تعد النقود الإلكترونية واحدة من الابتكارات التي أفرزها التقدم التكنولوجي. وسوف تثير النقود الإلكترونية بمختلف صورها عدداً من المسائل القانونية والتنظيمية التي يتعين الاهتمام بها. ويتضمن ذلك إيجاد مجموعة من الوسائل المقبولة لتوثيق وحماية المعلومات. ويهدف هذا البحث إلى توضيح أهم القضايا التي تثيرها النقود الإلكترونية كما أنه يقدم بعض السياسات المتعلقة بالضوابط القانونية والتنظيمية الخاصة بتلك النقود. يقدم الفصل الأول من هذا البحث مختلف التعريفات التي وضعت للنقود الإلكترونية، وخصائصها وكذلك أشكالها المختلفة. أما الفصل الثاني، فقد خصصناه لمناقشة أهم المخاطر القانونية والأمنية الناتجة عن إصدار النقود الإلكترونية والتعامل بها. وقد اقترحنا في الفصل الثالث بعض الضوابط القانونية التي يتعين وضعها في الاعتبار عند وضع تشريع قانوني للنقود الإلكترونية.
يلعب التطور التكنولوجي دوراً حيوياً في حياة البشر وتمتد آثار هذا التطور إلى كافة مناحي الحياة الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والثقافية. ولقد ظهرت في أواخر القرن العشرين مجموعة من الظواهر المختلفة التي أفرزها التقدم التكنولوجي مثل التجارة الإلكترونية، ووسائل الدفع الإلكترونية، والنقود الإلكترونية.
ولقد شهدت الحركة المصرفية حديثاً تطوراً كبيراً وكان من أحد شواهد هذا التطور السماح لعملاء المصارف بإجراء عمليات الشراء والبيع من خلال شبكة الاتصالات Internet، وذلك باستخدام وسائل الدفع الإلكترونية التي تتيحها هذه البنوك. ولم يقف التطور عند هذا الحد، وإنما ظهر على الساحة أيضاً ما يعرف بالنقود الإلكترونية أو النقود الرقمية. وهي عبارة عن بطاقات إلكترونية تحتوي على مخزون نقدي تصلح كوسيلة للدفع، وأداة للإبراء، ووسيطاً للتبادل. ولما كانت النقود الإلكترونية تصلح لأن تقوم بغالبية الوظائف التي تقوم بها النقود القانونية (أي تلك التي يصدرها البنك المركزي)، فقد أضحى من المتوقع أن تحل هذه النقود الحديثة محل النقود القانونية على المدى الطويل.
وفي الواقع، فإن انتشار النقود الإلكترونية وذيوع استخدامها سوف يولد آثاراً هامة من الناحية القانونية والاقتصادية والمالية. فمن المتوقع أن تفرز النقود الإلكترونية مجموعة من المخاطر الأمنية والقانونية والتي ينبغي على المسؤولين الاستعداد لها مثل مخاطر التزييف والتزوير، والاحتيال، بالإضافة إلى أن النقود الإلكترونية سوف تخلق مناخاً خصباً لبعض الجرائم الخطيرة مثل جرائم غسيل الأموال والغش. من ناحية أخرى فإن من المتعارف عليه أن البنك المركزي هو الذي يعهد إليه في غالبية الدول بمسألة إصدار النقود، علاوة على دوره الرئيس في رسم السياسة النقدية للدولة. ومن شأن قيام جهات أخرى غير البنك المركزي بعملية خلق النقود الإلكترونية – وهو ما يجري في الواقع الآن – أني يؤثر على قدرة البنك المركزي على الحفاظ على الاستقرار النقدي من خلال إضعاف دوره في السيطرة على حجم السيولة النقدية وسرعة دوران النقود.
علاوة على ما سبق، فإن خلق النقود الإلكترونية يمكن أن يؤثر في السياسة المالية للدولة من خلال تأثيرها على حجم الإيرادات الضريبية المتوقعة، ففي ظل غياب نظام قانوني دقيق ومحكم، فإنه سيكون من الصعب على السلطات المالية المتخصصة أن تراقب الصفقات وكذلك الدخول التي يتم دفعها من خلال النقود الإلكترونية، ومن ثم فإن من شأن ذلك أن يفتح الباب أمام جرائم التهرب الضريبي وكذلك أمام تعميق ظاهرة الاقتصاد السري Underground economy.
يتضح مما سبق حجم المشكلات القانونية والمالية والأمنية التي يمكن أن تنشأ كنتيجة لظهور النقود الإلكترونية. ويهدف هذا البحث إلى إلقاء الضوء على تلك المشكلات مع وضع تصور لأهم الضوابط التي ينبغي على أي تنظيم قانوني للنقود الإلكترونية أن يتضمنها.
ونم هذا المنطلق، فإن خطة الدراسة سوف تنقسم إلى الفصول الآتية:
الفصل الأول: تعريف وخصائص النقود الإلكترونية.
الفصل الثاني: المخاطر الأمنية والقانونية للنقود الإلكترونية.
الفصل الثالث: نحو تنظيم قانوني لإصدار النقود الإلكترونية.
لقد مرت البشرية بأطوار كثيرة حتى عرفت النقود بشكلها الحالي. فقد ظهرت النقود كنتيجة للنقائص التي اعتورت نظام المقايضة الذي كان سائداً قبل معرفة النقود، ولعل من أهم هذه المساوئ صعوبة التقاء رغبات المشترين مع البائعين، وعدم قابلية السلع محل المقايضة للتجزئة، وصعوبة تخزينها. ولقد أخذت النقود في بادئ الأمر شكل المعادن النفيسة كالذهب والفضة، ثم لم تلبث البشرية أن انتقلت إلى مرحلة التعامل بالنقود الورقية والمصرفية [لمزيد من التفصيل حول تطور النقود، انظر: Davies, Glyn (1996), “A history of money from ancient times to the present day”, University of Wales Press, U.K., PP. 1-50.].
ومع هذا، فإن تطور النقود لم يقف عند هذا الحد، فلقد ساعد التقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات، وتطور الصناعة المصرفية، وظهور التجارة الإلكترونية في الحياة الاقتصادية، على ظهور شكل جديد من النقود أطلق الاقتصاديون عليها مسمى النقود الإلكترونية. وسوف نخصص هذا الفصل لدراسة ماهية وخصائص النقود الإلكترونية. ولهذا فإننا سنتناول هذا الفصل في مبحثين كما يلي:
المبحث الأول: ماهية النقود الإلكترونية وأشكالها.
المبحث الثاني: خصائص النقود الإلكترونية ومستقبلها.
قبل أن نخوض في الحديث عن النقود الإلكترونية فإن منهجية الدراسة تقتضي أن نلقى الضوء أولاً على مفهوم هذه النقود وأبرز صورها، وهذا ما سوف نتناوله في مطلبين مستقلين كما يلي:
المطلب الأول: تعريف النقود الإلكترونية.
المطلب الثاني: أشكال النقود الإلكترونية.
دأبت الأدبيات الحديثة على استخدام مصطلحات مختلفة للتعبير عن مفهوم النقود الإلكترونية، فقد استخدم البعض اصطلاح النقود الرقمية Digital Money أو العملة الرقمية Digital currency، بينما استخدم البعض الآخر مصطلح النقدية الإلكترونية Electronic cash (e-cash)[Berensten, Aleksander (1998), “Monetary Plicy Implications of Digital Money”, Kyklos, Vol. 51, no 1, P.90]. وبغض النظر عن الاصطلاح المستخدم، فإن هذه التعبيرات المختلفة تشير إلى مفهوم واحد وهو النقود الإلكترونية Electronic Money وسوف نستخدم هذا المصطلح الأخير في دراستنا هذه وذلك لشيوع استخدامه ودلالته في نفس الوقت على مضمون ومعنى هذه النقود.
وكما اختلف الفقهاء حول الاصطلاح، فقد اختلفوا أيضاً حول وضع تعريف محدد للنقود الإلكترونية. فلقد عرفتها المفوضية الأوروبية بأنها قيمة نقدية مخزونة بطريقة إلكترونية على وسيلة إلكترونية كبطاقة أو ذاكرة كمبيوتر، ومقبولة كوسيلة للدفع بواسطة متعهدين غير المؤسسة التي أصدرتها، ويتم وضعها في متناول المستخدمين لاستعمالها كبديل عن العملات النقدية والورقية، وذلك بهدف إحداث تحويلات إلكترونية لمدفوعات ذات قيمة محددة [European Commission (1998), “Proposal for European Parliament and Council Directives on the taking up, the pursuit and the prudential supervision of the business of electronic money institution”, Brussels, COM (98) 727, PP.w.]. إلا أن هذا التعريف ليس مانعاً وتعوزه الدقة، حيث أنه لا يستبعد دخول وسائل الدفع الإلكترونية – وهي كما سوف نرى – أمر مختلف عن النقود الإلكترونية – في نفس المضمون. ونفس الشيء يقال عن تعريف BIS (1996) للنقود الإلكترونية حيث ذهب إلى اعتبارها "قيمة نقدية في شكل وحدات ائتمانية مخزونة بشكل إلكترونية أو على أداة إلكترونية يحوزها المستهلك [Bank for International settlements (BIS), (1996), “Implication for central banks of the development of electronic money, Basle, P. 13.].
ولقد توسع البعض في مفهوم النقود الإلكترونية، فعرفها بأناه نقود يتم نقلها إلكترونياً [The consumer Advisory Board of the Federal Reserve Board of the USA, (1996), “Federal Reserve Board Consumer Advisory Council Meeting”, nov. 2, P. 5.]. وأخيراً، فقد عرفها البنك المركزي الأوروبي بأنها "مخزون إلكتروني لقيمة نقدية على وسيلة تقنية يستخدم بصورة شائعة للقيام بمدفوعات لمتعهدين غير من أصدرها، دون الحاجة إلى وجود حساب بنكي عند إجراء الصفقة وتستخدم كأداة محمولة مدفوعة مقدماً" [European Central Bank (1998), “Report on Electronic Money”, Frankfurt, Germany, August, P. 7.]. ويعد هذا التعريف هو الأقرب إلى الصحة نظراً لدقته وشموله لصور النقود الإلكترونية واستبعاده للظواهر الأخرى التي يمكن أن تتشابه معها.
