ليس لمراسيم الزواج أية قيمة إذا لم يكن هناك رابط عاطفي وحب عميق يجمع بين العروسين استعدادا لممارستهما حياة جنسية متكافئة طبيعية .
فإذا تم الزواج بصورة إكراهية بالنسبة لأحد الشريكين، أو للشريكين معا، فسريعا تخمد نار الحب وتجف العاطفة والرغبة الجنسية . أما إذا تلاقى العروسان في شهر العسل، وأصابهما نوع من البرودة الجنسية وانخفاض في حرارة الحب، فإن لذلك أسبابا عديدة من أهمها الزواج بغير حب وعاطفة وأعني به ذلك العقد الذي يقوم أساسا على العقل والمادة أو إرضاء للأهل، أو خروجا من مأزق أسري مادي .
وقد تتعقد العملية الجنسية بين العروسين منذ الأيام الأولى للزواج، كما قد يحث نفور جنسي عند بعض الزوجات منذ الوصال الأول بسبب الجهل بالقضايا الجنسية، قد تكون العروس متخوفة وغير متعاونة فلا تسمح بإبعاد ساقيها لمساعدة عريسها لتسهيل الأمور وفض الغشاء . وقد يكون الزوج لا يعرف شيئا عن العملية الجنسية، بل يكاد لا يعرف تماما كيف سيمارس الجنس . . وأحيانا لا يعرف مكان وجود غشاء البكارة ولا يعرف أين سيدخل عضوه المنتصب .
يعتقد البعض بأن فض غشاء البكارة يكون، في البداية، باستعمال الإصبع للتوسع والتمهيد للعلاقة الكاملة، وهذا أمر لا ترغب فيه العروس ولا تتقبله بالطبع، بحيث يصبح من العسير عليها أن تتجاوب جنسيا بشكل تلقائي مع الرجل، بل كثيرا ما تتظاهر بأنها سعيدة بينما هي تنتظر بفارغ الصبر انتهاء هذه المهمة العسيرة .
إن سيطرة الزوج، وأعباء المرأة في تربية الأطفال، والعناية بالمنزل وعدم مساعدة الزوج لها وخاصة إذا كانت تشغل وظيفة ما ، وكذلك الاحتكاكات اليومية والمشاكل الاقتصادية . . . كلها عوامل تباعد بين الزوجين، وبالتالي تجعلهما بعيدين عن الالتقاء الجسدي المرضي، وهذا ما يدفع بالزوجة للهروب من ممارسة الجنس مع زوجها . وقد يكون لهذه الحالة الأخيرة سبب آخر أيضا، مثل وجود خلل وعدم انسجام في الأوضاع والعلاقات الجنسية بين الزوجين .
قد يكون السبب أن المرأة تعاني من كبت جنسي، أو برودة جنسية وعدم مبالاة بالحصول على المتعة والنشوة الجنسية . يمكن أن يتجلى البرود الجنسي خلال السنين الأولى بعد الزواج، أو بعد ولادة الطفل الأول، أو بعد مرور مدة زمنية طويلة على الزواج، تظهر خلالها صراعات داخلية تنعكس بدورها على سلوك المرأة وحياتها الجنسية .
والاحتمال الأخير في تفسير ظاهرة عدم التوافق الجنسي والتهرب من ممارسة الجنس هو التعب والإرهاق وعد المبالاة بالجنس، وهذا ما يسبب الكآبة والسويداء النفسية التي تظهر عند بعض الزوجات الشابات، وخاصة الحساسات منهن، بسبب المسئوليات اليومية والشعور بالإحباط من الزواج الجالب للهموم والتعاسة . . . إلخ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى فقدان " الليبيدو "، أي الطاقة الجنسية عند الزوجة، وهذه الحالة منتشرة جدا، وقد تتطور وتنعكس على الزوجين معا . . . إن حل هذه المشكلة يكون باشتراك الزوجين في تحليل العوامل التي أدت إلى هذا الوضع، ومحاولة دفع الحلول الممكنة بالاتفاق التام فيما بينهما .
