1-مفهوم الذكاء الاقتصادي : أول تعريف عملي للذكاء الاقتصادي ظهر سنة 1994 ، من طرف مجموعة العمل في المحافظة العامة للتخطيط ، حيث تم تعريفه على أنه "مجموعة الأعمال المرتبطة بالبحث ، معالجة و بث المعلومة المفيدة للأعوان و المتدخلين الاقتصاديين لصياغة إستراتيجياتهم " . و نظرا لضرورة إعتماد مدير المنظمة لإستراتيجية تطوير منتج جديد ، الإستثمار في سوق جديد ، تحسين المردودية ، معرفة منافسيه ، أخذ القرار الصائب في الوقت المناسب …الخ ، فإن الأمر يتطلب فهم المحيط الذي يتسع و يتعقد بإستمرار .ففي هذا الإطار تعتبر المعلومة مادة أولية أساسية للإدارة الجيدة للمنظمة . فالذكاء الاقتصادي إذن يعمل على إيجاد المعلومة المفيدة بأفضل تكلفة، يحللها و يضعها تحت تصرف المقررين في المنظمة في الوقت المناسب ، و بالتالي فهو عامل أساسي للمنافسة1. و لقد تم إختيار مصطلح الذكاء لأنه يحمل معاني أكثر من مصطلح اليقظة ، فهو يعنى القدرة على التأقلم مع المحيط . فهذا التعريف يرتكز على الأفكار الأساسية التالية : - فكرة إنتاج المعلومة ؛ - فكرة دوران و معالجة المعلومة ، حيازة ، معالجة ، بث المعلومة ؛ - فكرة المعلومة المفيدة و الملائمة 2. و لقد نشأ مفهوم الذكاء الإقتصادي فيما وراء الأطلسي في منتصف الثمانينات ، حيث شهد أهم تطوراته . و تفضل الأدبيات الأمريكية إستعمال مفردات الذكاء التسويقي "Marketing Intelligence " و الذكاء الاقتصادي"Economic Intelligence" عن إستعمال مصطلح ذكاء المنافس competitor" "Intelligence الذي يعد مفهوما ضيقا3.و هناك العديد من المصطلحات المستعملة في منظمات الأعمال حسب ما أوضحته دراسة إحصائية أجريت في فرنسا سنة 1999 على 1200 منظمة .و لقد أجريت من قبل المعهد العالي لدراسات الدفاع الوطني L’I H E D N.كما هو مبين في الجدول التالي : فمن خلال الجدول نلاحظ أن المصطلح المفضل استعماله في المنظمات هو مصطلح الذكاء التنافسي و ذلك ب 54.5% أو الذكاء الاستراتيجي. فالذكاء الاقتصادي و التنافسي ظهر منذ زمن ، لكن الجديد في ذلك هو أنه في مرحلة عدم التأكد هذه ، أصبح ضروري جدا للمنظمات : - بالنسبة للمنظمات الكبيرة ، لأن المحيط يتغير و يجب أن تتكيف و تتعايش معه ؛ - بالنسبة للمنظمات الصغيرة ، و هي دائما مهددة من طرف منافسيها ؛ - بالنسبة للمنظمات المتوسطة ، و التي تطمح أن تصبح قوية ، و لذلك عليها أخذ الأحسن . - و ما يدل عن شعور الخوف الذي ينتاب منظمات الأعمال من منافسيها،هو شعور بالحرب الاقتصادية.و هو ما تؤكده الدراسة السابقة الذكر.حيث يبين الجدول رقم 2 أن حوالي 95% من المديرين يؤكدون بأنهم في حالة حرب. و يستعمل الذكاء الاقتصادي في العديد من المجالات : - تطوير منتج جديد ؛ - تحسين الأداء ؛ - زيادة المبيعات ؛ - إتخاذ القرارات ؛ - الحصول على ميزة تنافسية 4. 