وفي الواقع فإننا نستطيع أن نعرف النقود الإلكترونية بأنها "قيمة نقدية مخزنة على وسيلة إلكترونية مدفوعة مقدماً وغير مرتبطة بحساب بنكي، وتحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها، وتستعمل كأداة للدفع لتحقيق أغراض مختلفة". ويمكننا أن نحدد عناصر النقود الإلكترونية من خلال التعريف السابق، وهي:
ـ قيمة نقدية: أي أنها تشمل وحدات نقدية لها قيمة مالية مثل مائة جنيه أو خمسون جنيها. ويترتب على هذا أنه لا تعتبر بطاقات الاتصال التليفوني من قبيل النقود الإلكترونية حيث أن القيمة المخزونة على الأولى عبارة عن وحدات اتصال تليفونية وليست قيمة نقدية قادرة على شراء السلع والخدمات. وكذلك الأمر بالنسبة للبطاقات الغذائية (الكوبانات) والتي من المتصور تخزينها إلكترونية على بطاقات، فهي لا تعد نقوداً إلكترونية لأن القيمة المسجلة عليها ليست قيمة نقدية بل هي قيمة عينية تعطى حاملها الحق في شراء وجبة غذائية أو أكثر وفقاً للقيمة المخزونة على البطاقة.
ـ مخزنة على وسيلة إلكترونية: وتعد هذه الصفة عنصراً مهماً في تعريف النقود الإلكترونية، حيث يتم شحن القيمة النقدية بطريقة إلكترونية على بطاقة بلاستيكية أو على القرص الصلب للكمبيوتر الشخصي للمستهلك [لمزيد من التفصيل حول كيفية عمل النقود الإلكترونية انظر: رضوان، رأفت (1999)، "عالم التجارة الإلكترونية"، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، مكتبة المنظمة العربية للتنمية الإدارية، ص93-97]. وهذا العنصر يميز النقود الإلكترونية عن النقود القانونية والائتمانية التي تعد وحدات نقدية مصكوكة أو مطبوعة. وفي الواقع فإنه يتم دفع ثمن هذه البطاقات مسبقاً وشرائها من المؤسسات التي أصدرتها، ولهذا، فإنه يطلق عليها البطاقات سابقة الدفع Prepaid Cards.
ـ غير مرتبطة بحساب بنكي: وتتضح أهمية هذا العنصر في تمييزه للنقود الإلكترونية عن وسائل الدفع الإلكترونية Electronic Means of Payment. فهذه الأخيرة عبارة عن بطاقات إلكترونية مرتبطة بحسابات بنكية للعملاء حاملي هذه البطاقات تمكنهم من القيام بدفع أثمان السلع والخدمات التي يشترونها مقابل عمولة يتم دفعها للبنك مقدم هذه الخدمة. ومن أمثلة وسائل الدفع الإلكترونية، بطاقات الخصم Debit Cards، وهي عبارة عن بطاقات يقتصر استخدامها خصماً على حسابات دائنة للعملاء يتم بموجبها تحويل قيمة نقدية من حساب إلى حساب آخر. فهي بمثابة المفتاح الذي يسمح بالنفاذ إلكترونياً إلى الودائع البنكية المملوكة لحامل هذه البطاقة. وتعتبر بطاقات الائتمان Credit Cards من قبيل وسائل الدفع الإلكترونية حيث يتم استخدام هذه البطاقات خصماً على حسابات بنكية مدينة نظير فائدة يقوم بدفعها حامل أو مالك هذه البطاقة إلى المؤسسة المصرفية التي منحته هذا الائتمان.
من الواضح إذاً أن النقود الإلكترونية تتشابه مع الشيكات السياحية Travelers Checks التي هي عبارة عن استحقاق حر أو عائم على بنك خاص أو مؤسسة مالية أخرى، وغير مرتبط بأي حساب خاص [White, L.H. (1996), “The Technology Revolution and Monetary Evolution” in, The Future of Money in the Information Age, Cato Institute’s 14th annuel monetary confernce, May 23, Washington, D.C., P. 16.]. وهذا ما دعا البعض إلى اعتبار النقود الإلكترونية بمثابة تيار من المعلومات السابحة أو الطوافة [Philips, J. (1996), “Bytes of Cash: Banking, Computing and Personal Finance”, First Monday Review, Vol. 1, NO5, November, P. 3. ].
ـ تحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها: ويعني هذا العنصر ضرورة أن تحظى النقود الإلكترونية بقبول واسع من الأشخاص والمؤسسات غير تلك التي قامت بإصدارها. فيتعين إذاً ألا يقتصر استعمال النقود الإلكترونية على مجموعة معينة من الأفراد، أو لمدة محددة من الزمن، أو في نطاق إقليمي محدد. فالنقود، ولكي تصير نقوداً يتعين أن تحوز ثقة الأفراد وتحظى بقبولهم باعتبارها أداة صالحة للدفع ووسيطاً للتبادل.
من ناحية أخرى، فإنه لا يجوز اعتبار هذه الوسائل نقوداً إلكترونية في حالة ما إذا كان مصدرها ومتلقيها هو شخص واحد. فعلى سبيل المثال، لا تعد بطاقات الاتصال التليفوني نقوداً إلكترونية نظراً لكون من أصدرها ومن يقبلها هو هيئة واحدة (أي هيئة الاتصالات التليفونية)، حيث لا يصلح العمل بهذه البطاقة إلا في أجهزة التليفون التي خصصتها تلك الهيئة لهذا الغرض.
ـ وسيلة للدفع لتحقيق أغراض مختلفة: يجب أن تكون هذه النقود صالحة للوفاء بالتزامات كشراء السلع والخدمات، أو كدفع الضرائب…إلخ. أما إذا اقتصرت وظيفة البطاقة على تحقيق غرض واحد فقط كشراء نوع معين من السلع دون غيره أو للاتصال التليفوني، ففي هذه الحالة لا يمكن وصفها بالنقود الإلكترونية بل يطلق عليها البطاقات الإلكترونية ذات الغرض الواحد.
تختلف صورة النقود الإلكترونية وأشكالها تبعاً للوسيلة التي يتم من خلالها تخزين القيمة النقدية، وكذلك وفقاً لحجم القيمة النقدية المخزونة على تلك الوسيلة التكنولوجية. فهناك إذاً معيارين لتمييز صور النقود الإلتكرونية: معيار الوسيلة ومعيار القيمة النقدية.
أولاً: معيار الوسيلة:
نستطيع أن نقسم النقود الإلكترونية وفقاً للوسيلة المستخدمة لتخزين القيمة النقدية عليها إلى البطاقات سابقة الدفع، والقرص الصلب، وأخيراً الوسيلة المختلطة.
1 - البطاقات سابقة الدفع Prepaid Cards: ويتم بموجب هذه الوسيلة تخزين القيمة النقدية على شريحة إلكترونية مثبتة على بطاقة بلاستيكية. وتأخذ هذه البطاقات صوراً متعددة. وأبسط هذه الأشكال هي البطاقات التي يسجل عليها القيمة النقدية الأصلية والمبلغ الذي تم إنفاقه، ومن أمثلتها البطاقات الذكية Smart Cards المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبطاقة دامونت سابقة الدفع Danmnt Prepaid Cards، والتي يتم تداولها بصورة شائعة في الدانمارك. وهناك أيضاً بعض البطاقات التي تستخدم كنقود إلكترونية وتستعمل في ذات الوقت كبطاقات خصم Debit Cards مثل بطاقات Abant Cards المنتشرة في فنلندا [Thygesen, Christian and Kruse, Mogens (1998), “Electronic Money”, Danamarks National Bank Monetary Review, 4th Quarter, P. 3.]. وهناك أخيراً بطاقات متعددة الأغراض، أي تستخدم في ذات الوقت كبطاقة خصم، وكبطاقة تليفون وكبطاقة شخصية بالإضافة إلى كونها نقوداً إلكترونية:
2 - القرص الصلب Hard Disk: ويتم تخزين النقود هنا على القرص الصلب للكمبيوتر الشخصي ليقوم الشخص باستخدامها متى يريد من خلال شبكة الإنترنت، ولهذا فإنه يطلق على هذا النوع من النقود أيضاً مسمى النقود الشبكية Network Money. وطبقاً لهذه الوسيلة، فإن مالك النقود الإلكترونية يقوم باستخدامها في شراء ما يرغب فيه من السلع والخدمات من خلال شبكة الإنترنت، على أن يتم خصم ثمن هذه السلع والخدمات في ذات الوقت من القيمة النقدية الإلكترونية المخزنة على ذاكرة الكمبيوتر الشخصي.
3 - الوسيلة المختلطة: وتعد هذه الوسيلة خليطاً مركباً من الطريقتين السابقتين، حيث يتم بموجبها شحن القيمة النقدية الموجودة على بطاقة إلكترونية سابقة الدفع على ذاكرة الحاسب الآلي الذي يقوم بقراءتها وبثها عبر شبكة الإنترنت إلى الكمبيوتر الشخصي لبائع السلع والخدمات.
ثانياً: معيار القيمة النقدية:
هناك تصنيف آخر للنقود الإلكترونية يرتكن على معيار حجم القيمة النقدية المخزنة على الوسيلة الإلكترونية (البطاقة البلاستيكية أو القرص الصلب). ونستطيع أن نميز هنا بين شكلين من النقود الإلكترونية:
1 - بطاقات ذات قيمة نقدية ضعيفة TinyValue Cards وهي بطاقات صالحة للوفاء بأثمان السلع والخدمات والتي لا تتجاوز قيمتها دولاراً واحداً فقط.
2 - بطاقات ذات قيمة متوسطة: وهي تلك التي تزيد قيمتها عن دولار ولكنها لا تتجاوز 100 دولار.
