التسريبات الواردة من تل أبيب تؤكد أن حالة من الغليان داخل الأوساط الإسرائيلية علي مصر الثورة بعد توقف إمدادات الغاز الطبيعي وإصرار الجانب المصري علي إعادة التفاوض مرة أخري لزيادة الأسعار.
ساسة الدولة العبرية يحرضون صراحة علي الحرب وقلة العقلاء هناك يطالبون بالتلويح بها فقط كإحدي أوراق اللعبة مع القاهرة والعرب.
تنبهت إسرائيل لخطورة الثورة في مصر بعد اختيار الدكتور نبيل العربي وزيرا للخارجية قبل انتخابه أميناً عاماً للجامعة العربية.. العربي أطلق تصريحات تحرض علي إسرائيل وتدعو إلي المصالحة بين فتح وحماس، ليتحقق إتمام المصالحة بين الفصيلين فعلا في سرية تامة.
ويدعم السسياسيون في إسرائيل اتجاه تصعيد اللهجة ضد مصر، خاصة بعد إعلان القاهرة نيتها فتح معبر رفح بشكل كامل وفتح المعبر بالفعل، ليصبح المجتمع الإسرائيلي محرضاً يومياً علي كراهية مصر والتأكيد علي انها لم تعد ملتزمة باتفاقية السلام مع إسرائيل وأن المعاهدة صارت بلا قيمة حتي أن حزب »إسرائيل بيتنا« اليميني دعا بشكل رسمي إلي احتلال سيناء زاعما أنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الإسرائيلية التي أوصت التوراة شعب اسرائيل باحتلالها.
الخطير في الأمر هو ما نشره موقع »نيوز وان« الإخباري الإسرائيلي وأعادت نشره صحيفة »دنيانيوز« العمانية نقلا عن أحد المصادر الاستخباراية الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصل بالرئيس الأمريكي باراك أوباما بداية الأسبوع الحالي وأبلغه برفض اسرائيل المطلق أن تكون مصر في مهب الريح وأن إسرائيل التي ضبطت نفسها طوال الأيام الماضية قد لا تبقي إلي ما لا نهاية وأنها قد تلجأ إلي حلول دراماتيكية إذا اقتضت الضرورة منها إعادة احتلال سيناء وخلال أيام قليلة إذا لم تتوصل الحكومة الأمريكية إلي حل يعيد الأمور إلي نصابها.
وبحسب الموقع الإسرائيلي فإن أوباما قرر الاتصال بالعديد من الدول العظمي لمحاولة إيجاد مخرج للأزمة بأي ثمن بما يحافظ علي أمن إسرائيل في سيناء ومحاولة غلق معبر رفح، كما كان في الماضي حيث اتصل أوباما بالرئيس التركي عبدالله جول والسعودية إضافة إلي رئيس وزراء بريطانيا، مؤكدا ضرورة التدخل لتهدئة الجانب المصري الإسرائيلي خاصة أن المنطقة غير مهيئة لنشوب حروب حاليا.
ليس هذا فقط بل أن القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي نقلت عن مسئول رسمي في تل أبيب وصفته بأنه رفيع المستوي قوله إن مصر أصبحت خطراً كبيراً علي أمن الدولة العبرية الإستراتيجي خاصة بعد التغيير الأخير في سياستها الخارجية وفتح، معبر رفح لافتا إلي أن أمن إسرائيل خط أحمر وطالب المسئول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بتحجيم تلك السياسة الجديدة التي من شأنها إدخال العلاقات المصرية الإسرائيلية إلي أزمة حقيقية والوصول بها إلي حالة سيئة للغاية.
إذن هناك حالة غليان في المجتمع الإسرائيلي لم ينتبه أحد إلي خطورتها هنا.. تلك الحالة التي عبر عنها الحاخامات اليهود في أحد المؤتمرات الجماهيرية حيث دعا الحاخام يسرائيل أرئيل لإعادة احتلال سيناء محذرا من تداعيات ثورة يناير علي الأوضاع السياسية والاستراتيجية في إسرائيل، وقال إن السلام مع مصر ليس كنزا استراتيجيا ولكنه شوكة في حلق إسرائيل فمصر بعد الثورة تقود اتفاق المصالحة بين الفلسطينيين وتفتح معبر رفح أمامهم ومازالت الأنفاق تنقل السلاح إلي حركة حماس في غزة.
وقال الحاخام يموزا عسرنيل »لن نستطيع أبدا أن ننسي أن سيناء هي أرضنا المقدسة التي تعلمنا فيها التوراة وألواح العهد وتلك الأرض التي أوصانا بها الرب بإخضاعها لحكم سيناء ولن ينهض شعب اسرائيل إلا باحتلال سيناء وضمها لأراضينا تنفيذا لوصايا الرب«.
بينما أشار اللواء حاييم أراز الذي أشرف علي عملية إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من سيناء في كلمته أن مصر لم تحترم بندا واحدا في اتفاقية السلام، فالسياح الإسرائيليون ممنوعون من زيارة إسرائيل والسفارة الإسرائيلية تحت حصار المتظاهرين ومازالت القاهرة تشكل أكبر قلاع معاداة السامية في العالم فنحن نعيش 30 عاما من خداع الذات بعد أن توحشت مصر.
تروج اسرائيل أن سيناء أصبحت مليئة بالإرهابيين والإسلاميين وهم أكبر خطر عليها حسب تأكيدات استطلاع رأي قامت بعد العديد من الصحف الإسرائيلية وما زاد من مخاوفها هو كالخبر الذي تم تسريبه منذ عدة أيام بأن أجهزة الأمن المصرية تتابع نشاط 400 من تنظيم القاعدة في سيناء وهو الخبر الذي تناقلته كل الصحف بحذر وخوف، ورغم نفي محافظ شمال سيناء الخبر وتأكيده علي عدم صحته من الأساس ألا أن إسرائيل لم تتعامل مع النفي بقدر تعاملها مع الخبر نفسه.
وما يؤكد ذلك هو التصريح الذي خرج علينا به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قبل يومين بأن السلطات المصرية عاجزة عن السيطرة علي شبه جزيرة سيناء الأمر الذي تستغله مجموعة بإرهابية لترسيخ وجودها في المنطقة وبعد تصريح نتنياهو أمام لجنة الخارجية والأمن بالكنيست الإسرائيلي بأن حركة حماس تزداد قوة داخل الأراضي المصرية بعد ان قامت بنقل كل نشاطها من دمشق إلي القاهرة حتي إن المحللين اعتبروا تلك التصريحات تزيد من التوتر بين الجانبين.
الخارجية الإسرائيلية نصحت رعاياها الثلاثاء الماضي بعدم التوجه إلي مصر وزيارة سيناء محذرة من عواقب وخيمة في حالة عدم الالتزام بذلك.. بينما اتهمت صحيفة معاريف المسئولين بدفن رؤوسهم في الرمال ونقلت عن عاموس جلعاد رئيس القيادة السياسية الأمنية تصريحاً قاله قبل 10 أيام اكد فيه انه وعبر كل الفحوصات في القنوات المخوله تبين أن معبر رفح لن يفتح وهو ما اعتبرنه الصحيفة فشلا في تقويم الوضع علي الحدود.
ونقلت الصحيفة عن مسئول أمني قوله إنه لا تزال هناك ورقه هامة في يد إسرائيل وهي التهديد بتصدير لغم غزة إلي مصر عن طريق غلق معابرها قائلا: فلا يوجد سبب يدعونا إلي الحفاظ علي المعابر بين إسرائيل والقطاع مفتوحة طالما تسمح مصر بحركة حرة في رفح وإذا كان مصير غزة عزيزاً جدا علي مصر فليتفضل المصريون بمسئوليتها.
الأخطر ما عبرت عنه صحيفة »يديعوت أحرونوت« من أن التحركات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي علي الحدود مع مصر في ظل عدم استقرار الأوضاع في سيناء قد تدفع الجيش الإسرائيلي إلي التدخل لإنهاء حالة الفوضي التي تهدد المجتمع كله.
وعلي الجانب المصري لا يوجد رد فعل تجاه التصعيد الإسرائيلي، خاصة بعد مغادرة العربي والذي كان يطلق تصريحات مزعجة لإسرائيل.
