حقيقة أخلاق النصارى

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي | المصدر : saaid.net

بسم الله الرحمن الرحيم


الحَمْدُ لله الَّذِي أغْنَى وأقْنَى، والَّذِي خَلَقَ فسَوَّى، والَّذِي قَدَّرَ فهَدَى، والَّذِي أمَاتَ فأحيَى، والَّذِي يَعْلمُ السِّرَّ وأخفَى .
والصَّلاةُ والسَّلامُ على الرَّسُولِ المُصْطَفى، والنَّبيِّ الخَاتَمِ المُجتَبى، وعلى آلِهِ الطَّاهِرِيْنَ الأتْقَياء، وعلى أصْحَابِهِ الصَّادِقِيْنَ الأوْلِيَاء، وعلى مَنْ اتَّبَعَ أثَارَهُم واقْتَفَى .
أمَّا بَعْدُ؛ فهَذَا جَوَابٌ مختصر عن بعض الأسئلة التي وردتني من بعض الإخوة الأفاضل من بلاد اسكتلندا، حول بعض الأسئلة المشبوهة التي يقذفها ضعاف النفوس وقليلو الإيمان، فكان من هذه الأسئلة ما يلي :
1ـ أنَّنا نجد كثيرا من الشعوب النصرانية لاسيما بلاد أوروبا : أنهم يتصفون ببعض الأخلاق الحسنة : كالصدق والأمانة والرحمة والطيب وغيرها، فكيف نجمع بين هذه الأخلاق عند الكفار وبين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المحذرة من التعامل معهم، والدالة على أنهم أهل كذب وخيانة وحسد وكِبْر؟
2ـ وهل نفهم من هذه الآية : «لتَجِدَنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلذِينَ أمَنُوا اليَهُودَ وَالذِينَ أشْرَكُوا وَلتَجِدَنَّ أقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلذِينَ أمَنُوا الذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (المائدة : 82)، بأنَّ النصارى أهلُ مودةٍ وخيٍر؟
3ـ وكيف نجمع بين هذه الأخلاق الحسنة عند الكفار وبين ما نجده من أخلاق سيئة عند كثير من المسلمين هذه الأيام؟

الجواب : أقول بالله مستعينًا؛ اعلم أن الجواب عن هذه الأسئلة يحتاج إلى كراريس كثيرة، غير أنَّني آثرت الاختصار هنا كي تعم الفائدة وتظهر العائدة، ولاسيما أنَّنا نخاطب بهذه الرسالة طائفة من المثقفين من أبناء المسلمين ممن ليس لهم علم شرعي، وقد قيل : يكفي من القِلادةِ ما أحاط بالعنق!

لأجل هذا؛ فقد اختصرت الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال عدة أوْجُهٍ، منها :

