دور الأسرة فى تنمية السلوك الاقتصادى لدى الأطفال . يجب أن تكون التربية الإسلامية للأولاد شاملة ومتوازنة حتى ينشأ الطفل نشأة صالحة ليس فقط فى العقيدة والأخلاق بل أيضاً فى السلوكيات المنضبطة بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ومنها السلوك الاقتصادى فى الإنفاق والكسب والادخار والاستثمار ، وكذلك فى وقت الرخاء والكساد ، وفى المكرة والمنشط ، وفى السلم والحرب . وهذا المنهج التربوى الشامل يُعِدُّ الطفل منذ نعومة أظافره على أن الإسلام دين شامل ، وفيه اقتصاد وسياسة وإدارة وتربية ونحو ذلك ، وفى الدراسة التى بين أيدينا سوف نركز على الجوانب التربوية الإسلامية لأولادنا فى مجال المعاملات الاقتصادية : المشروع الواجب أن يكون ، والمنهى عنه شرعاً . ² وجوب التربية الاقتصادية الإسلامية للأولاد . لقد تضمنت الشريعة الإسلامية أسس التربية الاقتصادية بصفة عامة ، ويلزم تطبيقها على الفرد والأسرة والدولة والمجتمع ، كما يجب تطبيقها على الصغير والكبير حسب الأحوال ومن ثم يجب أن نربى النشئ على هذه الأسس ولا نتهاون فيها بدعوى أن هؤلاء أطفال صغار ، فالتربية فى الصغر كالنقش على الحجر ، ومن شَبَّ على شئ شاب عليه ، ولقد أهتم سلفنا الصالح بذلك ، بل كانوا يدربون الأولاد منذ صغرهم على كيفية الكسب وكيفية الإنفاق ، وكيفية إدارة الأعمال ، فكانوا يؤسسون النشئ على القيم الإيمانية والأخلاقية ، وفوق هذا الأساس تكون النواحى الأخرى ومنها الاقتصادية ، وكان هناك تفاعل بين هذه النواحى جميعاً بما تُكَوَّن الشخصية الإسلامية المتكاملة إيمانياً وسلوكياً واقتصادياً وهذا ما سوف نوضحه فى الصفحات التالية . ² التربية الإيمانية للأولاد وأثرها على سلوكهم الاقتصادى . يجب أن نغرس فى معتقدات أبنائنا منذ الصغر بعض المفاهيم الإيمانية ذات الطابع الاقتصادى منها على سبيل المثال : ° أن المال الذى معنا ملك لله ، لأنه سبحانه وتعالى هو الذى رزقنا إياه ، لذلك يجب أن نحب الله ونعبد صاحب هذا المال . ° أن هناك ملائكة تراقب تصرفاتنا ومنها الاقتصادية والمالية ، ولذلك يجب أن نتجنب أن تسجل الملائكة فى سجلاتنا شئ لا يرضاه الله . ° أن هناك آخرة سوف نقف فيها أمام الله سبحانه وتعالى ليحاسبنا عن هذا المال من أين اكتسب وفيم أنفق ؟ وهذه المفاهيم الإيمانية الاقتصادية تنمى عند الأولاد منذ الصغر : الرقابة الذاتية ، والخشية من الله والخوف من المساءلة فى الآخرة ... فإذا شَبَّ الولد على هذه القيم وطبقها فى جوانب حياته كان فرداً مستقيماً منضبطاً بشرع الله فى كل معاملاته ومنها الاقتصادية ويعتمد عليه فيما بعد لإدارة اقتصاد بيته واقتصاد بلده على أسس إيمانية . ² التربية الأخلاقية للأولاد وأثرها على سلوكهم الاقتصادى . يجب أن ننمى عند الأولاد منذ الصغر الأخلاق الفاضلة ، ونبرز لهم آثارها الاقتصادية على سلوكهم ، ومن هذه القيم : الصدق والأمانة ، والاعتدال والقناعة ، والوفاء وحسن المعاملة ، والسماحة والبشاشة وطلاقه الوجه ، كما نحذرهم من السلوكيات المنهى عنها شرعاً ومنها : الإسراف والتبذير ، والإنفاق الترفى والبذخى، وتقليد الغير فيما نهى الله عنه ، والغش والتدليس ، وكل صور الاعتداء على أموال الناس . كما يجب أن نفهم أولادنا أن الالتزام بهذه القيم جزءاً من الدين ، وعبادة لله سبحانه وتعالى وطاعة ، وأن من يلتزم بالأوامر ويتجنب ما نهى الله عنه يكون له ثواب ، ومن لم يلتزم له عقاب . كما يجب أن نفهم أولادنا بأن الالتزام بالأخلاق الفاضلة