عترف بحبي لعملي، وأقر أن أسرتي تشكل أهم أولوياتي في الحياة، رغم حبي البالغ لعملي ونجاحي فيه أيضا.. وأتنفس اليقين بأن التوازن بين كافة الأدوار في الحياة هو النجاح الحقيقي في الحياة، فإن طغى أحدهما على الآخر تسلل الفشل تدريجيا ليسرق أسباب النجاح، وهذا لا ينفي بالطبع اختلال التوازن من آن لآخر، فهذه طبيعة الحياة، كأن يقل اهتمام المرأة بعملها أثناء مرض أحد أبنائها، أو تتراجع عنايتها بأسرتها تحت وطأة ظروف طارئة في العمل.
فهذا أمر طبيعي، ولكن لابد من التنبه في (بدايته) حتى لا يكون أشبه بالرمال المتحركة الناعمة التي تجتذبنا إلى الأسفل، والتي كلما تغافلنا عن القفز خارجها سريعا تضاعف المجهود اللازم؛ لكي ننجو من براثنها قبل أن تبتلعنا تماما.
احذري وتأكدي
ونبدأ بذكر المعوقات الواقعية لنجاح المرأة في عالمنا العربي: وأولها يكمن داخل عقل المرأة العاملة، حيث تستسلم (للشائعة) الخاطئة تماما، ولكنها لكثرة رواجها فإن كثيرات يتعاملن معها على أنها حقيقة؛ وتتلخص في (صعوبة) التوفيق بين النجاح في العمل وفي الأسرة، فضلا عن الاحتفاظ بالجمال والصحة النفسية والجسدية أيضا.
وعندما نتعامل مع أي موقف ونحن (نتوقع) أن يكون صعبا، فإننا نهزم أنفسنا داخليا، إما بالانسحاب السريع منه والقبول بأقل ما يمكننا، ونحن نشعر بالنجاة من تكبد الصعاب، أو باستنفار كل قوانا للفوز بما نراه صعبا، وهذا أفضل بالتأكيد من الانسحاب، ولكنه يسبب الإنهاك النفسي، والإجهاد الجسدي المتواصل؛ مما (يسرق) منا الفرحة بأي نجاح نحققه، ويجعلنا دائما في حالة (عطش) للمزيد، دون الارتواء بما أنعم به الرحمن علينا بالفعل.
لذا على كل امرأة عاملة أن (تزرع) بداخلها اليقين بأن نجاحها في التوازن بين أدوارها في الحياة ممكن متى تذكرت أن البدايات الصحيحة تؤدي بمشيئة الرحمن إلى نهايات سعيدة، والعكس صحيح أيضا.. وهو ما أدعو به من كل قلبي لكل امرأة عربية.
ترتيب العقل
وعلى السيدة العاملة أن تبدأ يومها بالشكر للخالق بأن أمامها فرصة لتصنع حياة أفضل لها، ولكل من تحب، ثم تبتسم وتسترخي عدة دقائق قبل مغادرة الفراش؛ لتردد أذكار الصباح بعقلها وقلبها سويا؛ لتتزود بالطاقة الروحية الرائعة التي ستنير لها يومها بمشيئة الرحمن، ثم تنهض (بهدوء) وتتذكر الحديث الشريف: "تفاءلوا بالخير تجدوه".
وتقوم بترتيب عقلها يوميا بتحديد المهام التي تريد الانتهاء منها خلال هذا اليوم، سواء في العمل، أو في البيت، على أن تتسم بالواقعية، فلا تقل سأنتهي اليوم من كل الأعمال المؤجلة، سواء في العمل أو البيت، وسأتخلص من كل مشاكلي مع الزوج والأبناء، بل تحدد الأمور الأكثر أهمية، وتلتزم بأدائها بعد بدء يومها بترديد الأفكار الإيجابية، ولا تدخر الابتسامات لمجاملة من تعمل معهم، بل تشيع بعض المرح أثناء تناول الإفطار مع أسرتها، وألا تجعل من ذلك (عبئا) جديدا تتحمله، بل تفعله من أجل نفسها أولا؛ لتقوم بتجميل حياتها، والتخلص من كل الشوائب التي تحول دون استمتاعها بقضاء أفضل الأوقات الممكنة مع أسرتها.
فكما نقوم بالتخلص من الأتربة داخل منازلنا أولا بأول علينا (طرد) كل ما يحول دون فوزنا بأحسن تعامل ممكن مع من نشاركهم حياتنا.
وتحرص قبل مغادرة المنزل على أن تخبر أفراد أسرتها بدعائها لهم بقضاء يوم جميل، وتودعهم بكلمات طيبة.
وفي العمل (لا تبعثر) طاقاتها كما أخبرتني سيدة عاملة بأنها تجامل الجميع، وتنهمك في مهامها لتعود إلى المنزل في حالة إنهاك، ولا ترغب في رؤية أحد، ولا في سماع أي صوت، فضلا عن أداء أي مهام منزلية، والحقيقة أن هذه السيدة تظلم نفسها، فالاعتدال هو مفتاح النجاح.
