ص (وقال تعالى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه]، وقال إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي - [طه]- وغير جائز أن يقول هذا إلا الله. وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الله بن أنيس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يحشر الخلائق يوم القيامة حفاة عراة غرلا بهما، فيناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان رواه الأئمة، واستشهد به البخاري وفي بعض الآثار: أن موسى عليه السلام ليلة رأى النار فهالته وفزع منها، ناداه ربه: يا موسى فأجاب سريعا استئناسا بالصوت: لبيك لبيك أسمع صوتك، ولا أرى مكانك، فأين أنت؟ فقال: أنا فوقك، ووراءك، وعن يمينك، وعن شمالك. فعلم أن هذه الصفة لا تنبغي إلا لله تعالى، قال فكذلك أنت يا إلهي أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي يا موسى ).
س 33 (أ) ماذا تدل عليه الآيات والأحاديث في النداء. (ب) وماذا يؤخذ من قوله سمع صوته أهل السماء. (ج) وما معنى حفاة.. إلخ. (د) وما معنى قوله لموسى أنا فوقك ووراءك.. إلخ؟ ج 33 (أ) تكرر في القرآن نداء الله لموسى وغيره، كقوله
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى [الشعراء]- وقوله:
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ [النازعات]- وقوله:
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ [مريم]- وكذا الآية هنا
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه]- وكذا قوله
وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا [الأعراف]- وكحديث ابن أنيس المذكور، وفيه فيناديهم بصوت... رواه الأئمة، كأحمد والطبراني والحاكم وأبي يعلى وغيرهم. وكذا الأثر في قصة موسى والشاهد منه قوله: ناداه ربه يا موسى إلخ، ولا شك أن النداء لا يكون إلا بكلام، فهذه النصوص من أدلة أهل السنة أن الله يتكلم إذا شاء، وينادي بصوت يسمع، وذكر هنا خصوصية ذلك الصوت، وهي أنه يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب، وغير جائز ما تزعمه النفاة من أن الصوت لغير الله، يخلقه في بعض ما يشاء، وأنه خلق في الشجرة كلاما سمعه موسى إلى غير ذلك من تمحلاتهم الباطلة، فإنه تعالى نادى موسى وقال له
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ ولا يقول هذا مخلوق لموسى ولا يصح أن تقول تلك الشجرة له
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ الخ، فتحقق أن النداء كلام الله. (ب) أما حديث ابن مسعود فهو مرفوع عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود والبيهقي ولفظه
إلخ، ومثله حديث النواس بن سمعان الذي رواه ابن خزيمة وابن جرير وابن أبي حاتم وأوله:
الخ. فالله تعالى يتكلم بالوحي حقيقة، ويكلم الملك، وتسمع صوته السماوات وأهلها. (ج) أما قوله: حفاة عراة بهما. فأراد أنهم يحشرون يوم القيامة قد تخلوا مما كانوا يغالون في الحرص عليه في الدنيا، من الأموال، والممتلكات، حتى الأكسية والأحذية، وأصل (البهم) السواد، ومنه الكلب البهيم، وهو خالص السواد. قيل: ليس في ألوانهم ما يغيرها. وقيل سالمين من عاهات الدنيا، من عمى، أو عرج، ونحوهما؟ وقيل: أصحاء، وقيل: لا شيء معهم. ولعل ذلك لتقريب شبههم بالبهائم التي لا تملك شيئا، أو لا تنطق، حيث أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن؟ قال تعالى
فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [طه]. (د) فأما الأثر المذكور في قصة موسى فهو من الإسرائيليات، وهي لا تصدق ولا تكذب إلا بدليل. وقصة رؤيته النار مذكورة في القرآن، كقوله تعالى
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا [طه]- وأما كونها هالته فلعل ذلك بعد ما قرب منها، ورآها توقد في شجرة خضراء، ودلالة الأثر في قوله: أسمع صوتك. وقوله: أفكلامك أسمع أم كلام رسولك؟ قال: بل كلامي. فدل على أن كلام الله بصوت مسموع. أما قوله: أنا فوقك ووراءك... إلخ فالمراد أنه تعالى محيط بالعبد في كل حالاته، ومن جميع جهاته، وهذا لا ينافي علوه وفوقيته تعالى كما سبق. -32-