له أثر مباشر فى تحقيق البركة فى الأرزاق وتحقيق الأمن النفسى ، والرضاء الذاتى ، بالإضافة إلى الثواب العظيم المدخر لنا يوم القيامة ، كما يجب أن يؤمنوا إيماناً راسخاً أنه لا يمكن الفصل بين الأخلاق والاقتصاد فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدين المعاملة " . ² التربية السلوكية الاقتصادية الإسلامية للأولاد ( الواجب شرعاً) . سوف ينجم عن التربية الإيمانية والتربية الأخلاقية لأولادنا سلوكيات اقتصادية سليمة تحقق البركة والرضا والإشباع المادى والمعنوى وزيادة الأرزاق ، يمكن تلخيص هذه السلوكيات فى الآتى : ° الاعتدال فى النفقات وتجنب الإسراف والتقتير ، ولذلك يجب أن نعرف الأبناء ما هو الاعتدال وحدوده فى المصروفات المختلفة ، ومن ناحية أخرى عند تقدير المصروفات الشخصية للأولاد يجب عدم المغالاة فيها فوق الإعتدال حتى لا نشجعهم على الإسراف والذى يقود مفاسد الأخلاق ثم الانحراف . ° الإنفاق حسب السعة والمقدرة ، ففى وقت الرخاء ندرب الأولاد على الادخار للمستقبل وأن نزودهم بالوسائل والأساليب المشجعة على ذلك ، ومن ناحية أخرى يجب أن نربيهم على القناعة والتقشف وقت الأزمات وأن هذا كله بقدر الله سبحانه وتعالى ، وَنَقُصُّ عليهم كيف كان سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الأزمات . ° ادخار الفائض لوقت الحاجة والفقر ، من الأهمية أن نربى أولادنا على أن الله سبحانه وتعالى هو الباسط والمقدر للأرزاق ، أحياناً يكون هناك سعة فى الرزق ، وأحياناً يكون هناك ضيق فى الرزق ، وتأسيساً على ذلك يجب على الأولاد عدم الإسراف وقت السعة ويجب عليهم الادخار لوقت الحاجة . ° استثمار المدخرات وفق شرع الله عز وجل بعيداً عن الربا والخبائث ، من الأهمية أن نفهم أولادنا منذ الصغر أن فوائد البنوك والمصارف والقروض هى عين الربا المحرم شرعاً، وأن البديل هو استثمار الأموال عن طريق المصارف الإسلامية وأن من يتعامل بالربا ملعون من الله ورسوله ويمحق الله رزقه ويعلن الله عليه الحرب . ° ترتيب النفقات وفق الأولويات الإسلامية وهى الضروريات فالحاجيات فالتحسينات ، فعندما يطلب الولد شيئا فى مجال الكماليات وهو فى نفس الوقت محتاج إلى شئ آخر فى مجال الضروريات ، فنعطى الأولوية للضروريات ثم يلى ذلك الحاجيات فالكماليات ونشرح له المبرر لذلك . ° الصبر والتقشف وعدم الضجر وقت الأزمات ، يجب أن نُفَهًِم ، أولادنا أن الله سبحانه وتعالى له حكمة فى تضييق الأرزاق ومنها التربية على الصبر والرضا والقناعة ، كما يجب أن نعطى لهم النماذج فى صورة قصص من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ماذا كانوا يفعلون وقت الأزمات ؟ أن هذا النوع من التربية يُِعُّد الأولاد منذ صغرهم على التضحية والجهاد . ° الكسب الحلال الطيب : يجب أن ينشأ الولد الصغير على الكسب الحلال الطيب من عمل يده خلال فترات الأجازات وهذا يتطلب من والديه وأخواته الكبار تدريبه على بعض الأعمال التى تناسب سنه ، ويتعلم منهة سواء مهنة والده أو أى مهنة أخرى ، كما يجب نفهمه بأن العمل عبادة وشرف وقيمة ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، فإن تعويد الطفل على والكسب منذ الصغر يعالج مشكلة البطالة عند الكبر . ° الشورى فى أمور البيت ومنها المالية ، يجب أن نربى أولادنا منذ الصغر على كيفية المساهمة بآرائهم فى النفقات ونشعرهم بالمسئولية ، بل ننصح بأن ندربهم على كيفية إدارة ميزانية البيت . إن تربية الأولاد على هذه السلوكيات الاقتصادية