أؤيد الذين عبروا عن استيائهم وغضبهم إزاء إبراز خبر اختطاف بعض الأقباط لإحدى الفتيات وتعذيبها ووشم الصليب على يدها. وكانت السيدة منى مكرم عبيد أحدث الذين رفعوا أصواتهم معبرين عن تلك المشاعر، فيما نقلته على لسانها أمس صحيفة «الشروق»، في سياق حديثها عن مبررات تجميد عضويتها في حزب الوفد. إذ تساءلت: «كيف تنشر جريدة حزب ليبرالي «تقصد صحيفة الوفد» تحت عناوين حمراء واقعة كان يمكن «وضعها في صفحة الحوادث، في الوقت الذي يجتهد فيه كل شرفاء مصر محاولين لملمة الأوضاع وتهدئة المشكلة الطائفية.. كما أن هذا ليس وقت الإثارة والسبق الصحفي على حساب السلام المجتمعي؟». جاءت كلمات السيدة منى مكرم عبيد ضمن تقرير نشرته «الشروق» على الصفحة الأولى أمس (21/5) ذكر أيضا أن خمسة أشخاص بينهم ثلاثة من أعضاء الوفد قدموا بلاغا إلى النائب العام اتهموا فيه رئيس مجلس إدارة الصحيفة وثلاثة من مسئولي التحرير فيها بالتحريض على الانتقام من الأقباط وإثارة الفتنة الطائفية. كما أشار التقرير إلى أن عددا آخر من أعضاء الوفد قدموا استقالات جماعية من الحزب للسبب ذاته. كانت صحيفة الوفد قد نشرت القصة في عدد 17/5. إذ أبرزتها بعناوين مثيرة للانتباه على الصفحة الأولى، وعلى الثالثة نشرت القصة كاملة، مدعومة بصور للفتاة قبل أن يحلقوا لها شعرها وبعده، وأخرى ليد الفتاة وقد وشم عليها الصليب. وكانت العناوين كالتالي: رغدة (اسم الفتاة): أقباط اختطفوني ووشموا الصليب على يدي ــ حبسوني مع 4 فتيات مسلمات في غرفة تشبه الزنزانة لمدة ثلاثة أيام ــ ربطوني بالحبال وضربوني بالأحذية وحلقوا شعري وأجبروني على قراءة ترانيم مسيحية. وتحت العناوين تفاصيل مثيرة لا داعي لاستعادتها، انتهت بمطالبة أم الفتاة بضرورة ضبط الجناة ومساءلتهم. في عدد لاحق (يوم 20/5) نشرت «الوفد» على الصفحة الأولى تقريرا ذكرت فيه أن بعض الأقباط المعتصمين أمام مبنى ماسبيرو «مقر التليفزيون» قاموا بالاعتداء على مندوبي الجريدة. وأن قبطيات حاولن خلع حجاب اثنتين من المحررات. كما نشرت الصحيفة تعليقا تحت العنوان التالي: وقائع مؤسفة نضعها أمام البابا ونطلب رأيه فيها. هذا الذي حدث مع الفتاة رغدة التي عذبت وتم وشم الصليب على يدها، وكذلك محاولة خلع حجاب اثنتين من الصحفيات، إذا وضعته جنبا إلى جنب مع قصة قبطي قنا الذي تم الاعتداء عليه في الشهر الماضي للاشتباه في أنه يدير بيتا لأعمال منافية للآداب. مما أدى إلى إصابة أذنه وقطعها، فسنجد أن الأمر يستحق المقارنة، كما أن العبرة تظل واحدة. ذلك أن قصة الرجل القناوي أبرزت على الصفحة الأولى لجريدة الأهرام، وكانت العنوان الرئيسي لها. ورغم أن الدافع إليها كان غيرة على الشرف بأكثر منه غيرة على الدين، إلا أن الخبر نشر بحسبانه تطبيقا لحد شرعي، من جانب بعض السلفيين. وحينذاك ثارت في مصر ضجة دفعت شيخ الأزهر إلى التدخل في الموضوع ومحاولة تسويته.. رغم أنه لم تثبت مسئولية السلفيين عن الموضوع. إلا أننا ما زلنا حتى الآن نقرأ عن إقدام المتطرفين المسلمين على قطع آذان الأقباط، واتهام السلطة بالتقاعس والتستر، لأنها لم تعاقب الذين تورطوا في العملية. الذي جرى مع الفتاة رغدة جدير بالملاحظة. فإذا صحت المعلومات المنشورة، فإن ذلك يعنى أن ما جرى معها هي وزميلاتها المسلمات كان من فعل بعض المتعصبين الأقباط. لكننا لم نشهد إدانة أو استنكارا له من جانب قيادات الكنيسة، على عكس ما جرى في حادثة قنا. وانصب الاحتجاج على إبراز الخبر وليس على تعذيب الفتاة المسلمة ووشم الصليب على يدها. المقارنة تقودنا إلى ثلاث خلاصات، إحداها أن الحماقة والتعصب يتوزعان على الجانبين بدرجات متفاوتة من الغباء والجرأة. والثانية أن الإعلام حتى في مثل هذه الأمور الحساسة يحرص على الإثارة بأكثر من التزامه بالمسئولية. أما الخلاصة الثالثة فهي أن الأضواء تسلط على ما هو منسوب إلى التطرف الإسلامي في حين أن ثمة سكونا مثيرا للدهشة على ممارسات التطرف القبطي. وذلك حاصل بوجه أخص بين شرائح المثقفين الليبراليين المدافعين عن حقوق الإنسان والدولة المدنية. يحيرنا أن يحدث ذلك، لكننا نواجه حيرة أكبر في تفسيره. ..................