نشرت بعض الصحف لبعض الكتاب والكاتبات كلمات لا تهدف إلى صالح المجتمع بل تضره وتفضي به إلى أسوأ العواقب، وقد يكون ذلك الكاتب وتلك الكاتبة لا يشعران بمدى خطورة ما كتبا ولا يعلمان عظيم جنايتهما على المجتمع الإسلامي الذي يعيشان فيه، ولا سيما في هذا العصر الرهيب الذي استحكمت فيه غربة الإسلام، وظهر فيه الإلحاد والإباحية، وانتشر أنصارهما والدعاة إليهما، تارة باسم التقدم والرقي والقومية العربية، وتارة باسم الحرية والاشتراكية، وطورا بأسماء أخرى، شعارات براقة وأساليب خداعة لا تمت إلى الخير بصلة، ولا تهدف إلى الحق بأدنى وسيلة، يغتر بها السذج والسفهاء، ويخدع بها الجهال والحمقى، ويربح من ورائها الأعداء. وكان الواجب على كتابنا من الرجال والنساء أن يتحروا الحق فيما يكتبون وأن يزنوا كلماتهم وأهدافهم بالميزان الذي لا يجور وهو ميزان الشريعة الإسلامية الكاملة، المعروف من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأن لا يغتروا بالشعارات المضللة، والدعايات الجوفاء، والأساليب الساحرة التي انتحلها أعداؤهم، وقصدوا من ورائها تضليل المسلمين، وتلبيس دينهم عليهم، ودعوتهم إلى التملص منه، والخروج على أحكامه بشتى الأساليب وأنواع المغريات. وهكذا وسائل الإعلام يجب على القائمين عليها أن يتحروا الخير فيما يوجهونه للناس، وأن يزودوها بالمقالات النافعة البناءة، والأحاديث الهادفة، والتوجيهات السديدة التي تنفع المجتمع في دينه ودنياه، وتأخذ بيده إلى الطريق القويم، وتنبهه على أخطائه ومواضع الزلل من سيرته، حتى يرجع عن الخطأ ويستقيم على سواء السبيل. وبذلك تؤدي واجبها وتساهم في الإصلاح الديني والدنيوي ويتحقق بها نفع الأمة وتوجيهها إلى الصالح العام في المشارق والمغارب، وتكون بذلك قد استغلت الوقت فيما يفيد وأحسنت سمعة بلدها، وأخذت بأيدي مستمعيها إلى أسباب الرقي الصالح، والتقدم السليم والحضارة الكريمة التي تصان بها الكرامة، وتحفظ بها الحقوق، وتزكى بها النفوس، وترشد بها العقول إلى طرق السلامة، ووسائل البناء والإصلاح والابتعاد عن أسباب الغي والضلال والتخريب والإفساد. ولقد كان مما أخذ على الإذاعات واستاء له كل مسلم غيور ما تمليه على الناس عبر الأثير ليل نهار من الأغنيات الخليعة، وما يضاف إلى ذلك من آلات العزف والطرب، ومعلوم ما يترتب على ذلك من إفساد القلوب ومرضها وصدها عن ذكر الله وعن الصلاة، وإشغالها بأغنية فلان وفلانة وصوت علان وعلانة عن استماع القرآن الكريم وأحاديث النبي الأمين والمواعظ المفيدة والمقالات البناءة إلى غير ذلك من أنواع الفساد والتخريب، ولا ريب أن ذلك كله من لهو الحديث الذي أخبر الله في كتابه أنه يضل أهله عن سبيل الله، ويفضي بهم إلى اتخاذ آيات الله هزوا كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[1]، وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) أخرجه البخاري في صحيحه، والحر: بالحاء والراء المهملتين هو الفرج الحرام يعني بذلك الزنى، وأما الحرير والخمر فمعروفان، وأما المعازف فهي آلات اللهو كلها كالطنبور والعود والكمان والطبل وشبه ذلك. وقد ظهر مصداق هذا الحديث الشريف في العصور المتأخرة، فقد استحل الكثير من الناس الفرج