الوَجْهُ الأوَّلُ : اعلم أن كفار أوروبا هذه الأيام على قسمين : أوربي جاهلي، وأوربي نصراني .
ـ فأما الأوربي الجاهلي (العلماني)، فهو الَّذِي لا عُلاقة له بدين النصرانية، بل نجده قد تنَصَّل وتنكَّر لدينه، بحيث لا يعرف عن دينه شيئا، حتى إنَّ كثيرا منهم يكره أن يُنْسبَ إلى شيء من دين الكنيسة (النصرانية) خجلًا منه وحياءً، وذلك لأمور منها : أنه عَلِمَ يقينا أن دين النصرانية محرفٌ ومشوهٌ، وأنه أصبح أُلْعوبةً في أيدي رجال الدين عندهم .
أو لأنه عَلِمَ أن دينَه الَّذِي عرفه من خلال الكنيسة والكتب المحرفة : لا يصلح أن يكون دينًا ربانيًّا ولا منهجًا للحياة؛ لأن فيه من المغالطات والخرافات والتثليث ما يَضْحَكُ منه العاقل.
وأصحاب هذا القسم هم أكثر النصارى اليوم، لكنَّ أكثرَهم لا يفصح عن هذه الحقيقة المرَّةِ، كُلَّ ذلك منهم حميَّةً لدينه، أو خوفًا على نفسه، وهؤلاء يُسَمَّوْنَ : بالعلمانيين أو الديمقراطيين!
فحقيقة دين هؤلاء الأوربيين : هو دين الجاهلية، لا دين النصرانية، لذا ليس لهم من الدين النصراني إلا الانتساب ليس غير .
ومع هذا؛ فهم أيضا أقرب للحق من غيرهم لأنهم كفروا بدين الكنيسة الَّذِي يجمع بين التحريف والتخريف، والمغلطات والمناقضات ممَّا لا يقبله عاقلٌ ولا يحسنه قائل!
ولأصحاب هذا القسم : حسنة وسيئة .
فأمَّا حسنتهم : فإنَّهم كفروا وخرجوا من دين الكنيسة المحرف!
وأما سيئتهم : فإنَّهم لمَّا خرجوا من دين الكنيسة المحرف لم يدخلوا إلى دين الإسلام الحق، وهذا في حد ذاته سيئة لا تغفر، وبلية لا تشكر، وطامة ما بعدها من طامة!
وخلاصة ما هنا؛ أن أصحاب هذا القسم : هم أقرب مودة للمؤمنين، وأقرب أخلاقا للإسلام، وما ذاك إلا لكونهم قد أقبلوا بقلوب خالية من كلِّ لوثات النصرانية المحرفة، فعندها سلمت لهم الفطرة التي خُلِقُوا عليها، لذا فإنَّ الفطرة السليمة هي أقرب مودةً، وأسرع قبولا للحق، لاسيما في قبول دين الإسلام والأخلاق الحسنة والصفات الحميدة .
لأجل هذا؛ فقد اتَّسَم كثير من رجال الغرب اليوم بشيء من الأخلاق الحسنة، الأمر الَّذِي يدفعنا ضرورة نحن (المسلمين) أن نسعى جاهدين في دعوة أمثال هؤلاء النصارى الذين عندهم شيء من تلكم الأخلاق، وما ذاك إلا لأنهم أقرب محبةً للحق، وأقرب مودةً للمؤمنين من غيرهم، لما سيَجِدُونه في دينِ الإسلام من حُسْنِ أخلاقٍ، وطيبِ تعاملٍ، وصحةِ دينٍ ومعتقدٍ ممَّا يوافق الفطرةَ والعقلَ!
ـ وأمَّا الأوربي النَّصراني، فهو الَّذِي يَدِيْنُ بدينِ النصرانية، ويؤمن بما في كتبهم، مع علمه بأن دينَ الكنيسةِ عندهم لا يسلم من تحريف ومن تخريف، الأمر الَّذِي يتفق عليه عقلاء الغرب كافةً، ولا ينكر هذا إلا مكابر قد أعماه هواه!
ومع هذا؛ نجد أصحاب هذا القسم هم أكثر النصارى عصبيةً وحميةً وهوىً وعداءً للإسلام والمسلمين، لذا لا يتركون لحظة إلا ويكيدون فيها العداء بالمسلمين، ولا يتركون قولا ولا فعلا يستطيعونه إلا وتربصوا بالمسلمين الدوائر والعداء، فهم العدو فاحذرهم!
وأصحاب هذا القسم هم (للأسف) أكثر القادة والرؤساء وصناع القرار في بلاد الغرب، بل لا تجد حربًا ضد المسلمين إلا وتجد قادة الغرب وراءها قلبا وقالبا، فانظر في تمكينهم لليهود في أرض فلسطين، وانظرهم في حروبهم البربرية في أفغانستان والعراق والبوسنة والهرسك وكشمير وغيرها كثير كثير، كما سيأتي .

ولأصحاب هذا القسم سيئتان .
فالأولى : أنهم مؤمنون بدين الكنيسة المحرَّف، والثاني : أنهم اتخذوا دين الإسلام غرضا للعداء والكيد والقتال والظلم!
فهم بهذا قد جمعوا بين اتَّخاذِ الكفر دينًا وبين تَرْكِ الإسلام تكذيبًا وإعراضًا! فهم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنَّ يؤفكون، كما قال الله تعالى : «كَيْفَ وَإنْ يَظْهَرُوا عَليْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِأيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلًّا وَلا ذِمَّةً وَأولئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ (10) فَإنْ تَابُوا وَأقَامُوا الصَّلاةَ وَأتَوُا الزَّكَاةَ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الأيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلمُونَ (11) وَإنْ نَكَثُوا أيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أيْمَانَ لهُمْ لعَلهُمْ يَنْتَهُونَ» (التوبة: 12) .

وخلاصة ما هنا؛ أن أصحاب هذا القسم هم أشد عداوة للمؤمنين وأسوء أخلاقا مع المسلمين، وما ذاك إلا لكونهم قد أقبلوا بقلوب فارغة وأهواء باطلة على دين الكنيسة المحرف، فعندها نَصَبُوا العداء على الإسلام والمسلمين! لذا فإنَّ غَالِبَ سِياسَةِ هَؤلاء تَكُوْنُ خَارِجِيَّةً خِلافًا للدِّيْمُقْراطِيِّيْنَ الَّذِيْنَ تَرْتَكزُ غَالِبُ سِيَاسَاتِهِم في الدَّاخِلِ .
وهؤلاء يُسَمَّوْنَ : بالجمهوريين أو المحافظين!

الوَجْهُ الثَّاني : لا شك أن بعض الأخلاق الحسنة موجودة عند بعض الشعوب النصرانية، لا ينكر هذا إلا جاهل، وقد قال الله تعالى : «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» (المائدة: 8) .

