النظرة الأولى يحدث فيها الإعجاب والميل والانطباع الجيد، وقد يتحول بعد ذلك إلى حب إذا حصل التلاقي بين الأرواح والتوافق، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، والفتاة العاقلة تطلب في الرجل دينه وخلقه وقدرته على تحمل المسئولية ورشده وعقله قبل شكله وجيبه، وذلك لأنها تشرك عقلها مع عاطفتها بل وتقدمه. والحب الشرعي هو الذي يحصل بعد الرابطة الشرعية، وهو الذي يصمد أمام تقلبات وعقبات الحياة، وهو حب يعلن عن نفسه حيث يتقدم الشاب لطلب يد الفتاة من أهلها ويعلن ذلك لأنه ميل ختامه الزواج وعلامة صدقه الصداق، وتبدأ بتحمل المسئولية فيه الإعلان وترجمته الخوف عليها والحرص على صيانتها والرغبة في صلاحها، وهو حب يدور في فلك المحبة لله التي هي الأساس وهو بذلك لا يشغل عن الله ولكنه يحتكم لشريعة الله. فإذا ادعاء التفكير الدائم والهيام ومحاكاة ما يفعله اللئام لا يدل على صدق المحبة؛ بل قد يدل على الكذب والمداهنة وكثيراً ما ينقلب إلى عداوة، وكثيراً ما يصاب بالاضطراب إذا بني على مجرد المظاهر والكلام المعسول الذي أصبح يجيده كثير من الكذابين فإذا نالوا بغيتهم ظهروا على حقيقتهم، ولكن الحب الحقيقي عمره طويل وثماره يانعة فهو يمتد بعد الوفاة ليكون دعاءاً ووفاءً ويصل الدنيا بالآخرة ليكون اللقاء في جنة الله كما جاء في كتاب الله: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }. وهو كذلك حب واقعي يقبل بالشخص بإيجابياته وسلبياته فلن يجد الرجل امرأة بلا عيوب، ولن تفوز الأنثى برجل ليس فيه ما يعاب، ولكن كفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه. الصواب إذن أن نتأمل ما يتقدح في النفس من انطباع وميل ثم تجاوز تعميق المعرفة بالسؤال، وذلك لأن جمال العلبة التي توضع فيها الحلوى لا تدل بالضرورة على جودتها، فإن حصل تردد وانكماش بعد ذلك نظرنا في الأسباب واستخرنا من بيده الخير والصواب وشارونا الصادقين الأحباب، ولا بأس بعد ذلك في الترجيح بين الإيجابيات والسلبيات ثم التوجه إلى رب الأرض والسموات، ولن يحصل الانفصال بسهولة إذا قامت العلاقة على الطاعة والوضوح. مع مراعاة قواعد الحكم على الخاطب، وهي تدينه وخلقه، ولا بد من التركيز على الأخلاق بعد الدين، لأن الخلق هو عنوان التدين الصحيح. ونسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به وأن يلهمك السداد والرشاد!