الحرام والخمر والمعازف، واستحل الكثير من الرجال لبس الحرير، وكل ذلك يدل على ضعف في الإيمان، وقلة في العلم، وفساد في المقصد، وإقبال على الشهوات، وإعراض عظيم عن التفقه في الشريعة الإسلامية والعمل بها، وهذا كله في المنتسبين إليها والمحسوبين عليها، وقد حاربوها وابتعدوا عن تعاليمها واستهزءوا بمن تمسك بها أو دعا إليها إلا من شاء الله وهم القليل. ولا ريب أن بلادنا من أحسن البلاد الإسلامية وأقومها بشعائر الله على ما فيها من نقص وضعف، فالواجب علينا جميعا من مسئولين ومذيعين وكتاب وكاتبات أن نتقي الله جميعا في أنفسنا ومجتمعنا، وأن نتكاتف ونتعاون على نصر دينه وحماية شريعته وترك ما خالف ذلك حتى نكون أسوة صالحة ومثالا أعلى لجميع البلدان الإسلامية، ولا سيما ونحن في مهبط الوحي ومطلع شمس الرسالة وقبلة المسلمين في المشارق والمغارب، ولا ريب أن هذا كله يقتضي مضاعفة الجهود والعناية بعظم المسئولية، ولا يخفى ما في ذلك من جزيل المثوبة إذا قمنا بواجبنا، ويقتضي كبر الجريمة وشدة الخطر إذا تخلينا عنه وتساهلنا بالمسئولية الملقاة على عواتقنا. وقد علم كل ذي بصيرة وعلم بأحوال الناس أن فشو الغناء والملاهي في المجتمع من أعظم الأسباب لزوال النعم وحلول النقم وخراب الدولة وزوال الملك وكثرة الفوضى والتباس الأمور. فالجد الجد والبدار البدار قبل أن يحل بنا من أمر الله ما لا طاقة لنا به، وقبل أن تنزل بنا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منا خاصة بل تعم الصالح والطالح، ويهلك بها الحرث والنسل، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولقد استنكر أهل العلم والإيمان ما تنشره الصحف وغيرها وما تسير عليه الإذاعات حاليا مما أشرنا إليه آنفا وكتبوا في ذلك ما شاء الله أن يكتبوا مما نشر بعضه في الصحف وأكثره لم ينشر. حفزهم إلى ذلك الغيرة لله والنصيحة له ولعباده وما أوجب عليهم مولاهم سبحانه من إنكار المنكر والأمر بالمعروف، وممن كتب في ذلك أخونا العلامة الناصح لله ولعباده الشيخ محمد أحمد باشميل، فقد نشرت له صحيفة الندوة في عددها الصادر في 20/2/1383هـ كلمة قيمة بعنوان: (اضربوا على أيدي السفهاء)، أنكر فيها ما كتبه بعض من قل علمه وضعفت بصيرته من الدعوة إلى السفور والغناء والعزف والطرب، وبروز المرأة واختلاطها مع الرجل في المصنع والمتجر والمكتب ونحو ذلك، وأوضح ما يترتب على ذلك من الفساد. ودعا المسئولين إلى الضرب على أيدي السفهاء. ولا ريب أن هذا هو الواجب عليه وعلى غيره من أهل العلم أن ينصحوا لله ولعباده وأن ينكروا المنكر على من فعله، وأن يحذروا الناس من مغبة ظهور المنكرات والتساهل في إنكارها، ولا شك أن من دعا الناس إلى ما يفسد مجتمعهم ويضرهم في دينهم ويوجب غضب الله عليهم ويسبب حلول النقم. حقيق بأن يسمى سفيها، وأن يطلب من المسئولين من ولاة الأمر وغيرهم من أعيان الناس وأرباب الغيرة والدين أن يضربوا على يديه، وأن يمنعوه من أسباب الخطر، وأن يوقفوه عند حده ويبصروه بعيبه وخطئه، وهذا هو الواجب عليهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) الحديث، فعلى السلطان واجبه مع الرعية بتقويم أخلاقهم وإلزامهم بالحق ومنعهم مما حرم الله حسب الطاقة، وعلى