الصيام عن المسلسلات التليفزيونية فى رمضان

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : أحمد الكردى | المصدر : kenanaonline.com

الكل يستعد لرمضان، وأكثر الناس استعداداً لرمضان -كما أظن- هم أهل الفن، فمسلسلات رمضان يخطط لها من انتهاء رمضان الماضي، وربما تبدأ الأفكار ويتم التعاقد مع شركات الإنتاج أثناء رمضان لرمضان القادم، كل هذا حرصاً على جني الأرباح والمكاسب والشهرة.

أنا لن أتكلم عن جميع المخالفات الشرعية التي في المسلسلات ولست احلل أمراً من المحرمات في غير رمضان، ولكن وصلت الحال ببعض مسلسلات رمضان أنها أصبحت بكل بساطة (قليلة أدب)!!.. أو أحياناً (عديمة أدب)!! ..بعض المسلسلات في بعض القنوات الفضائية لا هم لها إلا كسب المشاهدين عبر الإثارة (غير الشريفة)!! وإلا ماذا يعني أن تتمايل فتاة بكامل زينتها وتبرجها وتتميع في كلامها وربما تتلفظ بألفاظ لا حياء فيها؟ وماذا تعني مسلسلات تحكي قصص الحب والغرام، والعلاقات الجنسية بل التركيز على علاقات الشذوذ في السيناريو؟ كل ذلك في رمضان!!


إذا كان بعض من يؤلف هذه المسلسلات يعيش أجواء (الشذوذ) أو (العلاقات المحرمة) ويظن أنها هي الأصل في الأسر الخليجية وبالذات الكويتية فإنه واهم، فإن الناس بفضل الله يغلب عليهم العفة والستر وإن كانت هذه المشاكل موجودة وهذا الانحراف بدأ ينتشر إلا أن من كتب وألف هذه المسلسلات لا يعرضها على سبيل الاستنكار والاستهجان بل على سبيل عرض الواقع والاكتفاء بذلك وربما التشجيع عليه!!

صارت المسلسلات اليوم لا تعتمد على قوة الأداء أو الاحتراف في كتابة السيناريو أو الإخراج، إنما يعتمد بعضها اليوم على جلب الفاتنات، واصطياد الجميلات وإلزامهن لبس العاري من الثياب، والإتيان بأفعال وحركات غريبة يشمئز منها الشرفاء، وهذه الأمور تستنكر في كل العام، فكيف إذا كانت برمضان؟! عيب أن تصفد شياطين الجن وتفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وبعض الذين (لا يستحون) يستعد من الآن لبث قذارته ولوثته الأخلاقية على ملايين البشر، وكأنه ليس بحاجة إلى شياطين ليفعل ما يفعل بأمة الإسلام.


اللوم أولاً يقع على من يملك القنوات الفضائية الذين بيدهم منع هذه المسلسلات ووضع الضوابط لاختيارها، ومن يدير هذه القنوات كيف يسمح لنفسه بعرض مثل هذه المسلسلات التي لا تراعي الشريعة ولا الأخلاق ولا العادات الأصيلة؟

واللوم يقع أيضاً على المشاهدين الذين بيدهم اختيار ما يشاهدون فلو عارض الناس وضع مثل هذه المسلسلات والبرامج لما أقدمت أكثر القنوات على وضعها، ولاشترطت على شركات الإنتاج إنتاج مسلسلات هادفة ليس فيها هذا الابتذال الحاصل في أكثر المسلسلات اليوم.

ولو اتصل الغيورون على مديري القنوات الفضائية يستنكرون عرض بعض البرامج التافهة التي لا تتناسب مع كل الشهور فكيف برمضان؟! واستنكروا عرض المسلسلات (الوقحة) ربما، وأقول ربما فكر هؤلاء المديرون في احترام آراء المشاهدين، إن كانوا حريصين على قنواتهم.


ولأنني في الإعلام وأعلم عن كثب ما يدور وراء الكواليس فيها، أقول بملء فمي إن أكثر المسلسلات التي تملأ فيها أوقات القنوات في رمضان بالخصوص (تافهة)، وليس وراءها أي هدف إلا (الربح المادي)، حتى العمل من اجل الاحتراف واحترام مبادئ (الفن) -إن كانت فيه مبادئ- فهذا الأمر بات ثقيلاً عند من ينتج البرامج والمسلسلات الرمضانية.


لنرفع أصواتنا جميعاً ولنقل لكل من يقوم على كل الفضائيات احترموا شهر رمضان واحترموا المشاهدين في هذا الشهر، ورحم الله كل من كان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر.

 

مسلسل خليجي وآخر مصري وثالث سوري ثم برنامج فكاهي وساعة أو ربما اثنتين مع برنامج مسابقات يتخللها مئات الإعلانات والدعايات ثم يمضي الليل وبركته ويتسلل النعاس إلى جفون الصائمين (المتخمين بعد الفطور) فلا خيار أفضل من الفراش والنوم حتى يحين السحور.

فهل أدركنا المغزى من الصيام والحكمة المرجوة منه؟

يقول الأستاذ سيد قطب في الظلال عن الصيام: "ولقد كان من الطبيعي أن يفرض الصوم على الأمة التي يفرض عليها الجهاد في سبيل الله، لتقرير منهجه في الأرض، وللقوامة به على البشرية، وللشهادة على الناس. فالصوم هو مجال تقرير الإرادة العازمة الجازمة، ومجال اتصال الإنسان بربه اتصال طاعة وانقياد، كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، واحتمال ضغطها وثقلها، إيثارًا لما عند الله من الرضى والمتاع. وهذه كلها عناصر لازمة في إعداد النفوس لاحتمال مشقات الطريق المفروش بالعقبات والأشواك، والذي تتناثر على جوانبه الرغاب والشهوات، والذي تهتف بسالكيه آلاف المغريات".

