قصص قصيرة جداً ـــ مهيدي عبد القادر
-1-
(أغنيات حمقى) فيما مضى من الزمن، كان هائماً بها حدّ العبادة.. حبها جعله يستحضر عشرات ((الكاسيتات)) كان في كل
جلسة يسمعها أغنية حب عربية أو أجنبية.. فجأة، غدرت به الحبيبة.. ركلته.. فبات وحيداً كشجرة هرمة في دغل مهجور..
ذات مساء، وبينما كان يرتشف قهوته، سكنه الضجر.. ها هي وساوس حبه القديم تنتشر على سطح ذاكرته بسبب أغنية حب جعلت تصدح من آلة التسجيل.. أغنية ذكرته بالحبيبة الماكرة.. كان دائماً يسمعها إياها.. تملكته الحيرة.. غامت الرؤيا أمام ناظريه.. غمغم:
- ما هذه التفاهة..؟ كيف كنت أحلق بمشاعري مع هذه الأغنية التافهة مثلها..؟
على الفور، وبحركة لا شعورية، دنا من لسانِ آلة التسجيل، أخرس الصوت.. وقرر، دون تأجيل، التخلص من جميع الأشرطة في مكتبته..!
2-(حب كاذب) قال لها: سأرسم وجهك على القمر.. قالت له: سأنقش اسمك على جدار القلب.. فأجابهما الزمن ساخراً: - لا.. أنتما كاذبان.. هل نسيتما أنني غربال الحقيقة..؟!
-3- (بوح)
على أنغام موسيقا (((الفاستو)) الرومانسية، توهجت أحلامهما الوردية.. أخذت الأنوثة الساحرة تعزف بأصابعها الناعمة على إيقاع ((البيانِ)).. بينما تاه هو في غيبوبة فقره.. بغتة، همسته: ((هيه.. شوبنا.. نص الألف خمسمية)). - هه..! صحا مذعوراً من أحزانه المتعبة.. وراحت عيناه تغوصان رويداً.. رويداً في بحر عينيها الزرقاوين.. إلى أن اعتصره نهر من الألم.. ثم همس داخله بحسرة: هل من طريق للوصول إليك..؟ وتابعت حديثها لتغيظه: غداً مسافرة إلى باريس لحضور أعياد الميلاد.. وراحت تبوح له بذكرياتها عن المدن الأوروبية التي قضت فيها -فيما مضى من سنوات- أحلى أيام العمر مع أصدقائها هناك.. بينما راحت أحاسيسه تبوح لأنوثتها الطاغية بالجوع..!! -4-
(لعبة الأصابع) أرقته شفتاها المؤشرتين تأريقاً.. ما عاد يعرف طعم النوم، ولا عاد يشعر بجاذبية الحياة دون رؤياها لقد سرقت منه
أجمل أيام الشباب.. وما صحا من حلمه العسلي إلا وقطار الزمن كان قد ألقاه في محطات الوحدة والوحشة.. في كهوف خريف العمر.. حينها، اكتشف، أن حبيبته كانت تلعب به لعبة ذكية.. فيما بعد صرح لنفسه باسم اللعبة قائلاً: يا لغبائي.. ليتني أدركت سر تلك اللعبة من البداية..؟! لعبة أوحت لي كشاعر بمقطع مكثف لم يخطر على بالي إلا بعد فوات الأوان.. مقطع عنونته بـ (لعبة الأصابع) تقول اللعبة: أصابعي تتقن اللمسات الناعمة.. أصابعها تتقن تفريغ الجيوب..! -5- (تأخير) في باريس، ظفر بفتاة حسناء، تجاذبتهما أحاديث السمر العذبة، والقبل.. لكن وهجه لم يكتمل.. هاهي على عجل تشير إلى ساعتها أن اقترب موعد السفر.. في منتصف الليل، باغتته بالمجيء..! لم ألغيت السفر..؟ - تأخرت عن موعدي.. فتأخر القطار عن موعده.. -عظيم..! وتأخر النوم عن موعده.. وكم تمنى، أن يتأخر الصباح كذلك..!! -6- ( حب ناقص)
أحبها حتى الجنون.. أغدق عليها الهدايا.. منحها ربيع عمره.. كان يعتقد أن حبيبته الفاتنة ستمنحه السعادة. لم تحرك مشاعره -أية فتاة- إلا هي. لذا لم تغادره صورتها في المأكل
أو المشرب.. في الحلم أو اليقظة.. وجهها ارتسم في خياله.. سكنته روحاً ومعتقداً.. وكانت هي تجامله بابتسامة ماكرة، وبخفة روح آسرة..
كانت تقول له: الرجال كلهم سوا.. وأنا خبيرة بنقاط ضعفهم.. أنت تختلف عنهم لوسامتك.. حبها جعله يخسر أهله وأصدقاءه.. الكل نصحه بالابتعاد عنها وما ابتعد: كان معلقاً بها.. إلا أن فوجئ -يوماً-
باختفائها.. الحبيبة غادرت إلى بلد آخر مع ذويها.. لم تودعه.. بل أخبرته فيما بعد أن ينسى ما كان بينهما. مما
جعله.. يُصدم.. فقد ظلّ عازباً منطوياً على نفسه.. لم يهو قلبه فتاة أخرى..
مرت السنون.. انتصف عمر الحبيب.. وطوى الزمن قصته.
ذات نهار، لمح الحبيب عبر زجاج المقهى رجلاً يلف ذراعه خلف امرأة جميلة.. تبادر إلى ذهنه أنه يعرفها..
سأل صديقه: من هذه..؟ تبسم الصديق ساخراً.. هزّ رأسه.. وراح يمجّ دخان نارجيلته للأعلى.. بينما راح هو
يحدّق في الجميلة أكثر.. ثمة، وفهم مغزى ابتسامة الصديق.. لحظتئذٍ انتشرت على شاشة ذاكرته، صورتها الماضية.. فخجل من سؤاله.. ومن مراهقة الأيام..!