- الرحمة من صفات الله تعالى : - قال تعالى:{ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }. - قال تعالى:{ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ }. - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي ) رواه البخاري ومسلم. 2- من مظاهر رحمة الباري جل وعلا : الرسل رحمة : قال تعالى:{ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }. الكتب رحمة: قال تعالى:{ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً }. القرآن رحمة: قال تعالى:{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }. الفطرة رحمة:قال تعالى:{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً }. 3- الرحمة من صفات المؤمنين: - قال تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. - قال تعالى:{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}. 4- حض المؤمنين على التحلي بالرحمة : - عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء الرحم شجنة من الرحمن فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. - عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم ) رواه أحمد - عن أبي هريرة قال سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تنـزع الرحمة إلا من شقي ) رواه الترمذي وقال حديث حسن. 5- تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بخلق الرحمة : - قال تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }. - قال تعالى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }. - قال تعالى:{ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ }. - قال تعالى:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }. - عن أبي موسى الأشعري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: ( أنا محمد وأحمد والمقفي والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة ) رواه مسلم. 6- من مظاهر رحمته صلى الله عليه وسلم : رحمته بالمؤمنين : - قال صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ) رواه البخاري ومسلم. - قال عائشة رضي الله عنه : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، فقال:إني لست كهيأتكم إني يطعمني ربي ويسقيني ) رواه مسلم. - كان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: ( لولا أشق على أمتي لأمرتهم بـ ... ) . رحمته بأمته في الآخرة: - قال صلى الله عليه وسلم: ( لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا ) رواه البخاري. - عندما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{إن تعذبهم فإنك عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} رفع يديه وقال:اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل: ياجبريل اذهب إلى محمد فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بما قال، فقال الله: ياجبريل اذهب إلى محمد فقل:إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك . رواه مسلم. رحمته بالأهل والعيال: - عن أنس رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله على إبراهيم وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال عبدالرحمن بن عوف: وأنت رسول الله؟ فقال : ( يا ابن عوف إنها رحمة ) ، ثم قال : ( إن العين لتدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) رواه البخاري ومسلم. -كان صلى الله عليه وسلم يُقعد أسامة على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمهما ويقول : ( اللهم ارحمهما فإني ارحمهما) . رحمته بضعفاء المسلمين: - عن أنس رضي الله عنه قال:كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.رواه البخاري - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن امرأة سوداء كانت تقمّ المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا:ماتت، فقال : ( أفلا كنتم آذنتموني، ... دلوني على قبرها ) فدلوه فصلى عليها . رواه البخاري ومسلم. رحمته بالحيوان: - مر الرسول صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: ( اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة ) رواه أبوداود. - دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال لي يا رسول الله فقال : ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ) رواه أبوداود. - عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها ! ) رواه أبوداود. رحمته بالكفار: - قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة : ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري ومسلم. - عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله:ادع على المشركين، قال: ( إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة ) رواه