من الملاحظ إذاً أن النقود الإلكترونية لم تعرف حتى هذه اللحظة فئة نقدية أكبر من المائة دولار، وإن لم يكن من المستبعد تطورها في المستقبل القريب.
إن النقود الإلكترونية – وعلى حسب تعريفها السابق – تصلح لأن تحل محل النقود القانونية وكذلك محل وسائل الدفع المختلفة كالعملة النقدية والشيك وبطاقات الخصم والشيك السياحي وأيضاً بطاقات الائتمان. ومن الضروري أن نلقي الضوء على خصائص ومستقبل النقود الإلكترونية وذلك من خلال المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: خصائص النقود الإلكترونية.
المطلب الثاني: نشأة ومستقبل النقود الإلكترونية.
من خلال عرضنا السابق، فإننا نستطيع أن نستنتج مجموعة من الخصائص التي تميز النقود الإلكترونية والتي نعرضها في السطور الآتية.
أولاً: النقود الإلكترونية قيمة نقدية مخزنة إلكترونياً: فالنقود الإلكترونية وخلافاً للنقود القانونية عبارة عن بيانات مشفرة يتم وضعها على وسائل إلكترونية في شكل بطاقات بلاستيكية أو على ذاكرة الكمبيوتر الشخصي وذلك كما أوضحنا سالفاً.
ثانياً: النقود الإلكترونية ثنائية الأبعاد: إذ يتم نقلها من المستهلك إلى التاجر دون الحاجة إلى وجود طرف ثالث بينهما كمصدر هذه النقود مثلاً. فالنقود الإلكترونية صالحة لإبراء الذمة ووسيلة لدفع أثمان السلع والخدمات دون أن يقتضي ذلك قيام البائع بالتأكد من حقيقة هذه النقود أو من كفاية الحساب البنكي للمشتري كما هو الحال بالنسبة لوسائل الدفع الإلتكرونية، حيث يتأكد البائع من مدى كفاية الرصيد الموجود في حساب المشتري.
ثالثاً: النقود الإلكترونية ليست متجانسة: حيث أن كل مصدر يقوم بخلق وإصدار نقود إلكترونية مختلفة. فقد تختلف هذه النقود من ناحية القيمة، وقد تختلف أيضاً بحسب عدد السلع والخدمات التي يمكن أن يشتريها الشخص بواسطة هذه النقود. فهذه النقود ليست متماثلة أو متجانسة.
رابعاً: سهلة الحمل: تتميز النقود الإلكترونية بسهولة حملها نظراً لخفة وزنها وصغر حجمها، ولهذا فهي أكثر عملية من النقود العادية. ويرجع ذلك إلى أنها تعفي الفرد من حمل نقدية كبيرة لشراء السلع والخدمات رخيصة الثمن كالصحيفة أو مشروبٍ أو وجبة خفيفة.
خامساً: وجود مخاطر لوقوع أخطاء بشرية وتكنولوجية: يلاحظ أن النقود الإلكترونية هي نتيجة طبيعية للتقدم التكنولوجي. وعلى الرغم مما تقدمه هذه التكنولوجية للبشرية من وسائل الراحة والرفاهية، فإنها تظل عرضة للأعطال مما يتسبب في وقوع مشكلات كثيرة خاصة في ظل عدم وجود كوادر مدربة وخبيرة تكون قادرة على إدارة المخاطر المترتبة على مثل هذه التقنيات الحديثة. وهذا ينطبق على النقود الإلكترونية، وبصفة خاصة تلك التي يتم التعامل بها عبر الإنترنت. وعلى النقيض من ذلك، فإن النقود العادية تتميز بالوضوح وقلة الأخطاء الناتجة عن التعامل بها. ومع هذا فمن المتوقع أن تقل المشكلات الناتجة عن التعامل بالنقود الإلكترونية في المستقبل مع اعتياد استخدامها والتعامل بها.
سادساً: النقود الإلكترونية هي نقود خاصة: على عكس النقود القانونية التي يتم إصدارها من قبل البنك المركزي، فإن النقود الإلكترونية يتم إصدارها في غالبية الدول عن طريق شركات أو مؤسسات ائتمانية خاصة، ولهذا فإنه يطلق على هذه النقود اسم النقود الخاصة Private Money.
وبعد أن عرضنا لخصائص النقود الإلكترونية، فإن هناك تساؤلاً يثار حول طبيعة النقود الإلكترونية ومدى صحة وصفها بالنقود. لم تتفق الأدبيات الاقتصادية على طبيعة النقود الإلكترونية، فقد اعتبرها البعض مجرد وسيلة للدفع مع عدم صلاحيتها كوسيلة للإبراء حيث لا يستطيع حائز هذه النقود أن يوفي بها ديونه. من ناحية أخرى، فإن قدرة النقود الإلكترونية على الدوران محدودة، حيث يتعين على البائع القيام بتقديم البطاقة المخزن عليها النقود الإلكترونية، والتي تمثل أثمان السلع والخدمات التي باعها، إلى مصدر النقود الإلكترونية Issuer وذلك لاستبدالها في مقابل نقود قانونية [Piffaretti, Nadia (1999), “A Theoretical Approach to Electronic Money”, Faculte des Sciences Economiques et Sociales Working Papers, No302, Universite de Fribourg, Suisse, P. 8.]. وعلى النقيض من هذا، فقد ذهب البعض الآخر إلى أن النقود الإلكترونية لا تختلف عن جميع أشكال النقود الموجودة الآن وذلك باعتبارها وسيلة للدفع ووسيطاً للتبادل [Ely, B. (1996), “Electronic Money and Monetary Policy: Separating fact from fiction, paper presented at Cato Institute’s 14th Annuel Monetary Conference”, May, P. 20.].
في الواقع، فإن النقود الإلكترونية تتشابه مع النقود العادية في صلاحية كلا منهما كوسيلة للدفع، علاوة على تمتعهما بقدر واسع من القبول وإن كانت النقود العادية تتمتع بقبول أكثر نظراً لحداثة النقود الإلكترونية واعتمادها على تكنولوجيا متقدمة ربما لا تكون متوافرة إلا في الدول المتقدمة. من ناحية أخرى، فإن هذه التكنولوجيا قد تتباين داخل الدولة الواحدة مما يقلل من اعتماد السكان على النقود الإلكترونية كوسيلة للدفع ويدفعهم إلى استخدام النقدية Cash Money. وكذلك، فإن النقود الإلكترونية تصلح كمقياس للقيمة متشابهة في ذلك مع النقود العادية.
ومع هذا فإن النقود الإلكترونية تختلف عن النقود العادية في عدة أمور. فالبنك المركزي في كل دولة هو الجهة العامة المنوط بها إصدار وطبع النقود القانونية بكل فئاتها وتحديد حجم هذه النقود التي يتم تداولها بالقدر الذي لا يؤثر في السياسة النقدية للدولة. وعلى العكس من هذا، فإن مصدر النقود الإلكترونية هي مؤسسات ائتمانية خاصة قد تخضع لرقابة الأجهزة الحكومية المعنية. من ناحية أخرى، فإن النقود الإلكترونية – على عكس النقود العادية – لا تستطيع أن تغل فائدة وذلك لعدم قابلية وضعها كوديعة مما يتعارض مع ما تذهب إليه النظرية النقدية من اعتبار النقود أصل مربح.
وفي الواقع، فإنه على الرغم من الفروق الشكلية بين النقود العادية والإلكترونية، فإننا نعتقد أن النقود الإلكترونية هي نقود عادية متطورة فهي وإن كانت لا تتشابه معها في الشكل، فإنها تتفق معها في المضمون. فالنقود الإلكترونية تصلح كأداة للدفع، كما أنه لا يوجد ما يحول دون قيامها بوظيفة النقود العادية كوسيط للتبادل وبالتالي يساعد على سرعة تداولها ودورانها. فعند إجراء صفقة تجارية بين شخصين باستخدام النقود الإلكترونية، يقوم كلاهما (أي البائع والمشتري) بوضع بطاقتيهما في محفظة إلكترونية Electronic Wallet، والتي تقوم بخصم ثمن السلعة أو الخدمة من بطاقة المشتري وتنقلها إلى بطاقة البائع. من المتصور بعد ذلك أن يقوم البائع باستخدام حصيلة النقود الإلكترونية في شراء سلع وخدمات من منتج أو من بائع آخر ليقوم ببيعها بعد ذلك، أو يستخدمها في إبراء ديونه. فالنقود الإلكترونية تصلح إذاً لإبراء الذمة وذلك بنفس الطريقة سالفة الذكر.
من الواضح إذاً أن النقود الإلكترونية بأشكالها المختلفة تصلح للقيام بوظائف النقود القانونية [فالأمر ينطبق هنا أيضاً على النقود الشبكية، حيث يقوم البائع والمشتري بإتمام الصفقة من خلال استخدام شبكة الإنترنت. فالبائع يقوم بالضغط على كلمة "يشتري" في الموقع الخاص بالبائع ويتم بمقتضاها تحويل مبلغ مساو لقيمة السلعة أو الخدمة من ذاكرة الكمبيوتر الشخصي للمشتري إلى ذاكرة الكمبيوتر الشخصي للبائع ليقوم البائع بعد ذلك بشراء سلع وخدمات أو بتحويلها إلى نقود عادية أو بتحويلها إلى حساب بنكي في أي مكان في العالم عبر شبكة الإنترنت]. كما أنه من المتصور في المستقبل القريب أن تقبل النقود الإلكترونية كودائع وتصلح حينئذ لأن تدر أرباحاً. لهذا فإننا نخلص إلى القول باعتبار النقود الإلكترونية نقوداً عادية متطورة.
من الملائم الآن أن نلقي الضوء على نشأة النقود الإلكترونية، ثم نحلل تلك العوامل التي تساعد على تطورها وتلك التي يمكن أن تعوق انتشارها.
