قاعدة هجر المبتدع

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : ابن جبرين | المصدر : www.ibn-jebreen.com

رقم الفتوى (12233)
موضوع الفتوى قاعدة هجر المبتدع
السؤال س: تعيش قاعدة (هجر المبتدع) بين نظرين؛ نظر يجنح إلى تطبيقها دون مراعاة قاعدة (المصالح والمفاسد) وآخر يترك تطبيقها بالكلية، فما ضوابط تطبيق هذه القاعدة ؟
الاجابـــة

أرى أن الأمر وسط بين هذين النظرين، فإن الهجر يجوز للمصلحة، وذلك أن العاصي والمبتدع إما أن يكون معاندًا مصرًا على الذنب والبدعة، لا يتأثر بالوعظ، ولا يقبل النصح، بل يرى صحة ما هو عليه، ويعتقد خطأ من نصحه عن ذنبه، سواء كان الذنب مكفرًا أو مفسقًا، فمثل هذا أرى هجره والابتعاد عن مجالسته وموالاته، لعموم الأدلة في تحريم موالاة الكفار، كقوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية، والمودة هي المحبة والإكرام، وقوله تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وقوله تعالى: لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ فالنهي عن التولي أمر بالهجر والإبعاد، والمقاطعة للأقارب، فضلا عن ، وذلك أن إكرامهم وتقريبهم، ومجالستهم، مع إصرارهم على الكفر والفسوق والعصيان، تعتبر إقرارًا لأفعالهم، وفيه دعوة لغيرهم إلى تقليدهم واتباعهم، حيث لم يلقوا من المؤمنين إلا المودة والتقريب، والله قد نهى عن مودتهم، وجعل من والاهم مثلهم، بقوله: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ .

أما إن كان العاصي أو المبتدع متأولا، ويعتقد أنه على صواب، فإن الواجب دعوته، وبيان الحق له، وتأليف قلبه، وتقريبه، وكثرة نصحه، وتخويفه وتحذيره، من غير مبادرة إلى الهجر الذي يكون منفرًا له عن الخير، ومبعدًا له عن مجالس الذكر والعلم، سيما إذا كان هجره وإبعاده يسبب اختلاطه بالأشرار، وامتزاجه بهم، ورسوخ المعاصي في قلبه، وابتعاده عن أهل الذكر والخير والعلم النافع، مما يسبب قسوة قلبه، وانصرافه عن أهل الفضل والعلم، واعتقاده فيهم التنفير والغلظة والشدة فمثل هذا متى هجر واستعملت معه القسوة لأول مرة نتج عن ذلك بغض للصالحين، ونفرته من مجالستهم، واعتياضه عنهم بالأشرار، وإحسانه الظن بهم، لما يجد منهم من التقبل والترحيب والتشجيع.

وهكذا إذا كان العاصي معترفًا بذنبه، مقرًا بسوء فعله، قد غلبت عليه نفسه الأمارة بالسوء، وكذا من يجالسه ويعمل معه من السفهاء، فإن ذلك يحدث كثيرًا من بعض الجهلة، فأرى أن هجرهم مبدئيًا مما ينفرهم، ويسبب منهم التمادي في الغي والضلال، فمن المصلحة تقريبهم وتكرار نصحهم، وتخويفهم، وترغيبهم في التوبة والإقلاع عن الذنوب، سيما إذا وجدت منهم الرقة والتقبل، والوعد الحسن، وقد يجوز الهجر للعاصي إذا علم أن الهجر يؤثر فيه ويسبب إقلاعه عن المعاصي حيث أن هناك الكثير من العصاة يقع منه الذنب الصغير أو الكبير، بلا حاجة ولا دافع نفسي، كحلق اللحية، والإسبال، والتكاسل عن الصلاة، وسماع الأغاني، وتعاطي الدخان أو الخمر، وهو مع ذلك متأول، أو متساهل فمتى هجره أبواه وإخوته وأقاربه، ومقتوه، وطردوه، تأثر لذلك، وعرف خطأه، وكذا إن كان الهاجر له يعز عليه كأصدقائه وأحبابه، فكثيرًا ما يحدث أن يتوب بعد الهجر، يقلع عن العادات السيئة، فإن كان الهجر لا يزيده إلا تماديًا في السوء، وعملا للمعاصي، فالمصلحة تقتضي تقريبه، فذلك أخف للشر، وأقل للعصيان، والله المستعان .




عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين