ينطبق على جوزيف سيب بلاتر رئيس دولة الفيفا ما يسري نصاً وروحاً على كثيرين أشباهه وأتباعه ومريديه في دول متفرقة في العالم ممن يتناولهم المثل الايرلندي الشهير ((He stoops to conquer)) والترجمة هي (يتمسكن حتى يتمكّن) ، ولعلني أسلم بكل ما ذهب إليه إعلامي مرموق حين قال بعد انتخاب بلاتر رئيساً ومالكاً للاتحاد الدولي .. (إنها حلقة من مسلسل تراجيدي بُني السيناريو فيه على فكرة الفساد المالي والإداري وأختير السويسري (جوزيف سيب بلاتر) من أعدائه، ليكون بطلاً من طينة زعيم المافيا الأميركي الشهير (آل كابوني)! وقد ذهب بلاتر بالدور والفعل والممارسة إلى ما هو أكثر من آل كابوني بالفعل .. ربما يقترب نموذجه من (العرّاب) في رائعة مارلون براندو ، فتجارب الأيام والسنين التي أعقبت تربع مافيا بلاتر على عصب الحياة في ملاعب العالم ، أثبتت أن بلاتر قليل ذمة ، فهو يلوك كلمة ديمقراطية آناء الليل وأثناء النهار ، ويسبّح بحمد الرأي الحر ، ويُسهب في تبيان فضائل الانتخاب ، ويدعو الشعوب الكروية إلى ممارسة حقها في الاختيار من دون ترهيب أو حتى ترغيب، لأنها يجب أن تمارس طقوس حقها وواجبها في غاية الشفافية .. يا عيني عالشفافية! لكنه في الواقع يقود واحداً من أعتى الديكتاتوريات في العالم .. فهو لا يقبض على الكرسي ويمارس الاتجار بالمخدرات كما تفعل ثلة من زعماء أمريكا الجنوبية ، ولا يزج بخصومه ومعارضيه في غياهب السجون حتى آخر قطرة نفس في حياتهم .. إنه أكبر وأدهى وأمرّ من ذلك .. إنه يمسك بخيوط اللعبة التي يحبها الفقير والغني ، ويعشقها الطفل والعجوز ، وتدور بفعلها مواجهات سياسية أممية طويلة ، وتنشب حولها حروب عسكرية دامية .. بلاتر يمسك بمصير كرة القدم ، ويذبح أهلها من الوريد إلى الوريد ، بقراراته التعسفية الجائرة التي لا صلة بخيارات الناس ، وإنما لها صلة بالمصالح المالية المترعة بالفساد حتى أعلى الرأس .. بلاتر الذي يناطح الدول ويستخف بالشعوب ، ويستبقي إتحادات ميتة أو يمدد لها مدة سنة برغم أنف الناس ، لا ننسى أنه قبل شهر يضع رأسه قبالة دول الاتحاد الأوربي (السياسي) مجتمعة كي يبارزها حول نظام اللاعب الأجنبي والمواطن ، ولم تكن زعامات الإتحاد قادرة على خدش قرنيه فضلاً على ثلمهما .. فماذا تفعل شعوب أخرى ابتليت بقادتها الكرويين وضاقت ذرعاً بهم ، لكنها تجد بلاتر في كل مرة وهو يقف إلى جانبهم ويمدهم بكل ما يلزم من سلاح لقمع هذه الشعوب وتمييع موعد الانتخاب! وقائع التأريخ تقول إن الأعضاء الأربعة والعشرين العاملين في اللجنة التنفيذية للفيفا هم الآن في الجيب الجانبي لجاكتة بلاتر .. لكننا لو عدنا إلى 2002 وهو عام انتخابه لوجدنا أن أحد عشر عضواً في اللجنة التنفيذية رفعوا تقريراً مفصلاً عن سرقات بلاتر! حتى أن إبن بلده ميشيل زين روفينين قدم وقتها تقريراً مهلكاً من (24) صفحة عن غرق بلاتر في الفساد .. انظروا إلى هذا التحول ، وتخيلوا كيف يعمل بلاتر ، وكيف يقلده أشباهه كلٌ في دولته ومجتمعه حين يتم شراء الذمم وينتقل العضو النافذ من معسكر المعارضة إلى صوب الموالاة.. يكثر التمرد الآن على سلطة بلاتر ، في مناطق عدة في العالم ، يحاول الفيفا أن يخمد أصوات التغيير فيها .. وبعد كل هذا تأتي سلطة الفيفا لتتحدث عن ديمقراطية الاختيار والممارسة!