* * *

وأما قوله تعالى : «لتَجِدَنَّ أشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلذِينَ أمَنُوا اليَهُودَ وَالذِينَ أشْرَكُوا وَلتَجِدَنَّ أقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلذِينَ أمَنُوا الذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» (المائدة : 82)، فينبغي علينا أن نعلم : أن المفاضلة في هذه الآية بين اليهود وبين النصارى لم تكن مفاضلةً مطلقةً؛ بل جاء التفاضل بينهم على وجه التقييد، وهو ما يسمى : بالتفاضل النسبي .
يوضحه؛ أنَّ نسبة عداوة اليهود للمؤمنين أكبر من عداوة النصارى، وكذا نسبة مودة النصارى للمؤمنين أقرب من مودة اليهود .
ويدل على هذه النسبية قوله تعالى : «أشَدُّ الناس ... وأقْرَبَهُم» الآية، فهي خرجت على وجه أفعلِ التَّفضيل، بمعنى أن بينهم مفاضلةً في العداوة والمودة، وليس معناه مطلقُ النفي فيما بينهم من المفاضلة .
بمعنى أن المفاضلةَ إذا وقعت بين خَيْرَيْنِ، فعندها تكون المفاضلة بين أجزاء الخير دون اعتبارٍ للشَّر، لذا فقد تقرَّر أن الخير يتفاضل بين المسلمين تفاضلا كبيرا، ومع هذا فهم جميعا على خيرٍ .
وكذا إذا وقعت المفاضلة بين شَرَّيْنِ، فعندها تكون المفاضلةُ بين أجزاء الشر دون اعتبارٍ للخيرِ، لذا فقد تقرر أن الشَّرَّ يتفاضل بين اليهود والنصارى تفاضلا كبيرا، ومع هذا فهم جميعا على شَرٍّ.
كما قال تعالى : «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» الآية، فالمغضوب عليهم هم اليهود، والضالون هم النصارى، وأدلة القرآن والسنة مليئة بوصف اليهود والنصارى : بالكفر والشرك والفسق والظلم والجحود والإعراض والتكذيب والنكران والعناد والكبر والشر والفساد والعداء ... وغيرها من صفات الذم والعداء تجاه الإسلام والمسلمين .
وأكبر دليل على ما ذكرناه هنا : هو شاهد التاريخ، فمن قرأ التاريخ علم يقينا أن اليهود والنصارى لم يستأخروا ساعة واحدة في عداء وقتال وظلم وتشريد المسلمين، كما سيأتي بيانه!
لذا؛ فقد بات عند عامة المسلمين أن شرَّ وعداءَ اليهود والنصارى للمسلمين ظاهر ومستفيض منذ بُعِثَ النبي ﷺ إلى يومنا هذا، بل إلى قيام الساعة كما قال الله تعالى : «وَلنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلتَهُمْ قُل إنَّ هُدَى الله هُوَ الهُدَى وَلئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلمِ مَا لكَ مِنَ الله مِنْ وَليٍّ وَلا نَصِيرٍ» البقرة: 120) .
وقوله تعالى : «كَيْفَ وَإنْ يَظْهَرُوا عَليْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ» (التوبة: 8) .
وقوله تعالى : «يَا أيُّهَا الذِينَ أمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لكُمُ الأيَاتِ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أنْتُمْ أولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لقُوكُمْ قَالُوا أمَنَّا وَإذَا خَلوْا عَضُّوا عَليْكُمُ الأنَامِل مِنَ الغَيْظِ قُل مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» (آل عمران: 120) .
وقوله تعالى : «مَا يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتَابِ وَلا المُشْرِكِينَ أنْ يُنَزَّل عَليْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَالله يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ» (البقرة: 105) .
وقوله تعالى : «وَمِنْ أهْلِ الكِتَابِ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إليْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إليْكَ إلا مَا دُمْتَ عَليْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأنَّهُمْ قَالُوا ليْسَ عَليْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ على الله الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلمُونَ» (آل عمران: 75)، وغيرها كثير جدا .

الوَجْهُ الثالثُ : فإنه ليس من شرط وُجودِ الشَّر في بعض المخلوقات أن يكون هذا المخلوقُ خاليا من أصل الخير، لأنَّ الله تعالى لا يخلق شرًّا محضًا، كما قال ﷺ : «والشَّرُ ليس إليك» الحديثَ، فهذا إبليس اللعين، الَّذِي هو مادة الشر والفساد والظلم إلَّا أنَّه مع هذا لا يخلو من خير، وذلك من خلال ما يترتب على أفعاله من توبة التائبين، ومعرفة الصادقين، وتمييز المؤمنين من الكافرين وغيرها من الخير الكثير .
ومع هذا فنحن كمؤمنين لا ننظر إلى ما يترتب على بعض صور الخير التي هي نتاج شر إبليس، بل نحن مطالبون باتخاذ إبليس عدوا، وعليه يجب علينا أن نُحذِّرَ منه صباحَ مساءَ .
فإذا علم هذا، كان واجبا علينا كمسلمين ألَّا نقتصر بأنظارنا إلى بعض الأخلاق عند بعض رجال الغرب، بل نحن مطالبون باتخاذ اليهود والنصارى أعداء، وأن نُحَذِّرَ منهم، لأمور كما سيأتي بيانها .
كما قال تعالى : «يَا أيُّهَا الذِينَ أمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لكُمُ الأيَاتِ إنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ» (آل عمران: 118) .
وقال تعالى : «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أهْلِ الكِتَابِ لوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأمْرِهِ إنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (البقرة: 109) .
وقال تعالى : «أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ على مَا أتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ أتَيْنَا أل إبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَأتَيْنَاهُمْ مُلكًا عَظِيمًا» (النساء: 54)، وغيرها كثير جدا .
وقال تعالى : «ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور» (آل عمران: 119) .