لقد عرفنا مما سبق أن النقود الإلكترونية هي إحدى إفرازات التقدم التكنولوجي، وبصفة خاصة تطور علم الاتصالات. ولهذا فإن البعض يرجع نشأة النقود الإلكترونية إلى عام 1860، حيث تم تحويل مبلغ مالي باستخدام التلغراف [تم اختراع التلغراف بواسطة Samuel F.B. Morse وذلك في سنة 1844. انظر في تفصيل ذلك: Bernkopf, M. (1996), “Electronic Cash and Monetary Policy”, First Monday Review, Vol. 1, No1, May, P. 3,]. ومع هذا، فإنه من الملاحظ أن المعنى الدقيق للنقود الإلكترونية – كما أوضحناه سالفاً – لا يتطابق مع هذه الواقعة، حيث أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد حوالة نقدية من شخص إلى شخص آخر. ويذهب البعض الآخر إلى رد أصل النقود الإلكترونية إلى اختراع الكتابة المشفرة Cryptography، وقد استخدم العسكريون وسائل الاتصال المشفرة في نقل أسرار الأعداء. ويوجد نوعان من الاتصال المشفر: تشفير ذو مفتاح خاص أو متشابه Symmetric Key Cryptography، وتشفير ذو مفتاح عام Public Key Cryptography، ويقصد بالمفتاح Key الأداة المستخدمة لقراءة الرسالة المشفرة. ففي النوع الأول، يكون لدى المرسل والمستقبل نفس المفتاح وهو كتاب فك الشفرة، بينما يوجد في النوع الثاني مفتاح عام للإرسال ومفتاح خاص للاستقبال [Solinsky, J. (1995), “An Introduction to Electronic Commerce”, Worldquest University, Olen Soifer, USA.].
وعلى الرغم من أن خدمة تحويل الأموال قد بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1918 وذلك عندما قامت بنوك الاحتياط الفيدرالي بنقل النقود بواسطة التلغراف، فإن الاستخدام الواسع للنقود الإلكترونية لم يبدأ إلا في عام 1972 عندما تأسست دار المقاصة الآلية Automated Clearinghouse. فقد تولت هذه المؤسسة عملية إمداد خزانة الولايات المتحدة الأمريكية وأيضاً البنوك التجارية ببديل إلكتروني لإصدار الشيكات Check Preocessing. وعلى غرار هذا النظام، انتشر وجود أنظمة متشابهة في أوروبا، ونتج عن هذا استخدام النقود الإلكترونية بصورة شائعة في أنحاء المعمورة [تتم المدفعوعات في النظم المصرفية العالمية بطريقة إلكترونية من خلال عدد من شبكات الكمبيوتر القائمة بين البنوك. ومن أكثر هذه الشبكات اتساعاً شبكة CHIPS (Clearing House Interbank Payments System)، وهي عبارة عن شبكة مملوكة ومدارة بواسطة دار المقاصة في نيويورك، حيث يتم استخدامها في تحويل قيم نقدية كبيرة. في عام 1994، قامت شبكتي CHIPS و FEDWIRE بإنهاء 118 مليون صفقة قدرت قيمتها بمبلغ 507 تريليون دولار].
أما البطاقات البلاستيكية الإلكترونية، والتي تعد الصورة الرئيسة للنقود الإلكترونية، فلم تعرف إلا في عام 1970 على يد الياباني Kunitaka Arimura. وفي عام 1974 طور الفرنسي Roland Morens هذا الاختراع من خلال تطوير أوجه استخدام هذه البطاقة الإلكترونية. وفي الواقع فإن Honeywell Bull يعد أول من اخترع البطاقة الذكية Smart Card التي تمثل الشكل الرئيس للنقود الإلكترونية وكان ذلك في عام 1979. إلا أن هذه الصورة الأولية لهذه البطاقة كانت تتسم برداءة التصميم مما دفع شركة French Bank Card Assocition إلى استخدام تكنولوجيا أكثر تقدماً لإنتاج البطاقات الذكية، وظهرت بالفعل أول بطاقة ذكية تقليدية في عام 1986 [Good, Barbara (1997), “Electronic Money”, Federal Reserve Bank of Cleveland Working Paper, No 97/16, PP 6-8.].
هذا وتعد الولايات المتحدة الأمريكية من أول الدول التي عرفت النقود الإلكترونية وتبلغ عدد البطاقات الإلكترونية فيها 2628 بطاقة لكل ألف نسمة مقارنة باليابان حيث تصل النسبة إلى 1945 بطاقة بينما لا تتجاوز هذه النسبة 786 بطاقة في أوروبا. ويستخدم الكنديون هذه البطاقة في إبرام أكثر من 50% من صفقاتهم في مقابل 22% بالنسبة للأمريكيين و18% فقط بالنسبة للأوروبيين [Deutshe Bandesbank (1999), “Recent developments in electronic money”, Deutshe Bandesbank Monthly Report, P. 43.].
وعلى النقيض من هذا، فإن حجم استخدام النقود الإلكترونية مازال ضعيفاً مقارنة باستخدام وسائل الدفع الإلكترونية في إبرام الصفقات. ففي ألمانيا، ارتفع حجم النقود الإلكترونية (المخزنة على بطاقات بلاستيكية سابقة الدفع) من 511 مليون مارك ألماني في عام 1997 إلى 1238 مليون مارك ألماني في عام 1998. أما عن النقود الإلكترونية التي استخدمت بالفعل فلم يتجاوز حجمها 160 مليون مارك ألماني تم دفعها في 12 مليون صفقة في عام 1998 مقابل 85 مليون مارك ألماني تم دفعها في 4 مليون صفقة في عام 1997 [Deutsche Bandesbank (1999), “Recent Developments in electronic money”, Op. Cit., P. 46.].
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن استخدام النقود الإلكترونية (في شكل بطاقات ذكية) قد ارتفع حجمها من 51 مليون دولار في عام 1992 إلى 145 دولار في عام 1996 أي أنها زادت بنسبة 30% ومن المتوقع ارتفاعها بنسبة 61% في عام 2001 ليصل حجم ما تم إنفاقه من نقود إلكترونية إلى 1550 مليون دولار [Good, Barbara (1998), “Will Electronic Money Be Adopted in the United States”, Federal Reserve Bank of Cleveland Working Paper, No 98/22, PP. 4.].
وفي الواقع، فإن هذه الإحصائيات تدعونا إلى التساؤل حول تلك العوامل المؤثرة في شيوع التعامل بالنقود الإلكترونية وعن أسباب اختلافها من دولة إلى أخرى. تتنوع الأسباب المسؤولة عن انتشار النقود الإلكترونية، حيث يرجع بعضها إلى عوامل تكنولوجية، وبعضها إلى عوامل نفسية والبعض الآخر يتعلق بالدعاية والإعلان، وسنعرض لأهم هذه العوامل في السطور التالية.
مازال التجار يعتبرون النقود الإلكترونية مرتفعة التكلفة، حيث تكلف التاجر ما قيمته 107% من حجم المبيعات نظير 1% فقط في حالة البيع باستخدام النقود القانونية. ولعل هذا يرجع بصفة رئيسة إلى حداثة استخدام النقود الإلكترونية وسوف تنخفض التكلفة مع تطور استخدام هذه النقود.
تعد وسائل الاتصال هي الركيزة الرئيسة التي يمكن أن تؤدي إلى انتشار النقود الإلكترونية خاصة النقود الشبكية. فعدم توافر شبكة اتصال قوية سوف يعوق بالطبع انتشار النقود الإلكترونية، كما أن ارتفاع تكلفة الاتصال سوف تقلل بالطبع من الاعتماد على النقود الإلكترونية كأداة للدفع. ويظهر هذا جلياً في الدول النامية التي تكاد تختفي منها وسائل الدفع الإلكترونية ومن باب أولى النقود الإلكترونية. ويرجع هذا إلى ضعف البنية الأساسية لشبكة الاتصالات الموجودة في هذه الدول.
ولا يقتصر التباين فقط بين الدول المتقدمة والدول النامية فيما يتعلق بانتشار النقود الإلكترونية، بل أن هناك تبايناً – وإن كان أقل حدة من سابقه – بين الدول المتقدمة بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، فإن تكلفة الاتصال التليفوني أقل منها في الولايات المتحدة الأمريكية عنها في أوروبا. ويسمح ذلك للتجار الأمريكيين بقبول بطاقات الخصم بصورة أكبر منها في أوروبا وهذا يفسر لنا ازدياد اعتماد الأمريكيين على بطاقات الدفع الإلكتروني بصورة أكبر من نظرائهم الأوروبيين. ويترتب على هذا زيادة إقبال الأوروبيين على امتلاك وحيازة النقود الإلكترونية (وبصفة خاصة البطاقات الذكية)، باعتبار أن الصفقات التي تبرم باستخدام هذه البطاقات لا تقتضي إجراء اتصال هاتفي.
من ناحية أخرى، فإن انخفاض أسعار الحاسبات الشخصية وتحسن أدائها سوف يكون حافزاً هاماً وعاملاً رئيساً في نمو التجارة الإلكترونية، الأمر الذي من شأنه أني سهل شيوع استخدام النقود الإلكترونية. نخلص إذاً مما سبق إلى أن التطور التكنولوجي فيما يتعلق بشبكة الاتصالات وتكنولوجيا الحاسب الآلي سيظل ركيزة رئيسة وسبباً محورياً في ذيوع وانتشار النقود الإلكترونية. لذلك فإنه من المتوقع أن يزداد انتشارها في الدول المتقدمة على المديين القصير والمتوسط، بينما سيتأخر التعامل بها في الدول النامية وقد لا تنتشر فيها إلا على المدى الطويل.
