نصيحة مهمة عامة

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز | المصدر : www.binbaz.org.sa

نصيحة مهمة عامة

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه:

من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يطلع عليه من المسلمين وفقني الله وإياهم للفقه في الدين وسلك بي وبهم صراطه المستقيم. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فهذه نصيحة أردت منها التنبيه على بعض الأمور المنكرة التي وقع فيها كثير من الناس جهلاً منهم، وتلاعباً من الشيطان بأفكارهم وعقولهم، واتباعاً للهوى من بعض من فعلها. ومن تلك الأمور ما بلغني أن بعض الناس يدعو إلى عبادة نفسه، ويدعي أموراً توهم العامة أن له تصرفاً في الكون، وأنه يصلح أن يدعى للنفع والضر وهذا من هؤلاء الضالين تشبه بفرعون وأشباهه من المجرمين الكافرين، والله سبحانه هو المستحق للعبادة ولا يستحقها سواه لكمال قدرته وعلمه وغناه عن خلقه.

والعبادة لله وحده هي الغاية التي من أجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وخلق من أجلها الثقلان وقام سوق الجهاد، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[1]، وقال عز وجل: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[2]، وقال سبحانه: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ[3]، وقال عز وجل: وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ[4]، وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[5]، وقال عز وجل: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[6]، وقال سبحانه: وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[7]، وقال سبحانه: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[8]، وقال عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ[9].

فعلم من هذه الآيات وغيرها أن عبادة غير الله أو عبادة غيره معه من الأنبياء والأولياء والأصنام والأشجار والأحجار شرك بالله عز وجل ينافي توحيده الذي من أجله خلق الله الثقلين وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فإن معناها لا معبود حق إلا الله. فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها لله وحده، كما قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ[10]، وهذا هو أصل الدين وأساس الملة ولا تصح العبادات إلا بعد صحة هذا الأصل، كما قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[11]، وقال: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[12]، ومن أجل هذا الأمر العظيم أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لبيان التوحيد والدعوة إليه، والتحذير من صرف العبادة لغير الله سبحانه: كما قال عز وجل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[13] الآية، وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ[14]، وقال عز وجل: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ[15]، وقال سبحانه: هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ[16]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه سئل أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك))، والند هو: النظير والمثيل، فكل من دعا غير الله أو عبد غير الله أو استغاث به أو نذر له أو ذبح أو صرف له شيئاً من العبادة فقد اتخذه نداً لله، سواءً كان نبياً أو ولياً أو ملكاً أو جنياً أو صنماً أو غير ذلك؛ لأن العبادة لله وحده لا يستحقها سواه.

وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا)) فالله خلق الثقلين لهذا الأمر العظيم؛ وهو توحيده وإفراده بالعبادة، ونبذ الشركاء والنظراء والأنداد له سبحانه لا إله غيره ولا رب سواه، ومن دعا إلى عبادة نفسه أو زعم أنه يستحق العبادة فإنه كافر يجب أن يدعى إلى التوبة، فإن تاب وإلا وجب على ولي الأمر قتله، لقول النبي: ((من بدل دينه فاقتلوه)) رواه البخاري ومن الضلال المبين والجهل العظيم تصديق الكهان والعرافين والرمالين والمنجمين والمشعوذين والدجالين بالإخبار عن المغيبات، فإن هذا منكر وشعبة من شعب الكفر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)) رواه مسلم في صحيحه، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إتيان الكهان وسؤالهم. وخرج أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم))، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على المسلمين الحذر من سؤال الكهنة والعرافين وسائر المشعوذين والمشتغلين بالإخبار عن المغيبات والمتلاعبين بعقول الجهلة والتلبيس على المسلمين. فالأمور الغيبية لا يعلمها إلا الذي يعلم ما تكن الصدور ويعلم الخفايا، حتى أنبيائه ورسله وملائكته لا يعلمون شيئاً من المغيبات؛ إلا ما أخبرهم به سبحانه، قال تعالى: قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ[17]، وقال عز وجل آمراً نبيه أن يبلغ الناس: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ[18]، وقال تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ[19]، وهذه الآيات وغيرها تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب وهو خير الأنبياء وأفضلهم فكيف بغيره من المخلوقين. فمن اعتقد أنه يعلم الغيب أو أحداً من المخلوقين فقد أعظم على الله الفرية، وأبعد النجعة، وضل ضلالاً بعيداً، وكفر بالله سبحانه، فالأمور المغيبة مما أستأثر الله بعلمه قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ[20]، قال ابن مسعود: (كل شيء أوتي نبيكم صلى الله عليه وسلم غير خمس إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ[21] … الآية، وقال ابن عباس: (هذه الخمسة لا يعلمها إلا الله تعالى، ولا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل، فمن ادعى أنه يعلم شيئاً من هذه فقد كفر بالقرآن)؛ لأنه خالفه، ثم إن الأنبياء يعلمون كثيراً من الغيب بتعريف الله تعالى إياهم، فالإيمان بالغيب من أركان الإيمان ومن صفات المؤمنين الصادقين، وادعاء علم الغيب والأخبار بالمغيبات من صفات الكهنة الزائغين عن الهدى، ومن صفات الدجالين والمشعوذين والعرافين الذين ضلوا عن الصراط المستقيم، وأضلوا غيرهم من جهال المسلمين، وقد قال الله سبحانه: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ[22] الآية. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مفاتيح الغيب خمس، ثم قرأ قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ[23] الآية. فالواجب على أهل العلم أن ينبهوا على ما يقع فيه الناس من الخطأ العظيم في هذا الباب وغيره؛ لأنهم مسئولون عنهم أمام الله يوم القيامة، قال تعالى: لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[24]، وكذا الاعتقاد أن بني هاشم ذنبهم مغفور ولو فعلوا ما فعلوا وهذا غاية الجهل والضلال.

