الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد فقد قرأت نتيجة دراسة ـ وإن كانت قديمة نسبياً ـ أجريت بهدف التعرف على معدل قراءات الشعوب في العالم، فكانت النتيجة : أن معدل قراءة الرجل العادي ـ الذي يعمل في المحلات والأعمال الحرفية ـ في اليابان أربعون كتاباً في السنة ، ومعدل قراءة الفرد في المجتمع الأوروبي عشرة كتب في السنة، في الوقت الذي كان معدل قراءة الفرد في الوطن العربي عُشر كتاب، بمعنى أنه يقرأ في العام عشرون صفحة من كتاب تبلغ عدد صفحاته مائتين صفحة . ولهذا قد نتساءل عن سبب نفور العرب من القراءة بهذه الصورة الكبيرة، والذي يظهر أن للنفور من القراءة أسباب كثيرة منها على سبيل الإشارة وهي أكثر الأسباب وجوداً في العالم العربي : 1. إنهماك العرب في متابعة الإعلام بكافة وسائله المرئية والمسموعة، وشعورهم بأنهم يحصلون على المعلومة التي يريدونها من هذه الوسائل ؛ لهذا انشغلوا عن القراءة بمتابعة الإعلام، وصرفت لأجل ذلك أفضل الأوقات وأغلاها. 2. انتشار الجهل في الوطن العربي، وفي بقية البلدان الإسلامية. والجهل الذي أقصده هو : أمية التفكير وضحالة المستوى الثقافي، في الوقت الذي تحارب الحكومات الأمية بتعليم الناس القراءة والكتابة، وهذا من علامات الساعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر أن من علامات الساعة نقص العلم وظهور الجهل، كما عدّ من علاماتها أيضاً كثرة الكتابة، فإذا أردت أن تجمع بين انتشار الجهل وكثرة الكتابة وجدت ولابد أن الأمية القاتلة ليست في عدم معرفة الناس للكتابة بل الأمية الحقة هي بساطة التفكير وعدم الاستفادة من العلم . 3. ومن أسباب النفور من القراءة أيضاً : أنها لم تدخل في أهداف المناهج الدراسية، فلا تكاد تجد في المقررات التي يدرسها الطلاب في العالم الإسلامي ما يحثهم على القراءة . 4. كثرة وسائل الترفيه واللعب، من ملاعب مزروعة إلى صالات مغلقة ومسابح دافئة إلى ألعاب إلكترونية ، فأصبح المجتمع المسلم غارقاً في اللهو واللعب صباحاً ومساءً إلا من رحم الله . من هنا بدأت فكرة الدعوة إلى القراءة، ومحاولة إيجاد قراء من أبناء المسلمين يعشقون القراءة ، فيبيتون عليها، ويصبحون معها . ومن أجل ذلك نحتاج إلى مراعاة هذه الشخصية وعوائقها النفسية، ومحاولة تعويدها القراءة شيئاً فشيئاً حتى تعتاد القراءة لتكون جزءاً من برامجها اليومية . من هنا بدأت خطوات تنفيذ برنامج للقراءة في المدارس، وكان ذلك البرنامج يهدف إلى تعويد القراءة من ناحية، ودعوة ذلك القارئ إلى الله من ناحية أخرى وذلك من خلال ما يقرأ من الكتب الموجهة التي تكسبه العلم الشرعي ، والفائدة العلمية، وتساهم في بناء شخصيته وفكره . وبحمد الله خرجت ثماره الطيبة في أشهر معدودة حيث تجاوب كثير من الطلاب الذين طبق عليهم البرنامج ، فاصبحوا يحبون القراءة ، وينتظمون فيها انتظاماً كاملاً إلى جانب الالتزام الحسن والتدين المحمود . ومن أولئك الطلاب: طالب قرأ خلال الإجازة الصيفية ألفان وأربعمائة وخمسة وثلاثون صفحة، أي ما يعدل ست مجلدات ، كل مجلد يحوي أربعمائة صفحة . وقد أعيد تطبيق هذا البرنامج