الوَجْهُ الرابعُ : أن ما يُظْهرُهُ بعض النصارى من حسنِ أخلاق هذه الأيام لم يكن أكثرُهُ صادرًا عن حقيقة إيمانية، ولا نابعًا عن عدالة إنسانية، ولا حبًّا للخير، بل كانت هذه الأخلاق منهم بدافع التَّطبُّعِ الَّذِي ألِفُوهُ وتَعَوَّدُوه مُنْذُ ولادتهم في بلادهم .
يوضحه؛ أن كثيرًا منهم قد تَطبَّعَ بمثل هذه الأخلاق من خلال فرضِ القوانين الصَّارمةِ والأنظمة القاسية في بلادهم، ومن هنا خضعت تعاملاتهم تحت الأنظمة الوضعية التي تعود عليهم بالعقوبة على كُلِّ مخالفةٍ عندهم .
بمعنى أن أحدًا من النصارى لو أراد أن يُخَالِفَ بعض هذه الأنظمة والمعاملات سوف يكون عرضة للمسائلة والمحاكمة التي تَفْرِضُ عليه العقوباتِ الجزائيةَ والغراماتِ الماليةَ .
لذا تجد كثيرًا منهم متقيدا بحُزْمَةٍ من الأخلاق التي تحفظ له نَفْسَه ومالَه، فمن هنا تظهر لنا حقيقة أخلاق بعض النصارى المزعومة .
وهو لو أراد أحدهم : أن يكذب أو يغش أو يخالف في بيعه أو شراءه أو تعامله؛ سوف يكون عُرْضَةً للعقوبة التي يُقرِّرُها النظامُ الوضعي لديهم!
وكذا من تَعَدَّى على حقِّ الآخرين (ماليًّا أو أخلاقيًّا) سوف يكون عُرضَةً للعقوبة، وهكذا في غيرها من العقوبات التي تِفْرِضُ على أتباعها التَّقييدَ بحسنِ التَّعاملِ، لذا نجد الواحدَ منهم إذا وجد بابًا من الحيلولة على النظام بحيث يدفع عنه العقوبةَ النظاميةَ؛ نجده والحالة هذه أشبه بالحيوان المسعور، لا ذِمَّةَ عنده، ورحمة لديه، ولا صدق معه، لذا نجد رجال مكاتب المحماة عندهم أكثر عددًا من أعداد المجرمين الكبار، كُلَّ ذلك منهم كي يفتحوا لهم باب الحيلولة، ويسلم لهم عندها نظام العقوبة!
يوضحه؛ أن كثيرا من قادة الغرب وكثيرا من النصارى إذا أمن الواحد منهم العقوبة أظهر حقيقة باطنه، وكشف حقيقة دسائسه وحقده وظلمه وفساده وغيرها من الأخلاق السيئة التي قد تأنف منها كثير من الحيوانات، ويشهد لهذا المثل السائر : من أمن العقوبة أساء الأدب!
وأدل شيء على تلكم الأخلاق السيئة الباطنية، ما حصل في بلاد الغرب من حروب في الداخل والخارج .
فأما الحروب الداخلية : فهي الحروب الأهلية والعالمية التي جرت بين النصارى عبر التاريخ؛ بحيث كانت دموية وحشية لا رحمه ولا شفقة، ولا إنسانية .
ومن آخر هذه الحروب بين الشعوب النصرانية ما حصل في الحربين العالميتين، حيث كانت أكبر مثال للوحشية والإبادة الإنسانية، حيث مسخت منهم الأخلاق وتبددت عندهم الأحاسيس!
فقلي بربك : أين أخلاقهم الحسنة آنذاك؟!
أما الحروب الخارجية : فهي الحروب التي أقامها النصارى ضد المسلمين، عبر التاريخ؛ بحيث كانت وصمة عار في جبين الإنسانية من خلال إزهاق الأرواح وإظهار الحقد والدفين، فلا رحمه عرفوها، ولا شفقة احترموها، ولا إنسانية قدروها .
وإن أردت شيئا مما كسبته أخلاق النصارى بالمسلمين، فدونك الحروب الأخيرة التي شنتها أوروبا المتحضرة! على بلاد المسلمين تحت مسمى : الحروب الصليبية!
ومن آخرها ما نراه ونسمعه ونشاهده هذه الأيام من حروب بربرية وحشية إبادية دكتاتورية في بلاد فلسطين وأفغانستان والبوسنة والهرسك والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، بحيث لم يرحموا صغيرا ولا كبيرا ، ولا طفلا ولا امرأة، بل لم تكن لهم من الأخلاق إلا لغة الإبادة والقتل والتشريد!
فقلي بربك : أين أخلاق أوربا المتحضرة هذه الأيام؟!