2-من اليقظة التكنولوجية إلى الذكاء الاقتصادي : إن مفهوم الذكاء الاقتصادي يغطي في الولايات المتحدة كل مجالات البحث الممكنة التي قد تعزز القدرة التنافسية لمنظمة الأعمال ، كما يتميز ببعده النشط ، و هو البعد الذي يغيب عن كثير من الناس5 . يمكن تعريف اليقظة على أنها "نشاط مستمر و متكرر يهدف إلى المراقبة الفعالة للمحيط من أجل التنبؤ بالتطور". و هذا يعني أنها تشكل إجراء بواسطته تعرف المؤسسة وضعية و تطور محيطها الخارجي، حتى تتنبأ و تتصرف . إن دور اليقظة يرتكز على المراقبة المنتظمة لمختلف القطاعات التي تحيط بالمنظمة من أجل متابعة تطورها و نموها ، و من أجل التنبؤ – إذا أمكن – بالتطورات المستقبلية ، فحتى تكون اليقظة فعالة و ذات مردودية يجب أن تحتوي على عنصرين مهمين ، الجمع ثم تحليل و إستغلال المعلومات7 . إن مراقبة و ملاحظة المنافسين يجب أن تكون مستمرة في المنظمة ، فحيازة المعلومة تمثل العنصر الأول للذكاء الاقتصادي ، و الذي يظهر اليوم كمجال للبحث و العمل ، له نماذجه ووسائله الخاصة ، فمنذ عدة سنوات عرفت مجالات معالجة و إستخدام المعلومة – و التي تعطي الذكاء الاقتصادي أهميته البالغة – تطورات هامة . فمنذ الثمانينات أخذ الذكاء الاقتصادي بعض الأهميته ، حيث كانت اليقظة التكنولوجية بمثابة أحد العناصر الممهدة له . فقد أصبح مديري المنظمات و المساهمين فيها يحسون بضرورة دراسة السوق و المنافسة ، خاصة الإعتماد على التطور التكنولوجي ، و ذلك بواسطة بحوث تكميلية للوصول إلى ملاحظة مستمرة للمحيط المعقد و المتغير للمنظمات8. و هو ما يبين لنا كيفية الإنتقال من اليقظة إلى الذكاء . فإذن يمكن القول أن الذكاء الاقتصادي يوجه لكل المؤسسة ، و يستعمل من طرف الكل ، على عكس اليقظة حيث يكون التخصص فيها حسب الأهداف الجزئية للمؤسسة ، يقظة تكنولوجية أين تهتم فقط بالأمور التكنولوجية ، اليقظة التنافسية أين تهتم فقط بالمنافسين و العملاء و هذا ما سنراه في العنصر الموالي . فالذكاء الاقتصادي يأتي من الإطار الضيق بمختلف أنواع اليقظة9. و المتمثلة فيما يلي : أ.اليقظة التكنولوجية : تحتوي اليقظة التكنولوجية على البحوث في مجال : - الحيازة العلمية و التقنية ، لثمرة البحث الأساسي و التطبيقي ؛ - المنتوجات أو الخدمات ؛ - طرق الإنتاج ؛ - المواد، - أنظمة المعلومات . ب-اليقظة التنافسية : فبواسطة هذه اليقظة نستطيع إيجاد الترابط بين الأنواع الأخرى ، لأنها تهتم بمختلف المعلومات الخاصة بالمنافسين ، و التي بدورها قد تكون مفيدة لكل النشاطات المنظمة11 . إن هدف هذه اليقظة التنافسية هو تفصيل و تحديد منتوجات المنافسين التي يمكن أن تدخل السوق من أجل تحليل إستراتيجياتهم ، و الإهتمام بوظائف المنتوج من جهة نظر المستهلك ، و حساب تكاليف هذه الوظائف ج-اليقظة التجارية : و تهتم اليقظة التجارية أساسا بـ : -العملاء أو الأسواق ؛ -الموردين ؛ -سوق العمل . د-اليقظة الكلية ( يقظة المحيط ) : و هو نوع يهم باقي المكونين للمحيط ( ما عدا الذين سبق ذكرهم ) ، أي باقي محيط المؤسسة، العوامل الإجتماعية ، الثقافية ، السياسية ، و التي تؤثر على المعايير الإقتصادية و المالية . و هو ما يدفع المسيرين إلى تطوير الوسائل الأساسية التي تسمح بمراقبة الأبعاد الإجتماعية- الثقافية لليد العاملة ، و كذلك ذهنيات و عادات الأجيال الصاعدة و طموحاتهم . كل هذه العوامل لها تأثير قوي على إستراتيجية منظمة الأعمال و لا يجب أن نهملها 14. 