الترويج للاستثمارات الأجنبية بالعولمة

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : حسن العالي | المصدر : www.arriyadh.com

الترويج للاستثمارات الأجنبية بالعولمة


للاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية تاريخ طويل، وقد تذبذب بمرور الزمن، مع استجابة المستثمرين للتغيرات في بيئة الاستثمار، بما فيها السياسات الحكومية تجاه الاستثمار الأجنبي المباشر والإطار الأشمل للسياسيات الاقتصادية، وبالتالي عكست اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر التغيرات في مواقف السياسات التي تتبعها البلدان النامية، ابتداء من إحلال الواردات في الخمسينيات والستينيات، مروراً بالتنمية التي يتصدرها استغلال الموارد الطبيعية في السبعينيات، والتكيف الهيكلي والتحول إلى نظام اقتصاد السوق في الثمانينيات، وانتهاء بزيادة دور القطاع الخاص في التسعينيات.

وقد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية بصورة رئيسية إلى الصناعات التحويلية والتجهيزية. وتركز تقليدياً في مجموعة صغيرة من البلدان، مما يعكس من ناحية حجم اقتصاداتها. ومن ناحية أخرى، جاذبيتها كموقع للاستثمار الأجنبي المباشر، وكانت الجاذبية في الماضي وثيقة الصلة بامتلاك موارد طبيعية أو سوق محلية كبيرة، ولكن مع التحول نحو عولمة الإنتاج والتجارة أصبحت القدرة على المنافسة كموقع للاستثمار والتصدير العامل الرئيسي المحدد لتوافر الجاذبية.

وتقول دراسة حديثة لمؤسسة التمويل الدولية إن الاتجاهات الأخيرة نحو عولمة أنماط الإنتاج والاستهلاك أدت إلى زيادة حادة في الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي. وفي الوقت نفسه، أدى تحرير أنظمة التجارة والاستثمار إلى إدخال عدد أكبر من البلدان النامية في إطار الاقتصاد المعولم.

إن دول مجلس التعاون الخليجي تسعى في الوقت الحاضر إلى تشجيع واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتلعب دوراً أكبر في التنمية الاقتصادية، سواء على الأصعدة المالية أو التقنية أو الإدارية. لذلك يبدو من الطبيعي أن تسعى دول المجلس إلى الاستفادة من تجارب دول العالم الأخرى التي خاضت تجارب ناجحة في هذا المضمار.

ونستقرأ مما سبق أن الكثير من الدول النامية التي نجحت في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، قد مهد لذلك بالسعي في السنوات الماضية إلى تطبيق برامج واسعة النطاق للإصلاح الاقتصادي تستهدف تعزيز جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وقد اعتمدت هذه البرامج على ثلاثة محاور رئيسية متباينة ولكنها متشابكة.

وأول هذه المحاور إجراء تغييرات في السياسات والتشريعات الاقتصادية لجعلها أكثر مرونة وجاذبية وخاصة منها ما يتعلق بالمستثمرين الأجانب. وثانيها إيجاد حوافز جديدة، أو تطوير الحوافز القائمة لتتناسب مع احتياجات ومتطلبات المستثمرين الأجانب. أما المحور الثالث فيتمثل في تنفيذ حملات ترويجية للتعريف بمزايا وجاذبية الاستثمار في الدولة المهتمة باستضافة الاستثمارات الأجنبية.

ولعل هذا المحور الثالث أخذ بالتزايد من حيث أهميته ودوره في استقطاب الاستثمار الأجنبي. فعلى الرغم من أن عوامل مثل الاستقرار السياسي وحصة الفرد من الناتج القومي ومعدل الدخول.. إلخ، تلعب دوراً رئيسياً في تدفق الاستثمارات الأجنبية (مثلما هو الحال في الدول الصناعية التي تستقطب العالم) غير أن عوامل أخرى مثل "تنفيذ إصلاحات في السياسات الاقتصادية" و"عرض حوافز للاستثمارات" و"تنفيذ برامج ترويجية لاستقطاب الاستثمارات" تلعب أيضاً دوراً مهماً في هذا المجال، كونها تؤكد للمستثمر استعداد البلد المضيف لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تؤمن نجاح استثماراته في بلدانها.

وقد يجادل البعض بأن العامل الأكثر أهمية هو مدى جاذبية السياسات الاقتصادية والاستثمارية المطبقة، وهذا صحيح، غير أنه لا يتعين التقليل من شأن "الحوافز الاستثمارية" و"برامج الترويج" بالنظر لأهمية دورهما في التأثير على حجم التدفقات الاستثمارية، كونهما يعكسان الأسلوب الأمثل لإبراز المزايا النسبية للبلد المضيف، والتي على أساسها يبدأ المستثمرون بالمقارنة بين البلدان واختيار الأمثل منها.

ويصل تأثير الحوافز الاستثمارية وبرامج الترويج إلى ذروته عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات الأجنبية في القطاعات الموجهة للتصدير بشكل خاص، حيث يبحث المستثمرون عن أي عوامل أو حوافز إضافية، حتى وإن كانت هامشية، لتفضيل مكان على آخر ضمن المنطقة ذاتها. وعلى سبيل المثال، فإن قيام أي بلد بإنشاء مؤسسة لضمان الصادرات يعني تدخلاً حكومياً مباشراً لضمان شروط التصدير التي يتعهد بها المصدرون المحليون، وبالتالي إعطاء ضمانات أكبر للمستوردين، بخلاف الدول التي لا تقدم مثل هذه الضمانات.

وقد أكدت دراسات وتحليلات متخصصة أجريت في هذا المجال، أن أهمية برامج حوافز الاستثمار وحملات ترويج الاستثمارات، تتجاوز بكثير أهميتها النسبية المحدودة الظاهرة، في عملية اتخاذ القرار النهائي للاستثمار، وخاصة عندما تحدث مقارنة نهائية، حيث تتصاعد أهمية العوامل التي كانت مصنفة على أنها "هامشية" نسبياً. وبالنظر لمعرفتها التأثير المحتمل للبرامج الترويجية تنفذ دول كثيرة برامج مصممة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعتمد على استراتيجيات وبرامج تسويقية لـ"العملاء" (المستثمرين) قبل وبعد "البيع" (تنفيذ الاستثمار).

إن التطبيق الناجح لبرامج الترويج يعتمد أيضاً وبشكل حيوي على توحيد جهات التعامل مع المستثمرين الأجانب، سواء على مستوى ترويج الدول المعنية كموقع مناسب للاستثمار أو على مستوى تنفيذ الإجراءات الخاصة بالاستثمارات الأجنبية، فقد كانت أكثر الحالات نجاحاً تلك التي حصرت فيها الحكومات مسؤولية إدارة العلاقات مع المستثمرين الأجانب بهيئة أو وكالة واحدة.

 

جريدة الرياض / الأربعاء 2 ربيع الأول 1425هـ - 21 إبريل 2004 العدد 3845

الأستاذ / حسن العالي

 

 


الترويج للاستثمارات الأجنبية بالعولمة


للاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية تاريخ طويل، وقد تذبذب بمرور الزمن، مع استجابة المستثمرين للتغيرات في بيئة الاستثمار، بما فيها السياسات الحكومية تجاه الاستثمار الأجنبي المباشر والإطار الأشمل للسياسيات الاقتصادية، وبالتالي عكست اتجاهات الاستثمار الأجنبي المباشر التغيرات في مواقف السياسات التي تتبعها البلدان النامية، ابتداء من إحلال الواردات في الخمسينيات والستينيات، مروراً بالتنمية التي يتصدرها استغلال الموارد الطبيعية في السبعينيات، والتكيف الهيكلي والتحول إلى نظام اقتصاد السوق في الثمانينيات، وانتهاء بزيادة دور القطاع الخاص في التسعينيات.

وقد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية بصورة رئيسية إلى الصناعات التحويلية والتجهيزية. وتركز تقليدياً في مجموعة صغيرة من البلدان، مما يعكس من ناحية حجم اقتصاداتها. ومن ناحية أخرى، جاذبيتها كموقع للاستثمار الأجنبي المباشر، وكانت الجاذبية في الماضي وثيقة الصلة بامتلاك موارد طبيعية أو سوق محلية كبيرة، ولكن مع التحول نحو عولمة الإنتاج والتجارة أصبحت القدرة على المنافسة كموقع للاستثمار والتصدير العامل الرئيسي المحدد لتوافر الجاذبية.

وتقول دراسة حديثة لمؤسسة التمويل الدولية إن الاتجاهات الأخيرة نحو عولمة أنماط الإنتاج والاستهلاك أدت إلى زيادة حادة في الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي. وفي الوقت نفسه، أدى تحرير أنظمة التجارة والاستثمار إلى إدخال عدد أكبر من البلدان النامية في إطار الاقتصاد المعولم.

إن دول مجلس التعاون الخليجي تسعى في الوقت الحاضر إلى تشجيع واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتلعب دوراً أكبر في التنمية الاقتصادية، سواء على الأصعدة المالية أو التقنية أو الإدارية. لذلك يبدو من الطبيعي أن تسعى دول المجلس إلى الاستفادة من تجارب دول العالم الأخرى التي خاضت تجارب ناجحة في هذا المضمار.

ونستقرأ مما سبق أن الكثير من الدول النامية التي نجحت في استقطاب الاستثمارات الأجنبية، قد مهد لذلك بالسعي في السنوات الماضية إلى تطبيق برامج واسعة النطاق للإصلاح الاقتصادي تستهدف تعزيز جاذبيتها بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وقد اعتمدت هذه البرامج على ثلاثة محاور رئيسية متباينة ولكنها متشابكة.

وأول هذه المحاور إجراء تغييرات في السياسات والتشريعات الاقتصادية لجعلها أكثر مرونة وجاذبية وخاصة منها ما يتعلق بالمستثمرين الأجانب. وثانيها إيجاد حوافز جديدة، أو تطوير الحوافز القائمة لتتناسب مع احتياجات ومتطلبات المستثمرين الأجانب. أما المحور الثالث فيتمثل في تنفيذ حملات ترويجية للتعريف بمزايا وجاذبية الاستثمار في الدولة المهتمة باستضافة الاستثمارات الأجنبية.

ولعل هذا المحور الثالث أخذ بالتزايد من حيث أهميته ودوره في استقطاب الاستثمار الأجنبي. فعلى الرغم من أن عوامل مثل الاستقرار السياسي وحصة الفرد من الناتج القومي ومعدل الدخول.. إلخ، تلعب دوراً رئيسياً في تدفق الاستثمارات الأجنبية (مثلما هو الحال في الدول الصناعية التي تستقطب العالم) غير أن عوامل أخرى مثل "تنفيذ إصلاحات في السياسات الاقتصادية" و"عرض حوافز للاستثمارات" و"تنفيذ برامج ترويجية لاستقطاب الاستثمارات" تلعب أيضاً دوراً مهماً في هذا المجال، كونها تؤكد للمستثمر استعداد البلد المضيف لاتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تؤمن نجاح استثماراته في بلدانها.

وقد يجادل البعض بأن العامل الأكثر أهمية هو مدى جاذبية السياسات الاقتصادية والاستثمارية المطبقة، وهذا صحيح، غير أنه لا يتعين التقليل من شأن "الحوافز الاستثمارية" و"برامج الترويج" بالنظر لأهمية دورهما في التأثير على حجم التدفقات الاستثمارية، كونهما يعكسان الأسلوب الأمثل لإبراز المزايا النسبية للبلد المضيف، والتي على أساسها يبدأ المستثمرون بالمقارنة بين البلدان واختيار الأمثل منها.

ويصل تأثير الحوافز الاستثمارية وبرامج الترويج إلى ذروته عندما يتعلق الأمر بالاستثمارات الأجنبية في القطاعات الموجهة للتصدير بشكل خاص، حيث يبحث المستثمرون عن أي عوامل أو حوافز إضافية، حتى وإن كانت هامشية، لتفضيل مكان على آخر ضمن المنطقة ذاتها. وعلى سبيل المثال، فإن قيام أي بلد بإنشاء مؤسسة لضمان الصادرات يعني تدخلاً حكومياً مباشراً لضمان شروط التصدير التي يتعهد بها المصدرون المحليون، وبالتالي إعطاء ضمانات أكبر للمستوردين، بخلاف الدول التي لا تقدم مثل هذه الضمانات.

وقد أكدت دراسات وتحليلات متخصصة أجريت في هذا المجال، أن أهمية برامج حوافز الاستثمار وحملات ترويج الاستثمارات، تتجاوز بكثير أهميتها النسبية المحدودة الظاهرة، في عملية اتخاذ القرار النهائي للاستثمار، وخاصة عندما تحدث مقارنة نهائية، حيث تتصاعد أهمية العوامل التي كانت مصنفة على أنها "هامشية" نسبياً. وبالنظر لمعرفتها التأثير المحتمل للبرامج الترويجية تنفذ دول كثيرة برامج مصممة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعتمد على استراتيجيات وبرامج تسويقية لـ"العملاء" (المستثمرين) قبل وبعد "البيع" (تنفيذ الاستثمار).

إن التطبيق الناجح لبرامج الترويج يعتمد أيضاً وبشكل حيوي على توحيد جهات التعامل مع المستثمرين الأجانب، سواء على مستوى ترويج الدول المعنية كموقع مناسب للاستثمار أو على مستوى تنفيذ الإجراءات الخاصة بالاستثمارات الأجنبية، فقد كانت أكثر الحالات نجاحاً تلك التي حصرت فيها الحكومات مسؤولية إدارة العلاقات مع المستثمرين الأجانب بهيئة أو وكالة واحدة.

 

جريدة الرياض / الأربعاء 2 ربيع الأول 1425هـ - 21 إبريل 2004 العدد 3845

الأستاذ / حسن العالي