الوَجْهُ الخامسُ : أن ظهور هذه الأخلاق عند بعض النصارى لم تكن على إطلاقها، بل هذه الأخلاق قد نجدها عند بعضهم لا كلهم، بخلاف المسلمين فإن الأخلاق السيئة هي عند بعضهم لا كلهم، والعبرة بالكثرة لا بالقلة .
والعبرة أيضا في أصل أخلاق الإسلام، لا في أخلاق المسلمين، فأصل الأخلاق في الإسلام هي أجمل وأكمل وأفضل وأتم وأعظم وأروع وأصفى وأطهر الأخلاق منذ خلق الله البشرية إلى قيام الساعة، ولا ينكر هذا إلا بغيض حسود .
وذلك بخلاف أصل أخلاق اليهود والنصارى مع المسلمين، فأصل أخلاقهم الحقد والحسد والكبر والظلم والاستهزاء ... إلخ .
فكيف إذا كان أصلُ الكفار شرًّا، وأصلُ أخلاقهم شرًّا؟ فشرٌّ على شرٍّ، وظلمٌ على ظلمٍ! «ظلمات بعضها فوق بعض» الآيةَ .

وأمَّا دعوى أن كثيرا من أخلاق المسلمين اليوم سيئة، فليس كذلك، لأنَّ المسلم اليوم أحد رجلين :
إما أن يكون مسلما متعلما مثقفا عارفا بدينه وأخلاقه، وإما أن يكون جاهلا بدينه غافلا عن أخلاق إسلامه .
فالأول منهما : هم أهل العلم وطلابه، وأهل الصلاح والتقوى من القضاة والفقهاء والخطباء والدعاة غيرهم، فهؤلاء هم نجوم الأرض وزينة التاريخ، ممن يضرب بهم المثل في الأخلاق الحسنة، ولا شك .
وأما الثاني منهم : فَهُم أهل الجهل من المسلمين، وهؤلاء للأسف هم أكثر المسلمين اليوم، لاسيما مسلمو بلاد الهند والسند وشرق آسيا وبلاد إفريقيا السوداء في الجملة، لذا كانت الأخلاق الإسلامية الصحيحة فيهم قليلة، لجهلهم بدينهم، وشِدَّةِ فقرِهم، لا غير .
والقاعدة العقلية : هي أن العبرة بالإسلام لا بالمسلمين، وإلا كان هذا إلزامًا لنا على أهل الكفر من الأوروبيين وغيرهم .
يوضحه؛ أنَّنا إذا اتَّهمنا الإسلامَ من خلال جهلِ بعض المسلمين وسوء أخلاقهم، كان لزاما علينا أن نتَّهِمَ دينَ النصرانية الصحيح، لأنَّ أخلاق الغرب اليوم لا تمثل عُشْرَ مِعْشَارِ دينِ النصرانية الَّذِي جاء به عيسى عليه السلام، وهكذا تكون القاعدة طردًا .
فإذا أردت أخي المسلم أن تعرف اليوم حقيقة أخلاق أهل الكفر اليوم ، وما وصلت إليه حضارتهم، فانظرهم بحواسك الخمسة فيما يلي :
في تحريق اليابان، وقتل وتجويع الفتنام، وإبادة شعب البوسنة والهرسك، واحتلال وقتل وتشريد ملايين الأفغان، واحتلال وهلاك شعب العراق، وقتل وحصار وتشريد الفلسطينيين، ودمار وقتل اللبنانيين، ونهب وسرقات ثروات بلاد المسلمين، وسجن المجاهدين ... بل كلُّ بلية أو رزية حلت بالبشرية اليوم فَهُم صناعها ومدبروها!
نعم هذه علومهم وحضارتهم : في صناعة الأسلحة والقنابل المدمرة، والغازات السامة، والطائرات والدبابات والبارجات العدوانية ... بل كلُّ حرب أو قتال حلَّ بالبشرية اليوم فهم صُنَّاعُهُ ومدبِّرُوهُ!
