دكتور صلاح الراشد يتكلم عن العيش بوعي: الجزء الأول

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : دكتور صلاح الراشد | المصدر : www.arabnet5.com

دكتور صلاح الراشد يتكلم عن العيش بوعي: الجزء الأول

دكتور صلاح الراشد يتكلم عن العيش بوعي: الجزء الأول

بقلم: دكتور صلاح الراشد

البداية تنبيه:

بالأمس شاركت في حديث مطول عن العلماء وسبب قلة وجود علماء اليوم رغم كثرة من يتصف بالعلم، وبعد أن عرّفت العلماء سقط من تعريفنا معظم من يلبس البشت والعمامة والطربوش واللحى والبدلات السود والأغطية البرتقالية .. الخ. برأيي أولاً أن هذا ما لا يفعله الأنبياء ولا العظماء. إن التميز في اللبس قد يكون إيجو لا يفعله الواعون. لو دخلت على محمد صلى الله عليه وسلم فلن تعرفه ما لم يُعرف نفسه أو يُعرفه لك أحد. لو شاركت في مهرجان الجنادرية وأنت لا تعرف الملك عبدالله أو الملك حمد أو الأمير سلطان فلن تعرف من هو الملك أو الضيف. لو دخلت مجلساً للاوتزو فلن تعرف من هو لاوتزو لو لم يُعرفك بنفسه. لكنك لو دخلت أي حلقة علم في أي مكان في الوطن العربي فسوف تعرف تلقائياً من هو الشيخ من خلال تميزه. لو دخلت كنيسة فستعرف القسيس فوراً. لو دخلت معبداً هندوسياً أو بوذياً فسوف تعرف الكاهن فوراً بل تعرفه حتى في وسط المطار. وقل مثل ذلك في السيد من عمامته التي يقول فيها "أنا سيد أنت تابع". والناس، برأيي، مساكين يعيشون في أحلام هؤلاء.

دعني ابدأ مع ملاحظة التالي: إن هذه المقالة قد لا تكون مناسبة لكل الناس. على الجماهير التي "تتبع" أن تستمر في عملها. التقليد والاتباع قد يكون مخدراً جيداً بالنسبة لهم. إن هذه المقالة تصلح لأصحابنا الباحثين عن الحقيقة، ولا يغشهم أحد، ويستمعون إلى القلب ويستفتونه في الخلاف والحيرة، ويؤمنون بأن اليقظة هي من أولى أولوياتهم. لو كان شخص من التُبّع فسوف تستثيره هذه المقالة، مثل غيرها، ولن تضيف له شيئاً جديداً، له أن يستمر على ما هو عليه، لو أحب. إن هذه المقالة، مرة أخرى فقط للذين يفهمون منهجيتنا في التنوير، للذين يحسنون انصات الأفكار والتعامل مع مشاعر التأنيب والخوف، للذين يعرفون كيف يوقفون أفكارهم ويسمعون لحديث قلوبهم .. لهذا على القارىء الكريم مراعاة مرحلته في الوعي. معرفة مرحلتك بحد ذاتها وعي وقوة. إن هذه المقالة تصلح لمن وصل على الأقل الفصل العاشر من المنهج التأسيسي (
http://www.Joy12Club.com/). لو لم تصل وأحببت أن تقرأها، افعل لكن عاود قراءتها مرة أخرى بعد أن تنتهي من المنهج التأسيسي كله (السنة الأولى).

تنبيه آخر: إذا كنت ستقرأ هذه المقالة الآن فاقتراحي لك أن تتنفس نفساً عميقاً تسأل الله سبحانه من أعماق قلبك أن يريك الحق حقاً ويرزقك اتباعه، لا تدعو من عقلك. واقرأ وأنت متفتح، واقرأ من قلبك، حافظ على تنفس هادىء، تجنب الانفعالات في القراءة. إن التشنج في القراءة أو التعلم يصد التلقي السليم، ويمنع الحق من الوصول. إن كل إنسان لديه حق فاتبع الحق ولا تتبع أحداً. أنا لدي منهجية في التعليم، وأعلم طلبتي باتقان، وأجفو عليهم أحياناً بالذات المقربين، واطلب منهم التنفيذ والتدرب والتحمل، لكني لا أقبل متبعين، المتبعون، بالنسبة لي، عميان، أغبياء، سذج، مضرون على المدى البعيد. إن الاتباع يكون فقط لله ولرسله. وأكثر التُبّع (بضم التاء وشد الباء) الذين يزعمون أنهم من أتباع النبي هذا أو ذاك (عليهم صلوات الله وسلامه) ليسوا كذلك، هم أتباع لمن يزعم أنه تابع لنبي. لو صار لصلاح الراشد أتباع بعد مائة عام فأنا أقول لهؤلاء الأتباع بأنكم أغبياء، غشوكم كما غشوا الأتباع الحاليين للشيخ فلان وجماعة فلان وطريقة كذا وفكر كذا. الأتباع تخلوا عن أرواحهم وعقولهم وقلوبهم! غشوهم! أخذوا الأفيون - كما يحلو لماركس أن يسميه. ورغم أن ماركس (Marx) لا يحمل الحقائق معه، ولم يكن ممن يستمع إلى قلبه، بل سلك المسلك نفسه في حديث العقل، وكلام الفلسفة الذي لا يسمن من جوع، إلا أنه كان أقرب للصواب من جل كلام المشيخة والكنائس والمعابد الذين يزعمون القرب من الله، ويأخذون دوره.

متى يكون الدين خطراً؟
إن أي فكر أيديولوجي (عقدي) فهو خطر. لأن الفكر الأيديولوجي يعزز فكر أن هناك خالقاً قوياً نافذاً حياً وأنه ١- .. ٢- .. ٣- ..، وأنه يحبكم وسوف يكافؤكم في حالة ما إذا قمتم بالتالي: ١- .. ٢- ... ٣- ..، وأنه يطلب منكم التالي: ١- ..٢- .. ٣- ..، بختصار المعادلة كالتالي: هناك إله = يريد منكم التالي = سوف تحصلون على التالي. المعادلة صادقة غير أن ١- .. ٢- .. ٣- .. هو ما يحدده هؤلاء وفقاً لفهمهم أو مصلحتهم!

إن اليهود (ليس موسى عليه السلام) يقولون لهم إن هناك رباً قوياً منتقماً جباراً يفتك بشعوب الغوييم (من ليسوا يهوداً) فهم ملعونون بجيناتهم النجسة، فطيعوا الله بقليل من العبادات وكثير من الكراهيات والعنصريات ولكم بذلك الجنة في الآخرة والدولة والعزة في الدنيا. المسيحيون (ليس عيسى وحوارييه) يقولون للناس أن هناك رباً رحيماً ضحي لكم بولده المفضل فأنزله إليكم، فاهدوا الشعوب الضالة (من لم يقبلوا الخلاص بالمسيح) فهي شعوب ضائعة، وذكروا الله بقليل من العبادات والسلوكيات وكثير من الماديات ولكم بذلك الخلاص الأبدي والنعيم السرمدي. والمسلمون (ليس محمداً وأصحابه) يقولون للناس أن هناك رباً كريماً قوياً محباً منتقماً يكرم أولياءه ويقصم أعداءه، يقبل من قبل الإسلام ويخلد في النار من لم يقبله، فاذكروا الله كثيراً وتجنبوا الماديات وجاهدوا الكفار (كل غير المسلمين) حتى يصبحوا مسلمين، ولكم جنة عرضها السموات والأرض فيها الحدائق والحور والغلمان. والبوذيون (ليس بودا نفسه) يقولون للناس أنه ليس هناك إله، ولا يوم آخر، ولكن هناك طاقة كونية واحدة تعيد تشكيل نفسها، والأرواح تتنقل فيها، وفقاً للكارما التي يدفعها الإنسان بناء على عمله الأخير (خواتيمه) فاجتهدوا أيتها الأرواح في العيش بسلام وسعادة وبعد عن الماديات وركزوا؛ فهذه الأديان مزاعم وهم يدفعون الكارما في النهاية وترجع أرواحهم مضرة مرة أخرى بسبب عدم طهر نفوسهم. والهندوسيون (ليس كرشنا) يقولون أن الإله واحد لكنه متعدد الأوجه والنوايا والمقاصد فهو بألف وجه؛ لكل وجه منها إله يمثلها، براهما إله الخلق وفيشنو إله الحفظ وشيفا إله الدمار المنتقم (مش حافظ الباقي)، فاعبدوا الإله ذا الصفات المتعددة وفق أحتياجكم فإذا أردتم الانتقام فاعبدوا شيفا وإذا أردتم الأولاد فاعبدوا جانيش .. الخ. واقبلوا مرحلتكم التي أنتم فيها فهذه كارما لما عملتموه في السابق، واعلموا جهل هذه الأديان الأخرى، واعبدوا الكهنة البراهمة فهم خلفاء الله العظيم في أرضه، وانقادوا لهم في السلم والحروب تفلحوا.

