والسؤال هو: هل تقتصر مسؤولية مدير الدائرة، أو قائد المجموعة، أو رئيس القسم، أو الشركة ومَنْ في حكمهم عَمَّن تحت إدارتهم على ما يتعلق بالعمل فقط، كل في تخصصه، فالكاتب مثلًا يُسأل عنه المدير أمام الله جل وعلا عن قيامه بهذا العمل على الوجه اللازم، وهكذا؟
أم أن المسؤولية تتعدى ذلك إلى كل ما يغضب الله تعالى، فإذا كان متهاونًا في الصلاة مثلًا، ولم يُلْزِمه المسؤول عنه أثناء العمل بالحضور إلى الصلاة مع الجماعة، مع علمه بالتهاون في أدائها فيكون مسؤولًا عنه أمام الله في ذلك كله، ويأثم عن كل من هو تحت إدارته في كل ما ذُكر من مسؤولية القيام بالعمل، وغيره من الذنوب والمعاصي؟
نرى أن المسؤولية عَامَّة لكل من له قُدرة وتَمَكُّن، ولا شك أن مُدير الرئاسة، أو المدرسة، أو رئيس الفِرقة، أو الكتيبة، أو قائد المجموعة، أو رئيس الشركة عندهم القُدرة على تغيير المُنكر، والإلزام بالأحكام الشرعية؛ حيث إن العاملين تحت رئاستهم يخضعون لتعاليمهم، ويتَّبِعون إرشاداتهم في الأمور الإدارية، والتنظيمات العملية، ويعترفون بأنهم رؤساء ومُدراء عليهم، فيطيعونهم ويتَّبِعون إشاراتهم، وإذا كان كذلك فإن أولئك الرؤساء والمُدراء مسؤولون عن أولئك العاملين تحت رئاستهم، داخلين في هذا الحديث، لأن النبي صلي الله عليه وسلم بدأ بالإمام في قوله: فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته ويُراد بالإمام: القُدوة لغيره، بحيث يتَّبُعونه ويطيعونه، ويأتمون به، ولا شك أن المسؤولية الأولى على مُدير الشركة، أو وزير القسم، أو رئيس الجماعة، وما أشبه ذلك. ثم له أن يوكل على كل قسم من ينوب عنه، ويفوضه في الأمور الدينية، كما يفوضه في الأمور الشرعية، فيجب على ذلك النائب أو رئيس القسم أن يسعى في الإصلاح فيمن تحت يده فيما يتعلق بالأعمال التي تُناط بالعمال، وفيما يتعلق بالأمور الشرعية. فكما أنه يُحاسبهم على التأخر في الحضور، وعلى التقدم في الخروج، وعلى الانشغال والإهمال، وكذا على الخطأ في العمل ونحو ذلك مما يلزمهم من الأعمال الوظيفية، فنقول أيضًا: إنه مسؤول عنهم في الأمور الشرعية، فيتفقدهم في الصلاة، ويُعاتب مَنْ تَأَخَّرَ عن الصلاة أو ترك الجماعة، وكذا يمنعهم من المحرمات، كشُرب الدُخان في المكاتب أو في الإدارات، وسماع الغناء والطرب ونحو ذلك، ويمنع من الاختلاط، ودخول النساء في أقسام الرجال، أو بالعكس، ويمنع النساء من التكشف وإبداء الزينة أمام الرجال، وكذا من المعاصي الظاهرة كحلق اللحى، وإسبال الثياب، والسخرية بأهل الخير، والانشغال بالغيبة والنميمة في أوقات الدوام، وبذلك يخرج من المسؤولية. ومتى أعجزه شيء من ذلك رفع الأمر إلى من فوقه، وحاول عقوبة من خالف التعليمات الشرعية- ولو بإبعاده- كما يفعل ذلك فيمن خالف الأعمال النظامية، والأمور الإدارية، والله أعلم.