هذا خبر استثنائي يستحق التنويه والحفاوة: أطلق ائتلاف شباب ثورة 25 يناير بالإسكندرية مبادرة لدعم القطاع الزراعي بمحافظتي الإسكندرية ومطروح، وتنفيذ مشروعات شباب الخريجين الذين تم تهميشهم في ظل النظام السابق. وقال طارق الدسوقي المنسق العام لائتلاف شباب الثورة بالإسكندرية انه تم تنظيم ملتقى للحوار مع المسئولين والزراعيين استهدف تطوير القطاع الزراعي والنهوض به لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الرئيسية. الخبر نشرته صحيفة «الوفد» يوم 10/5 الحالي، ولم أجد له أثرا في بقية الصحف التي صدرت يومذاك، ليس فقط لأن الصفحات الأولى، ومصر كلها، كانت مشغولة بقصة عبير وفتنة إمبابة، ولكن أيضا لأن الحدث وقع خارج القاهرة، وبالتالي خارج بؤرة الضوء ومركز الاهتمام. وقد اعتبرته خبرا استثنائيا لأن موضوعه هو المجتمع وليس السلطة. ولعلك لاحظت أن تغير المجتمع والانشغال بهمومه ومعاناته لا يحتل أولوية ليس من جانب الأحزاب السياسية فحسب، وإنما أيضا من جانب أغلب التجمعات التي ظهرت بعد ثورة 25 يناير. ورغم أن روحا جديدة دبت في أوصال مصر وأرجائها بعد الثورة للنهوض بالمجتمع وتغييره، فإننا وجدنا النخب والتجمعات الجديدة غلب عليها الاهتمام بتغيير السلطة. إذ شغل الجميع بتأسيس الأحزاب والانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومخاطبة الرأي العام من خلال شاشات التليفزيون، وليس عبر الوجود في الشارع. صحيح أن خبر صحيفة الوفد لم يذكر شيئا عن تفاصيل مبادرة ائتلاف ثورة 25 يناير بالإسكندرية، بما يسمح لنا أن نحكم على مدى جديتها، لكن أكثر ما همني فيما نشر هو الفكرة والتوجه. وكنت قد عبرت في مناسبة سابقة عن خشيتي من افتتان شباب الثورة بالظهور في التليفزيون، بما قد يحولهم من مناضلين اكتسبوا شرعيتهم من الميدان ومن التعبير عن ضمير المجتمع وتطلعاته، إلى نجوم يتعلقون بالشهرة ويكتسبون شرعيتهم من الوجود المستمر على شاشات التليفزيون. وقلت صراحة إن من شأن ذلك إغواء وإفساد أولئك الشبان بمضي الوقت. وكانت لدي قرائن عدة في ذلك لا مجال لذكرها الآن، لكني لا أذيع سرا إذا قلت إن تلك الغوايات أفسدت العلاقة بين بعض أولئك الشبان، الذين اقتنعوا بأنهم أصحاب الثورة وصناعها، وأنهم الممثل الشرعي الوحيد لها. وحين يكون هناك أكثر من ممثل شرعي «وحيد»، فإن ذلك يفتح الأبواب لبروز حساسيات ومشكلات لا حصر لها، لكن ما يطمئننا في الوقت الراهن أن الكثرة منهم لم تفتن بعد، وأنهم على قدر الوعي والمسئولية اللذين كانوا عليهما منذ بداية الثورة. لقد سمعت من بعض القريبين من دوائر أولئك الشباب أن الناشطين منهم خارج القاهرة، في الدلتا والصعيد، أكثر جدية وأكثر اقترابا وتفاعلا مع المجتمع، وإن أولوياتهم مختلفة عن أولويات نظرائهم المقيمين في القاهرة. ويبدو أن هذا الانطباع صحيح، ومن قرائنه ذلك الخبر الذي نشرته صحيفة الوفد. هذا الانشداد للعمل السياسي المباشر ولأضواء القاهرة ليس مقصورا على شباب الثورة وحدهم، ولكننا لاحظناه أيضا في أنشطة الجماعات الإسلامية التي ظهرت على السطح بعد الثورة، ذلك أن بعضها اتجه إلى تأسيس الأحزاب والدخول في التحالفات السياسية، في حين حرص البعض الآخر على الانخراط فيما يحدث الضجيج والجلبة دون الفعل الاجتماعي والبناء. وما المسيرات التي ينظمونها هذه الأيام المتعلقة بالسيدات اللاتي قيل إنهن تحولن من المسيحية إلى الإسلام إلا نموذج للجهد الذي يبذل لإحداث ضجيج لا جدوى منه ولا «طحن» من ورائه. إن ثمة مساحات واسعة للعمل الاجتماعى العام لا تزال تبحث عن جهد الجماعات الأهلية للنهوض بها، في مجالات التعليم ومحو الأمية ونظافة الأحياء والقرى وفي تنشيط الحركة التعاونية والنهوض بالحرف اليدوية وترشيد الاستهلاك ورعاية الضعفاء.. إلى غير ذلك من المجالات التي تحتاج إلى جهد الناشطين المخلصين من أبناء الوطن، وكنت قد أشرت في وقت سابق إلى مبادرة أهالي قرية ميت حواى بمحافظة الغربية إلى تشكيل جمعية للنهوض بقريتهم في المجالات المماثلة، فتلقيت اتصالا هاتفيا من مكتب منظمة الصحة العالمية بالقاهرة لمتابعة الموضوع، وأخبرنى أحد مسئولى المكتب بأن لديهم اعتمادات لإعانة وتمويل الأنشطة المحلية في مصر، لكنهم لا يجدون الجهات التي يمكن أن تستفيد منها وتستوعبها. ما زلت عند رأيي في أن تغيير السطة هو الجهاد الأصغر، وأن تغيير المجتمع هو الجهاد الأكبر، الذي لا يمكن أن يتحقق الفوز فيه إلا إذا تم استدعاء واستنفار كل القوى الحية في المجتمع للإسهام فيه. وذلك اختبار ينبغي ألا نسمح لأنفسنا بالرسوب فيه. ..................