الإسلامية يَقُوُد إلى إعداد أجيال قادرة على إدارة اقتصاد البيت والشركة والمؤسسة والدولة على أسس الاقتصاد الإسلامى الذى يهدف إلى تحقيق الخير فى الدنيا ولآخرة . ² سلوكيات اقتصادية منهى عنها شرعاً . إن من يراقب سلوكيات بعض أولادنا الاقتصادية يجد أن بعضها بل معظمها منهى عنه شرعاً ، وللأسف لا نهتم بها ، أو لا نعبأ بذلك ، بل نجد بعض الآباء يزكوا تلك السلبيات من باب العاطفة والتدليل .. وتكون من أخطر أبواب المفاسد عقدياً وأخلاقياً وسلوكياً على الأولاد فى الحاضر والمستقبل . لذلك فإنه من الأهمية أن نربى أولادنا على ضرورة تجب هذه السلوكيات السيئة ويكون من داخلهم الباعث والحافز والدافع على تجنبها عبادة لله وطاعة ، وحباً وامتثالاً لرسوله صلى الله عليه وسلم ... وكذلك حباً للوالدين ، ومن بين هذه السلوكيات المنهى عنها شرعاً ما يلى : ° سلوك الإسراف : وهو الإنفاق فوق الحد المعتدل المباح شرعاً فأحياناً نجد بعض الآباء يعطون الأولاد من المصروفات ما يزيد عن الاعتدال والقوام ، فيجعل الولد يسرف ، ويعتاد الإسراف ... بل وينشأ على الإسراف وفى هذا إثم على الوالدين ، ولا يجوز أن تطغى العاطفة والحب والتدليل على شرع الله ، بل يجب أن يربى الأولاد على أن الله سبحانه وتعالى لا يحب المسرفين ، وأن هؤلاء المسرفين هم أصحب النار ، فقد قال الله تبارك وتعالى : ] وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ [ [الأنعام : 141] ، وقال عز وجل : ] وَأَنَّ المُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [ [غافر :43] ، والواقع العملى الذى نعيشه نجد أن معظم الأولاد المنحرفين كانوا فى صغرهم من المسرفين وأن آباءهم هم السبب فى ذلك ، بل قلدوا آباءهم . ° سلوك التبذير : ويقصد به الإنفاق على المحرمات والخبائث التى نهى اله سبحانه وتعالى عنها ، مثل الإنفاق على السجاير ونحوها وشراء الأشرطة المخلة بالآداب ، والإنفاق على شرب الخمور والمخدرات والمسكرات وشراء الأفلام السينمائية السيئة ذات الطابع الجنسى ... ولعب القمار والميسر وممارسةالبغاء ... وكل صور الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، يجب أن نفهم أولادنا بأن الله سبحانه وتعالى قد نهى عن التبذير بكافة صوره كما ورد فى قوله تبارك وتعالى : ] وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ، إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [ [الإسراء :27] ، كما حذر رسول الله صلى الله وعله وسلم من التبذير فقال : " ... وكره لكم قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال " (متفق عليه) . إن من يتدبر أحوال الأولاد الفاسدين نجدهم من المبذرين فعلاً ، ويصاحبون قرناء الشيطان فى المقاهى والنوادى وعلى قارعات الطرق ، بل أن معظم حوادث سيارات الشباب من المفسدين . يجب على الآباء أن لا تأخذهم رأفة أو عاطفة فى منع أولادهم عن سلوك التبذير وإن لم يفعلوا فسوف يصيبهم عاقبة ذلك من الشرور والمصائب والذنوب . ° سلوك الترف والبذخ : ويقصد به الإنفاق من أجل التظاهر والتعاظم والمباهاه والتعالى .. حتى يقال أن ابن فلان يلبس كذا .. ويركب كذا .. إن هذه تربية فاسدة للأولاد تقود إلى الانحراف والبعد عن طريق الله العظيم المتعال ، إن تربية الأولاد على الترف والبذخ والتدليل يكون سبباً إلى الفسوق والعصيان وتدمير حياتهم وحياة أسرهم ، بل وتدمير المجتمع ، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى : ] وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً [ [الإسراء :16] ، ولقد نهى رسول الله صلى الله وعله وسلم عن الترف والبذخ والمظهرية والتدليل فقال : " إياكم والمخيلة ، ولا تلام على كفاف " (رواه ابن ماجه ) . والأدهى والأمر أن نجد الوالد يعانى من عجز فى ميزانية البيت ، ويقترض ليترف أولاده ، تحت دعوى العاطفة والحب ... فهذا السلوك خاطئ شرعاً ، ولا يجوز أن نُرْضىِ الأولاد فى معصية الله عز وجل . ° سلوك التقليد المخالف لشرع الله: من السلبيات المنتشرة ولاسيما بين أولادنا هو التقليد الأعمى للعادات والتقاليد المستوردة من المجتمعات غير الإسلامية وتتعارض مع قيمنا الإيمانية والأخلاقية ، هى مخططة لأولادنا لطمس هويتهم الإسلامية، بل نجد بعض الآباء يتفاخرون بهذا السلوك المنهى عنه شرعاً ، والذى يقود فى النهاية إلى البعد عن سنة رسول الله صلى الله وعله وسلم وقد حذرنا منها فقال : " لتتعبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وباعاً بباع ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا فى جحر ضب خرب لدخلتموه فيه ، قالوا يا رسول الله : اليهود والنصارى ، قال : فمن إذا غيرهم" (رواه ابن ماجه ). يجب على الآباء تفهيم الأولاد منذ النشأة على أن تقليد اليهود والنصارى فى عاداتهم التى تخالف شرع الله فيها إثم ومعصية ، ولا يجب أن تتغلب العاطفة الجياشة والحنان على الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وأن نقنعهم بأن المسألة ليست سهلة بل خطيرة .. ولا بد أن نربى أولادنا على الهوية الإسلامية والاعتزاز بها . ° سلوك اتباع هوى النفس : أحياناً يصل تدليل الأولاد إلى درجة أن كل ما يطلبوه يُجَابُ فوراً حتى ولو كان ذلك على حساب الضروريات والحاجيات : " فلا يجب أن كل ما تشتهيه النفس يشترى" ، بل نجد أحياناً بعض الآباء يقوموا بالاقتراض لشراء كماليات وترفيات لأولادهم من باب العاطفة والحنان .. ويشب الأولاد على ذلك السلوك السئ ، ويكون من مضاعفات هو الوقوع فى مشاكل الاقتراض والتعامل بالربا وأحياناً السرقة والرشوة يجب على الآباء كبح هوى نفوس أولادهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبالأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويمكنهم الاستعانة بقصص أولاد الصحابة رضوان الله عليهم كيف كانوا متقشفين يعيشون على الأسودين ، وليكن لهم فى بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة الزهراء الأٍسوة الحسنة والتى كانت تدير الرحى من أجل الدقيق ، ورفض رسول الله أن يعطيها خادماً . ° سلوك عدم القناعة : يجب أن نربى أولادنا على القناعة والرضى بما قسمه الله سبحانه وتعالى من رزق ، والإيمان والراسخ بأن الله سبحانه وتعالى هو مقدر الأرزاق لقوله تبارك وتعالى : ] وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [ [هود :6] ، ولقد أشاد الرسول صلى الله وعله وسلم بالقناعة فقال : " قد أفلح من أسلم ، ورزق كفافاً ، وقنعه الله بما آتاه " (رواه مسلم ) ، وقال : " ... ومن يستعفف يعفه الله ، ومن يستغن يغنه الله " (رواه البخارى) . ففى وقت الأزمات وضيق الحال يجب أن نُقْنع أولادنا بأن هذا من قدر الله ، ولابد من الصبر والتحمل ولا يجب أن نكلف أنفسنا ما لا نطيق ، فقد قال الله عز وجل : ] لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ [ [الطلاق :7] حتى فى وقت الرخاء أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالتقشف فقال : " أخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم "، وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب ، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً " (رواه الطبرانى ) . ولا يجب على الأولاد الراشدين أن يحملوا آباءهم ما لا يطيقون والضجر والصخب بسبب ضيق الرزق ، بل يجب عليهم الالتزام بشرع الله سبحانه وتعالى فى المكره والمنشط ، وفى السراء والضراء ، وفى الرخاء والكساد ، فالله سبحانه وتعالى هو مقدر الأرزاق ، وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فى ذلك .. فكان يمر الهلال تلو الهلال ولا يوقد فى بيته نار ، وكان يعيش على الأسودين ، كما أنه حوصر حصاراً اقتصادياً فى شعب مكة ثلاث سنوات ولم يستسلم ولم يضجر هو ومن آمنوا معه ، فعن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب قال : "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل يلتوى ما يجد دقلاً يملأ به بطنه " ( رواه مسلم) . يجب أن نربى أولادنا على القناعة والرضا وقت الأزمات فهذا من موجبات التربية الجهادية التى ننشدها . ² وجوب تعليم أولادنا الآداب السلوكية الاقتصادية الإسلامية . إن من يتصفح ما يدرس لأولادنا فى المدارس والمعاهد والكليات الاقتصادية يجده بعيداً كل البعد عن التربية الاقتصادية الإسلامية المستمدة من مصادر الشريعة الإسلامية ، بل يدرس لهم السلوك الاقتصادى الأمريكى والسلوك الاقتصادى الاشتراكى .. وليس هناك أى إشارة إلى السلوك الاقتصادى الإسلامى ... وكان من نتيجة ذلك أن نجد أولادنا بعيدين كل البعد عن إسلامنا ، وهذا ما نعانيه الآن من انحرافات إيمانية وأخلاقية وسلوكية واقتصادية ولقد محقت البركة من كل شئ ، لقد شاع فى معاملاتنا كل الموبقات الاقتصادية ومنها : الغش والربا والرشوة والسرقة والإسراف والتبذير والإنفاق الترفى والقروض بفائدة وأكل أموال الناس بالباطل .... ومن الأسباب الرئيسية لذلك هو أن أولادنا قد تربوا تربية اقتصادية غير إسلامية ، ونهلوا من الشرق والغرب المفاهيم الاقتصادية الخاطئة التى تخالف عقيدتنا وأخلاقنا . لذلك يجب على الآباء أن يعوضوا ويعالجوا الخلل فى التعليم الاقتصادى الإسلامى بالاهتمام بأولادهم فى البيت ، ويجب أن يكون السلوك الاقتصادى للأب وللأم مشروعاً مطابقاً لأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وأن يورثوا هذا السلوك لأولادهم فهم مسئولون عنهم أمام الله عز وجل . كما يجب على المساجد أن يهتموا بالدعوة إلى الالتزام بالسلوك الاقتصادى الإسلامى باعتباره جزء من سلوك المسلم القويم ، وبهذا ينصلح الفرد والبيت وهذا يقود إلى إصلاح المجتمع ، كما يجب ربط المفاهيم والتعاليم بالأفعال والأعمال وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه . ² وصايا اقتصادية إسلامية . · أن تؤمن بأن المال الذى بأيدينا ملك لله سبحانه وتعالى والبشر مستخلفون فيه ، وأن الرزق بيد الله ، ولن تموت نفس حتى تستوفى رزقها . · أن تؤمن بأن هناك محاسبة أخروية يحاسبنا الله سبحانه وتعالى عن المال من أين اكتسب وفيم أنفق . · أن تعمل فى مجال الحلال الطيب حتى يكون كسبك حلالاً طيباً ، وأن تؤمن بأن العمل عبادة وشرف وقيمة ، واليد العيا خير من اليد السفلى . · أن تلتزم بشرع الله فى جميع معاملاتك ، يبارك الله لك فى عملك ورزقك وعمرك ، فالدين المعاملة . · أتقى الله وتجنب المعاملات المنهى عنها شرعاً مثل الإسراف والتبذير والإنفاق الترفى وتقليد الغير فيما نهى الله عنه والتقتير والربا حتى لا تحرم