هناك العديد من الكيفيات التي يمكن من خلالها الإفادة من هذه الشبكة العالمية ذات الآفاق الواسعة في الدعوة إلى الله تعالى؛ إذ إن كل يومٍ تطلع شمسه كفيلٌ بتقديم الجديد والمُفيد في هذا المجال. وعلى الرغم من صعوبة تحديد كيفيةٍ مُحددةٍ لذلك؛ إلا أن هناك بعض المُحددات التي يمكن من خلالها وضع بعض التصورات العامة في هذا الشأن، ومنها ما يلي: (1) أن تكون الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت مُلتزمةً بمنهج الإسلام الذي يحث دائماً على إتباع أُسلوب الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، تحقيقاً لقول الحق جل في عُلاه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. (2) أن تكون الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت مُراعيةً لآداب الدين الإسلامي الحنيف التي جاءت داعيةً ومؤكدةً على أن تكون الدعوة باللطف، واللين، وعدم الشدة مع المدعوين؛ تحقيقاً لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}. (3) أن تكون الدعوة إلى الله تعالى مُسايرةً للعصر في خطابها الدعوي الذي يجب أن يكون خطاباً خاصاً بهذه الوسيلة الدعوية الحديثة، وأن يكون مُراعياً لخصوصيتها، ومُفيداً من إمكاناتها المختلفة في هذا المجال عن طريق تجديد الوسائل والأدوات المُستخدمة لهذا الشأن. وقد أشار إلى ذلك أحد الكُتّاب بقوله: «إن الدعوة إلى الإسلام في هذا العصر – الذي نشطت فيه الدعوات إلى كل أنواع الضلال وبكافة الوسائل التي لم تُعرف من قبل – تحتاج إلى أن تُراجع وسائلها، وتُجدد أدواتها لتكون في مستوى المنافسة في عرض رسالة الإسلام». والمعنى أن الدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت لا تعني الاقتصار على عرض مئات الكُتب الشرعية، والمراجع التراثية، والفتاوى الفقهية ونحوها عبر شبكة الإنترنت؛ وإنما لا بُد من التفكير العميق في كيفية تطويعها إعلامياً وتقنياً حتى يمكن للمدعوين في أي زمانٍ ومكان الإفادة منها بشكلٍ إيجابيٍ فاعل، وحتى يكون العرض في صورةٍ جميلةٍ وجذّابة. (4) أن تكون الجهود المبذولة في الدعوة إلى الله تعالى بعيدةً عن كل ما من شأنه حصول الفرقة والاختلاف بين المسلمين. وأن يحرص القائمون بهذه المهمة الجليلة على البعد عن النزاعات والخلافات المذهبية والعقائدية التي لا ينتج عنها إلا النتائج السيئة. وسائل الدعوة عبر الانترنيت أما أبرز وسائل الدعوة إلى الله تعالى من خلال شبكة الإنترنت فهي مُتعددة ومُتنوعة؛ إلا أن هناك بعض الوسائل المُتميزة التي يمكن استثمارها في هذا الشأن، ومنها: 1- إنشاء المواقع الدعوية الإسلامية (Site). 2- استخدام البريد الإلكتروني (E-mail). 3- المُشاركة الفاعلة والإيجابية في ساحات ومُنتديات الحوار (Forums). 