نفس القصة .. مكررة .. بألوان مختلفة. فالمسلمون كأنهم يعبدون السادة والمشايخ في العمق لأنهم تجردوا من التدبر بأنفسهم "وحطها براس عالم تطلع سالم"، والمسيحيون يعبدون القساوسة فهم الذين يفسرون لهم الدين وهم صلتهم بالله، واليهود تُبّع للحاخامات مثيري الفتن ومشعلي الحروب وناشري الكراهيات، والبقية على المنوال، (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة/31).

ويجب أن تعرف أن الله برىء من هذا كله وأنبياؤه كذلك. حاشى لله أن يكون هو ما يدعوا إليه هذا الذي عليه المسلمون اليوم أو المسيحيون أو اليهود أو الهندوس أو البوذيون أو الملحدون .. وما أرحم الله وأعدله وأكرمه وأحلمه في صبره عليهم ورأفته بهم. الكل يعرف عن الله، لكنهم يقيناً لا يعرفون الله. هم يعرفون عن الله (ما سمعوه وتناقلوه) لكنهم لا يعرفون الله. هم يبحثون عن الله في عقولهم، فيشكلونه كيفما يشاؤون. والله سبحانه وجل شانه ليس في عقولهم، والعقل ليس وسيلة لمعرفة الله كما يشاع، بل القلب هو وحده لغة فهم الله ووجوده.

إنك عندما تقنع الناس بإيديولوجية (عقيدة) معينة سواء كانت منحرفة وخطرة مثل عقيدة "سلاسة الأري" التي تبناها هتلر أو محترمة وفاضلة كتلك التي جاء بها الأنبياء ثم تطلب منهم باسم الله أن يقتلوا ويسفكوا ويكفّروا ويفسّقوا فإنه هنا مكمن الخطر. وهذا ما حصل في فكر القاعدة عند المسلمين وأشباهه المنتشرة حالياً، وفكر الصليبيين عند المسيحيين وأشباهه المنتشرة حالياً كذلك، وفكر الصهاينة عند اليهود وأشباهه، وفكر المتطرفة من الهندوس والبودا والملاحدة وغيرهم. إن الإلحاد كذلك فكر إيديولوجي؛ فهو كذلك فكر يدعو لأمور ويواجه من خلالها الناس.

أين الحقيقة؟؟
ما كان عليه الأنبياء السابقون وما عليه العلامات الحاليون يبدو للقلب مريحاً. أنا عندما أقرأ ما كتبه لاوتزو مثلاً أشعر باليقين والتناسق والتوافق والتكامل والإيمان .. ينتابني شعور طيب جداً .. وعندما أقرأ القرآن الكريم متجرداً من فكر المفسرين ومنهجية المشايخ والدعاة أشعر بالتناسق، أشعر أن الله يكلمني، أصل للعمق الذي يبكيني ويضحكني ويلمس عمق روحي الأصلي، أنا عندما أقرأ في الأنجيل دون تفسيرات القساوسة وتشويهات المناظرين أشعر بالإنسجام .. أقرأ الله بين السطور، أرى الرحمة والعدالة والصفاء. أنا عندما أسمع لهيكز تبتهج روحي وترتفع ذبذباتي وتطرب نفسي وأقول ما أجمل الحياة! وعندما أسمع لديباك تشابرا أشعر كأن نبياً يتكلم، كأنه بقايا من أهل العلم القديم، يخترق كلامه القلب. أنا عندما أقرأ لأوشو ألتمس بروحه الصدق والشفافية والقوة والانسجامية. أنا عندما أقرأ لمحمد صلى الله عليه وسلم: "استفتي قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك" بعمق وتنفس هادىء أجد الطريق. إن هذا الحديث طريقك إلى الحق، طريقك إلى الحقيقة. ما أكثر الإفتاء. غزو فضائي. أنا لا أخشى على الناس الرقص والمجون والفجور والأفلام الخليعة .. الخ. لكن أخشى عليهم مفتي يريد أن ينسف الكعبة ليرتب موضوع الاختلاط، أو شيخ يفتي بكفر من رأى بالاختلاط فيثير الفتنة على الملك في السعودية الذي أمر بجامعة تجمع الشقائق معاً، أو داعية يأمر بقتل ميكي ماوس!، أو من يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة مرموقة يرى بكفر البرمجة والتنويم والفنون الذاتية الحديثة، أو من يدعو لكراهية البشرية وقتال غير المسلمين .. وأمثالها من الدعوات والفتاوى السخيفة والتي تنم عن ضحالة التفكير وقلة الوعي وأكذوبة الدين الذي هو غطاء للقبلية والعنصرية والشعور بالاضطهاد والمرارة الداخلية والتربية القاسية والفشل الأسري والتأنيب المستمر في الطفولة والأمراض المتكررة، فتاوى جاء بها سيكوباثيون (المرضى النفسانيون) ينفسوا بها ما فيهم! وكل دعوة للكراهية والعنصرية والتفرقة والتكفير والتفسيق والقتل فهي باطلة وهي يقيناً جانبت الصواب.

