هـمّـام عـزيـز هـمّـام

الناقل : loaa | الكاتب الأصلى : من ايميلي

هـمّـام عـزيـز هـمّـام
في إحدى ثكنات الجيش الرابضة على الحدود وقف القائد همام عزيز همام معتداً بنفسه، مستشيطاً بأوداجه، أمام ثلة من الجنود المتراصين في صفوف متوازية، يحيط به وبهم نفر متربصين، يقومون على حراستهم، خشعاً أبصارهم تجاه عصا غليظة يلوح بها قائدهم تجاه خريطة خضراء، تناثرت عليها عدد من الدوائر الفسفورية بعشوائية جديرة بالاهتمام
كان الوقت ظهراً، شديد القيظ، بينما الجنود في عرقهم الغزير، وعيونهم الجاحظة، يحاولون بانفاس لاهثة إخفاء هذا الشحوب الذي يعتريهم
*******
كان الملازم أول سمعان راضي، يقف بين الجموع في هذه الأجواء محدثاً نفسه، ممنياً إياها بالصبر، داعياً الله ان يزول الوجود من حوله، قبل ان تحترق أوصاله
كان مثيراً لغيظه، شدة القيظ
مع ذلك كانت رؤيته للقائد همام عزيز همام أكثر إثارة من سواها، خصوصاً وانه – أي القائد همام – كان لا يعرق، رغماً عن انصهار الجنود حوله
فضلاً عن أن أوداجه بدا عليها نشاط مريب، وكأن ثمة مراوح داخلية قد زرعت في شرايينه
وإلا فما سر.. هكذا يتساءل سمعان.. ان همام جاف، بينما الآخرون مبتلون
*******
 ملازم أول بركات حسن بركات -
 حاضر يا افندم -
 ملازم أول سمعان راضي المتوكل -
.......... -
 ملازم أول سمعان راضي؟ -
  موجود يا أفندم -
 ما بترد ليه يا عسكري -
 أسف يا افندم -
 أسف دي عند أبوك، هنا مفيش أسف -
 تمام يا فندم -
 للخلف در يا عسكري، يومك مش معدي النهاردة -
 شكراً يا فندم -
*******
باعتداد النسور، وقف اللواء همام عزيز همام، في مواجهة سمعان، وبركات، قائلاً باهتمام
العملية المقبلة محاطة بأعلى درجات السرية، القيادة -
العامة في وزارة الدفاع قامت بمراجعة ملفاتكم، بعد عمل التحريات اللازمة عنكم وعن ذويكم، وقد تم اختياركم وترشيحكم للقيام بهذه المهمة الغامضة، في غضون الـ48 ساعة المقبلة
سرت كلمات القائد همام في شرايين الملازم سمعان، وقد أخذت طلائع النور تبرق من عينيه، فقال بعفوية تواقة
أخيراً يا فندم، أخيراً ح نعمل حاجة عشان الوطن -
لاحظ القائد همام المعتد كما النسور- وبذكاء الطيور المنقطع النظير - حماس جنوده، فما كان منه إلا أن ضاعف من انتفاخ أوداجه، حتى كادت أن تنفجر، قبل أن يضيف
المهمة الموكلة إليكم، تعني بها رئاسة الجمهورية -
كل العناية، وقد كلفني السيد وزير الدفاع بالإشراف عليها ومتابعتها
ثم امتطى السيد "همام" صهوة نسوره، قبل أن يصهل مضيفاً
وكلي ثقة يا أبنائي أنكم لن تخذلوني -
قال هذا، ثم اخذ يراقب أثر حديثه - ذو الشجون - في نفوس الجنديين أمامه، وقد راق له كثيراً أن الجندي سمعان قد أخذت عينيه ترقص في محجريهما، بل.. وتغني
كان هذا منه، بينما الشابين قد فاض بهما الأمل، فلم يطيقا مع ذلك صبراً حتى يعرفا تفاصيل المهمة، فقاطع "سمعان" قائده من فرط همته، قائلاً: وكلنا في خدمة الوطن يا سيدي، دماؤنا فداءً للدين، والأرض
أوشك القائد "همام" على البكاء تأثراً، من شدة العاطفة التي اجتاحت أركان جوارحه، فقال متهدجاً كالملتاع حنيناً
والوطن يعرف ذلك، كلنا فداءً لهذا الدين، وهذه الأرض -
قال ذلك متشنجاً، مشيراً إلى قلبه، وأسفل قدمه
*******
ابرق اللواء همام عزيز، بعينيه ذات الشمال وذات اليمين، موحياً لجنوده بخطورة ما سيخبرهم به: ايها الاشاوش المغاوير، إليكم تفاصيل المهمة.. سيقوم وفد إسرائيلي عالي المستوى خلال الأيام القليلة المقبلة، بزيارة إلى ارض الوطن، للتشاور مع السيد الرئيس حول مصير غزة وعملية السلام في المنطقة، وقد أوكلت إليكم القيادة العليا مهمة حماية هذا الوفد، وضمان سلامته حتى يعود سالماً إلى وطنه
تبع ذلك صمت ثقيل، وقد خابت آمال جنود الأرض...
...و
ومرت ثواني، قبل ان يقطع الجندي سمعان دابر الصمت حوله، متسائلاً باحتجاج: وهل لهؤلاء وطن حتى يعودوا إليه سالمين؟
فأجاب "همام"، وقد خارت قوى أوداجه بغير ميعاد
نعم، لهم وطن -
وطنهم الأم...
إسرائيل
*******
لم يلبث الجندي "سمعان" أن مزق رتبته العسكرية فور سماعه قول قائده
ثم سقط مغشياً عليه، من هول الاعتراف..
والصدمة
*******
- محمـد عـرفة -