ونوصي بأخذ استراحة خلال اليوم، ولو بالصمت عدة دقائق، ووضع اليدين على الفخذين بهدوء مع إرخاء الكتفين، والتنفس بهدوء، وترديد جمل إيجابية مثل: الحمد لله أنا بخير، وعلى الرغم من وجود بعض المشاكل فحياتي جيدة وأنا راضية عنها.. العمل نعمة حيث أحصل منه على خبرات وبعض المال، كما أقضي أوقاتا خارج المنزل مما يجدد نشاطي.. أنا أشكر ربي.
وأثناء العودة للمنزل يجب التخلص من أية مضايقات للعمل فور مغادرته، مع الاستعداد الذكي للتعامل بمرونة وسعة صدر مع مسئولياتها المنزلية.
إنهاك وظلم وإحباط
وأكاد أسمع سيدة عاملة تهتف باعتراض واضح: هذا تفكير المرفهين، نحن (نقاتل) لنفوز بلقمة العيش، ولا يوجد لدينا (البحبوحة) النفسية لنفكر في مثل هذه الأمور، فكل ما يشغلنا هو أن نذهب للعمل (بأسرع) ما يمكننا؛ لنعود ونحن نشعر بالإنهاك والظلم والإحباط؛ لأننا نعاني ولا يشعر بمعاناتنا أحد، لا الزوج، ولا الأبناء، ولا المجتمع، بينما (تنعم) ربة البيت غير العاملة بكل ما نحرم منه، حيث ينفق عليها الزوج، ويلبي لها (كل) احتياجاتها، وتعيش معززة مكرمة، ويكون لديها الوقت الكافي لتفعل كل شيء بالطريقة التي تريدها، وبدون أية ضغوط.
وأرد باحترام وود بالغين: هذا التفكير يحرم معظم السيدات العاملات ليس فقط من النجاح ، بل من السعادة والرضا أيضا؛ مما يؤهلهن للأمراض الجسدية والنفسية، وتضيع منهن سنوات العمر في شقاء (يؤلمني) كثيرا، إذ باستطاعتهن حماية أنفسهن منه.
ولابد من الاقتناع (الحقيقي) بأن ما يؤلم السيدة العاملة لا يكمن في كثرة مسئولياتها، ولكن في (نظرتها) إليها.
مع التأكيد أن بإمكانها (الاختيار) بين التعامل معها على أنها أعباء (فظيعة)؛ لأن لا أحد (يقدر) تعبها، وستجني الخسائر وحدها، فلن تنجح لا في عملها ولا في أسرتها، وهي تحمل هذه السموم، وستزحف إليها التجاعيد المبكرة (وتهرول) إليها الأمراض.
أو أن تختار أن (تتقبل) المسئوليات بنفس راضية، وتنظر إلى مزاياها، حيث تمنحها خبرات جديدة في الحياة وفي العمل، وأن تتحرر من احتياجها لتقدير الآخرين و(تحتفل) يوميا بنجاحها، وألا تنتظر التقدير من الآخرين، فلا تكون مثل الأجير الذي ينتظر الأجر من صاحب العمل، وهو يتمثل هنا في الزوج أو الأبناء أو المجتمع.
وعليها أن تكون هي صاحب العمل الذي يسعد بنجاحه؛ ليضاعف من رأس ماله، وينمي ثرواته، وأقصد بها هنا الصحة النفسية واللياقة الذهنية، بل الصحة الجسدية أيضا.
فلماذا تحرم نفسها من كل هذه (الثروات)، وتعيش في انتظار (الفتات) من تقدير الآخرين، وتتناسى أن الجميع لديهم ما يشغلهم، فالرجل يكدح خارج البيت، والأبناء مشغولون إما بدراستهم أو أعمالهم.
وصدقنني فإن القوة الحقيقية تكمن في الاستغناء، وهو ما أدعو به لنفسي، ولكل بنات جنسي؛ لنسعد في الدين والدنيا.
سموم قاتلة
ولكي تفوز لابد من طرد السيدة العاملة من عقلها وقلبها السموم التالية:
التعامل مع الزوج، وأحيانا الأبناء كمصادر للأعباء، والعمل كمصدر للترفيه بالحديث مع الزملاء والزميلات؛ مما يؤدي إلى (كراهية) التواجد في البيت.
ومن المؤكد أننا سنفشل في أداء أي شيء نكرهه، كما أننا نجهد أنفسنا بالاستمرار في كراهية أدوارنا الأسرية؛ مما يؤذينا وحدنا، فالأزواج والأبناء يعتادون على ذلك ولو بعد فترة، ويقومون بتعويض أنفسهم، سواء بطرق مشروعة، أو غير مشروعة، وتبقى الخسائر (الفادحة) من نصيب النساء العاملات وحدهن.
أكذوبة أن تحقيق الذات يكمن في العمل فقط، والمؤكد أن النجاح الأسري ينير حياة المرأة كما ينير لها قبرها، ويرشحها لمكانة رائعة في الجنة أدعو ألا تحرم أي امرأة عاملة نفسها منها.