ورغم أن قرابة الست مليارات الآخرين يعيشون نفس المعاناة إلا أني يهمني من أخاطبهم وهم 360 مليون عربي. فما ينطبق عليهم ينطبق على غيرهم. هؤلاء الـ360 مليون، منهم تقريباً 300 مليون مسلم والبقية مسيحيون في الأغلبية وعدد قليل يهود وصابئة وبعضهم ممن لا ينتمي لدين. حديثي للمسلمين الغالبية والمسيحيين واليهود والصابئة والذين لا ينتمون للدين، حديث القلب: هل هذا حقاً ما دعا به محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل هذا ما دعا له عيسى عليه السلام؟ هل هذا ما دعا له موسى وإبراهيم؟ هل هذا ما دعا له العلامات العقلاء في الأزمان؟ (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة / ١١٣) ولفظ (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) هم غير النصارى واليهود! فالآية شاملة. كل يخرج الآخر من الحقيقة، والله يقول لهم: (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) .. (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟!!) (محمد/٢).

أين مكمن الخلل؟
سألت علامتي هذا الكلام وأنا في حيرتي في بداية تعلمي. فأفادني بدقائق ما تفكرت فيه سنوات.
إن كل نبي كان صادقاً، من لاوتزو وحتى محمد عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه. كل العلامات الذين عاصروهم أو أخذوا عمق رسالتهم كذلك صادقون ورسالتهم (دعوتهم) نافعة وحقيقة. لكن يجب أن تعلم أن الخلل يحصل دائماً من النقلة والأتباع، أو من يزعمون أنهم أتباع. عليك أن تنتبه أن كل المشاكل التي تعاني منها البشرية هي من "الأتباع"! لم يحدث أي نبي مشكلة في البشرية. لم يحدث أي شخص مستقل بفكره ولو كان ملحداً أي مشكلة في البشرية. إن الذين يحدثون المشاكل هم "الأتباع"؛ لأن الأتباع لصوص يريدون أن يركبوا على موجة التيار القوي الموجود ويستفيدون منه لصالحهم، سواء بشهرة أو جاه أو مال أو نفوذ .. قال لي مرة شخص: هذا الشيخ الذي يقرأ على الناس صادق لا يريد المال، ويعمل ذلك لوجه الله، ألا تراه لا يأخذ مالاً؟ فلما انتهيت من الصلاة رأيت الناس تركض إليه، تقبل يده وتطلب منه المساعدة وتبكي عنده، وتلاحقه وإلى البيت الذي كان يقرأ عنده! فسألته: لماذا تعتقد أن جاسم الخرافي أحد أبناء محمد عبدالمحسن الخرافي الذي تقدر ثروته بـأثنين مليار دولار أمريكي (2,000,000,000$)، ويقدر راتبه السنوي دون أية ريحية بمائة مليون دولار، ينزل الانتخابات ليكون عضواً أو رئيساً لمجلس الأمة، وهو يقيناً يستطيع أن يخدم بلده وأمته بل والبشرية أكثر من موقع آخر؟ الجواب: أنت لا تتخيل نشوة أن يكون الرجل في المنصب الثالث في البلد والممثل الأول للشعب ويحمل المطرقة التي تسكت الأعضاء والحكومة معاً! هذا جاه. هذا منصب. بعض الملياديرات ينفق ملايين ليكون شيخاً أو منفقاً معروفاً. هناك مليادير صرف مليار دولار على قنوات فضائية لم تحقق أية ربحية! لماذا؟ هذا جاه. هذا منصب تأثيري. هناك ابن عائلة كريمة غنية كسبت أموالها من الحلال، رمم أبوهم المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، الوحيد في البشرية الذي صلى في أسبوع واحد في المساجد المقدسة الثلاثة. هذا الابن الذي ساهم أبوه في بناء المساجد المقدسة وشوارع المملكة، وشركته اليوم هي المسؤولة عن توسيع شوارع دبي ومطار دبي الدولي وشوارع مكة والرياض والبنيات الضخمة، سليل هذا العمل يدمر كل يوم مبنى في العالم هو وأتباعه ويفخرون بإسقاط ما يعمره الآخرون. الأب وأبناؤه البررة يبنون والابن يدمر؟ لماذا؟ الجواب: لا يمكن أن تتخيل مدى الشعور الذي يشعره إنسان كان واحداً من بين ثلاثين عضواً في عائلة وأصبح قائداً يدافع عن الدين والمظلومين، ويقود المجاهدين، ويرد عليه كبار ساسة العالم وباسمه!