بل لم تزل علومهم تتأجج وتحاك في مختبراتهم زيادة في صناعة أسلحة الدمار الشامل، والغازات السامة القاتلة!
وهم مع التَّبجُّحِ والتعاظم والتَّعالي في معرفةِ هذه العُلُوْمِ الدِّنْيَوِيَّةِ، نجدهم والحالة هذه لم يعرفوا الله تعالى، ولم يعرفوا رحمةَ الإنسانية، بل لم يعطُوا حقوقَ أنفسهم وزوجاتِهم وأبنائهم، فَضْلا عن غيرهم، وذلك بسبب الفساد الخلقي والشذوذ الفكري الَّذِي تمارسه أوروبا في مجتمعاتها :
فالابنُ لا يستطيع أن يتحقَّقَ من طُهْرِ نسبه، والزوج لا يستطيع أن يصون فراشَه أو يحفظ زوجتَه، والبنت لا تستطيع أن تحفظ عِفَّتَها في عُقْرِ دارها فضلًا عن خارجه، فالكلُّ يحكُمُه نظامٌ وقانونٌ يحفظ لهم التَّمرُّدَ على الأدَّيانِ والأخلاقِ!
فالأبُ لا يستطيع أن يحكم ابنه أو ابنته إذا بلغا السِنَّ القانوني (الخامسة عشر)، كما لا يستطيع أن يكون سيدًا مطاعًا عند زوجته، فالكلُّ له حريتُهُ الخاصةُ في الكفر والفاحشة والفساد، فأين حينئذٍ الحضارة الأوربية؟ وأين التقدم العلمي؟ بل أين فروخ الغرب من المسلمين عن هذه الحقائق المكشوفة؟!
قال تَعَالى عَنْهُم : «أمْ تَحْسَبُ أنَّ أكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أوْ يَعْقِلُونَ إنْ هُمْ إلَّا كَالأنْعَامِ بَل هُمْ أضَلُّ سَبِيلًا» (الفرقان: 44) .
أما نسبة حالات الاغتصاب والاختطاف والسرقات والقتل وغير ذلك من جرائم الفساد، فهي تحسب عندهم بلغة الأرقام، بل إنَّ الأرقامَ قد تعجزُ عن حسابها وإحصائها، لذا نجدهم يحسبونها في زمن الثانية والدقيقة!
فهل بعد هذا يُرْجى من علمهم خيرٌ، ومن حضارتهم أملٌ مُنِيرٌ؟!
أمَّا انتشار الأمراض المستعصية والفاتكة فشيء آخر تحار عنده العقول وتعجز عنده المستشفيات العالمية والتقدم الطبي!
ومن أسفٍ أنهم جعلوا من بعض بلاد المسلمين؛ لاسيما إفريقيا معملًا للتجارب في التطعيمات من الإيدز وغيره من الأمراض الخطيرة .
نعم؛ فهذه لغة الأرقام الحقيقة التي تصور لنا واقع أخلاق الغرب بكل فساده الأخلاقي وشذوذه الاجتماعي، فهل من رجل رشيد؟!
ومن أعظم فسادهم، وأكبر ظلمهم، وأسوء أخلاقهم : سوء أخلاقهم مع الله تعالى، وسوء تعاملهم مع الأنبياء، ولاسيما نبينا محمد ﷺ!
أبعد هذا نرجو منهم خيرًا فيما يدَّعونَهُ من حُسْنِ أخلاقٍ هذه الأيام؟ لا ولا، بل حقيقة أخلاقهم نفاق وشقاق، يوضحه ما سيأتي بيانه إن شاء الله .
إنَّ حقيقة الأمر؛ أن كثيرا من عامة النصارى فيهم حِقْدٌ على المسلمين، كما فيهم حَسَدٌ وكِبْرٌ وازْدِراءٌ وتَحْقيرٌ وتَجهِيلٌ بعمومِ المسلمين، ابتداء بالنبي ﷺ وانتهاء بالعربِ، ولا يخالف هذا إلا جاهلٌ أو معاندٌ .