فإن الله لا ينظر إلى الأحساب والأنساب والأموال، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال، فمن امتثل أوامره واجتنب نواهيه ولازم التقوى وابتعد عن المعاصي والمخالفات فهو الكريم عند الله، سواءً كان عربياً أو عجمياً، وسواءً كان من بني هاشم أو من غيرهم، فالأحساب والأنساب لا تنفع أحداً؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[25]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))، وقال: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) وهذا أبو طالب وهو عم رسول صلى الله عليه وسلم لم ينفعه قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبه العريق، وقد حرص رسول الله على أن يشهد أن لا إله إلا الله حتى يحاج له بها عند الله فلم يفعل؛ لأن الله سبحانه كتب في الأزل أنه يموت على دين الآباء والأجداد وهو الشرك وعبادة الأصنام، ونهى الله نبيه عن الاستغفار له فقال: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى[26]، وأخبر أن النبي لا يملك هداية أحد إذا لم يهده الله فقال: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ[27]، وهكذا أبو لهب وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم مات على الكفر وأنزل الله في ذمه سورة تتلى إلى يوم القيامة وهي: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[28]، فالمعيار الحقيقي هو إتباع ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة قولاً وعملاً واعتقاد، أما الأنساب فإنها لا تنفع ولا تجدي كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه))، وقال: ((يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً))، وهكذا قال لعمه العباس وعمته صفية وابنته فاطمة، ولو كان النسب ينفع أحداً لنفع هؤلاء.

ومن الأمور المنكرة والاعتقاد الفاسد والضلال المبين ما يعتقده بعض المغفلين والجهال في بعض المخرفين والمشركين الضالين المضلين أنهم يشفون المرضى، ويدفعون عنهم الضر ويجلبون النفع، نعوذ بالله من العمى والضلال. وهذا ينافي الإيمان بالله وأنه النافع الضار الرازق المحيي المميت المدبر القادر تعالى الله وتقدس عما يقوله الضالون المفترون، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ[29]، فمن اعتقد أن أحداً ينفعه أو يضره أو يشفيه من دون الله فقد كفر بالله وبكتابه وبملائكته ورسله، قال تعالى لأكرم خلقه: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ[30]، وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ[31]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله))، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا لغيره، فغيره من باب أولى. فكل من غلا في نبيٍ أو رجلٍ صالح أو ولي من الأولياء وظن فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول: يا فلان اشفني أو انصرني أو ارزقني أو أغنني ونحو ذلك فإن هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل. وكذا من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم فإنه يكفر إجماعاً، فمن اعتقد أن لغير الله من نبي أو ولي أو جني أو روح أو غير ذلك تأثيراً في كشف كربةٍ أو قضاء حاجةٍ أو رفع مرضٍ أو دفع بلاءٍ دون الله سبحانه فقد وقع في ضلالٍ كبير، وفي وادٍ من الجهل خطير، فهو على شفا حفرةٍ من السعير لكونه قد أشرك بالله العظيم، وهكذا من ذكر أحداً من الصالحين والأولياء وغيرهم على وجه طلب الإمداد منه فقد أشركه مع الله، إذ لا قادر على الدفع والنفع غيره سبحانه وتعالى.

أما دعاء الحي الحاضر القادر والاستعانة فيما يقدر عليه مما يجوز شرعاً فلا حرج في ذلك، وليس داخلاً في أنواع الشرك بإجماع المسلمين؛ لقول الله عز وجل في قصة موسى: فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ[32]، ولأدلةٍٍ أخرى من الكتاب والسنة في هذا المعنى، والله ولي التوفيق.

