قوله: [ الرابع: مسه بيده- لا ظفره- فرج الآدمي المتصل بلا حائل، أو حلقة دبره] لحديث بسرة بنت صفوان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من مس ذكره فليتوضأ قال أحمد هو حديث صحيح . وفي حديث أبي أيوب وأم حبيبة من مس فرجه فليتوضأ قال أحمد: حديث أم حبيبة صحيح، وهذا عام ونصه على نقض الوضوء بمس فرج نفسه ولم يهتك به حرمة تنبيه على نقضه بمسه من غيره.
الشرح: هذا أحد نواقض الوضوء- أيضا- وهو مس الفرج باليد، واستدل عليه بحديث بسرة بنت صفوان مرفوعا
وقد صحح هذا الحديث جمع من الأئمة، وبعضهم لم يصححه . فالذين صححوه قالوا قد رواه عروة بن الزبير و عروة عالم جليل، وهو أحد الفقهاء السبعة. والذين لم يصححوه لم يثبتوا رواية عروة عن بسرة وقالوا: إنما رواه عن مروان بن الحكم فهو الذي اشتهر أنه روى هذا الحديث عن بسرة ولما تذاكروا فيه مرة قال مروان حدثتني بسرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال
فلما استنكر هذا الحاضرون أرسل شرطيا إلى بسرة ليسألها عن ذلك، فرجع وقال: سألتها واعترفت بذلك، فعند ذلك أقره الحاضرون. فالذين ردوا الحديث قالوا: لأنه من رواية مروان و عروة إنما رواه عن مروان فمن العلماء من رأى أن لمس الفرج غير ناقض؛ لأن الحديث لم يثبت، قالوا: وهذا حكم عام يبتلى به كثير من الناس، فلو كان ينقض لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بيانا عاما، ولم يخص ذلك على أكابر الصحابة، فلم ينقله إلا امرأة، فلو كان ثابتا لرواه أجلاء الصحابة وأكابرهم. ثم استدل هؤلاء على عدم النقض بحديث طلق بن علي ورجحوه على حديث بسرة وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الرجل يمس ذكره فقال
يعني: أنه لا ينقض. وأجاب الأولون الذين قالوا بالنقض بأن هذا الحديث صحيح ولكنه منسوخ؛ لأن طلق بن علي قدم في السنة الأولى للهجرة وهم يؤسسون المسجد النبوي فسمع هذا الحديث في أول الأمر، وقد كان سهل لهم الأمر في أول الإسلام لحداثة عهدهم بالإسلام، فمن باب اليسر والسهولة لم يكفوا بالأشياء التي تشق عليهم، فلم يؤمروا بالوضوء من مس الذكر، ثم بعد ذلك أمروا. واستدل الذين قالوا بالنقض بآثار عن الصحابة وأنهم قالوا بنقض الوضوء بمس الذكر، فقد روى مالك في موطئه عن سعد بن أبي وقاص أن ولده كان يقرأ عليه في المصحف فتحكك، فقال له سعد لعلك مسست ذكرك؟ قال: نعم. قال: قم فتوضأ . وهكذا روي عن غيره من الصحابة أنهم رأوا الوضوء من مس الذكر، وهذا مروي في مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق وموطأ مالك وفي شرح معاني الآثار للطحاوي وغيرها. فبكل حال: المسألة فيها خلاف حتى بين الصحابة، فقد سئل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- عن الوضوء من مس الذكر فقال: إن كان فيك شيء نجسن فاقطعه!! إنكارا على من يرى نقض الوضوء بالمس، فدل هذا على أن في المسألة خلافا حتى بين الصحابة. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الوضوء من مس الذكر مستحب لا واجب . وبعض العلماء يفصل ويقول: إن كان المقصد من المس إثارة الشهوة، فإنه ينقض الوضوء، فيؤمر الإنسان بأن يتوضأ ثانية؛ لأن الوضوء يخفف الشهوة، كما أنه يؤمر إذا أنزل بأن يغتسل. وأما إذا كان المس لغير ذلك فلا يعيد الوضوء. فأصبح في المسألة ثلاثة أقوال: 1- قول أنه لا ينقض مطلقا. 2- وقول أنه ينقض مطلقا. 3- وقول يرى أنه إن كان المس لإثارة الشهوة فإنه ينقض، وإن كان لغير ذلك فلا ينقض. والفقهاء عندنا يرون أنه ناقض مطلقا، وقالوا: إذا نقض لمس ذكره بنفسه مع أنه ماهتك حرمة أحد، فبطريق الأولى إذا هتك حرمة غيره، فإنه ينتقض وضوءه. هذا تعليلهم، والأحاديث ليس فيها إلا الإضافة للنفس
وليس فيها إذا مس ذكر غيره. وهاهنا مسألة مهمة، وهي أن كثيرا من النساء تسأل عن حكم لمس فروج الأطفال؛ لأنهن- أي النساء- كثيرا ما يبتلين بذلك، والصواب- إن شاء الله- أن هذا لا ينقض الوضوء؛ لأنه يقع كثيرا، وليس فيه هتك حرمة، وهو مما تبتلى به المرأة دائمة إذا أرادت غسل ولدها، أو تنجيته، أو نحو ذلك. ثم نقوله: الأحاديث في هذه المسألة قد جاءت في لمس الذكر، ولكن وردها إحدى روايات الحديث
. قالوا: فإذا كان هذا في حق الرجل فكذلك المرأة إذا لمست فرجها فإنها تتوضأ. وقد ورد في بعض الأحاديث
بلفظ المذكر، فعداه الفقهاء إلى كل ما يسمى فرجا، فلذلك نقضوا الوضوء بمس حلقة الدبر؛ لأنها أحد الفرجين. والراجح في هذه المسألة أن الوضوء ينتقض بمس الفرج ذكرا أم دبرا، إذا كان لشهوة، وإلا فإن الوضوء مستحما من ذلك كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-.