إذا عرف أن الذكر هو الحصن الحصين ضد مكر الشيطان وغوايته، فإن مسؤولية الأب في هذا الجانب، وواجبه: تعليم أولاده المدركين حفظ بعض الأذكار الشرعية الواردة، واتخاذ السبل المناسبة لضمان استمرارهم عليها، حيث يتولى الأولاد تحصين أنفسهم بهذه الأذكار دون أن يقوم الأب أو غيره بتلاوتها عليهم، وتحصينهم بها. ويبدأ الأب في تشجيع أولاده على الذكر من خلال إفهامهم أن الجن والشياطين موجودون في كل مكان فيه أناس من البشر، فيحضرون مجالسهم، وأكلهم وشربهم، ولا يفارقونهم إلا بذكر الله، فمن ذكر الله تعالى حجزهم عنه. فإذا فهم الأولاد ذلك بدأ معهم بحفظ الأذكار شيئاً فشيئاً، مستخدماً أسلوب الترغيب المعنوي والمادي، فيبدأ معهم مثلاً بدعاء دخول الخلاء، حيث كثرة الشياطين، فيحفظهم قوله عليه الصلاة والسلام:( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث), وعند الخروج من المنزل يعلمهم قوله عليه الصلاة والسلام : (من قال، يعني إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان) , وعند نزول مكان من الأماكن يعلمهم قوله عليه الصلاة والسلام: ( من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) . ويحرص الأب على تحفيظ أولاده بعضاً من الآيات التي خصها رسول الله r بالفضل، كقراءة "آية الكرسي"، فهي تحمي صاحبها من الشيطان، وقراءة "خواتيم سورة البقرة"، فقد حث عليها رسول الله r فقال: ( إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم فإنها صلاة وقرآن ودعاء ). ومجال ذكر الدعوات الواردة في حفظ الإنسان من الشيطان كثيرة، وعلى الأب مراجعتها في مظانها المختلفة، خاصة كتاب "الأذكار" للإمام النووي، وكتاب "الوابل الصيب" لابن القيم ففيهما الكفاية. ولا شك أن الأب سوف يواجه بعض الصعوبات في اتخاذه الوسائل المناسبة لضمان حفظ أولاده هذه الأذكار، واستدامتهم عليها. وفي هذا المجال ينصح الأب في أول الأمر أن يكون قدوة لأولاده في استدامة الذكر، فلا يكاد يدخل أو يخرج، أو يأكل أو ينام، إلا وذكر الله على لسانه رافعاً بذلك صوته ليسمعه الأولاد ويرددوه معه، ليحفظوا عنه، فإن الأولاد لديهم قدرة فائقة على الحفظ وسرعة الاستذكار. وجهر الأب بالذكر يساعد على حفظهم لذلك النص دونما عناء، أو توجيه مباشر، ومثال ذلك إذا ركب الأب مع ولده السيارة، فقال قول الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:13-14]، وكرر هذا الدعاء عند كل ركوب، فإن الولد - بقصد أو بغير قصد- يحفظ هذا الدعاء، وربما ذكَّر أباه إذا نسيه. وهذا الأسلوب يعد من أفضل أساليب تعليم الأولاد الذكر. وفي بداية الأمر يقتصر الأب في اختياره للأذكار على القصير منها: لأنها أدعى للحفظ، وأيسر للولد، مع انتقاء أسهلها عبارة، وأيسرها لفظاً، ففي أدعية النوم وأخذ المضجع -مثلاً- وردت أحاديث عدة، منها الطويل، ومنها القصير، فالدعاء الطويل كقوله عليه الصلاة والسلام: ( اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، وألجأت ظهري إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت). أما الدعاء القصير، فقوله عليه الصلاة والسلام: ( رب قني عذابك يوم تبعث عبادك) . ومما لا شك فيه أن الدعاء القصير أسهل على الولد في الحفظ من الدعاء الطويل، فلو اقتصر الأب في بادئ الأمر على الأدعية والأذكار القصيرة، وتدرج مع أولاده في ذلك؛ بلغ مقصوده دون عناء وجهد كبير إن شاء الله. ومن الوسائل التي يمكن أن يستعملها الأب في تشجيع أولاده على حفظ الأذكار والمداومة عليها: إقامة المسابقات بين الأولاد في حفظ بعض الأذكار، ويخصص لذلك بعض الجوائز التشجيعية، فيوجههم لحفظ حديث دخول السوق مثلاً، أو حفظ دعاء الخروج للسفر، أو غير ذلك من الأذكار والأدعية المأثورة. ويمكن له أن يتخذ وسيلة الكتابة، فيكتب بعض تلك الأدعية على أوراق صغيرة أو كبيرة حسب الحاجة، ويعلقها في المنزل، ثم ينزعها بعد أن يتأكد من حفظ الأولاد لها. ويستغل الأب وقت جلوسه في البيت مع الأولاد، أو وقت ركوب السيارة لأخذهم أو جلبهم من المدرسة في استذكار بعض هذه الدعوات، فإن الولد في ذلك الوقت عادة لا يكون مشغولاً بلعب أو نحوه، كما أن ذلك الوقت يكثر فيه الصمت فيضيع دون فائدة، علماً بأن الأب يقضي في السيارة مع الأولاد وقتاً ليس بالقصير، خاصة في المدن الكبيرة حيث ازدحام الناس والسيارات. فلو استغله بتعليم الأولاد بعض الأذكار الجديدة، أو استذكار ما حفظوه منها، كانت الفائدة كبيرة إن شاء الله تعالى.