مسلم. الرحمة وصفٌ في القلب إذا انبعثَ فيه حملَ صاحبَه على الرقَّة وحلاَّه بالرأفة فأخذَ يشقُّ عليه ما يشقُّ على المسلم ، ويُفرِحه ما يُفرِح المسلم ، ويُحزِنه ما يُحزِن المسلم ، ويصبح بذلك حريصاً على نفع المسلمين وعلى خدمة المسلمين وعلى أداء حقوق المسلمين وعلى السعي في مصالح المسلمين ، خُلق الرحمة الخلق الذي وصف الله به نبيَّه المصطفى صلى الله عليه وسلم في كتابه (( لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )) وقال عن رسالته (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )) وهو القائل صلى الله عليه وسلم (( الراحمون يرحمهُم الرحمنُ تبارك وتعالى )) . إذا أُودِعت الرحمةُ قلبًا اقتضت معانٍ من الملاطفة, معانٍ من اللطف, معانٍ من الإحسان, معانٍ من الحرص, معانٍ من الشفقة .. أعني الحرصَ على منفعةِ الخلق وخدمةِ الناس بما قدرَ عليه .. فما أعظمَ أخلاق هذا الدين ، اللهم حلِّنا بها وحققنا بحقائقها برحمتك يا أرحم الراحمين . آثار خلق الرحمة: خلقُ الرحمة إذا تمكَّن في القلب ظهرت آثارُ الملاطفة في الفعل والقول, فتجد الرحيمَ ملاطفاً لمن حواليه ، هيِّناً ليِّناً سهلاً يحرص على منفعة الغيرِ وعلى مصلحته أكثر من حرصه على مصلحته هو الشخصية ومنفعته هو الذاتية لما أُودِع قلبُه من الرحمة ، فيتوفر حظُّّه من رحمة الرحمن جل جلاله لأنَّ الجزاءَ من جِنس العمل . فمن رَحم عبادَ الله من أجلِ الله رَحِمَه الله تبارك وتعالى . فعلى المؤمن أن يتفقّد نفسَه في خُلق الرحمة والثبات عليها, ورحمته بالصغير والكبير وخصوصاً أهل الضَّعف وأهل الفقر وأهل المسكنة وأهل العاهات وأهل النَّكبات من المسلمين ومن المؤمنين . وفي الحديث (( ثلاثٌٌ من كنَّ فيه فقد وُقي شُحَّ نفسِه: من أدى الزكاة ، وقرى الضيف، وأعطى في النائبة )) . إعطاؤه في النائبة إذا نابت نائبة: إنبعاثٌ من الرحمة إذا نابت مسلماً نائبةٌ من النوائب انبعث ليساهمَ ويساعدَ في المواساة في النائبة وتخفيف ثِقلها ، فوصفُ الرحمة خُلقٌ من أخلاقِ الإسلام جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلَّمنا حقائقَه ومعانيه فقد وصف الله أصحابَ النبي بالرحماء فقال (( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) ورفع الحقُّ تعالى شأنَ وصفِهم هذا من الرحمةِ إلى بلوغِ مراتبِ الإيثارِ فقال تعالى (( والذين تبوّءو الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولايجدون في صدورهم حاجة مما أُتوا ويرثرون على انفسم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شُحَّ نفسه فأُولئك هم المفلحون )) هذه شهادةٌ عُظمى من الرب لسادتنا الأنصار وهم القبيلتان اليمانيتان اللتان هاجرَتا إلى المدينة المنوَّرة فتَلقَّيَتَا رسولَ الله هناك بعد أن استَوطنتا طيبةَ الطيبة التي طابت برسول الله, الذين سبقوا إلى الإيمان به وقاموا بحقِّ نصرته عليهم رضوان الله, شَهد الله تعالى لهم بالفلاح، وهو الفوز في الدنيا والآخرة وأثنى عليهم في كتابه وذكر وصفَ الإيثار الذي هو نتيجة قوة الرحمة وتَمكُّنها من القلب ومن الفؤاد عليهم رضوان الله . تعدد مظاهر الرحمة في الشريعة: جاءت الشريعةُ بالرحمة للصغير والكبير ، جاءت الشريعة بالرحمة حتى للحيوانات, جاءت الشريعة بالرحمة لكل ذي كبدٍ رطبة وجعل الأجرَ في مواساتها إلى حدودِ أن ذكرت لنا الشريعةُ أن امرأةً كانت من بني إسرائيل بَغِي, ولكنها رحِمَت كلباً من الكلاب في يوم من الأيام وترجمت الرحمةَ بِعمَلٍ صدقت فيه, فَرَحِمَها الله وغفر لها وسامحها وتابَ عليها ووفَّقها لحسن التوبة, يقول عنها صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم كما جاءنا في الصحيحين: أنها اشتدَّ بها العطش فلم تجد إلا بئراً ليس عليها دلو ولا رشا فخرجت ثم طلعت فإذا بكلبٍ يلهثُ حوالي البئر فأخذ يضع لسانَه في الندوة, فقالت والله أصاب هذا الكلب من العطش مثل الذي أصابني فرجعت إلى البئر مرة أخرى وأخرجت خفَّها من رجلها فملأته بالماء ووضعتهُ في فيها وأمسكته به حتى ارتفعت وسقت ذلك الكلب فغفر الله تبارك وتعالى لها .. وقد جاء أنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى في بيته هرةً دنَت من إناءٍ فيه ماء قليل تريد أن تشرب فبَعُدَ عليها الماء فجاء بنفسه فأصغى لها الإناء وقرَّب الماءَ من فمِها حتى تشرب, فلما نظر ذلك بعضُ أصحابه قال يا رسولَ الله تصنع أنت هذا في هذه قال (( إنها ليست بنجس إنها من الطوَّافين عليكم )) أي إنها تقوم ببعض الخدمة في البيت ، فما أعظمَ رحمته وشفقته .! وامتلأت سيرته بذلك وبملاطفاته بالصغير والكبير عليه الصلاة والسلام حتى لما رآه الأقرع بن حابس وهو يقبِّل بعض الأطفال قال يا رسول الله إن لي من الولد عشرة ما قبلت أحداً منهم قال (( أو أملكُ لك أن نزعَ الله مِن قلبِك الرحمة )) ولا تُنـزَع الرحمةُ إلا من شقي .