لنعد لأية الصيام ونتأملها:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}

[البقرة: 183].

إذا الغاية من الصيام هي التقوى.. فهل حققناها؟

ثم يتبادر إلى الذهن سؤال آخر عن الذين من قبلنا وكيفية صيامهم؟ إن كلمة (كما) تدل أن الكيفية متشابهة.. فما بال أصحاب الديانات الأخرى لا يصومون وإن صاموا فحالهم يختلف عن حالنا.. فما الذي طرأ عليهم؟؟

يقال أنه عندما فرض الله الصيام على اليهود ثلاثين يومًا صادف حرًا شديدًا تضايقوا منه فاجتمع علماؤهم ورؤساؤهم فجعلوه في فصل الربيع بين الشتاء والصيف وهذا هو (النسيء) الذي حرَّمه الله في القرآن ثم إنهم زادوا فيه عشرة أيام كفارة لضيقهم فصار الصيام عندهم أربعين يومًا، ثم إن ملكًا من ملوكهم اشتكى مرضًا نزل به فنذر لله إن برأ من وجعه أن يزيد في صومه أسبوعًا فبرأ فصار يصومها أي (47) يومًا، فلما توفي أمر الملك الذي جاء بعده بصيام ثلاثة أيام فصارت أيام الصيام (50) يومًا، لكن هل هم يصومون اليوم الخمسون يوما؟؟


وأما صيام النصارى فيختلف من مذهب إلى آخر فمنهم من يصوم يومًا ومنهم من يصوم أربعين ولكن عن اللحوم وما شابه.. فيا ترى لماذا تخلى أصحاب الديانات الأخرى عن فريضة الصيام ومن أغراهم بتركها والعزوف عن أداءها؟

إنه وببساطة ذلك الذي يُصفد من أجلنا حينما تثبت رؤية هلال رمضان، إنه ذلك الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم فهو قد حقق هدفه في صد من قبلنا عن الصيام وهاهو اليوم يحاول بكل وسيلة ليحرمنا الوصول إلى الهدف الأسمى من الصيام ألا وهي التقوى!..

ومن أجل ذلك سخر جنوده من الإنس ليحيكوا شباكهم وينصبوا فخاخهم بمسلسلات سموها رمضانية وما هي برمضانية، بل عنكبوتية تلتف بخيوط أحداثها فلا يجد المشاهد عنها محيصا، فهل سنسمح للشيطان أن ينال منا رغم أنه مصفد؟ هل يكون أذكى منا وأقوى؟؟ ونكون نحن بدرجة من الضعف أن نخضع له رغم أنه مقيد مُصفد؟؟

ربما يقول أحدهم أنه يتابع مسلسل هادف، ونقول ربما.. لكن ألا يتخلله ما يسيء ويثير الغرائز ويخالط روح الصائم النقية؟! ألا يكفي أنها تشغل بال المتابع عن ذكر الله والصلاة والصيام وقيام الليل وقراءة القرآن والتدبر في آياته المباركات؟؟

تمتنع أخي الصائم عن الأكل والشرب ربما ثلاثة عشر ساعة وتعاني ما تعاني فتضيعه هكذا ببساطة حينما لا تجد حلاوة التقوى ولا تسمو روحك لتداني مقام الملائكة والسبب مسلسل شاهدت أبطاله ليلا وشغلوك نهارا وربما لم تتلهف للفطور كتلهفك لموعد المسلسل...

فأي صيام هذا وأي رمضان وأي تربية نرجوها من صيامك ألا تخشى أخي الصائم أن ينطبق قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليك في قوله:

«رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع»

! [صححه الألباني].


فيا أخي الصائم لا تدع للشيطان وزبانيته الفرصة أن يشغلوك عن ذكر الله..

والمسلسلة وأبطالها الأبطال لن ينفعوك يوم لا ينفع مال ولا بنين إلا من أتى الله بقلب سليم.. وسلامة القلب في طاعة الله واجتناب نواهيه فهل ابتعدت عن الحمى؟!


وقبل أن ترحل عن سطور اللوم هذه اسأل نفسك كم مسلسلة شاهدت؟؟ وما كان تأثيرها الايجابي عليك؟ وهل سيضرك شيء إن لم تشاهدها؟ هل ستصبح متخلفا وبعيدا عن الحضارة الإنسانية وقيمها العليا إن حرمت نفسك لذة الجلوس بين يدي ممثليها؟

حاول أخي الصائم والله يعينيك على تغيير عادتك في كل رمضان حاول أن تتخلى عن مشاهدة ما تتصوره جزء من رمضان وما هو إلا سهم يخترق قلب الصيام ومغزاه، ارتقي بروحك وتخلى عن ماديتها التي تلازمك أحد عشر شهرا وتمتع قليلا بملائكية نورانية وهبك إياها الكريم قبل أن تمضي أيام الشهر الفضيل فتجد نفسك خاسرا وسط الفائزين بجوائز الرحمن الرحيم..

قم وأغلق التلفاز.. وتوضأ وأعرض نفسك على نفحات الله وجاهد نفسك اليوم لتقوى على جهاد أعدائك غدا.. فلا أبواب الحارات ولا لياليها تصنع جيل النهضة.. بل صلاة وقيام وتدبر.

ضع لنفسك جدول محاسبة وحاسب نفسك قبل أن تٌحاسب.. ولات حين مندم!.