لا تستطيع أن تتخيل ماذا يفعل الناس ليقولوا "نحن هنا"؟ الرجل الذي قتل جون لينون فعلها فقط ليقال!! لا لأي سبب آخر. إن الرجل الذي بال في بئر يشرب منه آلآف الناس فجاء به الخليفة فسأله عن السبب، فقال: لأدخل التاريخ!! قال له الخليفة: لقد دخلت التاريخ من أسوأ أبوابه. أنت لا تتخيل مدى الشعور الذي يشعره صدام، ذلك الولد المشرد، الذي جلبت له أمه أكثر من أب مضطهد، ونشأ في بيئة يضطهدها العراقيون، وترفضها القبائل العنصرية، وهو جندي مسحوق، عندما كان يأمر بسفك هذا وقتل ذاك وغزو أولئك، والعالم يتحدث عنه والسفهاء الكثر اليائسون، الذين مروا بنفس وضعه، ينظرون إليه كبطل.
إن في عمق صدام وأسامة والشيخ فلان والداعية فلان روح كريمة وأصل طيب عليه غشاوة من اللاوعي.

جاء رجل إلى هاجرجونا - أحد أنبه تلاميذ بوذا حيث أعجب بمنهجيته وطرب لكلامه وشعر بمصداقيته. قال له: يا علامة أنا أريد أن أكون أحد تلامتذك. رحب به العلامة هاجرجونا كعادته وطلب منه أن ينضم للموجودين. قال له الرجل: لكني أريد أن أصارحك حتى تكون على بينة. أنا لص وأسرق، ومستمر في السرقة، ولن أتراجع عن هذا، هذا قدري وأنا رضيت به، وسوف أستمر عليه. قال له العلامة: أنا لا أسرق، وهذا أمر لا يهمني. قال له الرجل: كل رجل دين من الكهنة أو القساوسة ذهبت له قال لي نفس الكلام: امتنع عن السرقة ثم تعال لي. قال له العلامة: أنا لا أسرق، وهذا أمر لا يهمني. مايهمني تعليم نفسي وأحبائي العيش بوعي. قال له الرجل: طيب. أنا سأكون أحد طلبتك. أطلب مني ما تشاء لكن لا تطلب مني الكف عن السرقة. قال له العلامة (للمرة الثالثة): أنا لا أسرق، ولا يهمني ذلك. أطلب منك فقط عندما تعمل أي شيء للأيام القادمة اعمله بوعي. فقط اعمله بوعي تام بما تقوم به. تواجد في اللحظة تماماً. ضحك الطالب اللص ولم يدرك الحيلة. بعد ثلاثة أسابيع رجع الرجل للعلامة ووجهه بغير الذي ذهب فيه في المرة الأولى. قال له: لقد خدعتني. هل تعرف أني بالأمس تسللت لقصر الملك ولخزينته، وهو أمر أخطط له من سنين، حتى أصبح غنياً للأبد. لما قربت من الخزينة وكنت في الأيام الماضية أفعل كل شيء بوعي تام، فاستشعرت حلاوة الوعي (اليقظة)، فلما قربت من الخزينة رأيت الغنى والمجوهرات وبيتي الكبير وحياتي المرفهة ثم لما عشت اللحظة بالوعي التام بدت لي المجوهرات أحجار عادية والخزينة صندوقاً خشبياً .. والغنى لا يساوي شيء في ظل هذه اللحظة الواعية الصادقة .. تراجعت. ثم عشت الحلم فبدت لي المجوهرات والغنى. ثم وعيت فبدت لي جمال اللحظة ورخص هذه الأشياء فتراجعت كلياً. تبسم العلامة وقال له: أيضاً الخيار لك. لو أردت أن تعيش بوعي أو تعيش بلا وعي فالخيار كذلك لك. قال له الرجل: من جرب العيش بوعي لا يستطيع أن يرجع ميتاً! (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام/122).