عدة مرات، وفي مدارس مختلفة وفي خمسة أعوام متتالية. فكانت نتيجة نجاحه تتجاوز 70% . وقد رغب بعض الفضلاء من المربين أن يكون هذا البرنامج مكتوباً، وينشر ليمكن الاستفادة منه في برامج الدعوة إلى الله في المدارس، وتوعية الطلاب. فاجتهدت في كتابته ، وترتيبه وتنسيقه، وقسمته إلى مراحل ، لكل مرحلة سماتها ، والأهداف المرجوة منها . ولكن لابد من ذكر بعض التوجيهات والتوصيات للأخوة المربين الذين يرغبون في تطبيقه حتى تتحقق النتائج المرجوة منه إن شاء الله . وهذه التوصيات والتوجيهات كانت الإطار الذي تعاملت به مع الطلاب القراء، والذي سلكته عند تطبيق هذا البرنامج . فإليك أخي المربي هذه التوجيهات في نقاط منثورة آمل ألا تخلو من فائدة : 1. تحميس الطلاب وتشجيعهم على القراءة ، وذكر الإحصائيات عن معدلاتها ، وذكر النماذج التي استطاعت أن تتعود عليها. ولابد من طرق هذا الموضوع عدة مرات وفي عدة مناسبات لتشحذ الهمم للقراءة … 2. يبدأ مع القارئ بأن يطلب منه تحديد صفحات معينة ينتظم في قراءتها يومياً، فإن ذكر عدداً كبيراً كعشر صفحات مثلاً، فإن المربي يرده إلى خمس، وإن ذكر خمساً رده إلى صفحتين . وليس غريباً أن يبدأ القارئ بالانتظام على صفحتين يومياً لا يتجاوزها مطلقاً إلا بالاتفاق مع المربي على الزيادة . ولو كانت المعلومة في نهاية الصفحة الثانية لم تكتمل فلا يستمر في القراءة بل يجب عليه أن يتوقف . والغرض من هذا هو : أن يعود إلى القراءة في اليوم الثاني ونفسه في شوق استكمال ما قرأه بالأمس. 3. إذا شعر المربي بتكاسل القارئ فيخفف عنه في مقدار القراءة حتى لا يمل. 4. إذا شعر المربي أن القارئ متلهف للقراءة فلابد من إشباعها- ولكن لا يكون ذلك إلا بعد مضي ثلاثة أشهر على الأقل- ويكتفى بزيادة مقدار القراءة اليومي بالتدريج وعلى فترات متباعدة . أما بعد مضي الثلاثة أشهر فيمكن إعطاؤه كتباً من كتب المرحلة تكون قراءته اختيارية لا تخضع لعدد معين من الصفحات ولا لانتظام يومي . 5. يمكن المربي أن يتجاوز عن بعض كتب المرحلة إلى المرحلة التي تليها إذا شعر بأن الأهداف المطلوبة في المرحلة قد تحققت ، ولكن عليه الحذر من التعجل فإن بقاء القارئ في مرحلته بعد ظهور تحقق الأهداف فترة طويلة يكون هذا أفضل وأحسن . 6. يمكن المربي أن يضيف ما يشاء من كتب لمعالجة بعض المخالفات عند القارئ شريطة أن تتوفر فيها السمات العامة لكتب المرحلة . 7. قد يلاحظ المربي أن القارئ قد تبين له توجه واضع كالشعر مثلاً أو الميل إلى القراءات الأدبية أو الفقهية الشرعية، فيضيف له في برنامجه ما يدعم ذلك التوجه، ويمكن تمكينه من حضور دورات في الشعر أو علم العروض أو فن الخطابة، وكذلك الندوات الشرعية ونحو ذلك . 8. مع كل ذلك يجب على المربي أن يراعي الرصد الدقيق لما يظهر على القارئ من سمات ، أو توجهات، ويهذّب ذلك دائماً بالنصيحة الفردية، والكلمة العامة التي تحثه على الإخلاص وعدم العجب ، والحذر من الرياء. 9. لابد للمربي أن يعزز برنامج القراءة في نفس القارئ، وذلك بالثناء عليه أمام زملائه ، وشكره منفرداً وأما زملائه ، وتذكيره ببعض المعلومات التي سبق أن قرأها وهكذا . 