كلما كانت البنية الأساسية للصناعة المالية ضعيفة كلما أدى ذلك إلى إعاقة انتشار النقود الإلكترونية. فتحسن الصناعة المالية وتدريب العاملين وتوفير الخبرات اللازمة والتكنولوجيا المتقدمة سوف ينعكس إيجابياً على تداول النقود الإلكترونية. من ناحية أخرى، فإن تحسين وتطوير الخبرة المصرفية وتدريب القائمين على إصدار النقود الإلكترونية على كيفية إدارة المخاطر الناتجة عن تداول تلك النقود، سوف يؤدي بالضرورة إلى تيسير عملية تسويق هذه النقود وانتشارها.
من المعروف أن الدعاية والإعلان يلعبان دوراً هاماً في تسويق السلع والخدمات. وكذلك الأمر بالنسبة للنقود الإلكترونية، فحداثة وجودها وضعف الدعاية لها من شأنه أن يؤدي إلى ضعف انتشارها وعدم الإقبال عليها. فالنقود الإلكترونية في حاجة إذاً للدعاية والإعلان، خاصة يف المراحل الأولى للتعامل بها.
إن للعوامل النفسية أهمية خاصة في قبول كل ما هو جديد، حيث تسود حالة من الترقب والحذر في البداية إلى حين تنجلي وتتضح مزاياه وعيوبه. وخضوعاً لحكم العادة، قد يفضل الكثير من الناس استخدام وسائل الدفع الإلكترونية، فضلاً عن النقود القانونية، على حيازة النقود الإلكترونية.
وتوضح الإحصائيات أن الأمريكيين يقومون بدفع أكثر من 20% من مشترياتهم بالنقود السائلة، كما أن 58% من تجار التجزئة يفضلون قبول النقدية عن باقي وسائل الدفع الأخرى. من ناحية أخرى، فإن 90% من حجم المبيعات تتم بدون استخدام النقدية في اليابان مقابل 86% في أوروبا و75% في الولايات المتحدة الأمريكية [Good, Barbara (1998), “Will Electronic Money Be Adopted in the United States”, Op. Cit,. P. 12.].
ويرتبط بالعوامل النفسية أيضاً مدى وجود ثقة من قبل المستهلكين في مصدري هذه النقود، وكذلك في صدق التجار الذين لديهم الاستعداد في قبولها كأداة للدفع. وقد يترتب على هذا أن ينادي المستهلكون بضرورة وجود طرف ثالث يكون محل ثقة من أجل إضفاء الشرعية والثقة على الأطراف السابقة.
يعتقد كثير من الاقتصاديين أن استخدام المدفوعات الإلكترونية وكذلك النقود الإلكترونية سوف يعتمد على تطور النظم المستخدمة والتي تضمن أمن أرقام بطاقات الائتمان وكذلك الأشكال المختلفة للنقود الإلكترونية، خاصة النقود الشبكية. فضعف أساليب الحماية الموجود حالياً ضد محاولات القرصنة الإلكترونية والاستيلاء على حسابات العملاء وأرقام بطاقاتهم البنكية قد يؤدي إلى الإحجام أو على الأقل إلى عدم التحمس لحيازة النقود الإلكترونية. ذلك لأن النقود الشبكية قد تكون هدفاً سهلاً لغزاة وقراصنة البرمجيات الإلكترونية. وإلى أن تثبت أساليب الحماية والأمن جدواها وفعاليتها ضد مثل هذه التصرفات، فإن شيوع استخدام النقود الإلكترونية سيظل متواضعاً.
إن النقود الإلكترونية بمفهومها السابق، ونظراً لخصائصها المتميزة عن النقود القانونية، قد تثير مجموعة من المخاطر القانونية والاقتصادية والتي تستدعي ضرورة وضع حزمة من الضوابط القانونية التنظيمية لمثل هذه الظواهر الجديدة. وسوف نعرض في هذا الفصل لأهم المخاطر القانونية التي يمكن أن تترتب على التعامل بالنقود الإلكترونية. وسوف نركز بصفة خاصة على المخاطر الأمنية، والقانونية وأخيراً الحرية الشخصية للأفراد المتعاملين بهذه النقود. وسنكرس مبحثاً مستقلاً لكل نوع من هذه المخاطر وذلك كما يلي:
المبحث الأول: المخاطر الأمنية للنقود الإلكترونية.
المبحث الثاني: المخاطر القانونية للنقود الإلكترونية.
المبحث الثالث: النقود الإلكترونية والسرية (الخصوصية).
يعد البعد الأمني أحد أهم الموضوعات التي تقلق العاملين في القطاع المصرفي والنقدي. وتمثل النقود الإلكترونية إحدى الظواهر التي يمكن أن تزيد من حجم المخاطر الأمنية. وعلى الرغم من قابلية جميع وسائل الدفع الإلكترونية لإحداث مخاطر أمنية إلا أن النقود الإلكترونية تتمتع بقدرة أكبر على خلق تلك المخاطر والتي من أمثلتها صعوبة التحقق من صحتها، وعدم الاعتراف بها أو عدم قبولها.
والجدير بالذكر أن المخاطر الأمنية لا تتعلق بالمستهلك فقط، وإنما قد تمتد أيضاً إلى التاجر وإلى مصدر هذه النقود. فقد تتعرض البطاقات الإلكترونية المملوكة للمستهلك أو للتاجر للسرقة أو للتزييف ويتم معاملتها باعتبارها نقوداً إلكترونية أصلية. وقد يحدث أن يتم التزوير عن طريق تعديل البيانات المخزونة على البطاقات الإلكترونية أو على البرمجيات أو على القرص الصلب للكمبيوتر الشخصي. قد يحدث الخرق الأمني إما كنتيجة لعمل إجرامي عمدي مثل التزوير والتزييف، وإما كنتيجة لعمل غير عمدي مثل محو أو تخريب موقع من مواقع الإنترنت، وإما الإخلال بتصميمات الأنظمة الإلكترونية والقرصنة الإلكترونية. فمن شأن كل هذه التصرفات والتهديدات السابقة أن تؤدي إلى آثار قانونية وأمنية ومالية خطيرة.
وانطلاقاً مما سبق، فإنه من المهم بمكان أن تتأكد الجهة المصدرة للنقود الإلكترونية من توافر كافة الضمانات الأمنية سواء بالنسبة للمستهلك أو بالنسبة للتاجر وسواء أكان ذلك متعلقاً بالنقود الإلكترونية التي تأخذ شكل البطاقات البلاستيكية أو تلك التي يتم التعامل بها عبر الإنترنت (النقود الشبكية).
من الصعب أن يتوافر الأمان المطلق في الخدمات البنكية الإلكترونية، ومع هذا فمن الضروري أن يتناسب مستوى الأمان مع الغرض المطلوب تحقيقه. وعلى هذا فإن الترتيبات الأمنية المتعلقة بالنقود الإلكترونية لابد وأن ترمي بصفة رئيسة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف من بينها ضرورة قصر الدخول إلى النظام الإلكتروني للنقود الإلكترونية على الأفراد المسموح لهم فقط، والتأكد من شخصية جميع الأطراف المعنية وذلك لضمان مشروعية كافة الصفقات المبرمة عبر شبكة الإنترنت، وضمان سرية المعلومات وعدم تغييرها بأي شكل من الأشكال حال مرورها عبر شبكة الاتصال.
لقد أصبح من الضروري أيضاً الاستمرار في تطوير الوسائل التكنولوجية الأمنية من أجل المحافظة على فعالية وكفاءة الإجراءات الأمنية وقدرتها على مواجهة كافة الأخطار والتهديدات المترتبة على انتشار النقود الإلكترونية.
علاوة على المخاطر الأمنية فمن المتوقع أيضاً أن تثير النقود الإلكترونية بعض المخاطر القانونية. وتنبع هذه المخاطر أساساً من خلال انتهاك القوانين واللوائح مثل جرائم غسيل الأموال، إفشاء أسرار العميل وانتهاك السرية. من ناحية أخرى، فإن المخاطر القانونية قد تتولد أيضاً عندما تقنن حقوق والتزامات الأطراف المختلفة المتعاملة بالنقود الإلكترونية بطريقة غير دقيقة. إن العلاقات التعاقدية والقانونية التي تنشأ بين المستهلكين وتجار التجزئة والمصدرين والمشغلين هي علاقات متشعبة ومعقدة.
من المسائل المهمة أيضاً والتي تتعلق بالمخاطر القانونية هي مدى وضوح وشفافية الحقوق والالتزامات الخاصة بكل طرف. فعلى سبيل المثال، سوف تثار مسألة المسؤولية القانونية للأطراف المختلفة في حالات التزييف والتزوير والاحتيال والغش. أخيراً، فإن موضوع حماية المستهلك يعد من أهم المخاطر القانونية التي يمكن أن تفرزها النقود الإلكترونية. من المتوقع أيضاً أن يصاحب انتشار النقود الإلكترونية تزايداً في جرائم التهرب الضريبي حيث سيكون من الصعب على الجهات الحكومية المكلفة بتحصيل الضرائب القيام بربط الضريبة على تلك الصفقات التي تتم بواسطة النقود الإلكترونية نظراً لأن تلك الصفقات تتم خفية عبر شبكة الإنترنت.
إن الممارسة الصحيحة للتعامل بالنقود الإلكترونية تقتضي القدرة على التأكد من أن الصفقات المتبادلة والتي تبرم بواسطة استخدام النقود الإلكترونية تتم فقط بين الأطراف المعنية وأن عملية التبادل تنصب على تلك السلع والخدمات المصرح بها فقط. ومع ذلك يبقى هناك تخوف من قبل المستهلكين وذلك من جراء إمكانية استخدام المعلومات والبيانات المتعلقة بإبرام الصفقات دون ترخيص أو إذن مسبق. وسوف تتضاعف هذه المخاوف مع الازدياد المطرد في استخدام النقود الإلكترونية في إبرام الصفقات التجارية.