3.الذكاء الإقتصادي أداة للتطوير و الإبداع : 3-1-الذكاء الإقتصادي كوسيلة حواريين المنظمة و محيطها : تقود إستراتيجيات التمييز في المنظمة إلى طرح منتوجات ذات تنافسية عالية في الأسواق ، معتمدة في ذلك على المعلومة ، التي تعد سلعة غير مادية تستخدم عند الحاجة . و بذلك تعد المعلومة مصدرا للأرباح ، و ضمانا لإستمرار و بقاء المنظمة . فللحفاظ على الميزة التنافسية بين منافسيها ، ينبغي على المنظمة أن تكون سباقة في الحصول على المعلومات و الإشارات التي تسمح لها بالتنبؤ بالإحتياجات ، و ردة فعل السوق ، مثلا : إطلاق منتج جديد ، التغير في التشريعات ، إكتشاف بعض التطورات و التكنولوجيات الجديدة ، …إلخ . فتطور الذكاء الإقتصادي يعتبر أقوى وسيلة معرفة تحت تصرف المنظمة. كما أن تطبيقه بطريقة غير مباشرة بواسطة خلية متكاملة أو بواسطة متخصصين ، يعتبر عامل لتطوير إدارة المعلومة ، و تدفقها داخل المنظمة . 3-2.المعلومة و الإبداع : لقد إهتمت النظرية الإقتصادية بالتطور التكنولوجي و الإبداع كأهم العوامل اللازمة لتنافسية منظمات الأعمال . و أثار موضوع الإبداع العديد من النقاشات منذ أكثر من ثلاثين سنة ، حيث ظهر بصورة جديدة و كان محل إهتمام نظريات الإدارة و حتى علم إجتماع المنظمات ، و كذا التحليل الإقتصادي و الإستراتيجي . بصفة عامة يمكن تحديد عنصرين أساسين للإبداع هما : محتواه التكنولوجي من جهة ، و خصائصه الإبداعية من جهة أخرى ، ويمكن تصنيف الإبداع كما يلي : -الإبداع الإضافي : و لقد وجد هذا النوع ليضع خطوة إضافية في تطور المنتج ، حيث يحدث تطور لدى المستعملين . -الإبداع التقني : لا يظهر مباشرة على المنتج بحد ذاته ( إدراك المستهلك ضعيف ) ، و إنما يمثل تقدم للمنتج ( ربح الوقت ، الإقتصاد …إلخ ) . -الإبداع الإجتماعي : و يتميز بمحتواه التكنولوجي الضعيف ، و التغير في سلوك الإستهلاك و/أو الإستعمال في نفس الوقت . -الإبداع الجذري : و هو إبداع ذو محتوى تكنولوجي قوي ، كما يتميز بتغير جذري في سلوك الإستهلاك و الإستخدام15. 3-2-1-الإدارة الإستراتيجية للمعلومة ، أداة مميزة للإبداع : لقد أظهرت التطورات الحديثة للأعمال المرتبطة بالإبداع ، الدور المهم للمعلومة ، و إستغلالها الفعال في تطوير الإبداع ، لذلك فإن ضرورة أخذ و إستغلال إشارات و حركات المحيط بطريقة مستمرة تبدو من الأعمال المميزة للذكاء الإقتصادي . و غني عن البيان أن المشاريع الإبداعية تتميز بدرجة عالية من عدم التأكد ( عدم التأكد من سلوك المستهلك ، عدم التأكد من التطور التكنولوجي …إلخ ) ، من هنا يمكن القول أن الإشكالية الأساسية للنمو أو التطور الإبداعي في المنظمة تتمثل في البحث عن الطرق الكفيلة بإدارة فعالة لعدم التأكد ، و ذلك عن طريق إدارة المعلومات التي تعتبر من عوامل الإبداع . و تعتبر مختلف أنواع اليقظة و الذكاء الإقتصادي بمثابة وسائل مميزة لإدارة عدم التأكد و المعلومة . كما أنها تسمح بطريقة حديثة و ديناميكية بتحديد مختلف القوى المحركة لمحيط المنظمة كشرط أساسي لتفاعلها مع هذا المحيط . من هنا يبدو الدور المركزي للمعلومة في حركية الإبداع ، و ذلك من خلال مساهمتها في تكوين الذكاء الإقتصادي في المنظمة و إستخدامها لأغراض التخطيط الإستراتيجي16 . 4-الذكاء الإقتصادي و المعلومة الإستراتيجية : تعمل المنظمة الآن في محيط تتدفق فيه المعلومة بسرعة و بكمية كبيرة ، فلقد أصبح اليوم بإمكان أفراد المنظمات الحصول على عشرات المعلومات ذات المصادر المختلفة : زملاء ، مجلات ، صحافة ، تعليمات ، جرائد رسمية ، رسائل إلكترونية …إلخ ، و هذا يعد عائقا بالنسبة للمنظمة ، و يتطلب من المتخصصين في الذكاء الإقتصادي ، التركيز على تنظيم هذا الكم من المعطيات حسب إحتياجات النشاط . فليست كل المعلومات مفيدة ، و لا تشترك من حيث الأهداف17. إن قيمة المعلومة تعتمد على مدى منفعتها و هذا يتطلب مجموعة حقيقية من المعلومات التي تستطيع الحصول عليها ، فالصعوبة تتمثل أساسا في معرفة المعطيات و المعلومات التي يجهلها الغير أو على الأقل التي يصلوا لها قبلنا ، أو حيازة المعطيات و المعلومات – بطرق غير شرعية أو بطريقة حربية – التي يعرفها الغير ، لكنها مخبأة أي الحرب السرية ، فالصعوبة ليست في حيازة المعلومة ، و إنما في إستخراج هذه المعلومة بطريقة أسرع من الآخرين من الكم الهائل للمعلومات المتاحة ، و الشكل الموالي يبين لنا كيفية إستخراج المعلومة . فالبحث قادر أن يوفر لنا 10% من المعلومات المفيدة التي نحتاجها ، و نستبعد 90 % الباقية18 . فما هي المعلومة الإستراتيجية للمنظمة ؟ نتكلم دائما عن المعلومات العملية و التقنية ، ولكن المعلومات الإستراتيجية تغطي مجالا أكثر إتساعا ، فهي كل المعلومات التي يمكن أن تكون ذات فائدة لمشاريع المنظمة . و تتميز هذه المعلومات بأنها تخص مجالات متعددة و لا يمكن تجزيئها – و بالإعتماد عليها بشكل متكامل - تحدد المنظمة نشاطها و محاور تطورها . فعلى المنظمة أن تقوم بعملية تصفية للمعلومات التي تلتقطها ، و أن تحتفظ فقط بالمعلومات التي تفيدها كما عليها تجنب الإغراق بمعلومات غزيرة و غير قابلة للإستعمال19. و هناك تعريف واسع للمعلومة المفيدة بأنها " المعلومة التي يحتاج إليها متخذ القرار في الوقت المناسب و بالشكل الذي يرغب فيه " ، و هذا يتضمن : -ضرورة تحديد متخذي القرار ، و هو أمر ليس بالسهل في جماعات كبيرة مختلفة ؛ -ضرورة تحديد الإحتياجات ؛ -يجب إعطاء شكل للمعلومة ؛ -يجب توفيرها في الوقت المناسب ، فالشخص الذي يمارس الذكاء الإقتصادي يجب أن يستقي المعلومة بما يتلاءم و نظام المنظمة 20. -إن المهمة الشاملة الدائمة للذكاء الإقتصادي ، هي الإستجابة إلى مختلف الإحتياجات و النشاطات الدقيقة و الخاصة . فمختلف مراحل حياة و نمو المنظمة ، ترتبط دائما بإحتياجات خاصة للمعلومة. فمثلا إنشاء منظمة ، إنطلاق منتج جديد ، دخول منافس جديد في السوق ، إنخفاض تكاليف التصنيع و الإنتاج …إلخ ، فكل من هذه الوضعيات تقوم على معلومات مفيدة و خاصة. و التي تحتاج إلى بحث و إستغلال في حدود معينة بوضوح21 . و هو ما سنعالجه في العنصر الموالي من خلال دراسة مراحل الذكاء الإقتصادي . 