10. يجب على المربي أن يتذكر دائماً أن الهدف من هذه القراءة فتح آفاق جديدة للدعوة والتربية، واكتشاف المواهب وتوجيهها. فكم من عالم لم تظهر علامات نبوغه إلا بيد المعلم ، وكم من شاعر لم يكتشف موهبته إلاّ معلم مربي . وإليك هذين الحدثين : طالبان كانا في فصلين متجاورين كتب كلّ منهما قصيدة. فعرض الأول قصيدته على معلمه ، فرأى المعلم ما كتبه الطالب وإذا به لم يلتزم بوزن ولا قافية بل نظمها على بحور الشعر الستة عشر، فسخر منه، فوأد تلك الموهبة وأطفأ شمعتها المتوهجة . والآخر فعل كما فعل صاحبه مع معلمه، ولكنه قوبل بالتشجيع والثناء والإطراء وأُخذ بيده فصار في مستقبل أيامه شاعراً بارعاً . 11. لا يستعجل المربي في نقل القارئ من مرحلة إلى مرحلة أخرى ما لم تتحقق أهداف تلك المرحلة وتثبت في نفس القاريء . وأيضاً لابد أن يكون سنّه مناسباً للانتقال. 12. كلما كان بقاء الطالب في المرحلة أكثر كان هذا أنفع إلا في حالات خاصة، وفي حدود ضيقة . 13. يمكن تطبيق هذا البرنامج على طلاب المرحلة الثانوية وأواخر المتوسطة. كما يمكن أن يطبق على من هم أكبر من ذلك ولكن بشيء من التحوير والاهتمام بما يناسبه، مع المحافظة على السمات العامة لكتب المرحلة . 14. لا يعني اجتياز المراحل الثلاث أن القارئ قد أصبح طالب علم، بل يعني ذلك أن القارئ قد اكتسب موهبة حب القراءة، وهو لا زال في حاجة المتابعة والتهذيب والتزكية . وكلما كان القارئ صغيراً كان الاستمرار أوجب . 15. حتى يحقق البرنامج الهدف المراد منه وهو : دعوة القارئ فلابد أن يعرّض المربي القارئ لأنشطة وبرامج دعوية أخرى كالتوعية الإسلامية بالمدرسة، وحضور محاضرة خارجية ، والرحلات ونحوها .. حتى تعزز الجانب الديني عنده . 16. هب أن هذه القراءة الموجهة لم يكن لها أثر في استقامة القارئ فلا يعني هذا أن الجهود قد باءت بالفشل، بل لا يخلو الحال من توجيه فكر القارئ ليفكر ويقارن بطريقة شرعية قد تثمر في مستقبل الأيام لتنتج لنا رجلاً صالحاً، أو مفكراً إسلامياً بارعاً، أو على أقل الأحوال شخصاً متعاطفاً محباً مدافعاً. بعض العلامات التي تعكس مدى تفاعل القاريء 1- الرغبة في زيادة عدد الصفحات . 2- الاستشهاد ببعض ما قرأه في كتب البرنامج . 3- نصيحته لزميله بأحد الكتب التي قرأها . 4- تحميس القاريء لأحد زملائه على القراءة ، ومحاولة إشراكه في البرنامج. 5- الانتظام التام على قراءة المقدار المحدد كل يوم . 6- انتقاده لما يحدث حوله من تصرفات غير لائقة ، وذلك ناتج عن ثأثره بما قرأ . 7- أن يضمّن ما يعده من برامج ـ كلمات بعد الصلاة ، برنامج أسري ـ شيئا مما قرأه في البرنامج . 8- قد يظهر عليه سمتٌ مختلف عن هيئته الأولى ، أو خلق لم يكن عنده ، أو يظهر عليه سمات التدين والاستقامة … وفي الختام ، آمل أن أكون قد استطعت أن أوضح هذا البرنامج ، والهدف منه ، وطريقة تطبيقه . وأشكر كل من ساهم معي في تطبيقه ومتابعته ، كما أشكر من أحسن الظن فيّ وطلب مني كتابته ونشره ، وأسأل الله أن يبارك في الجهود ويرزقنا جميعا الإخلاص له .وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .