كما ذكرنا، هناك أنواع كثيرة من ضعف الخصوبة غدا بالإمكان علاجها بحسب سببها، سواء أكانت من الرجل أم من المرأة .
وسنتطرق الآن بالتفصيل لعلاج أهم نوعين من أنواع ضعف الخصوبة عند المرأة وأكثرهما شيوعا في عيادتنا اليومية وهما : ضعف الخصوبة الناجم عن انعدام التبويض وضعف الخصوبة الناجم عن انسداد المسالك التناسلية العليا أي انسداد الأنابيب الذي يشكل حوالي 90 % من الحالات .
يعالج ضعف الخصوبة الناجم عن انقطاع التبويض بواسطة الأدوية المركبة من الهورمونات الأنثوية . وهدف العلاج، بشكل أساسي، حث المبيض على إنتاج وإفراز بويضات صالحة للتلقيح أما نوع العلاج فيختلف باختلاف الأمراض المسببة لانقطاع التبويض .
فإذا كان انقطاع الإباضة ناجما عن نضوج ونمو غير كافيين في الرحم والأنابيب لأسباب تكوينية وخلقية، تعطي المرأة كميات وافرة من هورمون الإستروجين مدة عدة أشهر وأكثر .
في حالة عدم الكفاية في إفراز المبيض، بسبب العجز على أثر التهابات أو صدمات نفسية وكبت شديد، يكون العلاج بواسطة هورمونات " الإستروجين " و" البروجيسترون " بالتناوب من أجل تحقيق " دورة شهرية اصطناعية " لمساعدة المبيض على الخلاص من عجزه .
أما إذا كان نمو الأعضاء التناسلية طبيعيا، وكذلك حجم الرحم، ودلت الفحوص الهورمونية على أن ضعف الخصوبة عند المرأة ليس ناشئا عن برودة جنسية ونقص في النضوج، بل عن كسل في إفراز الغدد، ومن بينها المبيض فتستخدم في هذه الحالة، مواد هورمونية يكون تأثيرها غير مباشر على المبيض من أجل إعادة التوازن الهورموني إلى طبيعته، وحث المبيض على إفراز البويضات الصالحة، وهذا أمر معقد للغاية .
وقد كانت هذه المهمة، في الماضي القريب، شبه مستحيلة، ولكن بإمكاني أن أبشر النساء اللواتي يعانين من ضعف الخصوبة بسبب ضعف الإباضة أو انعدامها، بأنه أصبح في متناولنا اليوم أدوية هورمونية حديثة وفعالة جدا بإمكانها حث المبيض على إنتاج بويضات صالحة للتلقيح . وباستطاعتي القول إن نسبة نجاح هذه المعالجة أكثر من 70 % إلا أن ما قد ينتج في بعض الأحيان هو حصول حمل توأمي أو ثلاثي أو رباعي . . . كما أن هناك إمكانية تكون كيس مبيضي إذا لم تراع بدقة جرعات الدواء .
ومن بين الأدوية المشار إليها يمكنني تسمية المستحضرات الثلاثة التالية :
يستخدم من أجل إنضاج البويضات وإطلاقها . وقد أعطى هذا الدواء نتائج عجيبة فعلا، وشفى آلاف النساء من العقم المحتم . وقد استخدمناه نحن شخصيا، في مستشفانا، على عشرات النساء وأكدنا من وقوع الحمل عند حوالي 50 % تقريبا من حالات العقم . ومن الجدير بالذكر أن هذا الدواء لا يشوه الأجنة ولا يؤثر على تكون الأطفال في المستقبل كما أنه لا يؤثر على صحة المرأة الحامل نفسها . ويعطي الكلومين عادة لمدة خمسة أيام بعد الانتهاء من الطمث على أن يعاد وصفه من جديد طوال ثلاث دورات شهرية .
مادة هورمونية فعالة جدا، تحقن بالعضل وتؤثر مباشرة على نشاط المبيض، وتحرض الإباضة خلال 36 ساعة من تاريخ حقنها، وهي تستخرج من بول النساء اللواتي توقف حيضهن نهائيا بعد منتصف العجز في سن العطاء . وقد حقق هذا الدواء نتائج إيجابية في تحقيق الحمل في 50 ـ 70 % من الحالات .
مادة هورمونية فعالة تستخرج من جسم المشيمة ( الخلاص ) التي يتغذى بواسطتها الجنين وتنزل بعد ولادته وتساعد على تغذية البويضة ومساندتها بعد انطلاقها من المبيض . تحقن في العضل في النصف الثاني من الدورة الشهرية بجرعات مختلفة يقدرها الطبيب حسب كل حالة . ويعطى هذا المركب الهورموني عادة مع دواء الكلوميفين ـ أو الكلومين ـ في النصف الثاني من الدورة .
ولعل إحدى أحدث معجزات الطب واختراعاته اكتشاف مادة هورمونية أطلق عليها اسم مختصر ( GNRH ) توضع في جهاز صغير للضخ يلصق بجسم المريضة، يضخ، كل 90 دقيقة، كمية ضئيلة من هذه المادة في الدم من شأنها حث المبيض على إنتاج البويضات . ويعتقد، بنتيجة الأبحاث، أن هذا المركب الجديد سوف يحل في المستقبل محل الهورمونات النخامية و" الكلوميد " بشكل واسع .
وهكذا نرى أن الإمكانيات الجبارة التي وضعها الطب في أيدي الإخصائيين لم يكن الأسبقون يحملون، أو حتى يتصورون امتلاكها وبالرغم من أن ثمن كلفة الدواء لا يزال باهظا .
يشكل انسداد النفيرين ـ أو الأنبوبين ـ أحد أهم أسباب العقم عند المرأة، وهو المرض الأكثر شيوعا بين النساء المصابات بالعقم . فقط دلت الإحصاءات أن حوالي 50 ـ 60 % من النساء اللواتي يعالجن من العقم يشكين من انسداد في الأنابيب الرحمية سببه الالتهابات المزمنة على اختلاف مصادرها وهو يكلف الإنسانية جهودا مادية باهظة .
إن الأمراض الشائعة والمنتشرة، كالأمراض الزهرية على أنواعها، والسل وأمراض الحمى الباطنية والتهابات الزائدة الدودية، وأمراض العدوى الانتقالية في سن الطفولة كل هذه الأمراض إذا لم تعالج معالجة صحية وفعالة، تجتاح جرثومتها غشاء النفيرين الداخلي، الرقيق النحيف للغاية، فتجعله يلتهب ويتضخم ويعقب هذا التضخم آلام شديدة وحمى في الجسد .
بعد ذلك تتشكل في النفيرين التصاقات وجيوب من السائل الدموي أو القيح الذي يسبب بمرور الزمن ندوبا تضيق الأغشية وتشوه بشرتها وتزيل الأهداب الناعمة التي تغطي باطن النفيرين والتي من شأنها مساعدة البويضة على عبور النفيرين والجسر المعلق بين الرحم والمبيض، الذي كان مركز التقاء البويضة بالحيوان المنوي وقد غدا مجرد عضلة هزيلة يستحيل دخول البويضة والمني إليه لأن لا ثقب فيه ولا ممر، وبذلك تصبح المرأة المصابة عاقرا ؟
إذا لم تراع، في الإجهاض، الشروط الصحية، وقواعد التعقيم اللازمة، يصبح سببا من أهم أسباب العقم كما هو الحال عند السيدة المذكورة . فعلى أثر الإجهاض الملوث، ومضاعفات الولادة الملوثة وحميات النفاس، تنتشر الجراثيم في المسالك التناسلية وتسبب فيها التقرحات والالتصاقات وبالتالي انسداد الأنابيب الرحمية، ناهيك عن اعتلال صحة المرأة وتعرضها للانتكاس .
يجب الاعتراف بأن علاج هذا النوع من العقم هو الأكثر صعوبة وتعقيدا من غيره، ويتطلب من الطبيب الأخصائي مهارة فائقة ومعرفة عميقة ودقيقة لمجريات الأمور . وتكون المعالجة إما بالأدوية أو بالجراحة المجهرية لكن تبقى الجراحة المجهرية ـ أو الجراحة بالمنظار ـ كما دلت التجارب، هي سيدة الموقف نظرا للالتصاقات والانسدادات التي يولدها الالتهاب .
وبالطبع فإن لكل حالة من الحالات معالجة خاصة بها حسب نوع الانسداد ومشكلاته . فالانسداد يمكن أن يصيب أنبوبا واحدا أو الأنبوبين معا، أو يكون كاملا أو جزئيا . ولعل من أصعب الحالات تلك التي يصاب فيها بالانسداد الجزء النصفي من الأنبوب المتصل بالرحم، أما إذا كان الانسداد كاملا في النفيرين فيكون العلاج مستحيلا وإذا كان النفيران مسدودين في طرفهما القريب من المبيض، فإن باستطاعة الجراح فتح الأقسام المسدودة أو إعادة زرع الجزء السالك في الرحم، وكذلك تحرير المبيض مما تعلق به من التصاقات وإصلاح انحراف الرحم وقطع الأنسجة الزائدة وتحرير الندوب ولكل حالة من الحالات جراحتها، ولكل انسداد علاجه، ولكن لتحديد الدواء يجب قبل كل شيء تشخيص الداء .
وفي هذا المجال علينا أن لا ننسى المعالجة بأشعة الليزر التي بدأت تشق طريقها بنجاح في السنوات الأخيرة .