علماء الأُمة إذا كانوا من أهل السنة والجماعة ومن أهل العلم النافع الذي هو ميراث الأنبياء ومن العاملين بالعلم الصحيح يجب احترامهم والذبُّ عنهم والتماس الأعذار لهم فيما أخطئوا فيه، ولا شك أن لهم أن يجتهدوا ويقوموا بما يقدرون عليه في القول والعمل وأنهم يطَّلعون على أمور قد تخفى عن العامة والمُبتدئين ويدفعون كثيرًا من الحوادث والفتن بما فتح الله عليهم ويُسهِّلون في الأمور التي يترتب على التشديد فيها مفاسد وآراء مُنحرفة، فلا يجوز رميهم بأنهم مُداهنون أو مُتساهلون أو يكتمون العلم أو يقولون بما لا يعلمون؛ وذلك لأنهم يرون ويسمعون من الأمور ما قد يخفى على العامة وعلى الطلاب المُبتدئين؛ فإن التشدد على ولاة الأمور في هذه الأزمنة يُسبب مفاسد كثيرة يكون من آثارها عدم قبول أقوال العلماء المُعتبرين.
ومعلوم أن هناك علماء مُتقدمين ومُتأخرين قد بيَّنوا ما يجب العمل به مع ولاة الأمور ومع الدول المُجاورة ومع أهل الكتاب والمُشركين والعُصاة والمُنحرفين، وأقوال أولئك العلماء مدونة في مؤلفاتهم من طلبها وجدها، ولكن من المُتعذر تطبيقها في كل زمان وفي كل مكان، وإنما يُعمل بما يُمكن العمل به ولا يترتَّب عليه تفريق كلمة ولا مُقاطعة لولاة الأمر، ولا شك مع ذلك أن الواجب على ولاة الأمر أن يُطيعوا عُلماءهم، وعلى العُلماء أن ينظروا الحق والصواب ويقولوا به، ومتى اجتمعت كلمة العُلماء وولاة الأمر في إقامة الحدود والحكم بالشرع وإظهار شعائر الدين وموالاة المؤمنين ومُعاداة الكافرين وبُغض كل من يكيد للدين؛ فإن الأمر يستقيم وتصلح الأحوال ويحفظ الله كيان المسلمين. والله أعلم.