العيش بوعي:
عمق رسالة كل نبي وكل علامة في هاتين الكلمتين: "العيش بوعي". الناس نيام. يولدون ويموتون وهم نيام. قليل جداً من استيقظ من نومه. لا يغرك فتح العيون والمشي. كثيرون يمشون وهم في النوم. غالب الناس في حلم. يُشبه أوشو الحياة عند غالبية الناس بالحلم الذي يراه الإنسان وهو نائم. عندما تكون نائماً وأنت تحلم فقد ترى زوجتك ثم تتحول إلى حصان مثلاً فلا تسأل لماذا صارت حصاناً؟ وكيف إمرأة تصير حصاناً في لحظة؟ آنت لا تعي ذلك في الحلم، فقط تتعامل مع الموقف، وتمضي في الحلم. في الحلم ممكن أي شيء يصير ولا يهم ما تعمله. في الحلم لا حقائق. أنت فقط تنساق وراء تفاصيل ومجريات الحلم بلاوعي. كم إنساناً تعرفه يعيش هكذا؟! ابدأ بتفحص نفسك. الناس في حلم. يصدقون الدعاة والقساوسة والمشايخ والكهنة والسياسيين والدكاترة والأخبار والأطباء .. مساكين .. في حلم .. أي شيء يطرأ لا يعونه! أي شيء ممكن يحدث. أي شيء ممكن يصير وسوف يتعاملون معه. عيش بلاوعي!

هذا أسوأ شي ممكن يحصل لك في حياتك. أن تعيشها بلا وعي. أن تعيشها تبعاً لأحداث يصنعها لك آخرون. أنا أقول لك: خالفني، خالف رأيي، اهجرني، اكرهني .. بس اعملها بوعي. أعملها من قلبك ليس من خوفك، من برمجتك، من أفكارهم التي زرعوها فيك فغشوك. اعمل كل ما تريد عمله لكن بوعي. لا يقع الواعي في الخطيئة. لا يقتل، لا يسرق، لا يغضب، لا يكفّر أحداً، لا يحكم، لا يأخذ حقوق البشر، لا يتعدى الدور في الصفوف، لا يعتدي على الناس، لا يُكفر، لا يُلحد، لا يضر الحيوانات، لا يتلف البيئة .. بدلاً من أن تعطيه كتاب "الكبائر" للإمام الذهبي علمه العيش بوعي ولا حاجة له بهذا الكتاب الذي قد يكون أقرب إلى اليأس منه للإيمان. بدلاً من أن تتدارس معه كتاب "إصلاح المساجد" للحارث المحاسبي دعه يصلي بوعي، ولا حاجة له بهذا الكتاب الذي هو إلى الإحباط منه أقرب من الصلاح. قبل أن تجعله يتعمق في كتاب "إعلام الموقعين" لابن القيم أو "الموافقات" للشاطبي قبل الإفتاء اجعله أولاً يتعلم الحديث بوعي والافتاء بوعي. إن المفتي الواعي لا يفتي بقتل ميكي ماوس وكفر البرمجة وهدم الكعبة لمنع الاختلاط وتكفير من رأي بالاختلاط واستتابته وجواز قتل المتترسين حتى راح ضحايا هذه الفتوى عشرات الآلآف من العراقيين والسعوديين والمغاربة والمصريين. هذا يعملها مفت غير واعي يعتقد دون وعي أنه متجرد، مثل وعيه كمثل اللص الذي جاء للعلامة، مع فارق التشبيه.

