يهتم الأب بتعويد ولده وترغيبه في أداء صلاة الجمعة مع المسلمين، وذلك إضافة إلى ما تقدم من تعويده ارتياد المسجد في الصلوات الخمس المكتوبة، فيوم الجمعة يوم عظيم، وهو أفضل الأيام ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها). ويُظهر الأب لأولاده الاهتمام بهذا اليوم، وتعظيمه، وإعطاءه هالة من الوقار، والإجلال، حتى يقع في نفوسهم حبه، وتقديره حق قدره. ويبدأ الأب ذلك اليوم بصلاة الفجر مع أولاده في المسجد، فإذا أشرقت الشمس صلوا الضحى بما تيسر من الركعات، ثم يأمرهم بأن يستفيدوا من وقتهم بأي عمل مفيد، أو يناموا بعض الوقت استعداداً لصلاة الجمعة، ثم يوقظهم قبل موعد الصلاة بوقت كافٍ، ويأمرهم بالاغتسال والتطهر والنظافة، فيبدأ بأكبر الأولاد سناً، ويأمرهم بلبس أحسن الثياب، والتطيب ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(من اغتسل يوم الجمعة، واستاك، ومس من طيب إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد، فلم يتخط رقاب الناس حتى ركع ما شاء الله أن يركع، ثم أنصت إذا خرج الإمام، فلم يتكلم حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها), وتعويد الأولاد الصغار على صلاة الجمعة من واجبات الأب ومهامه، ومن المعروف أنها ليست واجبة على الأطفال الصغار شرعاً، ولكن التعويد عليها يبدأ من مرحلة الطفولة. ولا بد للأب من الحكمة، وتقدير طبيعة الطفل، فلا يشتد مع الولد دون سن العاشرة، بل يسلك معه أسلوب الترغيب والتشويق، ويحاول أن يعرف سبب إحجامه عن الذهاب إلى الجمعة، فإن كان بسبب طول الخطبة وعدم قدرته على امتلاك نفسه، وحاجته إلى قضاء الحاجة، حاول الأب اختيار مسجد آخر يوجز إمامه في خطبته، ولا بأس أن يتعاهد ولده في المسجد قبل الخطبة إن كان محتاجاً إلى قضاء الحاجة أم لا ؟، أما إن كان سبب زهد الولد في حضور الجمعة راجعاً إلى التبكير في الخروج إليها، فلا بأس أن يتأخر الأب، فيذهب قبل بدء الخطبة بوقت قصير، أو يكلف غيره اصطحاب الولد إلى المسجد قبل الخطبة بقليل، أو يخرج الأب من المسجد ليأتي به قبل الخطبة إن كان المسجد قريباً، فإن كان الولد قادراً على الخروج بنفسه تركه وشأنه في اختيار وقت الحضور للصلاة. أما إذا أبدى الولد عدم رغبته في حضورالجمعة لغير سبب معروف سوى الميل إلى اللعب، أو نحو ذلك، فليس على الأب محظور في تركه مرفهاً حتى يكبر ويبلغ العاشرة، ويدرك فضل الجمعة، ويقدم بنفسه عليها راغباً فيها، وهذا ما ذهب إليه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه إذ كان يميل إلى ترك الولد الصغير وشأنه، فلا يشتد معه في حضور صلاة الجمعة، فقد روي أنه دخل مرة المسجد يوم الجمعة فوجد غلاماً فقال له:(يا غلام اذهب العب، قال: إنما جئت إلى المسجد، قال يا غلام إذهب العب، قال إنما جئت إلى المسجد، قال: فتقعد حتى يخرج الإمام، قال: نعم), ففي هذه الرواية فقه لأبي هريرة، وبعد نظر، حيث لا يرى تحميل الولد ما لا يطيق من الصبر على الطهارة، والجلوس طويلاً دون لعب حتى يخرج الإمام، ثم الاستماع إلى الخطبة وأداء الصلاة، فالولد الصغير غير مكلف شرعاً، والقسوة عليه، وإلزامه بها وهو عنها عاجز، يكرِّهه فيها، فإذا كبر صعب عليه أداؤها على الوجه المطلوب، فالأب يقتدي بعلماء السلف في هذا، فلا يوجب صلاة الجمعة على ولده دون سن العاشرة، بل ينتهج معه أسلوب الترغيب دون الترهيب، فإن أقبل وإلا تركه وشأنه مرفهاً حتى يبلغ العاشرة أو ما قبلها بقليل فيبدأ معه بالإلزام. ويتخَّير الأب من المساجد أفضلها وأحسنها لحضور الجمعة، فإن كان يعيش في إحدى مدن المساجد الثلاثة المفضلة قدمها على غيرها طلباً للأجر والمثوبة، وإن كان في غيرها من المدن والبلاد، اختار أكبرها، وأشهرها، وأكثرها جماعة، مع الاجتهاد في اختيار أفضل الخطباء، وأعلمهم، وأكثرهم رقة وخشوعاً، إذ إن للخطبة دوراً هاماً في التأثير على أخلاق الأولاد، خاصةً إذا فهموها وعقلوها، فإن لم يعقلها بعضهم لصغر السن، فإن انفعالات الخطيب، ونبرات صوته، وصدق عباراته، وتأثر المصلين بخطبته، كل ذلك يؤثر في نفس الولد الصغير، ويظهر هذا التأثير إذا كبر وعقل، وقد أشار ابن الجوزي رحمه الله إلى هذا المعنى - كما تقدم - فحدَّث عن نفسه وهو صغير كيف كان يتأثر بخشوع وبكاء بعض مشايخه فكان يحدث ذلك في نفسه تأثيراً بالغاً. ويحاول الأب بعد الخروج من المسجد وأداء صلاة الجمعة أن يسأل أولاده عن موضوع الخطبة، وما يمكن أن يستخلصوه من الفوائد، وذلك ليعرف مدى استفادتهم وتركيزهم مع الخطيب، فإن وجد منهم غفلة وعدم تركيز نبههم وحثهم على الفهم والإنصات، ولا بأس أن يحثهم قبل الدخول إلى المسجد على حسن الإنصات، وأنه سوف يسألهم عن مضمون الخطبة إذا خرجوا بعد الصلاة، فيكون ذلك أدعى لهم لكمال الالتفات إلى كلام الخطيب، والتركيز أثناء الخطبة.