إن المحافظة على سرية البيانات المالية الخاصة بجميع الأطراف المتعاملين بالنقود الإلكترونية تعد من أهم القضايا الشائكة المصاحبة للنمو المتزايد والانتشار الكبير المتوقع للنقود الإلكترونية. فكما هو الحال بالنسبة للمحافظة على سرية الحسابات البنكية للعملاء والتي يحرم بمقتضاها اطلاع أي شخص – غير العميل نفسه – على أحد الحسابات البنكية، فإنه من الضروري أيضاً أن تمنح الأطراف المختلفة المستخدمة للنقود الإلكترونية الضمانات الكافية التي تحد من اطلاع أي طرف آخر غير معنى بالصفقة المبرمة على البيانات المالية المتبادلة عبر شبكة الاتصال.
وفي الواقع، إن سرية التعاملات التي تبرم بواسطة النقود الإلكترونية يجب المحافظة عليها من تعدي الآخرين سواء كانوا أفراداً عاديين أو جهات حكومية. وفي تلك الحالة سوف تبرز مشكلة خطيرة ألا وهي التناقض بين ضرورة المحافظة على سرية المعاملات من جهة باعتبارها حقاً من حقوق الأفراد، وحق الدولة في استخدام كافة الوسائل المتاحة للقضاء على الجريمة. على سبيل المثال قد يتعين على الدولة مراقبة شبكات الاتصال المختلفة بهدف الحيلولة دون وقوع جريمة غسيل الأموال أو التهرب الضريبي عبر استخدام النقود الإلكترونية. سيكون من الصعب في مثل هذه الحالات المواءمة بين المحافظة على سرية وخصوصية معاملات الأفراد من جهة وضرورة مواجهة الجريمة من جهة أخرى.
إن التحليل السابق لمفهوم النقود الإلكترونية ومخاطرها الأمنية والقانونية والمالية يقتضي منا وضع تصور لمجموعة من الضوابط التي يمكن أن تصاغ في إطار قانوني موحد للحد من الآثار الخطيرة التي تثيرها تلك النقود. ولعل من أكثر المسائل إثارة للمشكلات والتي ينبغي على المتخصصين وضع إطار قانوني لها هي مسألة إصدار النقود الإلكترونية والضوابط التي يجب أن تتوافر في المؤسسات المصدرة لهذه النقود.
من ناحية أخرى فإنه يتعين على الدولة اتخاذ بعض الإجراءات كي تحول دون استخدام النقود الإلكترونية في عمليات غسيل الأموال والتهرب الضريبي. كما أن على أي تشريع يتناول هذه الظاهرة أن يكون واضحاً وجلياً خاصة فيما يتعلق أولاً بتعريف هذه النقود وكذلك بالأطراف المتعاملة بها ثم تبيان مدى قابلية تحويل هذه النقود إلى نقود قانونية (أي تلك التي يصدرها البنك المركزي). وسوف نخصص المبحث الأول من هذا الفصل لدراسة الجهة المصدرة للنقود الإلكترونية، بينما سنركز في المبحث الثاني على تحليل أهم الضوابط التي ينبغي مراعاتها في التنظيم القانوني المتعلق بالنقود الإلكترونية.
يعد تحديد مصدري النقود الإلكترونية من المسائل الشائكة التي ستواجه أي تنظيم قانوني لهذه النقود. وهناك خيارات متعددة يمكن للحكومة أن تحدد من خلالها من سيسمح له بإصدار هذه النقود، فالدولة قد تسمح لإحدى الجهات الآتية بمسألة إصدار النقود الإلكترونية: البنك المركزي، أو البنوك التجارية، أو المؤسسات المالية غير المصرفية، أو المؤسسة غير المالية.
وفي حالة ما إذا أسند أمر إصدار النقود الإلكترونية إلى البنك المركزي، فإن هذا من شأنه أن يقضي على المشكلات القانونية التي يمكن أن يثيرها وجود هذه النقود، كما أن اللوائح القانونية الموجود حالياً سوف يمتد نطاق تطبيقها إلى النقود الإلكترونية دون وجود داع إلى إصدار لوائح قانونية جديدة. من ناحية أخرى، فإن تولي البنك المركزي لهذه المسؤولية يجنب الدولة خسارة الدخول الناتجة عن صك العملة والتي كان من المتصور أن تفقدها في حالة ما إذا قامت جهة أخرى بإصدار هذه النقود. إن الدولة تستطيع أيضاً من خلال البنك المركزي أن تسيطر على حجم النقود الإلكترونية وبالتالي تتجنب أي اضطراب في السياسة النقدية والاقتصادية يمكن أن ينشأ عن انتشار هذه الأدوات الجديدة. من ناحية أخرى، فإن الدولة تستطيع أن تتحكم في السياسات المتعلقة بهذه النقود مما يقلل من فرص التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتتخذ أيضاً الإجراءات التي تكفل حماية المستهلك. إلا أن هذا الخيار من شأنه أن يقضي على الابتكار ويحد من المنافسة التي كان من المتوقع أن تنشط فيما لو سمح للمؤسسات الخاصة بإصدار النقود الإلكترونية وكما هو معروف فإن المنافسة تشجع على تخفيض النفقات.
وقد يعهد إلى البنوك التجارية بعملية إصدار النقود الإلكترونية ولن يحتاج الأمر هنا إلى تشريع جديد بل ستمتد مظلة قانون البنوك الحالي إلى إصدار النقود الإلكترونية. وقد يحتاج الأمر إلى بعض التعديلات الطفيفة في القانون القائم بالفعل. ولقد خصصت هونج كونج تشريعاً قانونياً خاصاً سمحت فيه للبنوك بإصدار النقود الإلكترونية. ومع هذا فقد سمحت لبعض المؤسسات غير البنكية بإصدار البطاقات ذات الأغراض المحدودة مثل بطاقات الدفع في خدمات النقل والمواصلات فهناك نص خاص يتعلق بالشركات المصدرة لمثل هذه البطاقات (وقد تم تضمين هذا القانون في قانون البنوك).
وكذلك الأمر في حالة ما إذا أسند أمر إصدار النقود الإلكترونية إلى مؤسسات ائتمانية غير مصرفية فإن التنظيم القانوني الحالي للقطاع المصرفي سوف يمتد أثره إلى النقود الإلكترونية وقد يحتاج إلى بعض التغييرات الطفيفة التي قد تفرض مزيداً من الضوابط على المؤسسة المسموح لها بإصدار هذه النقود. وهذا الخيار يشجع على المنافسة والابتكار إلا أنه منتقد لأن الدولة ستفقد جزءاً من إيراداتها إذا ظهرت النقود الإلكترونية كمنافس قوى للنقود القانونية. ولقد اعتنقت ألمانيا هذا الاتجاه، فالتشريع السادس المعدل لقانون البنوك والذي دخل إلى حيز التنفيذ في أول يناير 1998 قد مد أعمال البنوك ليشمل البطاقات سابقة الدفع وأعمال النقود الشبكية Network Money فقد نصت المادة 11 من قانون البنوك على أن أعمال البنوك تتضمن أيضاً "… إصدار البطاقات سابقة الدفع لأغراض المدفوعات، ما لم يكن مصدر البطاقة هو نفسه مقدم الخدمة وبالتالي متلقي المدفوعات التي تحتويها البطاقة (أعمال البطاقة سابقة الدفع)". وتنص المادة 12 من ذات القانون على أن أعمال البنوك تمتد أيضاً إلى "… خلق وإدارة وحدات الدفع في شبكات الكمبيوتر (أعمال النقود الشبكية)" [Deutche Bundesbank (1999), “Recent developments in electronic money”, Op. Cit., P. 52.]. نخلص من ذلك إذاً إلى أن النقود الإلكترونية في ألمانيا يتم إصدارها بواسطة المؤسسات الائتمانية وتخضع حينئذ تلك المؤسسات لنصوص قانون البنوك، إلا أن هذه المؤسسات تخضع لإشراف البنك المركزي الألماني Bundesbank.
وفي 29 يوليو 1998 تبنت المفوضية الأوروبية اقتراحاً حول النقود الإلكترونية سمحت بمقتضاه للمؤسسات الائتمانية بإصدار النقود الإلكترونية وسوف تخضع هذه المؤسسات لإشراف بنكي عند تصديها لعملية الإصدار بالإضافة لخضوعها لعدد معين من القيود [European Commission (1998), “Proposal for European Parliament and Council Directives on the taking up, the pursuit and the prudential supervision of the business of electronic money institutions”, Op. Cit., PP. 3.]. وقد تبنت نفس المعنى في التشريع المتعلق بالنقود الإلكترونية الذي اعتنقه المجلس والبرلمان الأوروبيين (انظر الفقرة 3 من المادة الأولى) [The European Parliament and the Council of the European Union (2000), “Electronic Money Directive”, Directive 2000/46/EC of the European Parliament and of the Council, Brussels, P. 2.].
وفي فرنسا فإن قانون البنوك الصادر في سنة 1984 قد قصر عملية جمع الودائع وإدارة وسائل الدفع على مؤسسات الائتمان. ويتعين على المؤسسات التي تخلق النقود في إطار إصدار وسائل دفع إلكترونية جديدة أن تحصل على موافقة لجنة المؤسسات الائتمانية وأن تحترم النصوص القانونية المطبقة على هذه المؤسسات [Ministere de I’Economie, de Finance et de I’Industrie (1999), “La Nouvelle donne du Commerce Electronique”, Les Editions de Bercy Etudes, Paris, P. 142.].
وأخيراً، فقد يعهد بأمر إصدار النقود الإلكترونية إلى مؤسسات غير مالية وغير ائتمانية وفي مثل هذه الحالة فإن وجود تشريع مستقل يصبح أمراً ضرورياً لتجنب المخاطر والآثار العديدة التي يمكن أن تنتج عن مثل هذا الموضوع.
وفي الواقع، فإنه ليس من المهم بمكان من سيقوم بتحديد عملية إصدار النقود الإلكترونية سواء كانت البنوك أو مؤسسة ائتمانية غير مصرفية أو مؤسسة غير مالية وإنما الأكثر أهمية هو وضع تنظيم قانوني لمسألة النقود الإلكترونية وإلا أصبحنا أمام فراغ تشريعي لموضوع ذي آثار متشعبة اقتصادية ومالية ونقدية وقانونية. لهذا فإنه من الضروري أن نوضح بعض الضوابط التي ينبغي أن تتوافر في تلك المؤسسات التي ستتولى مسألة إصدار النقود الإلكترونية، وهذا هو موضوع المبحث التالي.