ومن الأمور المنكرة أن بعض من يدعي أنه من بني هاشم يقولون: إنه لا يكافئهم أحد فهم لا يزوجون غيرهم ولا يتزوجون من غيرهم، وهذا خطأ عظيم وجهل كبير وظلم للمرأة وتشريع لم يشرعه الله ورسوله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[33]، وقال سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[34]، وقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[35]، وقال: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[36]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين)) متفق عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) خرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن، وقد زوّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدية من زيد بن حارثة مولاه، وزوج فاطمة بنت قيس القرشية من أسامة بن زيد وهو وأبوه عتيقان. وتزوج بلال بن رباح الحبشي بأخت عبد الرحمن بن عوف الزهرية القرشية. وزوج أبو حذيفة ابن عتبة بن ربيعة القرشي ابنة أخيه الوليد سالماً مولاه وهو عتيق لامرأةٍ من الأنصار. وقد قال الله تعالى: وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ[37]، وكذا زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه رقية وأم كلثوم عثمان، وزوّج أبا العاص ابن الربيع ابنته زينب وهما من بني عبد شمس وليسا من بني هاشم، وزوّج علي عمر بن الخطاب ابنته أم كلثوم وهو عدوي لا هاشمي، وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي وهو أموي لا هاشمي، وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة وليس هاشمياً بل أسدي من أسد قريش، وتزوج المقداد ابن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب الهاشمية ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو كِنْدي لا هاشمي، وهذا شيء كثير. والمقصود بيان بطلان ما يدعيه بعض الهاشميين من تحريم تزويج الهاشمية بغير الهاشمي أو كراهة ذلك، وإنما الواجب في ذلك اعتبار كفاءته في الدين فالذي أبعد أبا طالب وأبا لهب عدم الإسلام والذي قرب سلمان الفارسي وصهيباً الرومي وبلالاً الحبشي إنما هو الإيمان والصلاح والتقوى وإتباع الشرع والسير على النهج المستقيم، ومما ينجم عن هذا الجهل والتصرف الباطل حبس النساء الهاشميات وتعطيلهن من الزواج أو تأخيره فيحصل ما لا تحمد عقباه من الفساد وتعطيل النسل أو تقليله، وقد قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[38]، فأمر بإنكاح الأيامى أمراً مطلقاً ليعم الغني والفقير وسائر أصناف المسلمين، وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج وحثت عليه فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله وأمر رسوله، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) متفق على صحته، فعلى الأولياء أن يتقوا الله في مولياتهم فإنهن أمانة في أعناقهم، وأن الله سائلهم عن هذه الأمانة فعليهم أن يبادروا إلى تزويج بناتهم وأخواتهم وأبنائهم حتى يؤدي كل دوره في هذه الحياة، ويقل الفساد والجرائم. ومن المعلوم أن حبس النساء عن الزواج أو تأخيره سبب في فشوا الجرائم الأخلاقية وانتشارها التي هي من معاول الهدم والدمار، فيا عباد الله اتقوا الله في أنفسكم وفيمن ولاكم الله عليهم من البنات والأخوات وغيرهن وفي إخوانكم المسلمين، واسعوا جميعاً إلى تحقيق الخير والسعادة في المجتمع وتيسير سبل نموه وتكاثره وإزالة أسباب انتشار الجرائم. واعلموا أنكم مسئولون ومحاسبون ومجزيون على أعمالكم قال الله تعالى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[39]، وقال عز وجل: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى[40]، وبادروا إلى تزويج بناتكم وأبنائكم مقتدين بنبيكم صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم والسائرين على هديهم وطريقتهم.

وأوصيكم بتقليل مؤن الزواج وعدم المغالاة في المهور، واقتصدوا في تكاليف الزواج واجتهدوا في اختيار الأزواج الصالحين الأتقياء ذوي الأمانة والعفة.

رزق الله الجميع الفقه في الدين والثبات عليه وأعاذنا وإياكم وسائر المسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وجنبنا وإياكم مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما نسأله أن يصلح ولاة أمور المسلمين ويصلح بهم، إنه على ذلك قدير وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


[1] سورة الذاريات الآية 56.

[2] سورة الأحقاف الآية 6،5.

[3] سورة المؤمنون الآية 117.

[4] سورة يونس الآية 106.

[5] سورة النساء الآية 48.

[6] سورة لقمان الآية 13.

[7] سورة المائدة الآية 72.

[8] سورة التوبة الآية 31.

[9] سورة الإسراء الآية 23.

[10] سورة الحج الآية 62.

[11] سورة الزمر الآية 65.

[12] سورة الأنعام الآية 88.

[13] سورة النحل الآية 36.

[14] سورة الأنبياء الآية 25.

[15] سورة هود االآيتان 1، 2.

[16] سورة إبراهيم الآية 52.

[17] سورة النحل الآية 65.

[18] سوورة الأنعام الآية 50.

[19] سورة الأعراف الآية 188.

[20] سورة لقمان الآية 34.

[21] سورة لقمان الآية 34.

[22] سورة الأنعام الآية 59.

[23] سورة لقمان الآية 34.

[24] سورة المائدة الآية 63.

[25] سروة الحجرات الآية 13.

[26] سورة التوبة الآية 113.

[27] سورة القصص الآية 56.

[28] سورة المسد الآية 1.

[29] سورة يونس الآية 107.

[30] سورة الجن الآية 21-23.

[31] سورة الأعراف الآية 188.

[32] سورة القصص الآية 5.

[33] سورة الحجرات الآية 13.

[34] سورة الحجرات الآية 10.

[35] سورة التوبة الآية 71.

[36] سورة آل عمران الآية 195.

[37] سورة النور الآية 26.

[38] سورة النور الآية 32.

[39] سورة الحجر الآية 92-93.

[40] سورة النجم الآية 31.