4- الحوار عبر غرف الدردشة (Chat). وفيما يلي مُحاولةٌ لتسليط الضوء على هذه الوسائل وكيفية استخدامها في الدعوة إلى الله تعالى: (1) إنشاء المواقع الدعوية الإسلامية (Site): وتُعد هذه المواقع من أبرز وأهم الوسائل التي يمكن من خلالها الدعوة إلى الله تعالى من خلال شبكة الإنترنت، وتكمن أهمية هذه المواقع الدعوية في كون "الموقع الإسلامي عبارة عن مكتبةٍ كبيرةٍ وغنيةٍ جداً بالمعلومات عن الإسلام معروضةٍ بالمجان للملايين من البشر وبلُغاتٍ مختلفةٍ يطلع عليها الناس في أي زمانٍ أو مكان". وتكمن أهمية هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله تعالى انطلاقاً من كون هذه المواقع الإسلامية تتضمن في محتواها مجموعةً هائلةً من المعلومات الصحيحة والموثقة عن الدين الإسلامي الحنيف ؛ فهناك في العادة ترجمات لمعاني آيات القرآن الكريم إلى كثيرٍ من اللغات العالمية، وهناك الأحاديث النبوية الشريفة، وهناك الكثير من الكُتب الدعوية والفقهية والشرعية، كما أن هناك الفتاوى الشرعية المُتنوعة لعددٍ من كبار العلماء المسلمين، إضافةً إلى الموضوعات الدعوية المُسجلة على الأشرطة الإسلامية بالصوت والصورة وبمختلف اللغات، والحوارات الدعوية لكثير من العلماء والدعاة في شتى الموضوعات والمجالات. وهنا يجب مراعاة أنه عندما يتم إنشاء موقع دعوي إسلامي جديد فمن الأهمية بمكان عدم تكرار الموجود في المواقع الأُخرى، والنظر في الجوانب المفتقدة للدعوة إلى الله تعالى على الإنترنت أو التي فيها بعض القصور ثم الحرص على استكمالها وبيانها في هذا الموقع طمعاً في تحقيق التكامل المطلوب. كما أن من الضرورة بمكان أن يعمل على الربط بالموجود في المواقع الأخرى دون أي تكرارٍ أو إعادةٍ أو اختلاف. وقد أورد أحد المهتمين بالدعوة إلى الله تعالى من خلال الإنترنت بعضاً من المواصفات والشروط اللازمة للموقع الدعوي الناجح ذكر منها ما يلي: «أن يكون اختيار اسم الموقع مناسباً وجذاباً ومُسجلاً رسمياً، وأن يكون الموقع عملياً وذلك بعدم الإكثار من الصور والمقاطع الصوتية والمصورة والعمل على تسهيل عملية التنقل للزائر في الموقع، وإنشاء سجل للزوار لغرض الإفادة من ملاحظاتهم وانتقاداتهم، والبعد عن التقليد في تصميم الموقع، والحرص على عمل دعاية مناسبة للموقع في الجهات المعنية، والبعد عن المنكرات بجميع أنواعها، والابتعاد في الموقع عن إثارة الخلافات والنزاعات الفرعية أو المذهبية، والحرص على تطوير الخطاب الدعوي في الموقع بما يتلاءم مع أهمية الدعوة وكيفيتها». (2) استخدام البريد الإلكتروني (E-mail): وتُعد هذه الوسيلة باباً واسعاً للدعوة إلى الله تعالى؛ فهي من أكثر الخدمات التي تُقدمها شبكة (الإنترنت) شهرةً واستخداماً وفائدة، لاسيما وأنه "يمكن بواسطته إرسال واستقبال رسائل كتابية أو مسموعة أو مُشاهد مرئية، أو مزيج من أمور مقروءة ومسموعة ومرئية". والبريد الإلكتروني خدمةٌ عظيمة النفع متى تم استخدامها بحكمةٍ ودراية لاسيما وأنها سهلة الاستعمال وقليلة التكلفة وتوفر الكثير من الوقت والجهد، وهي واسعة الانتشار بشكلٍ مُذهلٍ جداً فقد أشارت بعض المصادر إلى أن "متوسط الرسائل اليومية عبر الإنترنت في مُختلف المجالات نحو (8) مليارات رسالة، وهو رقمٌ مُرشح للنمو باضطراد خلال الأعوام الثلاثة المُقبلة". وليس هذا فحسب؛ فالبريد الإلكتروني "يتميز بالسرعة الفائقة، فالرسائل تصل إلى المرسل إليهم في ثوانٍ معدودات فتوفر الجهد والوقت الذي تتطلبه الرسائل البريدية العادية". وإذا كان البريد الإلكتروني يُقدم