سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : ابن جبرين | المصدر : www.ibn-jebreen.com

[فصل: في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فالسنة تفسر القرآن، وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عنه، وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول، وجب الإيمان بها كذلك] .


(الشرح)

منزلة السنة من القرآن

قوله: (فصل: في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : فالسنة تُفَسِّر القرآن...):
نعرف أن العقيدة مأخوذة عن الوحيين: الكتاب والسنة، هذا هو الأصل في معتقد المسلمين، كما أن الأحكام متلقاة عن الوحيين: الكتاب والسنة.
والسنة هي: الوحي الثاني، وقيل: إنها وحي باللفظ. وقيل: وحي بالمعنى. وقد وصفها المؤلف هنا بأنها تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه.

والمراد بالسنة: أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية، وكونها تفسر القرآن ظاهر، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي أنزل عليه القرآن، فإذا جاء تفسير القرآن عنه وجب الرجوع إليه، وقدم ذلك على كل تفسير، سواء كان تفسيرا لغويا، أو تفسيرا بالرأي أو بغير ذلك؛ وذلك لأنه صدر من منبعه، فحيث إن القرآن متلقى عن الرسول، فكذلك تفسيره يتلقى عنه.
وأيضا فإن الله تكفل ببيانه له، فلا بد أنه ما ذكر من التفسير إلا ما ألهمه أو ما علمه. فالله تعالى أخبر بأنه سيبينه له في قوله تعالى:

وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114] يعني لا تستعجل به.
وفي قوله:

لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة: 16- 19 ] المراد أن الله تكفل بأنه سيبينه، وبيانه إما من حيث وضعه ولفظه، فالرسول عليه السلام يعرف معانيه؛ لكونه بالكلام الفصيح الذي يفهمه، وإما بالتعليم بأن يُبَيِّن له جبريل الذي نزل بالقرآن معانيه، فإذا جاء البيان عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يقدم على كل بيان، وقد أمره الله بذلك، قال الله تعالى:

وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل : 44] يعني تبين لهم أحكام القرآن الذي نزل إليهم، وهذا تكليف، فدل على أن الله كلفه أن يبين ما نزل إليهم، فإذا جاء البيان عنه قدم على كل بيان.

فمثلا أمرنا بالصلاة ومع ذلك لم يذكر في القرآن أوصافها كاملة، فلم يذكر في القرآن عدد الصلوات صريحًا، ولا عدد ركعات كل صلاة، ولا عدد سجدات كل ركعة، وإنما ذكر الله الركوع والسجود والقيام مجرد ذكر كما في قوله:

أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة : 125].
وقوله:

وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج : 26] فذكر القيام والركوع والسجود، ولكن لم يبين أكثر من ذلك.
فمن أين عرفنا أن في كل ركعة سجدتين؟ ومن أين عرفنا أن القيام هو محل القراءة؟ ومن أين عرفنا أن كل ركعة لا بد أن تقرأ فيها الفاتحة؟ ومن أين عرفنا أن الركوع هو الانحناء المعروف، وأنه يسبح فيه بقوله سبحان ربي العظيم ؟ وأن السجود المعروف يكون على الأعضاء السبعة، وأنه يقول فيه: سبحان ربي الأعلى؟ ومن أين عرفنا أن الصلاة تحتاج إلى تكبيرة الإحرام، وإلى تكبيرات تنقل، وإلى تشهد وسلام في آخرها؟ كل ذلك عُرف من السنة، فكل ذلك هو البيان الذي قال الله فيه:

لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44].
ولهذا لما علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته كيفية الصلاة قال لهم:

صلوا كما رأيتموني أصلي

.

وكذلك الحج ؛ فإن الله تبارك وتعالى ذكر أعمال الحج مجملة ؛ فذكر الطواف ولم يبين عدد الأشواط، ولم يبين الإحرام ولا محظورات الإحرام، ولم يبين في القرآن زمن الوقوف بعرفات وأنه في اليوم التاسع، وأنه إلى الليل، وأنه يبدأ من أول النهار أو بعد الظهر، وأنه يجمع بعرفة بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم، وفي مزدلفة بين المغرب والعشاء جمع تأخير، لم يذكر الله ذلك بالتفصيل وعُرف من السنة.
ذكر الله عرفة بقوله:

فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [ البقرة: 198 ] يعني مزدلفة ولم يذكر الوقت الذي يستمر فيه وبين ذلك في السنة، بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وقال: خذوا عني مناسككم فعرف بذلك أن السنة تُبين القرآن وتُفسره، وتعبر عنه، وتدل عليه، وتوضح مجمله، وتمثله وهكذا.
ثم قد يكون في السنة زيادات، أي أحكام زائدة جاءت في السنة الصحيحة فعمل بها، وليس العمل بها زيادة على الوحي، بل إنها من جملة الوحي، فمثلا: حرم الله في النكاح الجمع بين الأختين، وجاء في السنة النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، أو بينها وبين خالتها، وعلل ذلك بقوله: إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم فتلقي ذلك بالقبول.
وهكذا الأحكام الكثيرة التي جاءت في السنة، تتلقى بالقبول ويعمل بها، ويعتقد أنها من الشرع ومن الدين، ومن ذلك الأحاديث الصحيحة الثابتة القوية التي وردت في صفات الله عز وجل، فإن أهل السنة والجماعة يقبلونها ويثبتون بها صفات الله عز وجل، وإن كانت أحاديث آحاد، مخالفين بذلك المتكلمين من المعتزلة وغيرهم الذين قالوا: أحاديث الآحاد إذا وردت بها صفات الله عز وجل فإنها لا تُقبل في العقيدة.
وعللوا ذلك بقولهم: إن هذه الأحاديث الآحاد ظنية، والظن لا يدخل في العقيدة. نقول: ليس كذلك وإن كانت آحادا فليست ظنية بل هي يقينية، فالصحيح أن الأخبار الآحادية تفيد اليقين، ولا تفيد الظن كما تقوله المعتزلة.
فالمعتزلة الذين ردوا أحاديث الصفات، ردوها بهذه الشبهة، وأنها ما تفيد إلا الظن، وأما أهل السنة والأئمة والسلف الصالح فهم يقبلونها ويقولون: كما تقبلون يا معتزلة أحاديث الأحكام، فكذلك يلزمكم أن تقبلوا أحاديث العقيدة، سيما وقد ثبتت ثبوتا لا شك فيه ولا توقف ولا تردد وقد صدقها أهل السنة وتلقوها بالقبول.