5-مراحل الذكاء الإقتصادي : إن أول مرحلة لنشاط الذكاء الإقتصادي هي تحديد الحاجة للمعلومة ، حيازة المعلومة ، معالجتها ، بثها ، وإستعمالها22 . و يمكننا عرض أهم مراحل الذكاء الإقتصادي فيما يلي : 5-1-تحديد الحاجة للمعلومة : و هو أمر ليس صعب في أغلب الحالات ، فليس من الضروري توفير الوسائل الحديثة ، و إنما يكفي في أغلب الحالات أن نطلب بمهارة : ما هي المعلومات التي نرغب في الحصول عليها ؟ . و هو ما يتطلب من المتخصصين في الذكاء الإقتصادي معرفة جيدة بتنظيم المنظمة 23. 5-2-جمع المعلومة : بمجرد تحديد الحاجة للمعلومة ، يتم إختيار أشكال للبحث عن هذه المعلومة ، و فيما يلي نذكر أهم مصادر المعلومة : 5-2-1-مصادر رسمية : و تحتوي أساسا على : - الصحافة ؛ - الكتب ؛ - وسائل الإعلام ؛ - بنوك المعطيات و الأقراص المضغوطة (CD ROM) ؛ - مصادر معلومات الرسمية 24. 5-2-2-مصادر غير رسمية : إن أهم ما يميز هذه المصادر أن المعلومات التي تقدمها تتطلب مجهود شخصي من الفرد الذي يريد جمع المعلومة ، يجب أن يبقى على إتصال ، أن ينتقل ، يضيع الوقت ،…إلخ حتى يحصل على ذلك ، و تتنوع هذه المصادر من بينها ما يلي : -المنافسين في حد ذاتهم ؛ -الموردين ؛ -مهمات وأسفار الدراسة ؛ -المعارض ؛ -الطلبة المتمرنين ؛ -المصادر الداخلية للمنظمة 25 5-3-معالجة المعلومة : إن معالجة المعلومة هي أساس الذكاء الإقتصادي ، فهذا الإجراء يعتمد أساسا على قيمة المعلومة بالنسبة للمستعمل . و تعني المعالجة تجميع كل المعطيات المحصل عليها من أجل تحليلها بشكل متجانس . و تعتبر ترجمة المعلومة خطوة أساسية لإجراء المعالجة . فهي تعطي صورة تحليلية ، غنية لكل المعلومات التي تكون مختفية دائما في سطور الوثائق26 . و نعلم أن ما يواجه أفراد المنظمة اليوم ليس نقص المعلومة و إنما كثرتها لذلك يجب معالجة المعلومة ، و هو ما يتطلب العمليات التالية : - التقييم ؛ - فرز المفيد منها من غير المفيد ؛ - تحليل ؛ - تحويلها إلى شكل مناسب 27 5-4-بث المعلومة من أجل إتخاذ القرار : إن الخطوة الموالية للخطوات الثلاث السابقة هي إعطاء قيمة لهذه المعلومة ببثها داخل المنظمة حتى تساهم في خلق قيمة مضافة . إن كل العمليات السابقة ، تحديد ، جميع ، و معالجة المعلومة ، يكون بدون فائدة ، إذ لم يتم بث هذه المعلومة و إيصالها لمتخذي القرار بالمنظمة . فالمعلومة لا تكون ذات قيمة إلا إذا جاءت في الوقت المناسب و بالشكل المراد ، للشخص الذي يستخدمها تكلف المعلومة كثيرا ، لذلك يجب توفيرها للذين يحتاجون لها من أجل إستخدامها28 . إن بث المعلومة إذا يشكل خطوة أساسية لإجراء الذكاء الإقتصادي ، بشرط أن تستخدم بذكاء و حذر 29. و يعتبر بث المعلومة غير كافي ، بل يجب أيضا تحويل هذه المعلومات إلى فعل حتى تحقق قيمة مضافة فالمتخصصين في الذكاء الإقتصادي يجب أن يكونوا قادرين على إقناع الآخرين بالعملية ، و على تركيب التقنيات التي تسمح بتطبيقها في المنظمة30 . إن عملية تحديد ، جمع ، معالجة و بث المعلومة تمثل أهم مكونات معادلة