وكمثال لعدم الانسجام الجنسي هذه الحالة المأساوية بين زوجين شابين .
امرأة متزوجة وأم لطفل واحد، عمرها 25 سنة، جاءت إلى عيادتي وقالت لي إنها فقدت شهوتها الجنسية مؤخرا لدرجة أنها أصبحت تكرة مضاجعة زوجها، وذلك بعد سنتين من إقامة علاقات جنسية ناجحة ومشبعة معه . فما العمل ؟
إن وضع هذه المرأة المكرهة على إقامة العلاقات جنسية مع زوجها هو وضع نموذجي ينطبق على مئات بل آلاف النساء والأمهات الشابات .
كانت هذه الزوجة تشكو، في البداية، من إرهاق شديد، وأرق، وإمساك دائم، وتوتر في الأعصاب، وكان يعتريها بين الحين والآخر، انهيارات عصبية مؤقتة، كما كانت تصاب بنوبات من الحزن والكآبة الشديدين بحيث فقدت طموحها وثقتها بنفسها . وهكذا بدأت تشعر بأنها لا تطيق زوجها وولدها، وفقدت شهوتها الجنسية وأصبحت في مهالك الوساوس والانفعالات .
أجريت لها فحصا سريريا دقيقا فوجدت غددها وجهازها التناسلي وجميع وظائفها تعمل بصورة طبيعية، فتأكد لي، عندئذ، أن ما تشكو منه هذه المرأة هو نتيجة تفاعلات نفسية، وليست عضوية . ورحت أدرس نفسيتها فوجدت أنها مستاءة جدا من كون وضع المرأة مكبوتة ومظلومة في مجتمعنا الشرقي، الذي يؤمن الحرية والحقوق كاملة للزوج ولا يعترف بها للمرأة، كما عبرت عن ضيقها وعدم تحملها للمسئوليات المنزلية، وخاصة تربية الأطفال التي تقع على عاتقها وحدها مما لا يترك لها مجالا للتثقف والراحة .
بعد ذلك بدأت ألاحظ أن لديها بعض الشكوك في تصرفات زوجها، تأكدت منها بعد مرور وقت . هذا الواقع المر أوصلها إلى حالة مؤسفة، فدب الجفاف إلى قلبها، وخمدت نار حبها، وقل اندفاعها، وأصبحت الكآبة تسيطر عليها . لذلك فقد باتت تكره مضاجعة زوجها الذي يبدى أنه مخلص لها، وهي تعلم أنه يخونها في الوقت نفسه .
وأخيرا صرحت لي هذه المرأة بما يلي : " إن ممارسة الجنس مع رجل لا أستطيع الاستجابة الجنسية معه غير ممكنة، وكلما تقدم بنا الوقت تباعدت المسافات بيننا، ولربما يكون الطلاق أفضل حل للحالة التي أنا فيها . أرجو أن تساعدني في تحقيق ذلك " . ومضت هذه المرأة ولم تعد إلي .
هذا النقص في العلاقات بين هذين الزوجين وعدم التفاهم الجنسي بينهما سيبقى على حاله ما دام الزوج لا يبادر إلى عمل أي شيء من أجل تحسين علاقاته مع زوجته . عليه أولا إثبات براءته من الخيانة الزوجية، ثم إحداث تغييرات مهمة في نوعية وكمية هذه العلاقات . عليه مثلا أن يتقرب من زوجته، ويقيم معها علاقات عاطفية وروحية صحيحة، داخل السرير وخارجه، حتى لو واجه، في البداية، بعض النزوات والتأففات من زوجته، كما أن عليه أن يشارك زوجته تحملها المسئوليات المنزلية وتربية الأطفال ويستمع إليها وإلى ما تعانيه من مشاكل . . . . إلخ .
فهل يستطيع جميع الرجال الإقدام على تنفيذ ذلك ؟