قوله: [وغسل الرجلين مع الكعبين] لقوله تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .
الشرح: الفرض الثالث من فروض الوضوء: غسل الرجلين مع الكعبين لقوله تعالى:
وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ والكعبان هما العظمان الناتئان في جانبي القدم وهما داخلان في الغسل؛ لأن قوله تعالى في الآية (إلى) بمعنى (مع) كما سبق في غسل اليدين. ويدل على غسل الرجلين عدة أحاديث صحيحة منها: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- رأى جماعة توضؤا وبقيت أعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال:
وقال جابر -رضي الله عنه- أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأنا أن نغسل أرجلنا وعن عمر -رضي الله عنه- أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدميه فأبصره النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:
وغير هذا من الأحاديث الكثيرة الدالة على غسل الرجلين، فلا عبرة بعد هذا بقول الرافضة أن المتوضئ يمسح على رجليه ولا يغسلهما، واستدلوا بقوله تعالى: (وأرجلكم إلى الكعبين) أي بجر (وأرجلكم) عطفا على قوله تعالى: (وامسحوا برؤسكم) وهذه قراءة متواترة. والرد عليهم أن يقال: بأن قوله تعالى
وَأَرْجُلَكُمْ قد قرئت بالنصب، فهذا صريح في الغسل لأنها تكون حينئذ معطوفة على قوله
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ . وأما قراءة الجر فيجاب عنها بخمسة أجوبة. 1- أن تحمل على أنها من باب المجاورة، أي أن (أرجلكم) جرت؛ لأن (رؤوسكم) مجرورة، وهذا مشهور في لغة العرب، ومنه قولهم: (هذا جحر ضب خرب) بجر (خرب) برغم أن الأصل رفعه؛ لأنه صفة لحجر، وحجر مرفوع، وإنما جر لمجاورته كلمة (ضب) المجرورة. 2- الجواب الثاني: أن قراءة الجر معناها: اجعلوا غسلكم للرجلين كالمسح أي لا يكون غسلا تتبعون به أنفسكم؛ لأن من عادة الإنسان أن يكثر من غسل رجليه؛ لأنها هي التي تباشر الأذى، فمقتضى العادة أنه يزيد في غسلها، فقراءة الجر يقصد منها- والله أعلم- كسر ما يعتاده الناس من المبالغة في غسل الرجلين؛ لأنهما اللتان تلاقيان الأذى. 3- الجواب الثالث: أن قراءة الجر تنزل على حالي من أحوال الرجل وهي كونها مستورة بالخف، فيجب حينئذ مسحها، وأما قراءة النصب فتنزل على حال تكون فيها الرجل مكشوفة، فيجب حينئذ غسلها. 4- الجواب الرابع: أنه لو ثبت أن المراد بالآية المسح لحمل المسح على الغسل جمعا بين الأدلة والقراءتين؛ لأن المسح يطلق على الغسل كما ذكر هذا جماعة من أئمة اللغة، يقال: مسح المطر الأرض أي غسلها. 5- الجواب الخامس: أن قراءتي النصب والجر يتعادلان، والسنة بينت ورجحت الغسل فيتعين. -89-