قيمة المعلومة ، ويمكن صياغة معادلة قيمة المعلومة كما يلي : قيمة المعلومة = تحليل جيد للإحتياج × صحة و نوعية المصادر × نوعية التحليل × البث و التغذية الراجعة × الحماية -فإذا لم نفهم ما هي إحتياجات طالب المعلومة ، فإننا نكون قد أضعنا أهم عنصر في الذكاء الإقتصادي . -إن لم يكن لدينا مصدر موثوق ، فلا داعي للمواصلة ، فالمصادر رديئة النوعية تؤدي إلى تشوش في المعلومات ، وهو ما يعقد عمل التحليل ، أما إذا كانت المصادر موثوقة فهي تسهل أكثر عمل التحليل . -التحليل يجعل المعلومة التي نحتاجها قابلة للإستعمال . -المعلومة التي لا يتم بثها و إعلانها لا تفيد في شيء ، و التغذية الراجعة Feed-Back تبين لنا ما إذا كانت المعلومة قد أدت إلى تلبية رغبة المستعمل أم لا. -يجب الإحتفاظ ببعض المعلومات السرية و الإستراتيجية و حمايتها31 . و يمكن تلخيص كل ما سبق ذكره في الشكل الموالي : 6. الذكاء الاقتصادي و القانون : ينبغي أن يتم نشاط الذكاء الاقتصادي في ظل الاحترام الكامل للقوانين و التشريعات ذات الصلة حتى و إن كانت دول عديدة لا تمتلك بعد قوانين خاصة بهذا المجال بسبب حداثة المهنة . و بغض النظر عن الممارسات المخابراتية غير القانونية ،و التي تعاقب عليها القوانين الجنائية ،فإن أنشطة الذكاء الاقتصادي لا تخلو من المخاطر القانونية و يمكن أن تضع منظمة الأعمال في وضعية حرجة إذ لم يتم التحكم فيها .و من ثم فإن قيام الغير بتحريك دعوة قضائية بالمنافسة غير الشريفة (Concurrence déloyale) ضد المنظمة يبدو من المخاطر الهامة و غير المعروفة . و بالتالي فإن إحاطة ممارس الذكاء الاقتصادي بهذه المخاطر يعد أمرا ضروريا 32 ،و عليه فإن سعي الجمعيات المهنية للذكاء الاقتصادي في الدول الصناعية كفيل بتطوير هذه المهنة و طمأنة منظمات الأعمال ، و يعد دورا مكملا لمجهودات الدول في حقل تقنيين المهنة . 6. الأخلاق ، القانون و أخلاقيات المهنة : يمكن القول أن اخلاقيات المهنة تستطيع أن تضع حواجز تمنع التجاوزات التي قد يقع فيها المهنيون كذلك بالنسبة للقوانين و المبادئ الأخلاقية للفرد نفسه . و الشكل الموالي يوضح هذه العلاقة . الإطار القانوني : يتمثل في القوانين التي تحكم المهنة و تعد متغيرة . الإطار الأخلاقي : يتمثل في المبادئ الأخلاقية للفرد و تشكل ضميره . الإطار أخلاقيات المهنة : تتمثل في القواعد التي تحددها الجمعيات المهنية بشكل عفوي . و نلاحظ من خلال الشكل السالف أن الأطر الثلاثة لا تتطابق بشكل كلي و يمكن التأكيد أن مجال نشاط الذكاء الاقتصادي ينحصر في الأنشطة التي تكون أخلاقية مهنيا و قانونية. و نحاول فيما يلي إستجلاء القوانين و الأخلاقيات المتعلقة بالذكاء الاقتصادي في كل من فرنسا و الولايات المتحدة . 