الوَجْهُ السادسُ : فإن قال قائل : إنَّ الإنسان الغربي لم ينسلخ من جميع الأخلاق والصفات الحميدة، بل نجد في رجال الغرب من الصفات ما ليس عند كثير من المسلمين هذه الأيام، مثل : الصدق والأمانة والوفاء بالوعود، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، بل نجد الواحد منهم لا يشتغل إلا بنفسه وحاله وعمله!
قلت : لا شك أنَّ تلكم الصفات الحميدة التي ذكرتم موجودة وملموسة اليوم في غالب أهل الكفر وأخص منهم بلاد أوروبا، إلا أنَّنا قد نختلف معكم في هذه النظرة وهذه الدعوى في شيء من التفصيل، يوضحه؛ أنَّ الصدق والأمانة ونحوها مما ذكرتم، لم تكن عند رجال الغرب صفاتِ صدقٍ في نفسها، ولا صفاتِ محمدةٍ في طبعها؛ بل هي أخلاق اعتباريةٌ نفعيةٌ لها أحوالها وظروفها لا يحكمها دِينٌ ولا مبدأ، اللَّهُم إنها وسيلةٌ لغايةِ عِمَارةِ الأرض، وتشييدِ حضارتها .
وبمعنى آخر: أنَّها منْ وسائلِ تحصيلِ الدرهم والدينار الَّذِي يعبدونها من دون الله تعالى.
وبمعنى آخر : أنَّ الرجل الغربي بجملة هذه الصفاتِ التي يتحلَّى بها أشبه ما يكون بآلةٍ صماءَ يُسَتعانُ بها في الحصولِ على جَمْعِ الأموالِ، وتحقيقِ الشهواتِ، شأنها شأنُ أدواتِ وآلاتِ البناء المعماري، مثل المطرقة والفأس والمحراث وغيرها من آلات البناء .
يوضحه؛ أنك لو أردت أن تبني مصنعًا أو بيتًا صغيرا، فلا يستقيم بناؤه ضرورةً إلا بصدق عماله، وتحرِّي أمانتهم، وإلا لم يقم للبيت قائمة، ولو قام (جدلا) دون هذه الصفات لقامَ معوجًّا لا يثبت على أساسٍ، بل كان آيلًا للسقوط ولو بعد حين، وذلك في الوقت الَّذِي لن يستمرَ صاحب البناء والمصنع مع هؤلاء العمال، ولن يعقد معهم عقدا بعد اليوم، وعليه فلن يستفيدَ هؤلاء العمالُ من الأجور الوافية، ولن يكون لهم بعد اليوم عملًا ينتظرهم عند كلِّ من أراد البناء، وهو كذلك .
لذا فمن أراد منهم أن يحصلَ على الأموال، ولاسيما إذا كان عابدًا لها مولعًا بها؛ فعليه والحالة هذه أن يكون صادقًا في عمله أمينًا في شغله، لأن الصدق والأمانة من أساسيات العمل المتقن، وإلا اختلت جوانب العمل ولو من وجه، كما عليه أن يلتزم بمواعيد العمل وإلَّا تأخر البناءُ عن تمامه ووقته المرجو، فمن ألتزم بهذه الصفات الاعتباريةِ فقد أنتج عملَهُ وحازَ ما يرجوهُ من مالٍ يحقق له شهوتَه الدِّنيويةَ لا غير!
ومن هنا؛ نستطيع القولَ بأنَّ صفاتِ الصدقِ والأمانة والوفاء بالمواعيد لم تكن عند رجال الغرب صفاتٍ دينيةً محمودةً في نفسها، بل هي عندهم صفاتٌ اعتباريةٌ يحكمها الحالُ والمآلُ، فليس من الحفاظ عليها عندهم إلَّا جنيًا للأموالِ، وتحقيقًا لرغباتهم الشهوانية التي يقتاتون بها في حياتهم الدنيا التي يعيشون ويموتون من أجلها .
وثمةُ دليلٍ ظاهر يبين حقيقة هذه الدعوى التي يتشدق بها بعض المستغربين من أبناء المسلمين وبعض ضعاف العقول منهم : وهي أنَّ هذه الصفاتِ الحميدةَ التي يتصف بها رجال الغرب لهي وسائلُ اعتباريةٌ وقتيةٌ تزول بزوال موجباتها .
والدليل على ذلك أنَّك تجدُ الرجل منهم إذا ما خلى له الجوُّ من اعتبارِ هذه الصفاتِ أو بعضها تَنكَّرَ لها وأظهر كذبَهُ وخيانتَه وسوءَ أخلاقه، ولا يدلك على هذا إلَّا تلك الموبقات التي صنعتها رجالات أوروبا وأذنابهم من الإفساد في الأرض، ومن هلاك الحرث والنسل، وذلك فيما ارتكبوه في حق البشرية جميعًا، ولاسيما في حروبهم العالمية سواء الأولى منها والثانية، وفيما ارتكبوه من جرائم إنسانية في معظم بلاد المسلمين، ولاسيما في بلاد الأندلس (أسبانيا)، وما فعلوه في المسلمين من محاكم التفتيش المعروفة المشهورة وغيرها مما يعجز العاقل من وصفه، وما يفعلونه اليوم في إخواننا المسلمين في فلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها من بلاد المسلمين، وما فعلوه في معتقل (قونتونامو)، وسجن أبي غريب وغيرها من المعتقلات والسجون، والتاريخ خير شاهد لمن ألقى السمع وهو شهيد .
وقد صدر مؤخرًا كتاب عن بعض مفكري الغرب العسكريين تحت عنوان : «جيش القتال»، حيث ذكر المؤلف ما فعله الجنود الأمريكيون وغيرهم من جنود الناتو؛ حيث ذكر أنهم جعلوا من قتل المسلمين في أفغانستان والعراق وغيرها لذةً وشهوةً ولعبًا، لاسيما فرقة القناصة منهم، وفرقة المشاة والبحرية وغيرها، وقد ذكر من صور الإبادة والقتل ما تقشعر منه الجلود وتتصدع منه القلوب الإنسانية، ويصدق فيهم قول الله تعالى : «وشهد شاهد من أهلها» (يوسف: 26) .
وحسبك ما ذكره موقع (وكيلكس)؛ حيث طرح ملايين من الوثائق السرية المتعلقة برؤساء الغرب وبالجنود الأمريكيين ومعسكر الناتو؛ حيث نشر كثيرا ممَّا فعله رجال الغرب بإخواننا المسلمين في أفغانستان والعراق وفلسطين ما يندى له الجبين!
وكذا ما فعلته الشركات العالمية الغربية في بلاد الرافدين وأفغانستان وغيرها من قتل وتعذيب وحبس وغيرها من صنوف العداء والعذاب، فالله طليبهم!

