الطفل يتمرد على الاوامور المتضاربة
الناقل :
adham ahmed
| المصدر :
7awa.roro44.com
عجيب جداً أمر الطفل.. تتوسل إليه يعاندك، وتتحدث إليه كصديق فيعطيك، وما بين العناد والطاعة رحلة اسمها التنافس..وقد تندهش أنت أيها الأب عندما تعلم أن الطفل الولد يأتي إلى العالم ومعه رسالة ...... ( أنا قادم أنافسك ).
نعم.. فالابن يدخل في منافسة مع أبيه، وأول ميدان للمنافسة هو قلب الأم. إن الطفل يتحدث جاداً عن الارتباط بأجمل نساء الأرض وهي أمه.
ونعم أيضاً أيتها الأم.. إن الابنة تنزل من أحشائك ومعها رسالة ..... ( أنا قادمة لأنافسك ) . وأول ميدان للمنافسة هو قلب الأب. إن الفتاة تتحدث جادة عن الارتباط بخير فرسان الأرض وهو الأب.
ونحن نسمع في زمن الصداقة المليئة بالتوتر أن المراهق يقول لأبيه في لحظة صفاء: ( أنا أقوى منك ). وقد يستعرض الابن عضلاته أمام أبيه كما نسمع الابنة المراهقة تقول لأمها في لحظة صفاء: ( أنا أكثر منك جمالاً )، وتحاول أن تقيس خصرها مقارنة إياه بخصر الأم.
وقد يتقوقع الأب و الأم بعيداً عن التفاعل مع الأبناء الصغار ويكتفيان باقامة صلات بهم عن طريق الهدايا ، وقد يجيئان بعبارات من مثل: ( إن سمعت كلامي سأحضر لك حصاناً ) و ( لو ذهبت إلى دورة المياه بمفردك سآخذك إلى الحديقة ) ، و ( عندما لا تضرب أختك سأشتري لك الكثير من الحلوى ).
والابن منذ الشهر السادس يستطيع أن يميز صوت أبيه وصوت أمه ، ويستطيع أيضاً أن يتفهم مشاعر الأب والأم . إن المساحة التي تفصل بين جسم الأب وجسم الابن الوليد منذ الشهر الثالث تمتلئ بلغة أخرى غير الكلمات. إنها لغة الإحساس مباشرة. وإذ كان هذا هو حال العلاقة بين الوالد والطفل، فما بالنا بعلو لغة الإحساس بين الأم ووليدها. إن الأطفال لا يرضعون بأفواههم فقط ، ولكنهم يرضعون العلاقة العاطفية أيضاً من الأب والأم عن طريق النظرة واللمسة والإحساس.
ولذلك لا داعي للنفاق مع الأطفال ، بمعنى أن لا داعي لأن تظهر خلاف ما تبطن من علاقتك بابنك.
إن حالة النفاق التي تقول فيها عكس ما تحس تنتقل إلى مشاعر ابنك بطريقة غريبة. إنه يحس أنك تحبه بصعوبة ، فيتصرف مع العالم بتقبل الحب بصعوبة.
إنه المرآة العاكسة لمشاعرك فضلاً عن أنه مغزول وراثياً منك ومن أمه. ومن الأفضل أن تكون واضحاً في علاقتك مع ابنك وأن تنظر إليه بانفتاح عاطفي. صحيح أنك تفكر في الصعوبات التي تملأ هذا الزمان من صراع دول وصراع مجتمعات، وعدم أمان تشعر به في عملك، واختلال سعر العملات وارتفاع أسعار الأشياء، وصحيح أيضاً أنك أنت شخصياً نشأت في زمان اضطربت فيه المقاييس. فإذا كنت قد ولدت أنت في الربع الثاني أو الثالث من القرن العشرين وصار لك أبناء في الربع الثالث والرابع من القرن العشرين، فأنت تستطيع أن تسأل والدك ووالدتك عن زمان تربيتك وتنشئتك. لقد كان زماناً مضطرباً أيضاً من وجهة نظر أمك وأبيك.
إذن فإن الزمان دائماً مضطرب. صحيح أن المشاكل في عصرنا تضخمت، وأن وسائل المعلومات تضاعفت ، وقدرات الانسان ازدادت، وصارت البشرية الآن تعاني من ضعف الأقوياء ، بعد أن كانت في الأزمنة الخوالي تعاني من قوة الضعفاء، صحيح كل ذلك.. ولكنك الآن مطالب بحب ابنك لا على ضوء الخوف، ولكن على ضوء الثقة. والثقة إنما يتم بناؤها بالخطوات البسيطة.