إن أي تنظيم قانوني لموضوع النقود الإلكترونية لا يتعين عليه فقط تحديد طبيعة أو شخصية تلك الجهة التي تتولى إصدارها وإنما عليه أيضاً أن يضع مجموعة من الضوابط التي تضمن في النهاية درء المخاطر الاقتصادية والقانونية التي من المتوقع حدوثها عند إصدار هذه النقود. تلك الضوابط قد تكون شكلية أي تتعلق بشكل وصياغة النصوص القانونية المنظمة لموضوع النقود الإلكترونية، وقد تكون موضوعية أي تتعلق سواء بالجهة المصدرة للنقود الإلكترونية أو لجهات رقابية على المؤسسات المصدرة لتلك النقود. وسوف نلقي الضوء على هذه الضوابط في مطلبين مستقلين:
المطلب الأول: الضوابط الشكلية للتنظيم القانوني للنقود الإلكترونية.
المطلب الثاني: الضوابط الموضوعية للتنظيم القانوني للنقود الإلكترونية.
لابد أن تتميز نصوص التنظيم القانوني المتعلق بالنقود الإلكترونية بالوضوح الشديد فيتعين على السلطة التشريعية أن تحدد بدقة مفهوم النقود الإلكترونية وتميزها عن وسائل الدفع الإلكترونية وعن البطاقات الإلكترونية ذات الغرض الواحد أو محدودة الأغراض.
من ناحية أخرى، ومع الأخذ، في الاعتبار الترتيبات التعاقدية التي يمكن أن تنشأ بين الأطراف المختلفة المتعاملة بالنقود الإلكترونية، فإنه يجب على التشريع المتعلق بالنقود الإلكترونية أن يوضح بدقة التزامات وحقوق كل طرف في مواجهة الأطراف الأخرى. فالتزامات وحقوق مصدر النقود الإلكترونية والعملاء والتجار والأطراف الأخرى المستخدمة لهذه النقود يجب أن تتسم بالشفافية والوضوح. فيجب إذاً أن يكون من السهل على كل طرف أن يدرك ويعي مركزه القانوني وذلك من خلال مصطلحات قانونية واضحة وسهلة.
كما يجب أن ينصب التنظيم التشريعي المقترح على توضيح الخسائر التي يمكن أن تلحق بكل طرف في حالة ما إذا أعلن إفلاس المؤسسة المصدرة للنقود الإلكترونية. بالإضافة إلى هذا، فإن التشريع المقترح يجب أن يوضح بصورة جلية ما إذا كانت ديون مصدر النقود الإلكترونية قد تم تغطيتها بضمان ودائع أو بضمانات أخرى تذكر في نفس التشريع. ويتعين عليه أيضاً أن يضع ترتيبات لحل المنازعات موضحاً بصفة خاصة آلية فض هذه المنازعات والهيئة أو المحكمة المختصة والقواعد الإجرائية التي يجب اتباعها وتطبيقها (مثل قواعد عبء الإثبات) [European Central Bank (1998), “Report on Electronic Money”, Op. Cit., PP. 23-24.].
وكذلك فإن التعامل في النقود الإلكترونية قد يكون عابراً للحدود، وهنا فإنه يتعين على أي تشريع يتصدى لموضوع النقود الإلكترونية أن ينطوي على نصوص معالجة لتلك المشكلات التي يمكن أن تنشأ عن تشعب وتدويل آثار النقود الإلكترونية وذلك من خلال المسؤولية القانونية لكل طرف والمحكمة المختصة بنظر النزاعات التي تثيرها هذه النقود.
يتعين على أي تنظيم تشريعي للنقود الإلكترونية أي ينطوي على قيود تلتزم بها الجهة المصدرة لتلك النقود. تلك القيود ما هي إلا مجموعة من الضوابط التي تهدف إلى حماية الأطراف المتعاملة في النقود الإلكترونية وتحول دون استغلال مصدري النقود الإلكترونية لبقية الأطراف ومن أهم هذه الضوابط ما يلي:
أولاً: خضوع المؤسسات المصدرة للنقود الإلكترونية للإشراف والرقابة الدقيقة:
إذا تولى البنك المركزي عملية إصدار النقود الإلكترونية، ففي هذه الحالة لن يكون هناك حاجة إلى إشراف من جهة أخرى حيث يعتبر البنك المركزي هو بنك الحكومة إلا أن الصعوبة تثور حينما يعهد بأمر إصدار هذه النقود إلى جهة مصرفية كالبنوك أو مؤسسات ائتمانية أو غير ائتمانية. في مثل هذه الحالات لابد من خضوع تلك الهيئات لإشراف دقيق ورقابة صارمة من قبل جهات حكومية متخصصة كالبنك المركزي مثلاً وذلك لتوقي ودرء المخاطر التي يمكن أن تنتج عن إصدار تلك المؤسسات للنقود الإلكترونية. وعلى الجهة الرقابية أن تتأكد بصفة خاصة من أن رأس مال المؤسسة المصدرة لا يقل عن مستوى معين وأن تقدم هذه المؤسسة ما يكفي من الضمانات المالية لتغطية أي مخاطر مالية متوقعاً حدوثها. كذلك يتعين على الجهات المصدرة أن تتبع سياسة إدارة قوية فيما يتعلق بالمخاطر الخاصة بأنشطة النقود الإلكترونية.
ولقد اشترطت اللائحة الأوروبية المنظمة للنقود الإلكترونية لسنة 2000 على المؤسسة الائتمانية المصدرة لهذه النقود بألا يقل رأس مالها المبدئي عن مليون يورو (المادة 4) كما لا يجب أن ينخفض هذا المبلغ عن هذا الحد في أي وقت من الأوقات. من ناحية أخرى، فقد نص هذا التشريع أيضاً على ضرورة احتفاظ مؤسسات النقود الإلكترونية دائماً بما يساوي أو يزيد على 2% زيادة على المبلغ الكلي الممثل لحجم الخصوم المالية الحالية المتعلقة بالنقود الإلكترونية غير المدفوعة أو متوسط حجم هذه الخصوم في آخر ستة أشهر، وإذا لم يكن قد مر ستة أشهر على إنشاء المؤسسة المالية فيجب أن يتساوى هذا المبلغ أو يزيد عن 2% زيادة على المبلغ الكلي لحجم الخصوم المالية المتعلقة بالنقود الإلكترونية غير المدفوعة المستخدمة خلال ستة أشهر ويستدل على هذا المبلغ من خلال الخطة المالية المقدمة من المؤسسة المصدرة إلى السلطة المختصة [The European Parliament and the Council of the European Union (2000), “Electronic Money directive”, Op. Cit., PP.2.].
ثانياً: ضرورة توافر ضوابط أمنية:
على التشريع المتعلق بالنقود الإلكترونية أن يعالج المشكلات المالية المتوقع حدوثها مثل غسيل الأموال أو المسائل الأمنية، ولهذا فإن الاهتمام لا يجب أن ينصب فقط على الجهة المصدرة للنقود الإلكترونية وإنما يجب أن يركز هذا التشريع أيضاً على أنواع وأشكال النقود الإلكترونية المقرر إصدارها [Bank for International settlements (BIS), (1996), “Implication for central banks of the development of electronic money, Op. Cit., P. 9.]. فعلى سبيل المثال، يجب وضع حد أقصى لقيمة النقود الإلكترونية التي يسمح بالتعامل بها بين المستهلكين وتجار التجزئة ومن الممكن أيضاً أن يلتزم المشغلون Operators للنقود الإلكترونية برقابة الصفقات المبرمة.
من ناحية أخرى، فإنه يتعين على المخططين للنقود الإلكترونية أن يوفروا وسائل للرقابة الأمنية تسمح باكتشاف النقود المزورة وأن تسمح باتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية اللازمة في حالة ظهور مثل هذه المشكلات. يجب بصفة خاصة على القائمين بإصدار النقود الإلكترونية أن يكونوا قادرين على مراقبة مستوى وحجم مديونية المؤسسة من النقود الإلكترونية مقابل حجم ما تم إصداره من نقود. وعلى السلطات والجهات المتخصصة إجراء التدريبات الكافية ووضع الترتيبات اللازمة لتقليل مخاطر التزييف والاحتيال في مجال النقود الإلكترونية. ويجب التوصل إلى طريقة يتم بها الاحتفاظ ببيانات خاصة عن كل صفقة والأطراف المبرمة لها وذلك عند استخدام النقود الإلكترونية. لابد أن يكون هناك مجاراة للتطور التكنولوجي فيما يخص تحديث الوسائل الأمنية الضرورية لمجابهة التحايل والتزوير وتزييف النقود الإلكترونية.
ثالثاً: التزام الجهة المصدرة للنقود الإلكترونية بتقديم تقارير إحصائية نقدية بصفة دورية:
كما سبق أن بينا، فإن إصدار النقود الإلكترونية قد يؤثر على السياسة النقدية من خلال تأثيرها على عرض النقود. وتحسباً لهذا فإنه من الضروري أن تقوم المؤسسات الائتمانية المسموح لها بإصدار النقود الإلكترونية بتقديم بيانات إحصائية دورية إلى السلطات النقدية المتخصصة كالبنك المركزي مثلاً وذلك من أجل رفع كفاءة السياسة النقدية. ويجب على هذه التقارير أن توضح حجم النقود الإلكترونية التي تم إصدارها أو المزمع إصدارها وذلك خلال فترة زمنية محددة.