هذه الخدمة العظيمة فإن الحاجة ماسةٌ جداً لاستخدامه في إرسال الرسائل الدعوية المختلفة إلى المدعوين على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم وجنسياتهم؛ ومن ثم فتح باب التواصل معهم، ومراسلتهم، ومحاولة الرد على أسئلتهم واستفساراتهم عن أمور الدين والدنيا. كما أنه يمكن الإفادة من هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله تعالى عن طريق مراسلة المشتركين في قوائم البريد الإلكتروني (mailinglists) الموجودة في المواقع المختلفة؛ إذ إن هناك بعض الشركات التي لها قوائم بريدية تتجاوز أحيانًا الخمسين مليون عنواناً بريدياً ويتم الاتفاق مع هذه الشركات مقابل مبلغ معين لتوصيل رسائل دعوية متنوعة لهؤلاء المشتركين عن طريق الإنترنت، وهذه وسيلةٌ جيدةٌ جداً متى أُحسن استخدامها والإفادة منها في هذا الشأن. وقد أشار أحد الباحثين إلى إمكانية استخدام هذه الوسيلة في الدعوة إلى الله تعالى بقوله: "لقد قام بعض المخلصين باستخدام هذه الوسيلة (E-mail) وأطلقوا عليها (دليل المهتدين) وهي تجربةٌ دعويةٌ ناجحة من حيث المبدأ، خصوصاً إذا ما توافرت فيها العناصر الكافية. وهي فكرةٌ تقوم على الدعوة إلى الله عن طريق البريد الإلكتروني؛ حيث يقوم بإرسال رسائل مُنتظمة إلى المشتركين في القائمة البريدية". وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا بُد من مراعاة بعض الأمور التي يمكن من خلالها ضمان نجاح الدعوة إلى الله تعالى من خلال البريد الإلكتروني، ومنها ما يلي: - أن تكون الرسائل الدعوية متنوعةً في موضوعاتها وطرحها حتى لا تكون مُملةً ومكررة. - أن يكون إرسال الرسائل الدعوية باعتدال، وفي فتراتٍ معقولة، وبطريقةٍ غير مُزعجة أو مُكثفة. - أن تكون الرسائل الدعوية مُختصرةً وغير مطولة في محتواها حتى لا تُمل أو تُهمل. - أن تكون موضوعات الرسائل الدعوية مختارةً بعنايةٍ واهتمام، وأن تكون ذات معلوماتٍ موثقةٍ وواضحة. - أن تكون الرسائل الدعوية مناسبةً في موضوعاتها للظروف والمناسبات الزمانية والمكانية المُختلفة قدر الإمكان حتى يوافق المقال المقام. - أن تكون الشركة التي يتم الاتفاق معها لتقوم بمهمة الإرسال عبر شبكة الإنترنت من الشركات الموثوقة في هذا المجال من حيث صحة العناوين التي ترسل إليها الرسائل، ومدى التزامها بتنفيذ المهمة، ونحو ذلك. (3) المُشاركة الفاعلة والإيجابية في ساحـات و مُنتديـات الـحوار (Forums): وهذه الساحات أو المنتديات عبارة عن منابر ومنتديات خاصة بالحوارات والنقاشات المفتوحة بين المُشاركين من كل مكان، والتي يمكن من خلالها المشاركة في أي ساحة موجودة على المواقع المختلفة ببعض المُشاركات الدعوية المتنوعة، سواءً كانت المُشاركة بإنشاء قضايا جديدة، أوالمشاركة في قضايا موجودة من قبل. وهناك العديد من البرامج الحاسوبية المعروفة التي يمكن من خلالها المخاطبة المباشرة لمجموعة من الناس في وقتٍ واحد، كما أن هناك برامج يمكن أن يكون الحوار من خلالها بشكل إنفرادي. و يمكن من خلال هذه الوسيلة العمل على تعليم الناس أمور دينهم، أو الدعوة للدخول إلى الإسلام. كما أن هناك إمكانية الحوار غير