اللواء نبيل العشري الخبير الاستراتيجي يري أن إسرائيل بالفعل لديها انزعاج كبير من الثورة المصرية بدأت مع تصريحات العربي.. مضيفا: هناك خلاف شديد داخل المجتمع الإسرائيلي وهناك من يضغط في اتجاه شن حرب علي مصر وتوطين اهالي غزة فيها لتنفيذ مخطط موجود منذ عشرات السنين ولكن كان ينقصه التنفيذ علي اعتبار توطين أهالي غزة في سيناء بحيث تصبح الحرب بين مصر وغزة وإسرائيل، مع استخدام ما يحدث في سيناء من عدم استقرار الاوضاع وسيلة لتنفيذ خططها لضمان ألا تخسر التعاطف الدولي معها وتحقق مكاسب سياسية.
العشري يري أن نتنياهو وجبهات المعارضة تضغط في اتجاه سيناريو التلويح فقط بالحرب وليس الخوض فيها لأن إسرائيل لديها تحد كبير بعد إتمام المصالحة بين فتح وحماس تمثل خسائر سياسية عديدة وليس من المنطقي أن تدخل إسرائيل حربا في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها.
وحسب تأكيدات الدكتور أحمد النجار أستاذ العلوم السياسية فإن الصحف الإسرائيلية تسرب دائما تقارير مغلوطة عن وجود جماعات من حماس والقاعدة في سيناء بل أن هناك من يتحدث عن دعم من السلطة في مصر لوجود عناصر حماس في سيناء، ما يسبب حالة الشحن المستمرة في الصحف التي تعبر عن تيارات رئيسية في إسرائيل.
واشار النجار إلي أن الحلم الإسرائيلي الآن هو أن تتخلص من أبناء غزة وتوطنهم في سيناء سواء حدثت حرب أو لم تحدث فإسرائيل تفكر في غلق المعابر وشن غارات علي غزة وحملة حصار وتجويع لدفع سكانها إلي الهرب إلي سيناء ولكن إسرائيل في انتظار ما يسمي بالانتفاضة الثالثة وهي تفضل أن تري ماذا يحدث أولا حتي ترد بشكل مختلف.
وعكس كل الآراء السابقة يؤكد النجار أن إسرائيل لن تنجح في جر مصر إلي حرب الآن لأنها تضع في الاعتبار مشهد اقتحام المتظاهرين للسفارة الإسرائيلية وتخشي من الغضبة الشعبية عليها خاصة في ظل قرب اندلاع الانتفاضة الثالثة وأن حالة الشحن المستمرة الآن سوف تتوقف إذا استجابت السلطة في مصر لمطالب إسرائيل بالموافقة علي ندب مراقبين دوليين علي المعابر، والغالب أن السلطة سترفض وتظل حالة الاحتقان قائمة دون حرب.
الدكتور أشرف ميلاد الباحث بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية يعتبر أن أمريكا الآن ليس لديها هم سوي تأمين مصالح إسرائيل بعد اندلاع ثورة يناير، قائلا: ليس صحيحا ما تروجه الصحف الإسرائيلية من وجود مخاوف من وجود الاسلاميين وحماس في سيناء فذلك يخدم مصالحها علي أساس أن إسرائيل تؤمن بأن ضرب مصر لن يأتي إلا من إحداث فوضي فيها أو وصول الإسلاميين إلي الحكم فكل ما يرعب إسرائيل فقط فتح المعابر وتوقف صفقة تصدير الغاز إلي إسرائيل ولكنها تتمني وجود حماس في سيناء لأن ذلك يدعم سيناريو الفوضي في مصر ويجعل أمنها حلماً مستحيلاً.
واضاف: هناك حالة غليان داخل المجتمع الإسرائيلي ولكن يقابلها حالة غليان داخل فلسطين وهو ما بدأ يستحوذ علي اهتمام البعض فيها خاصة أنه لم يكن أحد ينتبه لما يحدث فيها والتركيز كله كان علي الجانب المصري ومتابعة ما يحدث فيه عقب اندلاع الثورة.