* * *

أمَّا جرائم الكذب والخيانة عند الشعوب الغربية فشيء لا ينكره عاقل منهم فضلًا عن غيرهم، فانظرهم في حياتهم الاجتماعية والأسرية، وفي معاملاتهم السوقية والتجارية؛ حيث تراهم لا يفتئون يصبحون ويمسون على موبقات الغش والخيانة والربا والكذب والتزوير والرشوة والزنا والجشع والظلم والبهتان والنفاق ... ما يعلمه الصغير قبل الكبير، كلَّ ذلك تحت حماية النظام الَّذِي يحفظ لهم هذه الموبقات تحت مسمى : الرأسمالية، أي : الحرية الاقتصادية!
بل لا أقول إنَّ هذه الموبقات العظيمة والصفات الذميمة هي من شأن العامة منهم، بل هي من صفات الخاصة من عِلْيَةِ القومِ، ولاسيما الساسةُ منهم والرؤساء والوزراء والسفراء، وليس عنا ببعيد ما نشر عن بعض رؤساء الغرب من العلاقات الجنسية المفضوحة، والاتهامات الأخلاقية، والسرقات المالية، ولاسيما ما ثبت عن كثير منهم من حالات لكذب صراح في غير لقاء ومكان، لذا فإنَّ حقيقة هؤلاء الغرب أنَّهم لا للصِّدقِ صَدَقُوا، ولا للأمانة أُمِنُوا!
فحينئذ لنا أن نقول : إنَّ الحضارة الأوربية الساحرة الباهرة هذه الأيام؛ ليس هي في الحقيقةِ إلَّا حضارةً جوفاءَ خَاويةً متهَاويةَ الأركانِ، لا تحلو إلَّا لأصحاب العيون العَمْيَاءِ العَمْشَاءِ، ولا تَسْتَهْوي إلَّا أهلَ القلوب الضعيفةِ الصَّماء الغَلْفَاء!
نعم؛ فإنَّ الجمال الظاهري لا يستقيمُ بداهةً ولا يقبلُ فطرةً إلَّا إذا تضمنَ جمالَ الباطنِ، وإلَّا فلا خيرَ في الجمالِ الظاهري الصُّوري الَّذِي يشترك فيه الإنسانُ مع الحيوانِ والجمادِ، فكلُّ جمالٍ لا يتضمنُ جمالَ الباطنِ فهو وَبَالٌ على صاحبه ونكالٌ على أمتِه .
وكلُّ جمالٍ تَلبَّسَ به رجالُ الغربِ مجردًا عن جمالِ الأخلاقِ وسمُوِّها، فهو جمالٌ مصنُوعٌ كمصنوعاتِ النَّسيجِ والملْبُوساتِ!
وكُلُّ جمالٍ تلَبَّست به نساءُ الغربِ لا يكسُوه جمالُ الحياءِ والعفافِ والحُشْمةِ والأدبِ والأخلاقِ السَّاميةِ، فهو جمالٌ مصنوعٌ كمصنُوعاتِ المساحيقِ والأزياءِ، فهل من عاقل يدرك ما أقول؟!

الوَجْهُ السابعُ : أن كثيرًا من رحال الغرب قد تطبع على كثير من هذه الأخلاق عن طريق ثقافته التي تلقاها عن المسلمين، سواء عن طريق مخالطته وتعامله مع المسلمين في بلادهم أو في بلاده، أو عن طريق قراءته لكتب المسلمين، كما هو شأنُ كثير من مفكرين النصارى في بلاد الغرب، ممَّن لهم اطلاع في كتبِ الحضارات؛ ولاسيما الحضارة الإسلامية، فضلا عن علماء التاريخ عندهم .

الوَجْهُ الثامنُ : أن بعضَهم عنده بقِيَّةُ رَهْبانيةٍ، وتعَلُّقٌ بنصرانيته، وحبٌ لإنجيله، الأمرُ الَّذِي يدفعه ضرورة إلى قراءة كتبِ الأناجيل (مَتَّى ومرقس ولوقا ويوحنا وغيرها) مما يدفعه إلى النظر والوقوف على أخلاق المسيح عليه السلام : كالقصص والأخلاق الطيبة الحسنة مما يجعله متأثرا بها .
هذا إذا علمنا أن الأخلاق الحسنة هي قاسمٌ مشترك بين الأنبياء جميعا، ولاسيما نبيا محمد ﷺ، لذا كان الواجب على كلِّ مسلم أن يكون متبعًا للنبي ﷺ في عبادته وأخلاقه، لا أن ينظرَ ويقتديَ بغيره، ولاسيما بعُبَّادِ الصليبِ .
حيث قد سمعنا أنَّ كثيرا من المنهزمين والمنبهرين أمام الحضارة الغربية من أبناء المسلمين قد ظنَّ بالإسلام ظَنَّ السَّوْءِ؛ حيث اتَّهم دِيْنَ الإسلامِ بالقصور في التعامل والأخلاق، كما هو ظاهر عند بعض المستغربين من أبناء المسلمين!

وأخيراً؛ فهذا جواب مختصر كتبته على جناح السرعة تلبيةً لرغبةِ بعضِ الإخوة الأفاضل ممَّن وجب علينا إجابتهم، ومن أراد زيادةَ تفصيلٍ عن جواب هذه الأسئلة فعليه بكتابنا «جواب الحيارى عن حقيقة أخلاق النصارى» أسأل الله تعالى أتمامه وتيسيره قريبًا . آمين .
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين
 

وكتبه
ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي
المملكة العربية السعودية
الطائف
ضحى يوم الأربعاء الموافق (2/5/1432هـ)