[وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا] .
* قوله: (وأشهد أن محمدا ). هذه هي الشهادة الثانية وهي الإقرار والاعتراف بأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- مرسل من عند الله تعالى، فهو المُرْسَل والله المُرْسِل، وقد أرسله سبحانه برسالة وأمره بتبليغها للناس كافة ألا وهي الإسلام والشريعة التي جاء بها وهي هذا الدين العظيم وما يتضمنه من الأوامر والنواهي. * قوله: (عبده ورسوله). شهادة له بالعبودية والرسالة، وقدم العبودية لأنها صفة مدح في حقه -صلى الله عليه وسلم- فهي من أشرف مقامات العبد مع الله، ولذلك فإن الله -سبحانه وتعالى- قد وصفه بها في أشرف مقاماته -صلى الله عليه وسلم- في سورة الإسراء، قال تعالى:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء: ا]. ثم جاء ذكر الرسالة في قوله: (ورسوله) والرسول هو الذي يحمل الرسالة من المُرْسِل إلى المُرْسَل إليه والمُرْسِل هو الله والمُرْسَل إليه هم جميع الناس، فالله -سبحانه وتعالى- قد أرسل مع نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- رسالة وأمره بتبليغها لجميع الثقلين الجن والإنس، وهي هذا الدين الذي يدعو الناس إلى أن يعبدوا الله وحده ويطيعوه. والرسول عند أهل العلم من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي رسول، فأول ما أنزل عليه قوله تعالى:
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ إلى قوله:
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق: 5]. فكان بها نبيا -عليه الصلاة والسلام- ولما نزلت عليه هذه الآيات:
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: 1، 2]. كان رسولا مأمورا بالإنذار عليه الصلاة والسلام. * قوله: (صلى الله عليه). الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، كما ذكر ذلك أبو العالية حيث قال -رحمه الله- صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى رواه البخاري وهذا هو المعنى الصحيح لذلك. والله -سبحانه وتعالى- يثني على عباده الذين يحبهم في ملأ من الملائكة وهم الملأ الأعلى، كما في الحديث القدسي:
. وقال بعضهم: إن الصلاة من الله على رسوله معناها الرحمة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى في قول الملائكة في آل إبراهيم
رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود: 73]. ولكن هذا القول ضعيف. والرسول -عليه الصلاة والسلام- أخذ من هذه الآية قوله في التشهد الأخير: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد فهو -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى هذه الآية. يعني: كما ترحمت عليهم، ولكن الأقرب هو ما ذكره أبو العالية رحمه الله: أن صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه في الملأ الأعلى. أما الصلاة من الملائكة فهي الاستغفار. وأما الصلاة من الآدمي فهي الدعاء. * قوله: (وعلى آله). آل النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أهل بيته من المؤمنين كزوجاته وبناته، كما ورد ذلك مفسرا في حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- في صفة التشهد الأخير أنهم قالوا:
. فهذا يدل على أن آل النبي -صلى الله عليه وسلم- هم أزواجه وذريته، يعني: المؤمنين منهم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وذهب أكثر العلماء إلى أن معنى الآل هم الأتباع، واستدلوا بقوله تعالى:
أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]. يعني: أتباع فرعون. واستدلوا أيضا بما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: سلمان منا آل البيت مع كونه فارسيًا. ولذلك قال بعض الشعراء:
وقال أحدهم:
يعني: أن الرفعة عند الله ليست بالحب ولا بالنسب ولا بالقرابة من الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولكنها تكون بالتقوى والاتباع. وكذا قال بعضهم:
فالحاصل أن آل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأصل هم أهل بيته وأقاربه من المؤمنين، وهذا هو القول الصحيح، ويدخل فيه أيضا أتباعه على دينه إلى يوم القيامة. * قوله: (وصحبه وسلم). أي: أصحابه، وهم الذين أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وآمنوا به واتبعوه وماتوا على ذلك، وقوله: (وسلم): التسليم يعني: من الآفات والشرور ونحوها، أي: أننا ندعو الله تعالى أن يصلي على نبينا -صلى الله عليه وسلم- أي: يثني عليه في الملأ الأعلى كما تقدم، وكذلك يسلم عليه، أي: يسلمه ويبرئه من الآفات والعيوب والشرور ونحوها، وهذا هو الأرجح والله أعلم. وقيل: إنه اسم من أسماء الله تعالى. * قوله: (تسليما مزيدا). هذا مصدر مؤكد لما قبله، أي: تسليما زائدا على الصلاة. -9-