الثقة لا يتم بناؤها على سبيل المثال بأن نترك الطفل الذي يبلغ عاماً واحداً من العمر يلعب في غرفة مزدحمة بالأثاث وعلى المناضد تماثيل نادرة وتحف من الزجاج القابل للسر ومنافض سجائر و ولاعات ، أو أن نتركه في غرفة تركت فيها الوصلات الكهربائية ملقاة على الأرض. من المؤكد أن الطفل في مثل هذا العمر يكون في حالة استعداد لقفزة كبرى في عمره. إنه يتعلم المشي ، أي إنه ينتقل من الزحف على أربع إلى الوقوف على القدمين . وهي مغامرة كبرى ، ولا مثيل لها في إثباته إرادته. إن الطفل لا يمكنه أن يستمع إلى الأوامر بعدم لمس التحف الزجاجية المنتشرة في المكان الذي يسمح له الأب والأم أن يوجد فيه. إنه أثناء تعلم المشي يجد الحافز الداخلي لإتقان عملية المشي ، وهو سيلمس بالتأكيد كل التحف التي أمامه وسيعرضها للكسر، كما أنه قد يعبث بأدوات الكهرباء وبالأسلاك ، ولن تنفع عندئذ الصيحات الزاعقة التي تحذره ، بمعنى أننا يجب أن ننظف لهم المكان الذي يوجدون فيه من الأشياء القابلة للكسر أو التوصيلات الكهربائية. وقد تقدم العلم فصنع أدوات كهربائية تحمي الأطفال، لا بل إنهم توصلوا إلى صناعة مفاتيح كهرباء تفصل التيار الكهربائي بمجرد لمس أي كائن حي لأي سلك كهربائي. وإذا كانت هذه المنتجات فوق طاقة الأسرة المادية ، فلا أقل من الانتباه جيداً وجدياً لحماية الأطفال من الوقوع في تناقضات الأوامر المتضاربة. إنه يلقى التشجيع حتى يتقن تعلم المشي، ويتلقى في الوقت نفسه الأوامر بعدم لمس الأشياء وإلا سيتعرض للعقاب. إن هذه الأوامر المتضاربة تجعل الطفل يتمرد ويتصرف طبقاً لما تمليه عليه اللحظة، إنه قد يكسر التحف النادرة أو يلمس أسلاك الكهرباء. وقد لا يفعل الطفل ذلك لكنه بالتأكيد يعلن عن ضيقه بالأوامر المتناقضة.
ولنا أن نعرف أن الطفل سيتعلم بالتدريج أن يبتعد عن الأشياء التي لا يجب أن يلمسها. ولكنه لن يتعلم بالصراخ في وجهه . إن الكبار عندما يصرخون في وجوه الأطفال لا يفعلون أكثر من توجيه الدعوة للطفل لأن يتحدى أكثر ، وأن يستمر في السلوك السيئ أكثر . إن الطفل يتمادى حتى يعرف إلى أي حد يمكن أن يصل الصراع بينه وبين الكبار . وفي هذه الحالة على الأب أو الأم أن يتقدم بهدوء لتحذير الابن من الخطر وإبعاد الأشياء الضارة عنه بلون من الحزم وعدم الضيق.
إننا نحن الكبار لا يجب أن نتمادى في الصراخ بالأوامر المتناقضة، لأننا نثير بذلك تحدي الأطفال ونفجر فيهم الميل الطبيعي للدخول في معركة مع الكبار، وبعد ذلك يشعر الطفل بالذنب، كما يشعر الكبار أن في ذلك لوناً من الخلاف يستهلك أعصاب الطرفين معاً، الابن كطرف أول والأب والأم طرف ثان. ثم يشكو الكبار بعد ذلك بمنتهى الضيق من ( أن كل سلوك يسلكه هذا الطفل يسبب لنا الضيق ). والحقيقة هي أن الباعث المسبب لهذا اللون من الضيق هو إغراق الأطفال في التشجيع على لون من العمل كالمشي مثلاً ، في الوقت نفسه الذي يتم فيه إغراق الطفل بالتحذيرات من ألا يفعل كذا وكذا.
والدكتور سبوك يطلب من الآباء والأمهات أن يقوموا بتدريب أبنائهم الصغار على قضاء الحاجة بلون من الهدوء والثقة والاستمرار ، ومع الاستمرار والتكرار يربي الأطفال على التدريب الصحيح ما دام الآباء غير مبالغين في التوتر والانزعاج . وسيضبط الأطفال أنفسهم وهم يفعلون ما يتوقعه الكبار منهم . وسيلاحظ الأطفال أنهم يحظون بامتيازات نتيجة سلوكهم وهم يتصرفون طبقاً لما يتمناه الآباء والأمهات منهم. ويقارن الطفل في أعماقه من ( مميزات العناد وعدم التعاون مع الكبار ) و ( مميزات الطاعة ) وسيجد أن جو الأسرة العاطفي ينسجم بالطاعة أكثر مما ينسجم بالعناد. صحيح أن العناد قد يثبت للطفل قوته فيرى الكبار مترددين وحائرين . وصحيح أيضاً أن الانسجام العاطفي في محيط الأسرة يقول للطفل ( فلنكف عن مضايقة بعضنا البعض. إنك طفل كبير بعض الشيء. والكبار يعرفون استخدام دورة المياه ولا يلمسون الأشياء الخطرة ، ولذلك فعليك أن تسلك سلوك الكبار ) .
وهنا يمكن للأب و الأم أن ينظرا إلى الطفل ويقولا له كلمات الاحترام والحب، وأن يتلقى مكافأة على عدم التمرد. ولا أعني بالمكافأة قطع الحلوى أو الخروج لنزهة ، ولكني أعني بها المكافأة الكبرى التي يتعطش لها الطفل دائماً وهي أن يحس أنه محبوب من أمه وأبيه وأنهما يثقان به.