الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلي يوم الدين . أخي المسلم إن العيد عبادة من العبادات التي تعبدنا بها ربنا سبحانه وتعالى , والله لا يقبل من الأعمال إلا ما ابتغي به وجهه وكان موافقًا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم , وهذا يجب أن يتوفر في جميع الأعمال حتى تقبل عند الله سبحانه وتعالى . وإليك أخي الكريم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العيد وما يتعلق به من أحكام وسنن والتحذير من بعض منكرات العيد . ** حكم صلاة العيد:- على الراجح من أقول أهل العلم أن صلاة العيد واجبة لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها وأمره الرجال والنساء أن تخرج لها والدليل حديث أم عطية رضي الله عنها قالت ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العواتق والحيض وذوات الخدور , أما الحُيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت يا رسول الله : أحدنا لا يكون لها جلباب قال لتُلبسها أختها من جلبابها) أخرجه البخاري ومسلم. وجاء في التعليقات الرضية على الروضة الندية لصديق حسن خان (1/379) (قد أختلف أهل العلم هل صلاة العيد واجبة أم لا ؟ والحق الوجوب , لانه صلى الله عليه وسلم مع ملازمته لها قد أمرنا بالخروج إليها كما في حديث أمره صلى الله عليه وسلم للناس أن يغدوا إلي مصلاهم بعد أن أخبره الركب برؤية الهلال هو حديث صحيح, وثبت في الصحيحين من حديث أم عطية ( المتقدم) "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى.....), قال فالأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب والرجال أولى من النساء بذلك لأن الخروج وسيلة إليها ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه بل ثبت الأمر القرآني بصلاة العيد كما ذكر أئمة التفسير في قوله تعالى ( فصلي لربك وانحر) فإنهم قالوا المراد صلاة العيد . ومن الأدلة على وجوبها أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد , وما ليس بواجب لا يُسقط ما كان واجبًا).أهـ ** اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد:- الراجح من أقول العلماء أن صلاة الجمعة تسقط ويستحب للإمام أن يقيمها لشهدها من شاء ومن الأدلة على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه قال قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعّون) أخرجه أبو داود وصححه الشيخ الألباني . ** وقت صلاة العيد:- يدخل وقت صلاة عيد الفطر عند ارتفاع الشمس ويكون ذلك حين تكون الشمس على قيد رمحين وفي الأضحى على قيد رُمح, دل على ذلك عدد من الأدلة راجع الإرواء (3/100) وتمام المنة (347صـ). ** من فاتته صلاة العيد مع الجماعة ماذا يفعل ؟ دلت الأدلة على أن من فاتته صلاة العيد مع الجماعة يصلي ركعتين , فقد بوب البخاري في صحيحة (باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين). وقال عطاء إذا فاته العيد صلى ركعتين ) انظر الفتح(2/475). سئل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله : عن كيفية قضاء صلاة العيد لمن فاتته ؟ فأجاب رحمه الله : الصواب تُقضي كما فاتت , هذه قاعدة فقهية أخذت من بعض المفردات من السنة النبوية , والصلاة تُقضى كما فاتت , فصلاة العيد ركعتان فمن فاتته بعذر شرعي صلاها ركعتين كما يصليها الإمام , أما صلاة أربع زائد ولا نجد له ما يشهد له من السنة . سلسلة الهدى والنور شريط 376. وسُئل الشيخ الفوزان حفظه الله : إذا فات المأموم ركعة من صلاة العيد أو الاستسقاء , هل يجب عليه التكبير عدة مرات مثل الإمام قبل قراءة الفاتحة أم لا ؟ فأجاب حفظه الله : من فاتته صلاة العيد أو الاستسقاء , فإنه يستحب له أن يقضيها على صفتها , ومن ذلك التكبيرات الزائدة , وكذلك إذا فاته بعضها بأن فاته ركعة منها فإنه يدخل مع الإمام فيما بقي , وإذا سلم الإمام يقوم ويأتي بما فاته على صفته بالتكبيرات لأن القضاء مثل الأداء , والله أعلم . المنتقى للشيخ الفوزان (2/273) طبعة دار الإمام أحمد ** مكان أدائها:- السنة في صلاة العيد أن تكون في المصلى (على حدود البلد خارج البنيان) لان هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة رضي الله عنهم , ففي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلي المصلى , فأول شيء يبدأ به الصلاة ...) ثانيًا الخروج إلي صلاة العيد وآدابها ** الاغتسال يوم العيد قبل الخروج للصلاة : يستحب الاغتسال يوم العيد قبل الخروج للصلاة والدليل على ذلك ورود بعض الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم , فقد روى البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان قال سألت عليًا رضي الله عنه عن الغُسل ؟ قال : اغتسل كل يوم إن شئت فقال لا الغسل الذي هو الغسل ؟ قال : يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر ). وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنف أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلي المصلى ). ** التجمل يوم العيد : يستحب التجمل للعيد وذلك بالتطيب ولبس أحسن الثياب والدليل على ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس يوم العيد بردة حمراء) السلسلة الصحيحة (1279) وكان ابن عمر رضي الله عنه "يلبس أحسن ثيابه في العيدين" رواه البيهقي وصححه ابن حجر في الفتح (2/439). ويجب الحذر من إسبال الرجال لثيابهم –أسفل من الكعبين- فإنه محرم ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار"). ** أكل تمرات قبل الخروج لصلاة عيد الفطر: فمن السنة قبل الخروج لصلاة عيد الفطر أن يأكل بعض التمرات وترًا , أما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يأكل من أضحيته . فعن أنس رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وترًا " رواه البخاري . وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال :"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يطعم يوم النحر حتى يذبح " رواه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني . قال ابن القيم رحمه الله ( وأما عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته ) زاد المعاد (1/441). ** التكبير في العيدين :- ويشرع التكبير في العيد ويبدأ في عيد الفطر من صبيحة يوم العيد ويستمر إلي صلاة العيد . فعن ابن عمر رضي الله عنه قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في العيدين رافعًا صوته بالتهليل والتكبير) رواه البيهقي بسند حسن. وثبت عنه رضي الله عنه أنه كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى وحتى يقضي الصلاة فإذا قضى الصلاة قطع التكبير) رواه ابن أبي شيبه في المصنف وصححه الألباني . أما الأضحى فيبدأ فجر يوم عرفة حتى غروب شمس ثالث أيام التشريق". ** من صيغ التكبير :- ومن صيغ التكبير ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه " أنه كان يكبر أيام التشريق : الله أكبر , الله أكبر , لا إله إلا الله , والله أكبر ,الله أكبر ولله الحمد" رواه ابن أبي شيبه وصححه الألباني . ** خروج النساء لصلاة العيد حتى الحُيض والصبيان:- لما جاء عن أم عطية رضي الله عنها قالت ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى : العواتق والحيض وذوات الخدور , أما الحُيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت يا رسول الله : أحدنا لا يكون لها جلباب قال لتُلبسها أختها من جلبابها) أخرجه البخاري ومسلم. ** مخالفة الطريق إلي المصلى:- لما صح عن جابر بن عبد الله قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيدٍ خالف الطريق) أخرجه البخاري. **يستحب المشي إلي المصلى وعدم الركوب إلا لحاجة:- لما صح عن علي رضي الله عنه قال (من السنة أن تخرج إلي العيد ماشيًا)رواه الترمذي وحسنة الألباني. *** هل يؤذن للعيدين أو يقام ؟ الصحيح أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن للعيد أو أقام فقد جاء عن جابر بن سمرة قال (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة) أخرجه مسلم . فمن أذن أو أقام لصلاة العيد فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه . ** صلاة العيد لا يصلى قبلها ولا يصلى بعدها :- فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلي قبل صلاة العيد ولا بعدها كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يُصل قبلها ولا بعدها ومعه بلال) أخرجه البخاري ومسلم . ** صفة صلاة العيد :- صلاة العيد ركعتان يُكبر فيها بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة سبعًا وفي الثانية قبل القراءة خمسًا . والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمسًا) أخرجه أبو داود وصححه الشيخ الألباني . ** هل يرفع يديه مع كل تكبيرة ؟ الراجح من أقول العلماء أن لا يرفع إلا مع تكبيرات الصلاة المعتادة لعدم ورود أدلة في ذلك . قال ابن حزم في المحلى ( ولا يرفع يديه في شيء منها إلا حيث يرفع في سائر الصلوات فقط) وقال الشيخ الألباني رحمه الله في تمام المنة (صـ348) لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه وقد روُي عن عمر في رفع اليدين وليس بثابت . راجع الإرواء (640). **القراءة في صلاة العيد :- جاء عن النعمان ابن بشير قال ( كان رسول الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة بـ(سبح اسم ربك الأعلى ) و(هل أتاك حديث الغاشية) . قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد , يقرأ بهما أيضًا في الصلاتين) رواه مسلم. **صلاة العيد قبل الخطبة :- لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قال (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة) أخرجه البخاري ومسلم. ** الخطبة بعد الصلاة والتخيير في حضورها:- حضور خطبة العيد لا يجب بل هو مستحب ويستحب للإمام أن يخير من حضرها تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم فعن عبد الله بن السائب قال شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى الصلاة قال (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب) رواه أبو داود وصححه الألباني. ولكن إذا أشتملت الخطبة على منكرات فالواجب الخروج منها خصوصًا في هذه الأيام التي كثرت فيها البدع والمخالفات والله المستعان. التهنئة بالعيد يجوز أن يُهنيء المسلون بعضهم بعضًا بالعيد فإن ذلك من مكارم الأخلاق وهو وراد عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم , فعن جابر بن نفير قال( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض "تقبل الله منا ومنكم" حسنه الألباني في الإرواء (3/398). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (24/253) (أما التهنئة يوم العيد بقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد الصلاة "تقبل الله منا ومنكم" و"أحال عليك" ونحو ذلك فهذا قد رُوي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه ورخص فيه الأئمة كأحمد وغيره).أهـ بعض منكرات العيد وفي الختام أذكر بعض المنكرات التي يقع فيها بعض المسلمين وفقني الله وإياكم لتجنبها والحذر والتحذير منها . 1- ترك الكثير من الناس صلاة العيد والصلوات الخمس في المسجد جماعة من غير عذر شرعي واقتصار البعض على صلاة العيد دون سائر الصلوات . 2- تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والدعاء للأموات . 3- استقبال العيد بالغناء والاناشيد والرقص وغير ذلك من المنكرات بدعوى إظهار الفرح والسرور . 4- خروج كثير من النساء هداهن الله متجملات ,متعطرات ,متبرجات في الشوارع والمنتزهات والحدائق وأماكن الزيارات واختلاطهن بالرجال وفي ذلك فتنة وخطر عظيم. 5- تزين الرجال بحلق اللحية , وحلق اللحية محرم في دين الله عز وجل دل على ذلك الأحاديث الصحيحة والتي فيها الأمر بإعفاء اللحية ففي البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وسلم (أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى ) وفي لفظ ( أمر بإحفاء الشارب وإعفاء اللحية) وهذا عليه إجماع علماء السلف . 6- مصافحة النساء الأجنبيات وهو محرم و كذلك الدخول على النساء لقوله صلى الله عليه وسلم ( إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت لاحمو ؟ قال الحموي الموت ) رواه البخاري ومسلم. والحمو جمع أحماء :وهو أخو الزوج وعمه ونحوهما . هذا والله وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ******** المصادر : 1- التعليقات الرضية على الروضة الندية 2- تمام المنة للشيخ الألباني 3-مذكرة في الفقه للشيخ ابن عثيمين 4- المنتقى من الفتاوى للشيخ الفوزان 5- الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة