* في كل فترة تاريخية يطل علينا جماعة تعرف بأصحاب القمصان.. وممن يركبون الموجات ويروجون لأفكار بعينها.. وعرفنا أصحاب القمصان الحمراء والصفراء والبرتقالي.. ومن يرتدون قميص عبدالناصر.. وعرفوا بالناصريين ومن يرتدون قميص السادات و عرفوا بالساداتيين. ومن محاسن ثورة يناير انها لم تعرف أردية أوقمصاناً.. وهو ما جعل مهمة المتاجرة بها صعبة أو عسيرة.. وشكلت حواجز حماية لمنع كل من يفكر في أن يركب الموجة ويعتلي ظهر الثورة أو يحاول ان يجد بينه وبينها نسبا من قريب أو من بعيد حتي ولو علي سبيل التبرك.. ولذلك نلاحظ ونشاهد ونسجل عمليات الطرد الطبيعي لكل من يحاول التمسح أو التحدث بالثورة أو يقفز باسمها حتي ولو في الهواء.. أو يستجدي أو يتوسل باسمها لتحقيق أية مكاسب مادية أو معنوية في أي موقع.. وهذا اللفظ الشعبي والثوري لهؤلاء وأمثالهم خلع عنهم كل الأثواب والأردية وتركهم عراة أمام الجماهير وفي كل الميادين. ورغم هذا الموقف الرهيب للثورة إلا ان هؤلاء لا يعدمون السبل والحيل.. لركوب الثورة.. وتظل قلوبهم المريضة تبحث عن مداخل ومخارج بأي وسيلة مشروعة أو غير مشروعة.. وهم في هذا يسيئون للثورة ويحاولون عرقلة مسيرتها نحو الأهداف السامية التي يأمل الشعب أن يراها متحققة علي أرض الواقع. أزعجني كثيرا في هذا الاطار لجوء البعض إلي أساليب الفزاعات القديمة التي احترفها النظام السابق باقتدار وأرهب بها الكثيرين في الداخل واستدر به عطف الخارج لمساندته ومؤازرته وغض الطرف عن تجاوزاته وخروقاته لحقوق الإنسان والممارسات الديكتاتورية الواضحة علي الساحة.. وكأنني بهؤلاء يرتدون قميص مبارك حين يتحدثون عن خطر اتاحة الحرية للتيار الفلاني أو العلاني.. حين يتحدثون عن المخاوف والشكوك .. وطلب الضمانات والتطمينات خاصة من جانب التيارات الإسلامية التي بدأت تظهر بوضوح وتطرح نفسها بقوة وتحتل مواقعها علي الساحة وبين الجماهير. لست أعرف سببا مقنعا لحملات التشكيك والتي بلغت حد الاستعداء الفج ضد تيارات بعينها.. في الفترة الأخيرة خاصة قبيل وبعد الاستفتاء التاريخي حول التعديلات الدستورية.. وأتساءل: لماذا تحاول فصائل بعينها أن تفرض وصايتها علي الشعب.. لماذا يغضبون حين يقول الشعب كلمته بكل حرية وإذا قالها يتهمونه بأنه خدع وضلل ومارس البعض عليه ضغوطا حتي الارهاب.. والتخويف بالجنة والنار..؟؟ تري ما هو الموقف لو تبادلت الاطراف الاتهامات وسرت بين الصفوف شرارة التخوين.. ودعوات الاستئصال والاستقصاء.. كيف سيكون الحال؟ هل نرجع مرة أخري إلي عصور الجهالة والمحاصرة والسجن والوأد والابعاد والاستئصال والرمي في الزنزانات..؟ لماذا نقلل ونسفه دائما في حقيقة وصدقية الوعي الجماهيري..؟ لماذا نحاول فرض الوصاية علي الناس والايحاء بأنهم عديمو الأهلية ولا يملكون الصلاحية لهذا وذاك..؟؟!! وانهم دائما في حاجة إلي صديق من هنا أو هناك؟؟!! متي نمتلك شجاعة الاعتراف والقدرة علي احترام الآخر.. أيا كان بغض النظر عن جنسه واتجاهه الفكري والعقدي.. وفي اطار مصريته الخالصة ووطنيته الصادقة.. دون وصاية أو طعن أو تشكيك؟؟ لماذا لا نريد أن نتخلص من الهالات القديمة المرعبة والمزعجة؟؟ لماذا لا نريد أن نخرج من شرانق الفساد وجلاليب الطغاة وعباءات الاستبداد.. التي أوردتنا المهالك في كل العصور؟؟ لماذا لا نمتلك الشجاعة الكاملة للاعتراف والاقرار بحقيقة التشوهات الخلقية والطبيعية والأمراض الخطيرة التي ألمت بنا والتي أصابتنا علي مر سنوات وسنوات من الاضطهاد والتعذيب والتنكيل بالشرفاء والكبت والاستبداد والظلم والسلب والنهب والخداع والتضليل وغيرها من عمليات تخريب متعمدة للاقتصاد والتخلص من الكفاءات والعمل علي تهجيرها ومطاردتها في كل بلاد الله التي جعلها الله لخلقه يسيحون فيها خوفا علي أنفسهم وأولادهم وأموالهم؟؟ ويجب أن ندرك ان العلاج ليس مسألة سهلة هينة ومن خلال أزرار اليكترونية يمكن الضغط عليها.. أو انها يمكن أن تحدث بين يوم وليلة أو حتي شهور ولا أبالغ إذا قلت إنها تحتاج لسنوات. لماذا نكابر.. وندعي المثالية ونطالب بها الآن في أوقات المحنة والخطر.. لماذا نطلب المستحيل ونتجاهل مرارة الواقع.. ونتغاضي عما يفرضه سلم الأولويات وما تتطلبه المرحلة الراهنة..؟؟ هل أدمنا العبث والعيش في أجواء الفوضي والخداع والتضليل؟ هل أصابتنا شمس الحرية بحالة من العمي المؤقت من شدة الضياء وقوة المفاجأة؟؟ أم هل أصابتنا حالة من الغرور المفاجيء بالنصر غير المتوقع في لحظات شديدة الحرج والحساسية.. واكتسبنا ثقة زائدة فأغرانا ذلك بالتمادي والتمادي في كل شيء بالحق والباطل.. دون أن ندري بأننا علي شفا جرف هار إذا لم ننقذ أنفسنا بسرعة.. ونواجه بكل قوة أية حالة للانفلات والخروج علي مقتضيات الواقع وما تتطلبه المرحلة من خطوات للخروج من النفق المظلم الذي يبدو طويلا حتي الآن ويريد البعض أن يزيد من طوله ومن شدة حلكته وسواده ونحن في غفلة لاهون.. فرحين مأخوذين بنشوة النصر وسكرته. هناك فزاعة أخري يخوفون بها الناس حينا ويبررون بها بعض التصرفات أحيانا. وهي ما اصطلح علي تسميته باسم فلول النظام السابق.. مع ان الشيء الثابت حتي الآن ولا يقبل أي شك ان النظام ولي وعهد مبارك غادر ورحل إلي غير رجعة ولا يمكن ان تقوم له قائمة مهما فعل أو اوتي من قوة.. والعقارب لا يمكن أن تعود للوراء مرة أخري. وأعتقد ان الترويج لمقولة فلول النظام المخلوع وقدرتهم علي الفعل والانقضاض هو خيانة للثورة ومحاولة لطعنها.. وفيه همز ولمز من قريب أو من بعيد.. واشارات فيها من الخسة والنذالة ما بها.. وكل ما لا يمكن قبوله الآن أو لاحقا. قد يقول البعض إن فلول النظام حقيقة وان الأصابع لا تزال تلعب.. ويتحدث عن محاولات للاغتيال هنا أو هناك أو عمليات إثارة أو غيرها.. وان الرئيس المخلوع لا يزال يمارس دورا ما أو ان هناك اتصالات حزبية أو غيرها.. أو حتي للدفاع عنه أمام القضاء.. وانه يتم تحريك بعض العناصر لأهداف خبيثة والتشويش علي الثورة ومكتسباتها.. وأنا أقول ان هذه الأقوال ولو كان لها بعض الوجاهة.. فإننا يجب أن نتعامل معها بكل حزم ودقة لأن اللعب في هذا الاطار خطر.. لأنه يعطي فرصة لأسري الاستبداد ان يفيقوا من صدمتهم.. ويمارسوا دورا خبيثا. أما ما يقال عن الثورة المضادة فهو إن جاز مع ثورات أخري فإنه لا يمكن قبوله مع الثورة المصرية الحالية لعدة أسباب انها ثورة مختلفة تماما.. ثورة شعبية حقيقية.. أشعلها الشباب واحتضنها الشعب فورا ووفر الجيش لها كل أسباب الحماية والأمن حتي تحقق أهدافها السامية.. كما انها ليست انقلابا عسكريا ولا نتيجة صراعات بين قوي متنازعة يريد كل منها الوصول إلي سدة الحكم.. إنها مختلفة تماما. إنها ثورة شعبية شاملة وبسيطة جدا.. وهذا هو سر عبقريتها.. شعبيتها الجارفة وبساطتها ونبل أهدافها.. وبالتالي فإن القول بالثورة المضادة.. تعبير غير موفق وغير واقعي.. لأن الثورة ستكون ضد من وممن.. فهؤلاء الفسدة وشلة الأشرار.. سماسرة السوء. وجراثيم الفساد.. الذين كشفتهم الثورة لا يمكن أن يقبل بهم أحد.. أو يرضي حتي بأن يسمع أسماءهم أو يري صورهم البغيضة بأي حال من الأحوال.. وبالتالي فأنت تتحدث عن مستحيل .. وإلا كنا أمام ثالثة الأثافي..!! نعم الحذر واجب لكن لا يجب أن نهوّل وفي الوقت نفسه يجب ألا نهوّن في أمر من الأمور. ولا أعتقد أن أحدا في مصر الآن.. وحتي خارج مصر أيضا.. بعدما رأي وسمع بما كشفت عنه الثورة يمكن أن يرضي علي نفسه بأن يرتدي قميص مبارك.. خاصة في الوقت الذي يسارع ويتسابق فيه الجميع حتي أقرب الأقربين من الأصدقاء والحلفاء في الداخل والخارج في خلع قميصه والتبرؤ منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب وإلي الأبد. ** من بديع الشاعر الكبير محمد الأسمر.. قصيدته الرائعة عن الفساد.. يقول فيها: عم الفساد وأصبحت طرق الغني وقفا علي من يرتشي أو يعتدي وعلي الذين يتاجرون بعرضهم ما بين شار رائح أو مغتد أما الشريف أخو الآباء فإنه يمسي ويصبح كالذليل المجتدي إن الأساس لكل بان مصلح هدم الفساد ودق رأس المفسد