التوقف عن تعويض أي نقص في حياتها الأسرية بالانهماك في العمل؛ مما يمنحها إشباعا زائفا يقلل من (رغبتها) في تحسين كل تعاملاتها الأسرية.
طرد تصديق أكذوبة أن المرأة العاملة في الغرب أكثر حظا، فالواقع يؤكد أنها ما زالت (تناضل) للمساواة في الأجر مع الرجل حول نفس العمل، وأن الرجل الغربي يرفض في معظم الأحيان مشاركة المرأة في الأعباء المنزلية.
طرد أي إحساس بالقهر أولا بأول؛ لأنه أكذوبة من وساوس إبليس اللعين الذي يريد إفساد حياة النساء في الوطن العربي.
تجنب أي تعامل بندية مع الزوج، أو التعالي عليه بسبب العمل، فهذا يمنحها شعورا مؤقتا (للغاية) بالسعادة، ولكنها ستدفع ثمنه فادحا فيما بعد، حيث سيلجأ الزوج إما للرد بما هو أقسى، أو سيخونها مع من تشعره بالاحترام.
تجنب المن على الزوج بالمشاركة في الإنفاق على البيت فالمال (وسيلة) لتحسين حياتها، وليس (غاية) في حد ذاته.
تجنب طلب (مزايا) إضافية بسبب مشاركتها المادية؛ لأنها (أغلى) من ذلك؛ وإلا تحولت إلى أجيرة لدى زوجها وأولادها، والأفضل أن تنعم بحبهم الحقيقي لها؛ لأنها محبة وتشيع البهجة في حياتهم؛ لأن الرضا يسكن عقلها وقلبها.
وأؤكد إذا عاملت زوجها كما تعامل صديقتها المفضلة المقربة فستفوز بحياة رائعة أدعو بها للجميع.
التوقف عن التعامل مع زملاء العمل بلطف زائد؛ لأن ذلك لا يحرضهم على التمادي في الإساءة إليها فقط، ولكن يجعلها تقارن -ولو بصورة لا شعورية- بين حسن معاملتهم لها، ومعاملة زوجها لها، وتتناسى أنهم يرونها في أحسن حالاتها، وتتحدث معهم بهدوء، وتحترم آراءهم، وغالبا لا تفعل ذلك مع زوجها، فكيف (تتوقع) غير ما تحصل عليه.
حلول واقعية
- البدء بالتعامل بمرونة وذكاء مع المسئوليات المنزلية من خلال تقسيمها، وتعويد الأبناء على المشاركة المؤجلة مع التحلي بالحزم، وليس الصراخ والعصبية المرفوضين بالتأكيد.
وتشجيع الزوج بصورة غير مباشرة، وبدون إلحاح أو ضغوط حتى لا تحصد النتائج العكسية، وأتذكر ما قاله لي كاتب مصري تعرض للاعتقال السياسي، وعانى من قيامه بالنظافة والطهي، وبعد انتهاء اعتقاله (اختار) تأدية هذه المهام؛ لأنها تريحه ذهنيا، وهو ما تؤكده الدراسات النفسية، فالأعمال اليدوية تساعد على طرد التوتر (بشرط) ألا تؤذي المرأة العاملة نفسها بترديد جمل مثل: أنا أعمل دائما، وكأنني خادمة، واستبدالها بـ"عملي المنزلي يجدد نشاطي، ويحافظ على لياقتي الذهنية، بل الجسدية أيضا، وهو فرصة للاختلاء بالنفس، وتذكر ما يسعدها.
- أن تسارع بالاهتمام بمظهرها في البيت، فعند عودتها للمنزل لماذا لا تغتسل، لتجدد نشاطها، وتدلك جسدها بأي زيت عطري كالياسمين، وترتدي ملابس مشرقة وأنيقة، وإن كانت واسعة، وتضع أحمر الشفاه، وتصفف شعرها.
وسيستغرق ذلك 10 دقائق، ولكنه يمنحها إحساسا رائعا بأنها امرأة جميلة بتجديد شبابها، وبمضاعفة رصيدها الأنثوي قبل أن يجدد إعجاب الزوج بها.
ونوصي بالاستفادة من الإجازات للاستمتاع بالاستجمام، وليس لأداء الأعمال، وأتذكر سيدة قالت لي بألم: كيف ألقي الأوامر في عملي لمجموعة من الرجال، ثم يتوقع مني زوجي أن أطيعه.
وهمست لها.. زوجك ليس موظفا لديك، ونجاحك في العمل أمر يخصك وحدك، ولا ينبغي أن يدفع زوجك ثمنه، وأخبرتها أن ملكة بريطانيا روت أنها طرقت الباب يوما فقال لها زوجها: من؟ قالت: ملكة بريطانيا. فقال لها: لا تدخلي. فأعادت الطرق، فقال: من؟ فقالت: زوجتك. فقال: ادخلي.