الحسن العسكري

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : محمد عبد الله قاسم | المصدر : www.arab-ency.com

الحَسَنُ العَسْكَرِيُّ
(293-382هـ/906-993م)
 
الحَسَنُ بْنُ عبدِ الله بن سعيد أبو أحمدَ العسكريُّ نسبةً إلى عَسْكَر مُكْرَم في إِقليم خوزستان قرب الأَهْواز. راويةٌ ضابطٌ وعالِمٌ في الشِّعر واللُّغةِ والأدبِ وصاحبُ التصانيف المشهورة في «التصحيف».
وُلد الحَسَنُ في عَسْكَر مُكْرَم، وتلقّى علومَه الأولى في كُتّابِها، وشجّعه على طلب العلم والدُه الذي كان عالماً جليلاً روى عنه أبو أحمد بعضَ الأخبار، حتى إذا استوفى غايته من مجالسةِ شيوخِ بلده طَمِحَتْ به همّتُه إلى الرحلة، فدخل بغداد والبصرة وأصفهان وسمع فيها رجالاً أسهموا في ثِقافِه واستوائِه رجلاً عالماً.
آبَ الحسنُ إلى بلاده، وطبقت شهرتُه الآفاق، وانتهت إليه رئاسةُ التحديث والإِملاء والتدريس بقطر خوزستان، وكان يُملي بالعَسْكر وتُسْتَر ومُدن ناحيته ما يختارُ من عالي روايته عن متقدّمي شيوخه ومتأخّريهم، ورحل إليه الأجلاّءُ للأخذ عنه والقراءة عليه، وانتفع به خَلْقٌ على رأسِهم سَمِيُّه وبلديُّه وابن أخته أبو هلال العسكريّ (ت395هـ)، والناظر في كتاب أبي هلال «ديوان المعاني» يلمحُ تلك الرواية الواسعة عن شيخه أبي أحمد، وأبو محمّد خلف بن محمد بن علي الواسطيّ (ت401هـ)، وأبو سعد أحمد بن محمّد المَالِيني (ت412هـ)، وأبو نُعَيْم الأصفهاني (ت430هـ)، وغيرُهم كثير.
تذكر كتب التراجم خبراً لطيفاً للحسن مع الصاحب بن عبّاد(ت385هـ) مُلَخَّصُه أنَّ ابن عبّاد قد تمنّى لقاءَ الحسن، وكان يكاتبُه الفينةَ بعدَ الفينة، ويستميلُ قلبَه، فيعتلُّ عليه الحسن بالشيخوخة، فلمّا يئس منه احتال في أَنْ يوفدَه السلطان إلى ناحية عسكر مُكْرَم ليحظى بلقاء هذا الشيخ، ولمّا ارتحل الصاحب إليها توقّع زيارة الحسن، غير أنّ الحسن لم يفعل، فوقعت بينهما مكاتباتٌ فيها عتابٌ لطيف شعراً ونثراً، ولمّا تُوفي الحسن رثاه الصاحب أصدق رثاءٍ.
ترك الحسن آثاراً جِياداً بلغت بضعة عشر كتاباً، نُشِرَ بعضها، وبعضها بين مفقود ومخطوط. منها: كتاب صناعة الشِّعر أو علْم النظم، والحكم والأمثال المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وراحة الأرواح، والزواجر والمواعظ، وتصحيح الوجوه والنظائر، وما يلحن فيه العامة، والأمالي.
يكاد يكون الحَسَنُ العسكريُّ إمامَ الأئمةِ الذين ألَّفُوا في بابِ التصحيف، والتصحيفُ ضَرْبٌ من الوهم والغلط يقع فيه القَرَأَةُ والمحدِّثون وأصحاب الأخبار ونَقَلَةُ اللُّغة، ينشأُ من تشابه صور الحروف وإهمال الضبط والنقط والإِعجام في الكتابة العربيّة، ولمّا كثر كثرةً مفرطة انبرى العلماء للتأليف فيه، والتنبيه على ما يقع منه، فألَّفَ حمزة بن الحسن الأصفهاني (ت نحو 360هـ) كتابَه الجهير «التنبيه على حدوث التصحيف»، وألّف الحسنُ العسكريُّ في شرح ما يُشْكِلُ ويقعُ فيه التصحيف كتاباً كبيراً جامعاً لِمَا يحتاجُ إِليه أصحاب الحديث ونَقَلَةُ الأخبار من شرح ألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم التي لم تُضْبَطْ وحُمِلَتْ على التصحيف، ولِمَا يحتاجُ إليه أهْلَ الأدب من ضبط ما يُشْكِلُ من ألفاظ اللُّغة والشِّعْر وأسماء الشعراء والفرسان وأخبار العرب وأيامها وأنسابها وأماكنِها. وقد سُئل الحسن في أصفهان والرِّيّ أن يفرد ما يحتاج إليه المحدِّثون مِمّا يحتاج إليه المتأدّبون من كتابه هذا، فجَعَلَه كتابَيْنِ، أوّلهما «تصحيفات المحدِّثين»، طبع في القاهرة، وثانيهما «شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف» طُبع في دمشق.
ومِمّا نُشِرَ من آثاره «أخبار المصحِّفين» وهو كتاب صغير الجِرْم اشتمل على طائفة صالحة من الأخبار والأحاديث التي وقع فيها التصحيف والتحريف في مجالس العلماء والخلفاء من عصر بني أميّة حتى عصر المؤلِّف. ومِمّا نُشر له أيضاً «المصون» وهو كتاب نقدي جامع أداره صاحبُه على فصول في نقدِ الشعر وموازنات بين الشعراء، وثانية في روائع التشبيهات، وثالثة في السرقات الأدبية، وكلّ أولئك شفعه باختيارات من جيدِ الشعر ورصينهِ. ولم يُخْلِه من نصوص نثرية بليغة من كلام الأعراب والفصحاء من الخلفاء. وقد اشتمل الكتاب على آراء نقدية حصيفة جَعَلَت بعضَهم يعتدُّه في طليعة كتب النقد الأدبي.