جيكوب إبشتاينJacob Epstein نحات روسي الأصل أمريكي المولد والجنسية. ولد في نيويورك وتوفي في لندن. نشأ في مدينة نيويورك وبدأ منذ عام 1901 يتابع دروساً مسائية في فن التصوير، وأمضى ردحاً من شبابه يرسم صوراً نابضة بالحياة للحي الذي ولد وعاش فيه. إلا أن ضعف بصره اضطره إلى ترك التصوير والتحول إلى النحت الذي بدأت صلته به عندما كان يعمل في سنوات شبابه الأولى في أحد مسابك البرونز. هاجر إلى باريس وعاش فيها بين عامي 1902 و1905 وتلقى دروساً جادة في النحت، وتأمل المنحوتات القديمة في متحف اللوفر وكان لها أثر عميق في نفسه. وفي عام 1905 انتقل إبشتاين إلى لندن وفيها حصل على الجنسية البريطانية (1907م) وراح يشق طريقه في مجال المنحوتات الشخصية فأبدع فيها. إلا أنه أثار فضيحة صارخة بمنحوتاته المعروفة بتماثيل ستراند، وهي ثمانية عشر تمثالاً نحتها لواجهة بناء الرابطة الطبية البريطانية في لندن، وقد عرفت بهذا الاسم نسبة إلى الشارع الذي وضعت فيه، وأنجزها إبشتاين في عام 1908. وقد وجه إلى هذه التماثيل نقد عنيف لا بسبب عريها فحسب، بل بسبب تشتتها التعبيري كذلك، مما دفع بأطباء لندن إلى المطالبة بتحطيمها، وتم ذلك فيما بعد في عام 1938. ومع إنجاز التماثيل المذكورة ذاعت شهرة إبشتاين، واستدعي في عام 1911 إلى باريس حيث قام بنحت نصب تذكاري للكاتب الإرلندي أوسكار وايلد (في مقبرة الأب لاشيز Père La Chaise)، وقد قوبل هذا النصب باحتجاجات شديدة بسبب ما فيه من أشكال غريبة للملائكة. وأتيحت لإبشتاين في أثناء إقامته في العاصمة الفرنسية فرصة لقاء كل من الفنانين بيكاسو [ر] وبرانكوزي [ر] وموديلياني [ر] والتأثر بأفكارهم. وقد أسهم، بعد عودته إلى بريطانية، في إنشاء رابطة «الدوَامة» Vortex أو ما عرف باسم «جماعة لندن»، التي ضمت العديد من الفنانين التشكيليين والأدباء وفيهم لويس وندام (Lewis Wyndham (1884 - 1957 مؤسس «الحركة الدوامية» Vorticism. كان لاتصال إبشتاين بفناني باريس وإسهامه في إنشاء رابطة الدوامة أثر كبير في إنجازه بعض أهم أعماله التي اتصفت بالتبسيط الشديد في الأشكال وبالسطوح الهادئة المريحة، وقد نحتت معظم هذه الأعمال من الحجر ما عدا منحوتة «مثقب الصخر» The Rock Drill البرونزية (1913) (تايت غاليري) التي تعدّ أقوى أعمال هذه المرحلة. وقد أظهر شكلها، الذي يشبه إلى حد كبير شكل الإنسان الآلي، اهتمام إبشتاين، ولمدة وجيزة، بالتصميم المجرد ذي الملمس الناعم الصقيل. وتنقسم أعمال إبشتاين عموماً إلى فصيلتين: المنحوتات النصبية من الحجر، والصور الشخصية من البرونز. وقد أطلقت على إنتاجه تسمية: «الطريقتين» The Tow Modes، وتناولت أعماله من الفصيلة الأولى موضوعات دينية وقصصية تحمل رموزاً خاصة، مثل منحوتة «التكوين» (Genesis 1930) ومنحوتة (هاكم الرجل) (Ecce Homo 1935)، وكلتاهما تعتمدان أشكالاً قاسية عليها مسحة من التوحش، ومنحوتة من الميغاليت Megalith، وهو حجر قاس استخدم في آثار ما قبل التاريخ، تبرز بوضوح شكل الكتلة الأصلية التي نحتت منها. أما أعماله من الفصيلة الثانية فهي انطباعات مباشرة عن الأشخاص بكامل العفوية، وبهدف إبراز خصائصهم، وتتصف بالسطوح المضطربة في غناها. فلقد بالغ إبشتاين في استخدام السطوح الخشنة مما أتاح له إبراز حركة الضوء على البرونز، ولم يعد لهذه المنحوتات سوى صلة واهية بالكتلة الأصلية، صلة حولتها إلى عمل تزييني ليس أكثر. استمر إبشتاين، منذ عام 1920 وحتى نهاية حياته، في نحت التماثيل النصفية للشخصيات من البرونز وأتقنها فيما بعد إتقاناً حمل النقاد على تقديرها والإشادة بها. وكان بينها تمثال أينشتاين (1933) وتمثال برنارد شو (1934). إلا أن إبشتاين استمر مع ذلك في إنتاج تلك المنحوتات الحجرية الضخمة المثيرة للجدل والخلاف مثل منحوتة «إبليس» (Lucifer (1945، ومنحوتة «المسيح في جلاله» (Christ in Majesty (1957 (كاتدرائية لانداف)، ومنحوتة «القديس ميخائيل والشيطان» (1958) (كاتدرائية كافنتري). تتجلى مكانة إبشتاين في تاريخ النحت البريطاني بإنتاجه الوفير والمتنوع. وإذا ما كانت بعض منحوتاته الكبرى قد لقيت انتقادات حادة، فإن بعضها الآخر حظي برضا النقاد وإعجابهم. يضاف إلى ذلك أن ما نحت من تماثيل نصفية كثيرة لقي الكثير من ثناء النقاد كذلك. وكان هذا ما دفعهم إلى أن يوازنوه بكبار نحاتي هذا الفن لا في تاريخ النحت البريطاني فحسب، بل في تاريخ نحت التماثيل النصفية لدى جميع الشعوب. وإليه يعزى الفضل في إنقاذ فن النحت في بريطانية من الركود الذي كان يكتنفه.