1.1.6 التشريع الفرنسي : تعد القوانين الفرنسية فقيرة من حيث القواعد الخاصة بالذكاء الاقتصادي و هو ما يعد شيئا طبيعيا بالنظر لحداثة المهنة . تاريخيا ،فإن أولى القواعد التي صدرت كانت خاصة بالجوسسة في مجال الدفاع الوطني و المتمثلة في غالب الحالات في أعمال إفشاء الأسرار و جرائم الخيانة التي يعاقب عليها القانون الجنائي . أما عن التجاوزات المرتبطة بالذكاء الاقتصادي فإن المشرع الفرنسي ضمنها في عدة قوانين، خاصة القانون الجنائي ،و هو ما يعد مخالفا للمقاربة المعمول بها في الولايات المتحدة الأمريكية كما نسري . ومن أمثلة مضامين القانون الجنائي الفرنسي في هذا المجال ما يلي 33 : -حماية الخبرة الخاصة بالصناعةProtection du savoir –faire) -التعدي على سرية المصنع أو الخبرة (Violation du secret de fabrique -التعسف في إستخدام الهندسة العكسية . -توظيف مستخدمي المنافس بشكل يضر به . -نشر معلومات مشوهة . -الرشوة. 6-1-2 التشريع الأمريكي : أمضى الرئيس الأمريكي كلنتن سنة 1996 على القانون الأمريكي للجوسسة الاقتصادية (EEA)UsEconouic Espionage Act . و قد إعتبر هذا القانون أن سرقة أسرار منظمات الأعمال أو الحصول عليها بطريقة التدليس (Fraude)أو تالخداع بمثابة جريمة فدرالية من صلاحيات ال FBI 34 ، فالمادة 1831 من القانون أعلاه تعرف الجوسسة الاقتصادية كما يلي : أي شخص يعلم أن الجريمة سيتفيد منها حكومة أو منظمة أو عون أجنبي: -سرقة أسرار الأعمال ؛ -نقل ، إعادة إنتاج ،تصوير ،إتلاف ،إرسال أسرار الأعمال ،إستلام ،شراء أو الإحتفاظ بأسرار الأعمال ؛ -محاولة القيام بما سبق ؛ التآمر نع الغير من أجل القيام بما سبق . يعاقب بـ500.000 دولار أمريكي و أو/ 15 سنة سجنا بالنسبة للأشخاص و 10 مليون دولار بالنسبة للمنظمات . أما المادة 1839 فهي تتعرض لتعريف المصطلحات الهامة التي تستخدم في القانون . منظمة أجنبية : وكالة، وزارة، هيئة تابعة ،مشروع ،جمعية،كيان ممتلك عن طريق الأغلبية، أو مراقب،أو مرعى، أو مدار، أو حكومة أجنبية . العون الأجنبي :إطار ، موظف ،ممثل لحكومة أجنبية. سر الأعمال :كل معلومة إقتصادية، مالية، علميه ،تقنية،و هندسية لمنظمة أعمال. وهذا يضم النماذج الخطط ،التسجيلات ،البرامج –الصيغ –التصميم ،الطرق التقنية –الأساليب ،الإجراءات،و الرموز سواء كانت مادية أو غير مادية . المالك :هو الشخص أو المنظمة الذي يعد قانونيا مالكا أو معادلا للمالك أو الحاصل على رخصة (Li) عن سر الأعمال المضي . 6-1-3 الممارسات المختلفة لأخلاقيات المهنة لا يوجد هناك دستورا لأخلاقيات المهنة معترف به من قبل المهنيين على الصعيد الدولي .لكن تسعى بعض الجمعيات المهنية الوطنية و المحلية و حتى بعض منظمات الأعمال التي وضع قواعد لآداب و سلوك هذه المهنة . و تعد الولايات المتحدة البلد السابق في مجال التفكير في أخلاقيات المهنة ذلك أن الذكاء الاقتصادي يعد قديما نسبيا من حيث الظهور مقارنة بالدول الأخرى إضافة إلى كون المخاطر القانونية في هذا البلد الحبر من غيره و قد ظهر صدر دستور ،اخلاقيات مهنة الذكاء الاقتصادي في الولايات المتحدة سنة 1986 ، بلغ سنة 1994 عدد أعضاء النقابة المهنية 2400 35. 1-بذل العناية باستمرار من أجل زيادة احترام المهنة و الاعتراف بها على الصعيد المحلي الاقليمي و الوطني . 2-أداء الواجبات بعناية و سرعة مع ضمان مستوى عال من المهنية و تجنب كل الممارسات التي لا تتفق مع أخلاقيات المهنة .