمين بمعرفة أسباب زوال الحضارات والممالك والامبراطوريات التي تألقت في عصر البرونز في
الأناضول
وعلى
الساحل
السوري، ولاسيما معرفة كيف تهدمت
أغاريت
ومتى تم ذلك.
رأس ابن هاني، نماذج من الحلي الأغاريتية، (القرن 13ق.م)
وقد أصبح من المؤكد أن بعض أفواج شعوب
البحر
التي قدمت بحراً وبراً والتي لم تترك في
أغاريت
إلا سحب الدخان، استقرت بعد النهب والحرق في بعض أطلال المدينة الأغاريتية برأس ابن هاني، كالقصر الشمالي، ثم ابتنت فوقها بيوتها الخاصة.
إن هذه المراحل المتتالية بلا انقطاع، من مطلع عصر الحديد حتى مطلع عصر الحديد الثاني، شيء نادر في مواقع
الساحل
السوري.
وعلى كل حال لم تعثر البعثة المنقبة حتى اليوم على معالم معمارية ثابتة يمكن نسبتها إلى المرحلة الثانية والثالثة من عصر الحديد الثاني، وسيتم العثور على ذلك حتماً إذ إن فخار ذلك العصر، وسواء منه المحلي أو المستورد من اليونان، موفور تماماً.
المدينة الهلنستية المحصنَّة:
هناك في القطاع الأوسط من رأس ابن هاني من آثار العصر الهلنستي شيء ليس بالقليل، ومن ذلك الجدران المشيدة بالحجارة الضخمة المعاد استعمالها في
سورية
العصر الروماني المتأخر والبيزنطي، والرصيف الحجري الممتد من التل باتجاه جنوبي شرقي حتى الشاطئ، والقناة الحجرية الضخمة التي تشق رأس ابن هاني وتصل إلى
البحر
الشمالي مخترقة في طريقها القصر الأغاريتي الشمالي.
لكن هناك فضلاً على ذلك أسوار مدينة مسوَّرة ممتدة من حدود القطاع د حتى القسم الشرقي من الرأس بطول
900
م تقريباً، و
كان
لهذه المدينة الحصينة منشآت مرفئية ضخمة في الشمال والجنوب تُرى بقاياها بوضوح. وليس هذا السور وحده كل ما خلَّفه العهد الهلنستي.
ويمكن تلخيص وضع الأسوار والتحصينات الهلنستية في هذا القطاع كما يلي: أُنشئت في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد المدينة السلوقية وحُصِّنت.
وفي أواخر القرن الثالث المذكور سقطت تلك المدينة بيد
البطالمة
(بطليموس الثالث) إثر الحرب ال
سورية
الثالثة، وقد زادوا في تحصينها بالأسوار المعززة بالأبراج المربعة وأبراج بشكل
U
وشبكات المياه، وأقاموا بناء مستديراً له رواق محمول على أعمدة محددة.
واستعاد
السلوقيون
المدينة وبنوا فيها قلعة في الزاوية الشمالية الشرقية فريدة في
سورية
استخدم في أساساتها عناصر معمارية من البناء المستدير المذكور في الفقرة السابقة وغيره. وهوجمت القلعة وأُشعلت النار فيها بعد الفتح الروماني ل
سورية
على الأرجح.
المقبرة من العهد الروماني المتأخر:
وبعد ثلاثة قرون من الانقطاع بسبب طغيان
البحر
على القسم الشرقي من رأس ابن هاني (بدءاً من أواخر القرن الأول قبل الميلاد حتى مطلع القرن الرابع الميلادي) عاد النشاط إليه مع سلالة قسطنطين، ونشأت بلدة تعرف سماتها بشيء أكثر من التفصيل في المرحلة البيزنطية (السوية العليا)، وتبينت الحقبة الرومانية المتأخرة من مقبرة فيها عشرات القبور، في كل قبر هيكل مسجى على الظهر رأسه موجه نحو الشرق، معه في أغلب الأحيان إناء فخاري وقارورة زجاجية وبعض الحلي البسيطة، منها قرط ذهبي وقطعة نقود برونزية وجدت عند رأس الميت، والقبور مسقوفة بالآجر بشكل سنمي أو بالحجارة العرضانية، وثمة طفل مدفون في جرة كبيرة.
البلدة من العهد البيزنطي
: تتركز المكتشفات من العصر الروماني المتأخر والبيزنطي (الرابع حتى السادس الميلادي) في السوية العليا من القطاع الآنف الذكر، ولاسيما في ذروته.
يمكن تمييز مجموعتين سكنيتين واسعتين بينها ممر شمالي جنوبي فرشت أرضه بطبقة من المونة الكلسية، وفي كل من المجموعتين قاعة مفروشة بالفسيفساء البسيطة البيضاء، مكعباتها كبيرة الحجم، ولاتخلو من بعض التزيين الهندسي الذي يتشكل بتغيير وضع المكعبات. وفي المجموعة الشرقية معصرة للزيت، تضم خزانين مليئين بأوان فخارية متنوعة تعطي فكرة عن أنماط
الفخار
التي كانت مستخدمة في آخر حياة الموقع (القرن السادس الميلادي أو أواخر القرن الخامس).
أما الزجاج فهو أيضاً من طراز القرن السادس الميلادي وقد صنعت منه صحون كبيرة وقوارير وكؤوس منها ما هو منفوخ في الهواء الحر أو مزين بأشرطة بارزة أو بأقراص ملصقة.
وقد هدمت هذه البلدة التي كانت تقوم على الزراعة والصيد بزلزال
أنطاكية
الشهير الذي حدث في 528م أيام جوستنيانوس.
عدنان البني