يتجرد المسلم من لباسه المعتاد إذا كان رجلا ، ويرتدي لباسا خاصا ؛ حيث يقتصر على إزار يشدّ به عورته، ورداء يلفه على ظهره ، يتذكر بذلك تجرده من الدنيا ، ومن زينتها، ويتذكر بذلك أيضا لباس الموتى، وهو أنهم يكفنون بأكفان كهذه الأكسية، فهو بهذه الأكسية قد دخل في النسك، ودخل في هذه العبادة العملية. أما المرأة فإنها تلبس ما تشاء من الثياب، وليس لها لباس خاص عند الإحرام كالرجال، كما يفعله بعض الجهلة من لبس النساء لثوب أبيض أو أخضر، فإن هذا لم يشرع وأن لبسها الأبيض فيه تشبه بالرجال، ولا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل لا في اللباس ولا في غيره، بل عليها التستر والحشمة حتى لا تكون محل فتنة. والإحرام هو أول أعمال الحج، وهو أول ما يتلبس به الحاج أو المعتمر، وهذا الإحرام هو النية، وليس هو اللبس ، بل مجردُ نية الناسك ، وعزمه على الدخول في النسك هو الإحرام، ولو لم يتجرد من لباسه، فكثيرا ما يتجرد المحرم من لباسه المعتاد ويلبس ملابس الإحرام ولم ينو النسك ، والعكس كذلك، أن ينوي الدخول في النسك ويصبح محرما وهو باق على لباسه المعتاد لم يخلعه . إذا فالنية هي الأصل ، وهي العزم على الدخول في النسك. فإذا رأينا إنسانا لبس إزارا على عورته ورداءا على ظهره، فليس بشرط أنه محرم وأنه دخل في النسك ، ولهذا يجوز أن تلبس إزارا ورداءً وأنت في بلدك ولا تحرم ، وذلك لأنه لباس معتاد قبل الإسلام، وجائزٌ لبسه لغير المحرم. وكذلك قد لا يجد المحرم الرداء الذي يجعله على ظهره، فيتخذ ثوبا أو بطانية أو عمامة ويلقيها على ظهره، أو يبقى ظهره مكشوفا، وقد لا يجد إزارا؛ فيأتزر بثوب أو قميص يغطي به عورته أو ما أشبه ذلك، وهكذا بهذه النية يكون الإنسان محرما ولو لم يلبس هذا اللباس الخاص. وقد لا يتيسر للبعض التكشف ولبس الإحرام الخاص، كالذين يعملون الأعمال الرسمية، ويريدون أداء المناسك، فيجوز لهم أن يحرموا بأكسيتهم وألبستهم المعتادة، فيجوز للجندي مثلا أن يحرم ويلبي وهو لابس قميصه، وعليه برنيطة على رأسه، ويتجنب المحظورات، ولكن يكون عليه فدية عن هذا اللباس، وإحرامه صحيح، فإن الإحرام هو النية والتلبية وما أشبهها. وقد اشتهر عند الإحرام أن يقلم المحرم أظفاره، ويقص من شاربه، ويحلق شعر عانته ونحو ذلك. فهل هذه من السنن؟! نقول : ليست هذه من السنن ، ولكن شُرِعَت للمحرم مخافة أن يتأذَّى بهذا الشعر، وهذه الأَظفار عند إطالتها ، فبعد الإحرام عادة ما يبقى الحجاج في إحرامهم نصف الشهر ، أو عشرين يوما وهم محرمون، ولا شك أن المحرم منهي أن يقلم أظفاره، وأن يقص من شعر شاربه أو شعر عانته أو إبطه أو نحو ذلك. فلسان حاله يقول : بما أني منهي عن ذلك وأنا محرم، فسوف أقلمها وأقصها ما دام ذلك حلالا، قبل أن تطول وتؤذي وأكون ممنوعا منها بعد عقد النية بالنسك. أما في هذه الأزمنة فالحاجة إلى أخذ هذه الأشياء قليلة، وذلك لقصر مدة الإحرام لتقارب المسافة، وذلك لوجود الناقلات التي تقرب البعيد. وقد قيل : إن الصحابة رضي الله عنهم بقوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- خمسة عشر يوما وهم محرمون، وبعضهم أحرم في خمس وعشرين من شهر ذي القعدة، ولم يتحلل إلا يوم العيد، فبقوا خمسة عشر يوما وهم محرمون، وبعضهم تحلل في اليوم الخامس من ذي الحجة، حيث جعلوها عمرة، ثم أحرموا في اليوم الثامن من ذي الحجة، وبقوا على إحرامهم إلى اليوم العاشر، وبكل حال فقد خشوا في هذه المدة الطويلة أن تطول أظافرهم فتعاهدوها قبل الإحرام، وتعاهدوا شعورهم مخافة أن تؤذيهم. أما إن أحرم مثلا في اليوم الثامن وتحلل في اليوم العاشر، فإن هذه المدة لا يطول فيها الشعر والظفر، فلا أهمية ولا إلزام في أخذ هذا الشعر ولا هذه الأظافر ونحوها ؛ سيما إذا كانت قصيرة.