الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى
الناقل :
SunSet
| الكاتب الأصلى :
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
| المصدر :
www.binbaz.org.sa
الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى من أهم الواجبات الإسلامية، وهي سبيل الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة، وقد أمر الله بها في كتابه الكريم وأثنى على أهلها غاية الثناء، فقال تعالى:
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
[1]
،
وقال تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ
[2]
،
فانظر أيها القارئ الكريم كيف أمر الله سبحانه في الآية الأولى بالدعوة إليه، وأوضح مراتب الدعوة حتى يكون الداعي في هذا السبيل العظيم على بصيرة؛ وما ذاك إلا لأن المدعوين أصناف كثيرة وطبقات مختلفة.
فمنهم الراغب في الخير ولكنه غافل قليل البصيرة فيحتاج إلى دعوته بحكمة، وهي تفهيمه الحق، وإرشاده إليه، وتنبيهه على ما فيه من المصلحة العاجلة والآجلة، فعند ذلك يقبل الدعوة وينتبه من غفلته وجهله ويبادر إلى الحق. ومنهم المعرض عن الحق المشتغل بغيره فمثل هذا يحتاج إلى الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتنبيه على ما في التمسك بالحق من المصالح العاجلة والآجلة وعلى ما في خلافه من الشقاء والفساد، وسيئ العواقب، ولعله بهذا يجيب إلى الحق ويترك ما هو عليه من الباطل.
ولا ريب أن هذا المقام مقام عظيم يحتاج الداعي فيه إلى مزيد من الصبر والحلم، والرفق بالمدعو تأسياً بإمام الدعاة وسيدهم وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. الطبقة الثالثة من الناس من له شبهة قد حالت بينه وبين فهم الحق والانقياد له فهذا يحتاج إلى مناقشة وجدال بالتي هي أحسن حتى يفهم الحق، وتنزاح عنه الشبهة، ومثل هذا يجب على الداعي أن يرفق به أكثر من الذين قبله وأن يصبر على مناقشة واقتلاع جذور الشبهة من قلبه، وذلك بإيضاح الأدلة الدالة على الحق وتنويعها وشرحها شرحاً وافياً جلياً على حسب لغة المدعو وعرفه، إذ ليس كل أحد يفهم اللغة العربية فهما جيداً، وإن كان من أهل العلم فإنه قد يدخل عليه من لغته وعادته وعادة قومه ما يلبس عليه المعنى الذي أراده الشارع، فيحصل بذلك خطأ كبير، وقول على الله ورسوله بغير علم.
ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ما يترتب على ذلك من الفساد الكبير في الدنيا والآخرة، ومن هنا يعلم الداعي إلى الله تعالى أنه في حاجة شديدة إلى الفقه في الدين، والبصيرة بأحكام الشريعة، والمعرفة بلغة المدعوين وعرفهم، وذلك يوجب عليه التوسع في فهم الكتاب والسنة والعناية بمعرفة ما أراد الله ورسوله كله، والعناية أيضاً بدراسة اللغة العربية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم من حين بعثه الله إلى أن قبضه إليه دراسة وافية حتى يتمكن بذلك من إرشاد الأمة إلى ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أخلاق وأعمال، وعلى حسب اجتهاده وعمله وصبره يكون حظه من الثناء الحسن الذي أثنى الله به على الدعاة إليه في الآية المتقدمة وهي قوله تعالى:
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا
[3]
الآية.
وهذه الآية الكريمة تفيد أن الدعاة إلى الله عز وجل هم أحسن الناس قولاً إذا حققوا قولهم بالعمل الصالح، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها، ويحبونهم عليها، بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع، وإنما نصيبهم في هذه الدعوة المقت من الله سبحانه، والسب من الناس والإعراض عنهم والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ
[4]
، وقال الله موبخاً لليهود:
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ
[5]
فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول أمر يخالف العقل كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل.
اللهم اهدنا لما فيه رضاك واجعلنا من الذين يهدون بالحق وبه يعملون، إنك أكرم مسئول وخير مجيب.
[1]
سورة النحل الآية 125.
[2]
سورة فصلت الآية 33.
[3]
سورة فصلت الآية 33.
[4]
سورة الصف الآيتان 2-3.
[5]
سورة البقرة الآية 44.