البركات . · تجنب التعامل مع أعداء الدين المحاربين ، فالتعامل معهم خيانة للدين وللوطن واحرص أن تتعامل مع المؤمنين ، فالمؤمنون بعضهم أولياء بعض . · أن تتقن الأخذ بالأسباب لجلب الأرزاق مع حسن التعامل مع الناس ، وصدق التوكل على الله ، يرزقك الله من حيث لا تحتسب . · أد زكاة مالك فهى فريضة شرعية ، وضرورة اجتماعية ، وحاجة إنسانية ، وطهرة للقلب والمال والمجتمع ، وما نقص مال من صدقة . · طهر مالك من الحرام حتى تلقى الله سبحانه وتعالى طاهراً زكياً وقد غفر لك . · أكثر من الدعاء والاستغفار لأنهما من موجبات البركة فى الأرزاق . إن التربية السليمة تتطلب إكساب الطفل حقائق وقيماً ومهارات واتجاهات معينة، منها الاتجاه نحو ترشيد الاستهلاك. وحيث إن كثيراً من المعلومات والبيانات المتعلقة بترشيد الاستهلاك وتوجيه المستهلك وتكوين الاتجاهات السليمة لديه ليست فطرية وإنما هي مكتسبة. فلابد إذاً من دراستها وممارستها وربطها بجوانب الحياة اليومية ومتطلباتها الأساسية. وحيث إن الطفل فرد في أسرة، مستهلك للغذاء والملابس واللعب والمصروف وممتلكات الأسرة من أجهزة وأدوات. لذا، فإن الاهتمام بمراقبة الطفل وتوجيه سلوكه التوجيه السليم أمر ضروري حتى يمكنه أن يشارك بنصيب من الجهد والعمل في تنظيم الاستهلاك. وفي هذا التحقيق نحاول أن نسلّط الضوء على مسألة مهمة هي التنشئة الاستهلاكية وأثرها على سلوكيات الطفل. التطبيع الاجتماعي للطفل ونمط استهلاكه.. لا شك أن التطبيع الاجتماعي للطفل له أثره في تحديد أنماط سلوكه الاستهلاكي، إذ إن ترشيد الاستهلاك من أهم أهداف المجتمعات بعامة، فالدول تعمل على ترشيد استهلاك المواطنين وتحضهم على تنظيم الاستهلاك الفردي والأسري. لذا، فإن نمط استهلاك الفرد يتوقف على مدى وعيه بأهداف الدولة وسياستها الاقتصادية، كما يتوقف على نوعية المعلومات والعادات والاتجاهات التي تكونت وتأصلت لديه منذ الصغر بالممارسة اليومية. ماهية التنشئة الاستهلاكية.. إن العملية المستمرة التي يتعلم من خلالها الطفل المعارف والمهارات والاتجاهات التي تتناسب مع السلوك الاستهلاكي المتعلق بالحصول على المنتجات أو الخدمات واستهلاكها، تُعرف بالتنشئة الاستهلاكية! أما المجالات التي يتضح فيها سلوك الطفل الاستهلاكي، فتوضحها لنا الدكتورة فاطمة البكر بقولها: من الحكمة تدريب الطفل في سن مبكرة من حياته وفي مستويات الدخل المختلفة على استعمال النقود، ومن الأفضل أن يأخذ الطفل قرار الشراء حسب النقود التي معه. وينبغي مراعاة أن تكون المبالغ المعطاة للطفل مناسبة لسنَّه، وأن تعطى له بانتظام. وواجب الأسرة تشجيع الطفل على البدء في ممارسة عملية الشراء عن طريق اختيار شيء معين ثم دفع ثمنه. كما يستحسن أن تتاح للطفل الفرص لشراء الملابس والألعاب والغذاء، حتى يدرك أن السلع المختلفة لها أسعار مختلفة. ثم إن ذهاب الطفل إلى المتجر للشراء بنفسه يشعره بالارتياح والثقة في النفس والاستقلال، لتنمية قوة الشخصية لديه. الملابس وسلوكيات الأطفال الاستهلاكية.. إن الملابس تلعب دوراً مهماً في الإنفاق الاستهلاكي، وفي تكوين شخصية الطفل، وتكوين صداقات جديدة، وزيادة شعوره بالثقة بالنفس. فعلى الأسرة أن تنمِّي لدى الأطفال عادات وسلوكيات سليمة في اختيار الملابس من حيث الجودة والثمن. الغذاء وسلوكيات الأطفال الاستهلاكية.. يلعب الغذاء دوراً مهماً هو الآخر في جميع مراحل العمر. إذ ينبغي إكساب الطفل عادات غذائية صحية سليمة حتى يكون له أكبر الأثر في إتباع الطفل سلوكاً