أسلوب الحكمة في توجيه الأطفال جاء الأمر في الشريعة الإسلامية على التيسير والتسهيل والمقاربة، دون التعسير والتشديد. قال الله تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقد جاءت السنة المطهرة مبينة لمقاصد الشريعة من التسهيل والتيسير، وذم التنطع والمشادة في العبادات التي هي أعظم الأعمال وأجلها وأحبها إلى الله U، قال عليه الصلاة والسلام: "سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد والقصد تبلغوا" فالغدو هو السير أول النهار، والدلجة هي السير في الليل، وهذا الحديث يفيد الرفق في العبادة وترك التشدد فيها وفي حديث آخر ذم عليه الصلاة والسلام المتنطعين فقال: "هلك المتنطعون" وهم: "المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم" يقول المربي ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "إن أحب الأعمال إلى الله ما كان على وجه السداد، والاقتصاد، والتيسير، دون ما كان على وجه التكلف، والاجتهاد، والتعسير" فإذا كان الأمر كذلك مع العبادات فكيف بغيرها من الأمور؟ لا شك أن غيرها أهون منها، وأحرى أن ينال من الرفق واللين والتيسير والتسهيل أكثر مما نالته العبادة. فمن هذا المنطلق كانت تربية الأولاد وتوجيههم بمنهج التوسط والمقاربة والسداد، أولى وأحرى وأكثر جدوى من التشدد والتعسير، فإن الله يحب الرفق ويجزي عليه جزاء كثيراً، ويبغض العنف ويكرهه، يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" فإن رأى الوالد الوقت المناسب للوعظ، اشتغل به دون إفراط أو إكثار منه، فإن كثرة المواعظ مملة، وربما ضعف تأثيرها، وسببت رد فعل عند الأولاد كما أن كثرتها تخالف السنة والمنهج النبوي في الوعظ إذ كان عليه الصلاة والسلام يتخول أصحابه بالموعظة، ولا يكثر عليهم، رغم رغبتهم وحبهم لسماع مواعظه وإرشاداته كما أن العقاب الكثير ضار بالولد، فلا بأس بعض الأحيان من التغافل عن بعض أخطاء الطفل -خاصة العفوية منها- فتمر دون تعليق، أو توجيه، أو عقاب، فقد نصح الإمام الغزالي رحمه الله بذلك فقال: "ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين فإنه يهون عليه سماع الملامة، وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه، وليكن الأب حافظاً هيبة الكلام معه فلا يوبخه إلا أحياناً" فإن احتاج الأب إلى التأديب والتوبيخ تجنب الاستبداد في ذلك وتوسط. وعلى الأب المسلم أن ينهج مع ولده منهجاً قاصداً متوسطاً يحفظ فيه كرامته فلا يخدشها، ولا يكثر من التعنيف الذي يؤدي بالولد إلى عدم احترامه والجرأة عليه، وأن يمنحه شيئاً من الحرية دون إفراط أو تفريط، وعدم التشدد والصرامة في تطبيق النظام والقواعد في البيت، بل يمزج ذلك بشيء من المرح والمداعبة والحب، ولا بأس في إفهامه سبب الأمر الذي أمره به والحكمة منه؛ ليكون حافزاً على فعله وتنفيذه، مع مراعاة عدم تعليق تنفيذ الأمر باقتناع الولد به، فهذا يفسده، ويجب على الأب أن يراعي فهم ولده وقدراته فلا يطالبه بمعايير الكبار، ولا يأمره بما هو خارج نطاق قدرته فهو لا يزال طفلاً صغيراً. ويوطن الأب نفسه على الاعتدال في معاملة الطفل، فلا يدللـه بإفراط، فيشعر بالتسامي على غيره، ولا يحتقره ويهينه ويذله، فيعيش ذليلاً خاملاً كما يلاحظ عدم الإكثار من إظهار الخوف عليه والمهابة من أقل شيء يصيبه في لعبه من أمور البيئة من حوله، فإن هذا يضره، ويفسد قدراته على مجاراة البيئة المادية، كما أن إهماله وعدم الاكتراث به وبما يمكن أن يحدث له: يسبب له قلقاً نفسياً. وخلاصة القول هو التقيد بمنهج الاعتدال، والتدرج والتلطف في توجيه الولد وتربيته، والأخذ بنصيحة الإمام ابن الجوزي رحمه الله إذ يقول: "واعلم أن رياضة النفس تكون بالتلطف والتنقل من حال إلى حال، ولا ينبغي أن يؤخذ أولاً بالعنف، ولكن بالتلطف، ثم يمزج بين الرغبة والرهبة".