كيف أعيش بوعي؟
عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها" (رواه أحمد وأبوداود). ليس له منها إلا ما وعى! ما يقال عن الصلاة يقال عن بقية الأعمال الشرعية والحياتية. الخشوع عمق الوعي. أعمل كل شيء بخشوع أي بحضور تام. عندما تقرأ فقط خليك في القراءة. عندما تكون في العمل كن في العمل 100% لا تفكر في البيت. عندما تلعب مع أولادك كن معهم 100%. عندما تكون مع زوجتك كن متواجداً في اللحظة 100%. عندما تشاهد فلماً عش اللحظة في الفلم 100%. عندما تقرأ القرآن الكريم امتنع عن التفكير في كلام المشايخ والمفسرين والشعور بالتأنيب ورؤية نفسك في كل آية. عش سريان القرآن الكريم وسياقه وطاقته. عندما تسمع أغنية أو موسيقى ارمي فتاوى المشايخ بحراً ولا تشعر بتأنيب ولا يخدعوك بقولهم لا يجتمع قلب يقرأ القرآن ويسمع الأغاني. استمتع باللحظة، اطرب، عش الموسيقى. عندما تكتب قبل أن تكتب عش اللحظة 100% اعمل تواصل مع المعنى جنب التفكير جانباً. عندما تقود السيارة قدها 100%. عندما تمشي تحسس رجلك على الأرض، لاحظ الأزهار والآشجار أو الطبيعة حولك، راقب تنفسك، تحسس جسمك. عندما تذهب للحمام بالذات للغسل انتبه لما تقوم به .. كن واعياً، تحسس جسمك كله. عندما تأكل - مهما كان ما تأكله - كله بمتعة وبوعي .. تلذذ فيه، استطعمه، اشتمه، تذوقه، اهضم ببطىء، لا تبلع وتدفع! لا تآكل أي لقمة جديدة حتى تنتهي من الأخرى بالكامل. لا تشاهد التلفاز. لا تقرأ. لا تتحدث بكثرة. فقط ركز على الأكل. عندما تشرب الماء، الله .. الله .. أجمل لحظات الحياة .. اشربه بوعي وحب وسلام .. عندما تحزن احزن يوعي .. عندما تغضب اغضب بوعي .. عندما تقرر أن تسرق آو تفجر أبرياء في قهوة في سوق في وسط بغداد أعمله بوعي .. عندما ترغب في المقاطعة أو حرق علم دولة أو تدمير سفارة أجنبية أو عمل حملة الدفاع والكراهية والغضب على أي أحد اعمله بوعي .. أي عمل تريد القيام به اعمله بوعي. افصل الماضي والمستقبل منه. تواجد في اللحظة. استشعر قلبك. هذه الاستراتيجية لو عمل بها البشر فلن يوجد حزن ولا سرقة ولا تفجير ولا ارهاب ولا يوم غضب ولا يوم حداد ولا يوم حزن على الإمام الحسين ولا يوم ذكرى حرق المسجد الأقصى ولا يوم مقاطعة ولا يوم كراهية .. سيتواجد فقط يوم الاحتفال بمولد نبي البشرية (صوم الاثنين قال: "ذاك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه") (رواه أحمد وغيره)، عيد الأضحى، عيد الفطر، يوم الاحتفال بعاشوراء (لما قال اليهود: "هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون ونحن نصومه تعظيما له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن أولى بموسى منكم وأمر بصيامه ". رواه أبوداود وغيره)، يوم السلام، يوم البيئة، يوم الأرض ..
إذا أوجدت الوعي باللحظة في أي موقف زال الشر والضرر والغضب والكره والمرض .. لا يتواجد الإثنان معاً. إن الوعي مثل النور. عندما يتواجد يتسرب الظلام! عندما يتواجد الوعي يتسرب الغضب والكراهية والشر والإضرار والعنف والاضطهاد .. لا تتواجد الشياطين وطاقاتها في بيئة وعي. عندما يأتي الوعي تجد الجاندرية وملكان يرقصان ويفرحان ويبتهجان فيثير ذلك الأمن في البلاد والاطمئنان وتشجيع الفن الراقي .. عندما يزول الوعي تصدر فتوى بهدم الكعبة لترتيب أدوار فصل النساء والرجال وهذا الهوس في فصل الجنسين كأنهم نجس بالقرب .. عندما يأتي الوعي تقف الإدارة الأمريكية في وجه الإدارة الإسرائيلية وتصر على طلباتها وحقوق الفلسطينيين، عندما يزول الوعي تراعي الإدارة الأمريكية اللوبي اليهودي في الداخل وكذبة الصديق الاستراتيجي الدائم .. عندما يأتي الوعي اعطي كل ذي حق حقه، عندما يزول الوعي لا أستطيع أن أفصل بين لحظة متعة وبين التفكير في شيء سلبي حالياً أو في موقف في الماضي (الماضي أي شيء مضى عليه ربع ساعة). عندما يأتي الوعي يستقيل بيل جيتس (Gates) من رئاسة الشركة ويكتفي بالمال الذي جمعه ويتبرع بنصف ثروته التي جمعها لمؤسسة خيرية يديرها هو وزوجته للعمل في أفريقيا وآسيا، وعندما يزول الوعي ينفق مليونير سعودي أموال أبيه التي جمعها بالحلال في تدمير البشر باسم الدين. عندما يأتي الوعي يكتب أندرو كارنيجي أغنى رجل في القرن الماضي: جمعت هذه الأموال كلها في نصف حياتي الماضية وسأعمل على صرفها في الخير في النصف الثاني من حياتي، فينشأ في كل مدينة صالة للتدريب والتعليم وبعثات دراسية ويدفع لنابليون هيل كل ما يحتاج ليألف كتابه "Think & Grow Rich" والذي فيه سر كيف تصبح غنياً مثله لو شئت، وعندما يزول الوعي تحجب ناشرة كتاب السر (The Secret) كلمات وأعمال هيكز وهي صاحبة الفضل في كل العمل من بدايته لنهايته! عندما يأتي الوعي تتأسس دولة الكويت ويطلق الرجل الأول فيها بأن اسمه صباح بن جابر فقط عندما يزول الوعي نصير نحن عنزة ركن القبايل ونحن شمر قوة العرب ونحن مطير حمر النواظر ونحن عتيبة فخر العشاير .. (الخ. مضيعة الوقت هذه) .. عندما يأتي الوعي يقف وزير الإعلام الكويتي حفيد الشيخ أحمد الجابر شيخ الخير الذي اكتشف النفط في زمنه، وابن حفيد مؤسس الدولة المعاصرة الشيخ مبارك، يشتمه ويسبه عضو لم يحسن استخدام الألفاظ ولا تأدب في الكلام فيرد عليه بكل احترام وتقدير وتواضع .. وعندما يرول الوعي يصير هم النائب محاربة الحرية في البلاد!

مختصر سمات الوعي:
لو كان للوعي سمات وصفات فستكون كالتالي:

1. التركيز والعيش في اللحظة: هذا يعني التواجد الكلي في اللحظة. كل الحواس الموجودة بما فيها السادسة متواجدة وحية وفعالة.

2. توقف التفكير. الوعي والتفكير مثل النور والظلام. لا يتواجدان مع بعض. طبعاً المقصود بالتفكير هنا السرحان في شيء آخر غير الذي أنت متواجد فيه

3. عدم دخول عقدة الزمن: الماضي والمستقبل في التفكير. إذا كنت في اللحظة فلا ماضي ولا مستقبل. إذا كنت في التفكير ففيه ماضي أو مستقبل أو الأسواء الأثنين معاً.

4. شعور الوعي مختلف تماماً. انسجام، تواجد، حضور، تكامل، تنوير. شعور اللاوعي دائماً سلبي.

5. الوعي تسليم للحظة، إيمان. اللاوعي خوف، قلق، قلة إيمان.


كيف أرجع للوعي عندما أفقده؟
عندما تخرج من الوعي فهذا يعني بدأ التفكير في الماضي والمستقبل والأمكنة الآخرى غير هذا المكان الذي أنت فيه .. الخ. للعودة ببساطة: الآن وهنا Here & Now دون أي دراما. تجنب دراما التأنيب والشعور بالفشل والملل والاحباط .. الخ. فقط ارجع للحاضر واللحظة ولا تختلق دراما. هذه استراتيجية العقل في العرقلة، فانتبه.

ماذا بعد هذه المعلومات؟
أنا انتهيت بفضل الله من وضع الخطوط العريضة للمنهج المتقدم في نادي جوي١٢ والذي سيناقش هذا الموضوع بالتطبيقات والعمق باذن الله. أقترح علي أصدقائي المستكشفين (هكذا نسميهم في النادي في السنة الأولى) التهيأ للمرحلة القادمة الأكثر عمقاً والتي ستنقل النظرية إلى واقع يومي وحياتي بإذن الله وتوفقيه. تحتاج تعلم المبادىء الرئيسة أولاً قبل الدخول في المنهج المتقدم (
http://www.joy12club.com/).