صحياً وغذائياً سليماً سوياً عند الكبر. وتبيِّن الدكتورة رمضان دور الأسرة في التنشئة الاستهلاكية للطفل، فتقول: إن الأطفال يتعلمون السلوك من خلال سلسلة من المواقف ومعاملة الآخرين لهم والأماكن التي يحدث فيها السلوك الاستهلاكي، هذه الأمور تقدم الفرصة للطفل لكي يتعلم السلوك الاستهلاكي. و الطرق التي تؤثر بها الأسرة على التنشئة الاستهلاكية للطفل : 1 ـ تؤثر الأسرة على القدرات المعرفية العامة، تلك التي تؤثر على نمو مهارات الطفل الاستهلاكية. 2 ـ يمكن للأسرة أن تساعد على عملية تدريب قدرات الطفل المعرفية في المواقف الاستهلاكية. 3 ـ يمكن للأسرة أن تؤثر بشكل مباشر على سلوك أطفالها الاستهلاكي أو تعليمهم مهارات استهلاكية مثل تشجيعهم على اختيار هدايا الأعياد ومناقشة ميزانية الأسرة أمامهم واصطحابهم إلى السوق. إن نمط السلوك الاستهلاكي لدى الطفل يتأصل لديه منذ الصغر، ولذا فهو يتأثر بالعديد من العوامل النفسية والاجتماعية والاقتصادية. الطفل المستهلك والعوامل المؤثرة عليه أهم العوامل تتمثل في: التقليد والمحاكاة والدخل النقدي ووسائل الإعلام وفنون الدعاية والإعلان. وقد قام علماء وباحثون عديدون بتحليل عدد من العوامل مثل الدِين والموقع الجغرافي والبيئة الاجتماعية والعوامل النفسية والاقتصادية. وأشاروا إلى أن الطبقة الاجتماعية تلعب دوراً أكبر من جميع العوامل في تحديد نمط الإنفاق الاستهلاكي والتعامل بالنقود. وفي جولة مع المواطنين حول اصطحاب الأطفال للأسواق كوسيلة تربوية اقتصادية نعرض الانطباعات التالية: أ ـ بعض الآباء يحرجون داخل الأسواق من بعض أطفالهم فيدفعون مبالغ خيالية لمشتريات أطفالهم. ب ـ بعض الآباء يفضلون إتاحة الفرصة للطفل للتسوق لتكون له شخصية مستقلة. جـ ـ بعض الآباء يحذِّر من الانسياق وراء رغبات الأطفال ومطالبهم، التي قد تؤدي إلى الإسراف. وعن الطرق التي يتعلم من خلالها الطفل السلوك الاستهلاكي، تقول الدكتورة رمضان هناك أمور، أهمها: تعليم الأم للطفل، وسلوك الأم الاستهلاكي، وتفاعل الأمهات مع الأطفال في أثناء اتخاذ القرارات الاستهلاكية، وقيام الأطفال بأنفسهم بالسلوك الاستهلاكي. وقد أظهرت بعض الدراسات أن سلوك الأم الاستهلاكي والمعلومات الخاصة بهذا السلوك والتي تسعى الأم لتعليمها للطفل، لها تأثير في تقويم الطفل للسلعة. القدوة الاستهلاكية في حياة الطفل إن وجود القدوة السليمة وبخاصة في فترة الطفولة يساعد على سرعة التعلم وغرس العادات والقيم والاتجاهات الصحيحة نحو الاستهلاك والتركيز على المفاهيم الخاصة بترشيد الاستهلاك. كما أن توافر الفرصة المناسبة للطفل من الصغر للمشاركة في عمليات الاختيار والشراء تنمِّي لديه القدرة على حسن الاختيار، مع تعويد الطفل على الاقتصاد والتوفير وتقليل الفاقد في كل نواحي الحياة الاستهلاكية. خاتمة: في الختام نـؤكد على مجموعة من الأمور المهمة: أولاً: أهمية تقديم القدوة الصالحة في مجال الأنماط الاستهلاكية الرشيدة، وضرورة مشاركة الوالدين الطفل في عمليات الشراء. ثانياً: أهمية دور وسائل الإعلام والإعلان في توعية الأطفال بأهمية السلوك الاستهلاكي المتزن، وتوجيه برامج إعلامية لتوعية الأطفال بأهمية وكيفية ترشيد استهلاكهم. ثالثاً: يا حبذا عرض أصول التربية الاقتصادية السليمة على أفراد المجتمع، ودعوتهم للأخذ بها وحثّهم على التنشئة الاستهلاكية الصحيحة. رابعاً: التأكيد على أنه إذا تصرف كل شخص كما يشاء في المدى القريب، فإننا جميعاً الخاسرون على المدى البعيد.