المُباشر مع الآخرين عبر الإنترنت من خلال: - ساحات الحوار: وهي ساحاتٌ حواريةٌ على شبكة الإنترنت، تُسمى بالإنجليزية (Forums)، وتوجد في غالب شركات البحث الكبرى التي يمكن من خلالها التحاور مع الملايين من البشر عن كل ما قد يدور في الذهن من أمور دينيةٍ أ و دنيوية. وهي وسيلةٌ دعويةٌ يمكن من خلالها الوصول إلى الناس في أي مكان لتعليمهم أمور دينهم، أو دعوتهم إلى الله تعالى. - مجموعات الأخبار أو مجموعات النقاش (News Group): التي تُعرَّف بأنها "أداة اتصالٍ مُهمةٍ على الشبكة، وهي مُشابهةٌ لقوائم مناقشة البريد الإلكتروني، فهي مُنتدىً عام للمُناقشة لمن يشتركون في نفس الاهتمامات". من هنا فإنه يمكن من خلال هذه المجموعاتٌ إجراء الحوارات والنقاشات، و تبادل الخبرات في مواضيع لا حصر لها، ومنها- بلا شك - الجوانب الدينية والدعوية لكافة الديانات والمعتقدات والمذاهب. وعادةً ما يكون في هذه الساحات الكثير من الحيارى والضائعين الذين يبحثون عن نور الهداية . كما أن فيها أيضًا من يتعرض لدين الله تعالى (الإسلام) بالكيد والطعن من الكفار والمنافقين والمُشككين وأصحاب الأهواء والبدع وغيرهم؛ فكان لا بُد من التصدي لهم والرد عليهم، وبيان حقيقتهم وكشف نواياهم. وهنا لابُد من مراعاة بعض الضوابط التي تكفل تحقيق المطلوب من هذه الوسيلة في خدمة الدعوة إلى الله تعالى، ومنها: - ضرورة التحلي بالحكمة والأناة والذكاء وعدم الاندفاع أو الحماس الزائد عند المشاركة في هذه الحوارات والنقاشات المفتوحة. - أن تكون المشاركات مختصرةً ومركزةً في أنٍ واحد، وبعيدةً عن الإطالة المملة التي ربما تجعل الكثيرون يعزفون عنها. - أن يكون في المشاركة مجالٌ للنقاش والحوار الهادئ، وسماع الرأي الآخر واحترامه. - أن تكون المشاركات، والطروحات، والردود مُتسمةً بالعلمية القائمة على الإقناع بالدليل والبرهان. وأن تكون مناسبةً لمستوى المدعوين الذين قد يحتاجون إلى مخاطبة المنطق وإزالة الشكوك والأوهام ونحو ذلك. (4) الحوار عبر غرف الدردشة (Chat): وهو بابٌ واسعٌ للخير والدعوة إلى الله تعالى، ولكنه في الوقت نفسه كثير الأخطار والمحاذير إذا لم يُحسن استخدامه وتوظيفه؛ لاسيما وأن له أنواعاً مختلفة فهناك (الحوار الصوتي، والحوار المرئي، والحوار الصوتي المرئي). و يمكن الإفادة من هذه الغرف الخاصة بالدردشة الإلكترونية عن طريق كتابة النصائح المختصرة والمواعظ المناسبة وعرضها للمدعوين. كما يمكن الإفادة منها في الحديث الخاص مع بعض الراغبين في النصح والتوجيه والإرشاد والمساعدة وغير ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة مراعاة أن تكون النصائح في غرف الدردشة مُختصرةً وغير طويلة؛ كأن تكون عبارة عن بعض الآيات القرآنية المختارة، أو الأحاديث النبوية المُنتقاة في موضوع معين مع إلحاقها بما يُناسب الحال من الوعظ الصادق، والنصح اللين، والإرشاد الجميل إلى فعل الخير والإقبال على الله تعالى. كما أنه يُنصح باستخدام أُسلوب اللين والرفق مع المدعوين، والصبر على ما قد يحصل من عدم تجاوب بعضهم، وعدم استعجال النتائج فالكلمة الطيبة تؤتي ثمارها ونتائجها ولو بعد حين.