تحتاج شعوب أوروبا وحتى سكان أميركا لبضعة عقود كي يتقبلوا المهاجر الوافد الى أراضيهم ومن ثم تبدأ عملية صهره في بوتقة عاداتهم ونظام حياتهم الصارم ،آملين أن يتطبّع بطباعهم المختلفة وأن يتعلم شيئاً من ثقافتهم ومطبقاً لسلوكياتهم الجيدة فقط، بيد أن سيدكا برهن لنا عكس ذلك ، فهو واقعاً قد تطبع جيداً على تصرفاتنا ، بل وهضم كل عاداتنا وخصائصنا النفسية بحكم اختلاطه الدائم مع العرب. والحق يقال ان هذا الرجل عرف جيداً دأب مسؤولي اتحادنا وطريقة تفكيرهم وحتى نفسيتهم عندما يتذمرون تجاه شيء ما وفطن بدهاء لمفاهيم التسويف والمماطلة والتأخير، ولعله أدرك أن التحجج بأية ذريعة عاطفية مع قبلة حارة وعناق حميم سيذيب جبلاً من الجليد الصلب حتى لو بان على وجوهنا الحنق والتجهم وأظهَرنا له عمداً علامات الاستياء والانزعاج لعدم التحاقه بالمنتخب الوطني وكأن العبارة الألمانية (Verzeihen Sie mir bitte für die Verspätung) أي ( آسف على التأخير) كفيلة بحسم الآمر ولا ندري هنا من هو الذي يحقّ الآخر بموجب وثيقة العقد المبرم بينهما؟! ربما قائل يقول وما عساه ان يفعل ان كانت أجندة اتحادنا خاوية من أي نشاط كروي قريب يتعلق بمشاركة منتخبنا الوطني الأول في أي تصفيات تمهيدية لكأس العالم 2014 باستثناء تلك المباريات الودية التي أُعلن عنها مؤخراً في وسائل الإعلام وأهمها ضد السلفادور ؟ مهما كان أو سيكون نوع ذلك النشاط فإن الأشقر الألماني ما زال ملزماً بعقد جارِ مع اتحاد الكرة ينتهي في نهاية آب القادم وهو يدرك جيداً قبل غيره أنه حال وصوله يوم 12 آذار الحالي فإنه سيتولى قيادة المنتخب الاولمبي في تصفيات اولمبياد لندن (2012 ) وأن سياق الأحداث يتجه نحو ذلك دون أية تكهنات أخرى نظراً إلى أسبقية الأولويات والاستحقاقات الدولية القادمة في وقتنا الحاضر ولا أظنه سوف يتوقف كثيراً عند مسألة حضوره الى بغداد أو أربيل لأن "الخواجات" بارعون في فن الإقناع وهو لا يختلف كثيراً عن الذين سبقوه في الدهاء والتسويف وإعطاء المبررات الأخرى التي سيكون مذاقها بطعم العسل في فم الآخر. لكن لا يفصلنا عن موعد الدور الثاني من مشوار التصفيات الاولمبية غير ثلاثة أشهر فقط، حيث ستتنافس المنتخبات المتأهلة والبالغ عددها (11) منتخبا مع (13) منتخبا أي (24) منتخباً صنفت سابقاً في المراكز المتقدمة وبحيث تصبح المواجهة (ذهابا وإيابا) أيضا يومي 19 و23 حزيران القادم وان كل دول الجوار أعدت عدتها جيداً إلا نحن لا نزال نماطل ونبّصر طالع الاولمبي في قعر فنجان مكشوف الملامح ومعروف الأسماء. ونظنها فرصة ثانية ومعقولة للحكم على قدرات المدرب سيدكا في اختيار مجموعة جديدة من لاعبي الدوري المحلي والشباب بحيث انه ولأول مرة لن يعتمد على رهان المحترفين لأن أعمارهم بعيدة عن المقرر لها في هذه الدورة. كذلك فان سيدكا مطالب وللمرة الثانية على بناء نواة منتخب جديد مميز بالمواهب والطاقات بعد ان تعكز سابقاً بحجة ضيق الوقت وأهمية الاستحقاق القاري الاخير ، مستغلاً فرصة مشاركة فرق (أربيل ودهوك والطلبة ) في البطولة الآسيوية للحكم على مستويات اللاعبين إضافة إلى مباريات الدوري المحلي . كما نوجه نداء صادقاً إلى مسؤولي اتحاد الكرة فيما إذا قرروا تسمية سيدكا او أي مدرب آخر بأن يصدقوا معه بأعمار اللاعبين ويصارحونه إذا ما استقر على أسماء معينة تندرج ضمن العمر المستوفي لشروط المسابقة ، فلم يعد الأمر يحتمل أكثر من ذلك لأننا بحاجة إلى بناء جيل صحيح أساسه الشباب والدقة في الأعمار وعلى أثرها تترتب أمورنا الفنية الأخرى وعلى ضوئها نبني توقعاتنا المستقبلية. وعلى الاتحاد الكرة العراقي أن يزج بلاعبي المنتخب الاولمبي في المباريات الودية القادمة تحت اسم المنتخب الأول من اجل الإعداد والوقوف على مستوياتهم الفنية وهي فرصة مواتية للجميع من اجل إثبات كفاءته وذاته في المنتخبات الاولمبية من ثم الاعتماد عليه في البطولات الدولية القادمة وكذلك إحياء سنّة الاحتراف الخارجي بعد ما هجرتنا كل الأندية الخليجية والعربية لانخفاض مستوى اللاعب العراقي فنياً مع فوارق مادية مالت صوب الداخل وبات خارج حسابات سوق العرض والطلب الاحترافي العربي. أخيراً يحدونا الشوق لرؤية منتخبنا الاولمبي وهو يتأهل من جديد لهذا المحفل الدولي وان يعيد لنا انجاز 2004 كون ان نتيجة أثينا (اللافتة) جاءت بأقدام جيل ذهبي مميز،ويومها كانوا في ريعان شبابهم وربيع أعمارهم. أما اليوم فقد وصل بعضهم إلى خريف عطائهم، فما أحوجنا الآن لمهمة النبش والبحث ثم التنقيب عن مواهبنا الكروية المدفونة هنا وهناك وذلك ليس بالمستحيل على سيدكا إن اجتهد كثيراً سواء كان قائداً لدفة الاولمبي او بقي مع الأول لكن سقف التمني جزماً سينهار على رؤوس الحالمين المخدرين بترياق الأماني إن بقوا راقدين تحت ظلال المعجزة الخارقة لأن الإنجاز لا يتأتى إلاّ بدقة التخطيط والاجتهاد والتحضير العملي المدروس.