كل إنسان من والد وزوج وأمير وكبير عشيرة ونحوهم واجبهم من إنكار المنكر والأخذ على يد السفيه حسب الطاقة، وإذا كان الله سبحانه قد سمى من لا يحسن التصرف في ماله سفيها ولو كان شيخا كبيرا في قوله سبحانه: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[2] الآية، فالذي لا يحسن التصرف في دينه ولا يقف عند الحد الذي حده الله له أولى بهذه التسمية وأحق بهذا اللقب، ولا ريب أن سفور النساء بحضرة الرجال غير المحارم وإبدائهن مفاتنهن من أعظم السفه، سواء كان ذلك في الطريق أو الطائرة أو السيارة أو المتجر أو المكتب أو المصنع أو القطار أو غير ذلك، وهكذا إعلان الأغاني وآلات العزف ودعوة الناس إلى ذلك وتحبيذه لهم من أعظم السفه، فيجب على ولاة الأمر القضاء على ذلك والمنع منه والضرب على أيدي من يدعو إليه أو يفعله، وبذلك تصلح الأحوال ويؤدى الواجب ويزول المنكر ويؤخذ على يد السفيه، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلا الآية الكريمة من قول الله عز وجل {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[3] ثم قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه)، وإني لأعجب كثيراً من استنكار بعض كتابنا كلمة أخينا الشيخ محمد أحمد باشميل التي أشرنا إليها وغضبهم منها ومناقشتهم إياها وهم يعلمون نصح الرجل وغيرته العظيمة وكتاباته المفيدة، فما كان ينبغي لهم أن يغضبوا من كلمة الحق، بل كان الواجب عليهم أن يؤيدوه ويؤازروه في الصدع بالحق والدعوة إليه، وإنكار المنكر والتحذير منه، والواجب أيضا أن يحملوا كلامه على أحسن المحامل، وأن يظنوا به الظن الحسن، وأن لا يرموه بما لا يليق به، فالمؤمنون أخوة وجسد واحد وبناء واحد سواء كانوا عربا أو عجما، وسواء نبتوا في هذه البلاد وعاشوا فوق أرضها وتحت سمائها أو هاجروا إليها من بعيد، فكل مسلم يعبد الله وحده وينقاد لشريعته أخونا وحبيبنا، سواء كان في المشرق أو المغرب، وسواء كان عربيا أو عجميا، وسواء تجنس بالجنسية الرسمية أم لم يتجنس بها، هكذا علمنا ربنا وأدبنا أحسن تأديب، وهكذا أرشدنا رسوله صلى الله عليه وسلم ووجهنا أكمل توجيه، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[4]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)).
فاتقوا الله يا إخواني وأنصفوا من أنفسكم وحققوا الأخوة الإيمانية التي أمر الله بها، وقولوا للمحق: أحسنت وأجملت، ووجهوه واشكروه وأعينوه، وقولوا للمسيء: أسأت وأخطأت برفق وحكمة ووجهوه وأرشدوه، وبذلك تستحقون الثواب الجزيل من الله سبحانه والثناء الحسن من الناس والسمعة الطيبة في الداخل والخارج، واحذروا طاعة الهوى والتعصب المقيت والتقليد الأعمى تربحوا وتسلموا وتفوزوا بالعاقبة الحميدة. والله أسأل أن يهدينا جميعا سواء السبيل، وأن يوفق حكومتنا وولاة أمرنا لما فيه صلاح المجتمع وسعادته في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا جميعا ممن يقول الحق ويعمل به لا يخاف في الله لومة لائم إنه على كل شيء قدير. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
[1] سورة لقمان الآية 6. [2] سورة النساء الآية 5. [3] سورة المائدة الآيتان 78-79. [4]
سورة الحجرات الآية 10.