رابعاً: إلزام المؤسسات المصدرة للنقود الإلكترونية بقبول تحويلها إلى نقود عادية Redemption:
يتعين على أي تنظيم قانوني للنقود الإلكترونية أن يتضمن النص على التزام مصدري النقود الإلكترونية بقبول تحويلها إلى نقود قانونية (أي تلك التي يصدرها البنك المركزي في الدولة) وذلك عند سعر التعادل أو التكافؤ في أي وقت يطلب فيه حامل هذه النقود تغييرها. ويرجع هذا إلى أنه في حالة عدم وجود علاقة بين النقود الإلكترونية والنقود القانونية فإن من شأن هذا أن يغري المؤسسات الائتمانية بالتمادي في إصدار النقود الإلكترونية بلا حدود مما يؤدي في النهاية إلى خلق ضغوط تضخمية على اقتصاد الدولة. من ناحية أخرى، فإن تعهد المصدرين بقبول تحويل النقود الإلكترونية إلى نقود قانونية سوف يقلل نم خطر فقدان النقود الإلكترونية لوظيفة النقود باعتبارها وحدة محاسبة في حالة ما إذا لم تقبل المؤسسات الائتمانية تغييرها عند سعر التعادل.
هذا ولقد نصت المادة الثالثة من التشريع الأوروبي الصادر سنة 2000 على أنه يجوز لحامل النقود الإلكترونية أن يطلب من مصدرها أن يحولها إلى نقود قانونية عند سعر التعادل أو أن يحولها إلى حسابه الخاص وذلك دون تحمل مصروفات أو رسوم غير تلك التي تكون ضرورية لتنفيذ هذه العملية ولقد أوضحت هذه المادة ضرورة احتواء العقد المبرم بين مصدر النقود الإلكترونية وحاملها على شروط تحويل النقود الإلكترونية إلى نقود قانونية. ويمكن للعقد أن يتضمن حداً أدنى للتحويل [The European Parliament and the Council of the European Union (2000), “Electronic Money Directive”, Op. Cit., PP. 2.].
خامساً: إلزام مصدر النقود الإلكترونية بالاحتفاظ باحتياطي لدى البنك المركزي:
يتعين على البنك المركزي أن يفرض قيوداً خاصة بالاحتياط النقدي على مصدري النقود الإلكترونية وذلك تحسباً لأي زيادة كبيرة في خلق النقود الإلكترونية مما يؤثر في النهاية على السياسة النقدية ومن شأن المحافظة على هذا الالتزام أن يؤدي إلى استقرار الأسعار. وبخضوع مصدري النقود الإلكترونية لهذا الشرط، فإن النقود الإلكترونية تقف على قدر من المساواة مع الصور الأخرى للنقود والتي تخضع عند إصدارها لمتطلبات الاحتياطي النقدي.
سادساً: ضرورة وجود تنسيق وتعاون تشريعي دولي:
كما ذكرنا آنفاً فإن النقود الإلكترونية تعتمد في وجودها على التقدم التكنولوجي وأنه من السهل التعامل بهذه النقود عبر الحدود عن طريق شبكة الإنترنت. وينتج عن هذا عدة صعوبات تتعلق بتحديد التنظيم القانوني الذي يمكن أن تخضع له المعاملات والصفقات التجارية التي تتم بواسطة النقود الإلكترونية، وحتى لو قامت هذه الدول بتقنين التعامل بتلك النقود فإنه ليس بالضرورة أن تتشابه القواعد القانونية المنظمة لهذه المسألة مما يثير في النهاية صعوبة تحديد القانون الواجب التطبيق عند حدوث مشكلة قانونية. من هذا المنطلق، وكنتيجة للبعد الدولي للنقود الإلكترونية، فإن التنظيم القانوني الوطني لهذه النقود لن يكون فعلاً ما لم يستكمل بتنظيم وتنسيق وتعاون دولي. لقد أضحى إذاً من الضروري أن تتعاون الدول من خلال اتفاقيات جماعية وثنائية يوضح فيها مسؤوليات مواطني كل دولة.
هذا وقد حددت لجنة بازل للنقود الإلكترونية عدداً من القضايا التي يمكن أن تثيرها النقود الإلكترونية، ويمكن للتعاون الدولي أن يحل المشكلات الخاصة بها ومن بين هذه المسائل الشفافية، الخصوصية، وغسيل الأموال.
يثير التقدم التكنولوجي كثيراً من المشكلات سواء على المستوى الاقتصادي أو القانوني أو الاجتماعي. ولقد تناولنا في هذا البحث التعريف بالنقود الإلكترونية وأهم خصائصها ومستقبلها وأيضاً المخاطر الأمنية والقانونية التي من المتوقع أن تنتج عن انتشارها. وقد ركز البحث بصفة خاصة على إبراز أهم الضوابط القانونية التي يتعين على أي تشريع قانوني خاص بالنقود الإلكترونية أن يلتزم بها.
ولقد عرضنا لهذا الموضوع في ثلاثة فصول مختلفة، وتناولنا في الفصل الأول تحديد مفهوم وخصائص النقود الإلكترونية. وعرفنا النقود الإلكترونية بأنها عبارة عن قيمة نقدية مخزنة على وسيلة إلكترونية مدفوعة مقدماً وغير مرتبطة بحساب بنكي، وتحظى بقبول واسع من غير من قام بإصدارها وتستخدم كأداة للدفع لتحقيق أغراض مختلفة. وتتجلى أهمية ودقة هذا التعريف في تمييز النقود الإلكترونية عن وسائل الدفع الإلكترونية الأخرى. وأوضحنا بعد ذلك أشكال النقود الإلكترونية وخصائصها وخلصنا إلى القول إن النقود الإلكترونية هي نقود عادية متطورة. واختتمنا هذا الفصل بالحديث عن تطور النقود الإلكترونية ومستقبلها وبيّنّا أن تطور النقود الإلكترونية يتوقف بصفة رئيسة على التقدم والتطور التكنولوجي والمصرفي في كل دولة.
أما الفصل الثاني فقد أشرنا فيه لأهم المخاطر الأمنية والقانونية للنقود الإلكترونية. ولقد كشف هذا الفصل عن أن النقود الإلكترونية قد تمثل مجالاً خصباً لكثير من الجرائم الخطيرة التي من شأنها أن تعكر ليس فقط أمن المجتمع وإنما أيضاً استقراره الاقتصادي والمالي من خلال جرائم غسيل الأموال والتهرب الضريبي والتزوير والاحتيال والقرصنة الإلكترونية. وأوضح هذا الفصل أيضاً أهمية المواءمة بين ضرورة مواجهة المجتمع لتلك الجرائم التي يمكن أن تحدث من خلال النقود الإلكترونية وبين أهمية المحافظة على حرية الأشخاص وسرية معاملاتهم المالية وذلك بعدم السماح لغير الأطراف المعنية بالاطلاع على تلك المعلومات.
أما الفصل الثالث، فلقد تعرض للضوابط التي يجب أن يتضمنها التنظيم القانوني للنقود الإلكترونية مثل ضرورة توضيح حقوق والتزامات الأطراف المختلفة المتعاملة بالنقود الإلكترونية وضرورة وجود إشراف قوي ورقابة صارمة من قبل الأجهزة المصرفية الحكومية على الجهات المسموح لها بإصدار تلك النقود.
وسوف نعرض الآن لأهم النتائج والتوصيات التي توصل إليها البحث:
أولاً: النقود الإلكترونية هي نقود عادية متطورة، وذلك لِمَا لها من خصائص النقود العادية فهي تصلح كأداة للدفع كما أنها لها قوة إبراء ووسيلة للتبادل ومخزناً للقيمة.
ثانياً: من المتوقع أن تخلق النقود الإلكترونية مناخاً جيداً لبعض الجرائم مثل جرائم غسيل الأموال والتهرب الضريبي بالإضافة إلى زيادة قدرتها على مضاعفة المخاطر الأمنية المتعلقة بالتزييف والتزوير والاحتيال وما يترتب على ذلك من آثار مدمرة لأمن المجتمع ورفاهيته الاقتصادية.
ثالثاً: سوف يتوقف تطور وانتشار النقود الإلكترونية على عدد من العوامل لعل من أهمها التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات والكمبيوتر والإنترنت من ناحية، وعلى مدى تمتع هذه النقود بقبول عام من المستهلكين ومن البائعين من ناحية أخرى. لهذا فإنه من المحتمل أن يتأخر التعامل بهذه النقود في الدول النامية والأقل تقدماً.
رابعاً: ضرورة وضع قواعد صارمة فيما يتعلق بالجهة المنوط بها أمر إصدار النقود الإلكترونية وكذلك حجم النقود المصدرة. لهذا، يجب أن يعهد إلى البنك المركزي أو إلى المؤسسات المصرفية بعملية الإصدار بشرط وضعها تحت إشراف حكومي.
خامساً: على السلطة التشريعية أن تضع تنظيماً قانونياً يتعلق بإصدار النقود الإلكترونية والتعامل بها. ويتعين على هذا التنظيم أن يحتوي على حقوق والتزامات الأطراف المختلفة المتعاملة بالنقود الإلكترونية. ويجب صياغة هذا القانون بطريقة واضحة وأن توضح فيه مجموعة من الشروط والضمانات التي تكفل وتضمن مقدرة الجهة المصدرة لهذه النقود على إدارة المخاطر المختلفة الناشئة عنها.
سادساً: على الدولة أن تضع برامج تأهيل وتدريب للعاملين في المصارف والبنوك العامة لإكسابهم الخبرات اللازمة للتعامل مع المشكلات المتعلقة بالنقود الإلكترونية وكيفية معالجتها.
سابعاً: يتعين على أي تنظيم قانوني للنقود الإلكترونية أن يحافظ على حرية الأفراد التي كفلها الدستور من خلال تقديم الضمانات الكافية للمحافظة على سرية البيانات المالية السابحة عبر شبكة الاتصال وذلك عند إبرام الصفقات التجارية بين الأطراف المختلفة.
مجلة الأمن والقانون / مجلة دورية مُحَكّمة تصدرها أكاديمية شرطة دبي
السنة الثانية عشر / العدد الأول / يناير 2004
الدكتور / محمد إبراهيم محمود الشافعي
مدرس الاقتصاد في كلية الحقوق، جامعة عين شمس